ظهرت القومية العربية في المنتصف الثاني من القرن التاسع عشر، وقد ترافقت مع جملة الإصلاحات التي لحقت بالدولة العثمانية، ويعدّها الأكاديمي الإيرلندي بندكت أندرسن، من مصافّ القوميات المتأخرة، أي من ضمن الموجات التي ظهرت جراء صراعات داخلية خلال فترة الانتقال من دولة السلطات الدينية "الوراثية"، إلى دول المواطنة، في اللحظة التي عانت منها المجتمعات المحلية من اضطرابات هوياتية بعد تحييد الموروث الديني الجامع الذي قامت عليه الإمبراطورية العثمانية.
ويراها أيضاً أنَّها نتاج التحولات في مراكز السلطة في أوروبا والإضرابات السياسية، لا سيما في المملكة المتحدة التي تُعدّ ثورتها على تشارلز الأول، عام 1642، أولى ثورات العصر الحديث، ولاحقاً ثورة الكانتونات الأمريكية عام 1775، وليس انتهاءً بالثورة الفرنسية عام 1789، وما تبعها من ثورات تسلسلية أدت إلى ولادة نزعات الدولة الجمهورية.
لكن، لم تكن هذه الأسباب وحدها التي ساهمت في ولادة القوميات المبكرة، بل كان لمسار الإصلاح الديني الذي رافق "عصر النهضة"، خاصةً ما يُعرف بـ"رأسمالية الطباعة"، الدور الأساسي في ولادة هويات فرعية ونشوء "الوعي القومي".
يولي أندرسن، التجربة الألمانية أهميةً كبيرةً في هذا الشأن، من خلال تركيزه على ما قام به مارتن لوثر، الذي علّق أطروحاته على باب الكنيسة في ويتنبرغ عام 1517، والتي طُبعت وانتشرت بشكل كثيف وساهمت في نشوء أفكار التنوير لتستعر حرب فكرية على مستوى كبير بين رجال طبقة الدين والإصلاحيين، بعد تحالفٍ وُلد بين البروتستانتيين ورأسمالية الطباعة.
ظهرت القومية العربية في المنتصف الثاني من القرن التاسع عشر، وقد ترافقت مع جملة الإصلاحات التي لحقت بالدولة العثمانية
وكانت للّغات مساهمات كبيرة في تطور الفكر القومي وتقدّمه، كونها أداةً مهمةً لتفتيت الفكر التقليدي الذي هيمن على العالم، بالرغم من أنَّها سبقت عصر النهضة بأربعة قرون على الأقل، فأول انتقال من اللهجات المحكيّة إلى اللغات الوطنية الجديدة كان في لغة البلاط الأنغلوسكسونية (Anglo-Saxons) إلى الإنكليزية المبكرة، وما نجم عنها من تحولات سياسية في المملكة المتحدة، وترجمت الكتاب المقدّس عام 1362، كذلك الأمر بالنسبة إلى الفرنسية التي استغرقت قروناً لتصبح لغة القانون والأدب، أي حتى العام 1539.
ويؤكد هاشم صالح، في كتابه "مدخل إلى التنوير الأوروبي"، أنَّ عصر النهضة الأوروبي لم يكن مدروساً ولا واعياً بالدرجة المتصوّرة، لأجل إنشاء الدولة القومية، بل إنَّه نتاج نزاعات سياسية واجتماعية معقّدة للغاية أفضت في نهاية المطاف إلى ولادة القوميات المبكرة، أي أنها تعود إلى القرنين الثالث عشر والرابع عشر وصولاً إلى الثامن عشر وما تمخض عن حرب الثلاثين عاماً (Thirty Years' War)، ومعاهدة "وستفاليا" 1648، التي بلورت مفهوم دول القومية الوطنية.
أمّا القومية العربية، فهي متأخرة ومختلفة. فبحسب عبد الرحمن الكواكبي، الذي يُعدّ أحد أهم رواد الفكر العربي، وكان من أوائل من تناولوا القومية العربية، فيقول إنّها تشكّلت إبان توجه الدولة العثمانية في المنتصف الثاني من القرن التاسع عشر، نحو تعزيز القبضة السلطوية وعرقلة مسار الإصلاح الدستوري.
في المقابل، يرى ساطع الحصري، أنَّ ما ساهم في نشوء القومية العربية هو نزوع الأتراك الجدد إلى الهويات الفرعية القومية السلالية "الطورانية"، وتأثره بالقومية الألمانية، بالأخص تجربة أوتو فون بسمارك، عندما أنشأ "الاتحاد الألماني الشمالي"، وهي أول دولة قومية ألمانية عام 1867.
ويتقاطع كلّ من الكواكبي والحصري، عند فكرة عدم وجود أيّ وعيٍ مدروس تجاه القومية العروبية عند الجماعات العربية، أو نزوعٍ نحو إنشاء دولة مستقلة، بقدرِ الرغبة في ممارسة حقوقهم العامة بحكم أنّ لديهم نزعةً دينيةً "إسلاميةً" عميقةً، مما يؤكّد على حرص العرب، حتى آخر لحظة، على استمرار الدولة العثمانية بالرغم من سيطرة الأتراك الجدد عليها، أي الفكر القومي التركي.
قد يعزز هذا الطرح ما جاء به أحمد قدري، وهو طبيب الأمير فيصل، في مذكراته عن الثورة العربية، بقوله: إنَّ خلاصات مؤتمر باريس 1913، وهو أول مؤتمر عربي، وخلاصات "الجمعية العربية الفتاة" التي أسستها مجموعة من الطلاب العرب عام 1891، شددت على إبقاء ارتباط العالم العربي بالدولة العثمانية بشرط منح العرب اللا مركزية وحق تعلم اللغة وممارستها. لكن كان رفض الاتحاد والترقّي للمطالب منعطفاً أساسياً في صياغة جملة التحالفات في العام 1914، إبان الحرب العالمية الأولى، تمهيداً للقطيعة على أساس الروابط الدينية مقابل القومية.
التنطير الفكري القومي
القومية "جماعة متخيّلة ولكنها ليست متخيلةً من لا شيء، تسعى إلى بناء دولة وطنية عابرة للأيديولوجيا ضمن حدود جغرافية وطنية تُمارس فيها السيادة"، بحسب ما يعرفها أندرسن في كتابه الجماعات المتخيلة.
وانطلق من نظّر للقومية العربية من البعد القومي متأثراً بالقوميات المبكرة، ومنهم من انطلق من البعد الديني أو المحلي الخاص. ويبرز الكواكبي في النموذج الأخير، وهو الذي أكّد على ضرورة نقل الخلافة من الدولة العثمانية إلى المنطقة العربية انطلاقاً من عامل اللغة العربية.
تطور الفكر العروبي في كنف الإمبراطورية العثمانية، وكان من منظريها ساطع الحصري، الذي انطلق من عوامل مرتبطة بعصر النهضة الأوروبية متأثراً بالقومية الألمانية، في محاولات إيجاد روابط ثقافية أكثر عمقاً وتقاطعاً جغرافياً
وكانت كتاباته مثل "طبائع الاستبداد"، و"أم القرى"، والتي في جريدة "شهباء" التي أنشأها بشكل سري وأوقفها لاحقاً بسبب الملاحقات، مواجهةً لسلطة الفرد الواحد التي كانت سائدةً في الدولة العثمانية، كما يعود له مفهوم "الوطن العربي" الذي تناوله كأول مفكر عربي.
وسرعان ما تطور الفكر العروبي في كنف الإمبراطورية العثمانية، وكان من أبرز منظريها ساطع الحصري، الذي انطلق من عوامل مرتبطة بعصر النهضة الأوروبية متأثراً بالقومية الألمانية، في محاولات التفكير وإيجاد روابط وصلات ثقافية أكثر عمقاً وتقاطعاً جغرافياً، فاعتمد على عاملين؛ اللغة والتاريخ، في البحث والتنظير للقومية العربية، إذ عدّ في كتابه "العروبة بين دعايتها ومعارضيها"، أن اللغة ليست فقط آلةً للخطاب وإنما للتفكير المشترك، كذلك لم ينفِ عوامل التاريخ التي شكّلت المنطقة منها الثقافة الدينية الإسلامية، لكن لم يولِ أهميةً أساسيةً للدين، كونه عاملاً مؤثراً في حركية القومية.
يرى الحصري، أن القومية العربية أو التفكير اللغوي العروبي، تساهم الجغرافيا في نشأته بشكل أساسي، لا سيما في إطار محاولاته المستمرة للتأكيد على التواصل الجغرافي بين الأقطار العربية بين المغرب والمشرق عبر البحرين المتوسط والأحمر وسيناء.
كما قام بشكل حثيث بتفريغ مشاريع مختلفة من أهميتها، مثل مشروع "سوريا الكبرى"، أو تلك الخاصة بالمغرب العربي "العصر الفرعوني"، في مواجهة مشروع القومية العربية، خلال ما سمّاه الخلط/ المفارقة التاريخية (Anachronism)، بين التاريخ واللغة، إذ عدّ أن القول إنَّ العروبة هي الارتباط التاريخي الوثيق بالبدوية قول لا يصح، بل العروبية هي كل تحدّث بلغة الضاد، بدواً وحضراً.
وبناءً على ذلك، رفض ما أُطلق عليه "تفاضل السلاسل"، ورأى أن العرب هم سلالة واحدة، وأن كل من عاش في الوطن العربي، وتحدث باللغة العربية، فهو عربي، أي القوميات الفرعية ما دون العروبية، مثل "القومية السورية" التي أسسها أنطون سعادة، وقد فنّد الحصري في كتاباته أوجه التضارب مع القوميات السلالية ليس فقط السورية، وإنما الفرعونية أيضاً.
في المقابل، يرى زكي الأرسوزي الذي يُعدّ من المفكرين العرب البارزين، أنّ الروابط العربية تقاس بالدم وليس باللغة وهو ما يقصده غوستاف لوبون، في كتابه "فلسلفة التاريخ"، بالزمر المتجانسة في العروق التاريخية. وقد يعني الطرح المذكور تحويل المصادفة، أي الولادة، إلى مصير. أمّا ميشيل عفلق، وهو أحد أبرز مؤسسي حزب البعث، فقد أعطى أهميةً للدين في مقاله الشهير حول الرسول محمد (ص).
يرى زكي الأرسوزي الذي يُعدّ من المفكرين العرب البارزين، أنّ الروابط العربية تقاس بالدم وليس باللغة وهو ما يقصده غوستاف لوبون، في كتابه "فلسلفة التاريخ"
ويُلاحظ أنَّ الحصري، لم يولِ أي اهتمام للديمقراطية في عملية بناء القومية العربية، بل على العكس، فقد كان من المشجعين على تقليص المشاريع العربية المتعددة على حساب "تقرير المصير"، لا سيما تلك التي حدثت في المملكة العربية السعودية قبل أن تستقرّ سيطرة آل سعود عليها، على حساب المشاريع الأربعة الأخرى، خاصةً الهاشمية. كما انتقد بشدّة نموذج المملكة الأردنية الهاشمية، والملك عبد الله بن الحسين بعدّه نموذجاً مفككاً للفكر القومي العربي، عادّاً إياها جزءاً من المملكة العربية السورية، وذلك في كتابه "العروبة أولاً".
في الحقيقة، انتشر الفكر القومي العربي بشكل ملحوظ قبيل انطلاق الحركات التطبيقية السياسية أو حتّى بدء التنظير السياسي له، مع حركة الترجمة والأدب، التي انطلقت خلال فترة التنظيمات في الدولة العثمانية خلال تأسيس "الجمعية العلمية السورية"، عام 1857.
على سبيل المثال؛ قام ناصيف اليازجي الذي يُعدّ من أهم محرّكي القومية، بترجمة الكتاب المقدس عام 1863، أمّا "بطرس البستاني" الذي أسس مدرسة نفير سوريا، فقد قدّم مساهمته في كتابه "القاموس المحيط"، وهو أول قاموس عصري في اللغة العربية عام 1870، في حين كان أحمد فارس الشدياق أول من كتب روايةً عربيةً، هي "الساق على الساق"، وفق أطروحة قدّمتها رضوى عاشور. ولا يمكن نسيان فرنسيس مراش الحلبي، الذي دعا إلى وطنٍ سوري قبل ولادته، وتناول في كتابه "غابة الحق"، شروط الحضارة والحرية متأثراً بقيام الدول الوطنية في أوروبا.
من التنظير إلى الدولة الإقليمية
قامت أولى الدول العربية في سوريا، عند دخول القوات العربية إلى دمشق عام 1918، إذ تشكلت "المملكة العربية السورية" وكانت أولى تجارب العرب على صعيد الدولة، ولم تستمر سوى عامين حتى إنذار الجنرال هنري غورو، في 14 تموز/ يوليو 1920.
لكن منحت هذه التجربة، على قصورها، العرب، المحفز والقدرة على بناء نموذجهم الخاص، الذي اعتمد بشكل أساسي على العوامل التي صكّها الأدباء العرب، مثل الحصري والكواكبي، وترجمت في دستور المملكة عام 1920، أي اللغة في المادة 3 في الدستور، والتاريخ مع الأخذ في عين الاعتبار بالنموذج النيابي الديمقراطي كما ورد في المادة 1، الذي وضعه البرلمان السوري أو ما يُعرف بـ"المؤتمر السوري"، إذ تشكل بفعل محاولات فردية في أثناء زيارة لجنة "كينغ كراين" للوقوف عند مطالب السوريين بشأن حق تقرير المملكة السورية.
مثّل البرلمان السوري، معظم الدول التي انخرطت في مشروع المملكة، ومنها فلسطين، التي يُعدّ محمد عزة دروزة أبرز ممثليها كسياسي ومفكر عربي، إذ ساهم في إعادة كتابة التاريخ الإسلامي والعربي، كذلك كان عضواً في الجمعية التأسيسية لصياغة دستور المملكة.
صحيح أنَّ مشروع الدولة لم يستمر طويلاً، ولكن كان من الملاحظ وبناءً على معيار بناء أول دولة عربية في سوريا عام 1918-1920، أنّها كانت مركزاً للفكر القومي العربي، وذلك بسبب قربها من الدولة العثمانية، ونشوء حركات الفكر العربي فيها، لا سيما الترجمة، أضف إلى ذلك شبكة الطرق كسكة الحديد، ومركز الحج، الأمر الذي يؤكّده المفكر السوري محمد كرد علي، في مذكراته، خاصةً حول مساهماته في تعريب مصطلحات الدولة عندما كان أول وزير للمعارف في المملكة السورية.
ولعلّ هذا ما دفع شخصيات الدولة السورية، عند الاستقلال، وبالتحديد في دستورها الثاني 1950، الذي يُطلق عليه "دستور الاستقلال"، للتأكيد على الهوية العربية القومية، لا سيما في المادة 1، وهو الدستور العربي الوحيد الذي يصرّح بوحدة الأمة العربية، كذلك كانت الدولة العربية الوحيدة التي تنازلت عن سيادة الدولة لصالح مشروع اندماج مع مصر عام 1958، قبل أن ينفضّ عام 1961.
لم يستمرّ مشروع الدولة طويلاً، ولكن كان من الملاحظ وبناءً على معيار بناء أول دولة عربية في سوريا عام 1918-1920، أنّها كانت مركزاً للفكر القومي العربي، وذلك بسبب قربها من الدولة العثمانية، ونشوء حركات الفكر العربي فيها
حتّى مسمى الجمهورية السورية، يُذكر كأول دولة في ميثاق الجامعة العربية في آذار/ مارس 1945، وفي إطار الميثاق يُرى مدى الحرص على أن تكون الجامعة مجرد غطاء تنظيمي، وليس اتحاداً كونفدرالياً ((Confederation كـ"الاتحاد الأوروبي"، فيذكر في المادة 8 عدم إلزامية قرارات الأغلبية، وفي المادة 9 يتيح الميثاق الحق في إنشاء اتحادات مماثلة بين الدول من دون أن يتعارض ذلك مع فكرة الاتحاد، وهذا يؤكّد ضعف هذه المنظومة، وتعدد المشاريع المحلية على حساب القومية الجامعة.
أيديولوجيا للاستبداد وربيع للديمقراطية
استغلت أحزاب الاستبداد السياسي التي نشأت في النصف الثاني من القرن العشرين، الفكر القومي العربي الصاعد لدى المجتمعات بهدف الانقضاض على الديمقراطيات الحديثة، من خلال استخدام الفكر العربي، كأداة سياسية للوصول إلى السلطة، فانتقل الفكر العربي من فكرٍ جامعٍ لدول العرب، إلى "أيديولوجيا" تفرّعت منها أحزاب شمولية، ولا سيما في سوريا ومصر على الأقل.
عند تشكيل "حزب البعث العربي الاشتراكي"، في العام 1952، والذي أخذ شكله الأخير بدمج ثلاثة أحزاب قومية عربية هي البعث العربي بقيادة زكي الأرسوزي، وآخر بالمسمى ذاته لميشيل عفلق، والحزب العربي الاشتراكي بقيادة أكرم الحوراني.
فكما وصل البعث السوري إلى السلطة عبر انقلابٍ عسكري عام 1963، تكرّر الأمر نفسه في العراق عام 1968، وقبلهما في مصر عام 1952، في ما أُطلق عليه "حركة الضباط الأحرار"، التي نتجت عنها لاحقاً "الناصرية" التي كانت مختلفةً بشكل كبير عن "البعثية".
حال القومية العربية، على مدار القرن، لم يتغير من حيث النتيجة، فمعظم التشكيلات الحركية لم تنجح في تحويل المشروع إلى واقع، فيما أظهرت ثورات الربيع العربي حجم الفجوات من حيث الترابط الاجتماعي بين العرب
مع مرور الزمن، لم يستطع العرب الالتفاف حول مشروع أو شخصية واحدة على غرار الكمالية التركية أو البسماركية الألمانية، وربما كان نموذج جمال عبد الناصر هو الأكثر قرباً بعد تأميم قناة السويس عام 1956، لكن عند خسارة مشاريع الاتحاد مع كل من سوريا واليمن، ومن ثم حربه العربية المركزية مع إسرائيل عام 1967، انتهت مساعي الوحدة بالرغم من محاولات لاحقة خجولة باءت بالفشل وانتهت مع معاهدة السلام الإسرائلية-المصرية عام 1979. يمكن القول إنّ نهاية الحرب الباردة 1991، وسقوط نموذج الدولة الاشتراكية المركّبة، لا سيما في الوطن العربي، أعادا من جديد الدعوات إلى إعادة النظر في القومية العربية والعلاقة بالديمقراطية.
حديثاً، اشتهر عزمي بشارة بكونه من المنظرين في هذا الشأن، إذ فرّق بشكل كبير بين العربية كأيديولوجيا سياسية وحزبية، وبين العروبة كمفهوم وطني قومي ضمن حدود دولة المواطنة المدينيّة، مستعرضاً نموذج المملكة السورية في نايبيتها الديمقراطية وخاصةً في محاضرةٍ له في دمشق قبل الثورة السورية، بعنوان "نحو تجديد الفكر العربي"، ولعلّ هذا الطرح مشابه إلى حدٍ كبير للنموذج التركي الذي يُعدّ نموذجاً عابراً للقومية الطورانية، ومستوعباً للهوية الوطنية لا سيما العرب والأكراد الذين يعيشون في حدود الدولة التركية.
ومع انطلاق الربيع العربي نهاية العام 2010، في تونس، كان من الواضح أهمية ما تناوله الحصري في مدى الارتباط بين اللغة وحركة التاريخ بين دول الوطن العربي من خلال التأثر بموجات الثورات التي استعرت في عددٍ كبير من تلك الدول في المغرب والمشرق.
واقعياً، حال القومية العربية، على مدار القرن، لم يتغير من حيث النتيجة، وبقي في إطار التنظير السياسي، فمعظم التشكيلات الحركية لم تنجح في تحويل المشروع إلى واقع، حتّى ثورات الربيع العربي التي كانت ترفع شعارات متشابهةً للغاية، كشفت حجم الفجوات من حيث الترابط الاجتماعي بين العرب، وحجم التصدّع في الهوية، وأهميتها في ظل التعقيدات السياسية والمنافسة المستمرة بين الدول على مراكز القوّة، فضلاً عن إيلاء شعوب العرب أهميةً غير مسبوقة لهوياتهم الوطنية التي رسمتها الجغرافيا على حساب الفكر القومي العربي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون