"شرف"، القتل غسلاً للعار
بين لندن وقرية على مقربة من نهر الفرات واسطنبول وسجن شروزبيري، تجري أحداث رواية "شرف" في فترة زمانية تمتد من 1945 السنة التي تولد فيها "بمبي" إلى عام 1992السنة التي تقرر فيها "أسماء" ابنتها أن تكتب حكاية والدتها، وهي في طريقها لملاقاة أخيها الذي سيخرج من السجن بعد أن أمضى محكوميته، بجملتين بسيطتين قاطعتين: "إنه أخي. إنه قاتل".
تمضي الكاتبة في سرد مشوق سلس، يتضمن الكثير من الأحداث والحكايات المثيرة، متجاوزة الزمن، إذ تتأرجح بين فترات زمنية قد تتباعد وقد تتقارب، صاعدة تارة، ونازلة تارة أخرى، قافزة فوق أحداث معينة لتعود إليها في فصول لاحقة متأخرة، دون أن تجعل القارئ يفقد انشداده ومتعته.
يخترق ذلك السرد فصول مكتوبة على لسان "إسكندر" القابع في السجن، مسترجعاً ذلك اليوم، الذي يشكّل منبعاً لعذاب لا ينتهي داخله، "كانت معتادة أن تحبني أكثر من أي شيء آخر، فأنا ولدها البكر، ابنها المبكر و"نور عيني". أما الآن، فقد بات كل شيء مختلفاً، محطمّاً".
أليف شافاك، كاتبة تركية ولدت بفرنسا في عام 1971، وتعدّ من بين أهم ممثلي الرواية التركية الحديثة. حازت على العديد من الجوائز الأدبية العالمية، وترجمت رواياتها إلى معظم اللغات. صدر لها بالعربية: "أربعون قاعدة للحب"، "لقيطة اسطنبول"، "شرف" و"قصر القمل".
"قصر المطر"، القسوة والحب في ملحمة رائعة
تبدأ رواية "قصر المطر" بمشهد ملغز: جسد قتيل مخترق بسبع طلقات، يثير ذاكرة "حسان"، فتجتاح رأسه صور مقتله بالطريقة نفسها في زمن ماضٍ بعيد، وصور ولادته في جسد جديد، متقمصاً روح "كامل الفضل". هكذا يبدأ ماضيه بالانكشاف أمامه: "راحت الذكريات تعود مثل أسراب العصافير، واحدة وراء أخرى. وهو يحاول أن يمسكها، ويرفع نُصب الماضي قرب اللحظات الحاضرة. كي يتيقن من هويته وحقيقته".
يستعيد "حسان" سيرة "آل الفضل"، متذكراً كيف قاد إخوته إلى خرائب مهجورة ليعيشوا فيها، هرباً من سطوة زعيم المنارة "كنج الحمدان"، حيث تبدأ هناك هزائمهم وانكساراتهم، في ظل قسوة الطبيعة وظروف الحياة، بينما يبقى الحب هو التميمة التي تحمي وجود الجميع واستمراراهم. هكذا يتذكر "صباح" ابنة عمه التي أحبت "كنج" عدوهم، وقاتل أخيها، وتتسلل إلى ذكرياته رائحة جسد "دلال" فتغزو روحه، مسترجعاً كيف تحدت أخاها "كنج"، ومضت إليه منساقة وراء حبها له: "تلك الرائحة التصقت بلحظة مجيء دلال العجائبية، كل شيء يمكن نسيانه، سوى تسلل امرأة إلى حضنك في الليل".تقدم الرواية صورة عن الثورة السورية الكبرى ضد الفرنسيين في جبل العرب، إذ ينضم رجال العائلة إلى الثورة بقيادة "بهاء الدين"، فيناضلون في سبيل استقلال الوطن، رغم ما يرافق ذلك من قهر واضطهاد. يصف "عزام" بنفس ملحميّ ذلك الكفاح فارداً صفحات طويلة للمعارك التي جرت، دون أن يغرق في التوثيق والتأريخ، إذ يبقى ولاؤه للتخيّل الروائي ولسرد حكاية شخصياته ومعاناتهم. على امتداد 65 فصلاً يروي أحداثاً كثيرة ومتداخلة، حاشداً عدداً كبيراً من الشخصيات، لكل منها حكايته التي تتداخل مع الحكاية الأساسية، وتؤثر فيها وتتأثر بها.
لعلّ أجمل الشخصيات التي تقدمها الرواية، هي شخصية "ثنية" تلك المرأة الحكيمة التي تقود عائلة "الفضل" وتحمي وجودهم وتبقى في الخرائب بعد رحيل الجميع، منتظرة رجوع "كامل"، الذي سيعود بجسد جديد هو جسد "حسان" ليرمما الذكريات ويرويا الحكاية لنا: "كان قد وجدها هناك، وحيدة بين الخرائب، تقتات حبوباً وبقايا جذور وحليب ماعز.... ومنذ أن عرفته صارت تبكي".
ممدوح عزام، روائي سوري من مواليد السويداء 1950، له مجموعتان قصصيتان، وخمس روايات هي: "نساء الخيال"، "أرض الكلام"، "جهات الجنوب"، "قصر المطر"، و"معراج الموت" التي تحولت إلى فيلم سينمائي بعنوان "اللجاة"، وتترجم حالياً إلى اللغة الألمانية.
"أيام زائدة"، تداعيات عجوز خرف
يبدأ بطل الرواية هلوساته باعتراض على مجادلات أولاده وأحفاده حول عمره الحقيقي، فهو يرى أنهم يضيفون السنوات لعمره، تعجيلاً منهم في بلوغه المئة، وليشعروه أنه قارب نهاية رحلته في الحياة، لكنه بين السطور والهلوسات يعيد تكراراً ومراراً التأكيد: "أنا الآن في الرابعة والتسعين"، متجاهلاً كل ما يحكونه خلاف ذلك.
ينتقل العجوز من الحديث عن عمره وبيته الوسخ، إلى الحديث عنها، زوجته التي توفيت وتركته وحيداً، "بكيت على الحاجة خديجة، ورأوني جميعهم أمسح دموعي بكفيّ، وأضرب عصاي على قبرها وأقول لها: متِّ وتركتني وحدي يا حاجة". يتذكر في هلوساته كيف التقاها أول مرة، وعيشتها معه، وبطء حركتها وانكماشها، كما يتذكر أختها فاطمة، التي كانت تقطن معهم والتي يؤرقه أنها لم تسامحه قبل موتها.اللافت أن "حسن داوود" استطاع تقمص بطله العجوز، واستطاع الولوج إلى أعمق انفعالات شخصيته وتفاصيلها، فجاءت الفصول والمقاطع متلاحقة الخواطر والذكريات، متأرجحة بين أحداث في الماضي وأحداث في الحاضر، لا رابط بينها. ينتقل الراوي بين أكثر من حدث وأكثر من ذكرى في الوقت نفسه ثم يعود ليكرر جملاً بعينها، ويؤكدها منطلقاً منها إلى ذكريات أخرى؛ تماماً كما يفعل أي رجل عجوز وحيد حين تسنح له فرصة الكلام.
يصوّر الكاتب في روايته كذلك الصراع المرير والأسى القاسي اللذين يعانيهما الأب الكهل والجد العجوز، حين يرى أبناءه وأحفاده غير المبالين يهملونه ويعدّون الدقائق لينتهي وقت زيارتهم له، بعد أن وهبهم كل أملاكه من أراضٍ وبيوت وحتى فرن بيروت الذي أسسه وعمل فيه، "قال لي السيد مهدي إن من يورّث أولاده في حياته لا يعود يطيق القعود بينهم. لم أطعه، كنت أتنازل لهم في كل مرة من أجل أن أستعيد، لأسبوع واحد أو أسبوعين علاقتي القديمة بهم".
يختار المؤلف خاتمة لحديث عجوزه الطويل الذي لا ينتهي، مشهداً بالغ القسوة يصف فيه بطله عريه الجسدي والنفسي أمام من ينفرون منه ويشمئزون لرؤيته. وهو في ذلك يعري واقع المجتمع العربي الذي يهمل الشيخوخة ومشكلاتها.
حسن داوود، روائي وكاتب لبناني له تسع روايات ترجمت إلى العديد من اللغات، من ضمنها الفرنسية والإنكليزية والألمانية والإيطالية، كما فازت روايته "مئة وثمانون غروباً" بجائزة المتوسط الإيطالية عام 2009.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون