شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
خارج قفص الأنوثة

خارج قفص الأنوثة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة

الأربعاء 17 أغسطس 202204:24 م


لا تعجبني كلمة "أنوثة" ومعانيها واستخداماتها في أحاديث الرجال أو النساء. كلمة "أنوثة" تذكّرني بالفراشة. تعجبني الفراشة، ولكن كلما رأيت واحدةً أو سمعت باسمها أفكر في الصرصار الذي لا نمانع في سحقه بأطراف أصابع أقدامنا، لأنه ببساطة لا يشبه الفراشة، فيزداد امتعاضي من الكلمة ومعانيها وإسقاطاتها المضللة.

معظم ما أقوله وأفعله وأرغب فيه يتعارض مع المعاني المتداولة لهذه الكلمة، بدءاً من طريقة جلوسي. أنا أجلس بحرية كما يجلس الرجال. ليست لدي خصيتان لأفسح لهما المجال لتأخذا راحتيهما، ولكنني أبعد فخذيّ عن بعضهما، حين أجلس كي أعطي للجلوس معناه: الراحة، وهذا يبدو أنه عكس متطلبات الأنوثة.

 أنا أجلس بحرية كما يجلس الرجال. ليست لدي خصيتان لأفسح لهما المجال لتأخذا راحتيهما، ولكنني أبعد فخذيّ عن بعضهما، حين أجلس كي أعطي للجلوس معناه: الراحة، وهذا يبدو أنه عكس متطلبات الأنوثة

أما السوتيان، فهي سجن مثير صغير. قطعة قماش لا تكتفي بتغطية الثدي بل تغلّفه، وتحصره في داخلها لتعطيه شكلها المُصمَّم كي يُظهره معصوراً ومرفوعاً ليصبح -حسب ما يروّج له تصميم هذه القماشة- مرغوباً ومثيراً. وإذا كان حجم الثدي كبيراً، يصبح حينها ثدي امرأة، حتى لو اكتسب حجمه المطلوب بمساعدة قطعة إسفنج تضاف إلى السوتيان، لأن حجم الثدي "الصغير" ليس مثيراً على ما يبدو، على الأقل ليس في الحقبة الحالية. من دون السوتيان تستعيد الأثداء حريتها وحركتها وتفاعلها، وتستعيد حقها في الظهور، وتخرج من القالب الذي يجمّد شكلها ويخفي حقيقتها. الأثداء بحلماتها حرة ومتنوعة وحيّة، وهذا يبدو أنه بعكس متطلبات الأنوثة.

أما السوتيان، فهي سجن مثير صغير.

وهل حدث أن سمعتم امرأةً تعطس؟ لن تسمعوا إلا عطسات أمهاتكم وزوجاتكم. هذا الصوت الذي تسمعونه من نساء وتظنونه عطسةً ناعمةً وتتغزلون بأنوثة صاحبتها، هو عطسة متنكرة، عطسة مكبوتة، عطسة مزيفة. وعلى الأرجح ستسبب لصاحبتها مشكلات احتقان في الأنف. المرأة لا تعطس بحق إلا عندما تكون وحدها. لن تخاطر بالعطس في العلن وإطلاق العنان لهذه المتعة الصغيرة لأنها على ما يبدو ضد الأنوثة. أنا أعطس كما يعطس والدي، فتختبئ من صوت عطستي قطط الحي كما كانت تختبئ من صوت عطسته.

التنكر الذي تفرضه الأنوثة على المرأة، يشبه مراهم الفاوندايشن التي تغطّي "شوائب" البشرة، فتحوّل وجوه النساء إلى وجوه مانيكانات بلاستيكية متطابقة. تنكّر تشهد عليه الكعوب العالية حيث أصابع القدم المعصورة في قالب السكربينة الضيّق تصرخ ألماً، وكعب القدم المرتفع عن الأرض يتوسل الرحمة. الظهر، والكاحل، ومشط القدم تطلق استغاثاتها.

أنا أعطس كما يعطس والدي، فتختبئ من صوت عطستي قطط الحي كما كانت تختبئ من صوت عطسته

كيف تكون تعابير وجهك وأنت تستحمّين وحدك؟ هل تشبه تعابير وجه تلك التي تظهر في دعاية الشامبو؟ انتبهي، لأن الوجه العبوس والحاجبان المعقودان والفم المزموم لا تشبه معالم المرأة المبتسمة من دون سبب في الإعلان، على أي وجه. تذكّري أنك إذا فتحت عينيك كما تفعل الصبية الدجالة في الإعلان، ستدمعان وتصبحان حمراوين، وليس محسوماً بعد إن كانت العيون الحمراء ضد الأنوثة أم لا. أي وجه ستختارين عندما تستحمين مع أحدهم، أو على مرأى منه؟ "ها"؟

سؤال آخر: هل تتحدثين وأنت تمارسين الجنس أو الحب (اختاري الكلمة التي تناسب "أنوثتك")؟

سؤال آخر: هل تتحدثين وأنت تمارسين الجنس أو الحب (اختاري الكلمة التي تناسب "أنوثتك")؟ أي مفردات تستعملين؟ هل تنتظرين منه إشارةً لتعرفي إن كان من النوع المتحدّث أم الصامت، ولتعرفي أي مفردات مسموحة من قبله وأي مفردات ستخدش أنوثتك وتبقى محشورةً في رأسك؟ هل ستغلّفين المفردات منعاً لاستخدام المفردة الأصل، لأنه يبدو أن معاني الكلمات المباشرة ضد متطلبات الأنوثة؟ لو تعلمين الأماكن التي سيتبعك إليها حين تضربين التهذيب بعرض الأنوثة، لكنت ستمتعضين من كلمة أنوثة أنت أيضاً.

أرجو ألا يُساء فهمي تماماً. يعجبني شكل ساقي عند انتعالي الكعب العالي أحياناً، وأدوخ بألوان السوتيانات وموديلاتها وأقمشة الساتان والدونتيل المصنّعة منها وحتى تلك القطنية، وأحياناً وفي أكثر المواقف فحشاً يمكنني أن أكون خجولةً، ولكنني لست سجينة الكعب أو السوتيان، ولا المفردات المغلفة واللائقة، وأبحث باستمرار عن نوافذ وشقوق تقذفني خارج تعاريف الأنوثة وقواعدها عندما تكون معيقةً لحركتي وحريتي وجسدي ورغباتي ومفرداتي.

العلاقة وطيدة بين الأنوثة واللياقة والعادات وعدم البوح والادّعاء والتنكّر والتحمّل. معظم ما أعرفه عن الأنوثة يجعلني خارج قفصها.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image