نبتاع كتبًا من الأسواق ومعارض الكتب وبسطات الشوارع، بنسب مختلفة وبأمزجة متباينة، من الذي يقرر إذا كان ما نقرأه سيجعلنا بشرًا أفضل؛ أي أنه سيزيدنا ثقافة وسينمي قدرتنا على التحليل والفهم، وبالتالي ستصبح نظرتنا إلى العالم أكثر انفتاحًا؟
كل منا يقدم تجربته في القراءة من النقطة التي يقف عليها، من يقرأ في الفلسفة بمقدوره أن يحدثنا ساعتين متتاليتين عن الفرق بين أرسطو وابن سينا في تقديمهما لنظرية النفس، ومن يقرأ في الشعر حديثه وقديمه، من السهل عليه أن يقنعنا أن الشعر سيظل أسمى الفنون وأهمها، كما أنه بوابة تنفتح على حياة غير التي نعرفها، ومن يقرأ في الرواية بمقدوره أن يسرد لنا القصة ويفصّل لنا الشخوص ويرسم الخط الزمني للحدث لنصل إلى نتيجة أن المشاهد التي صورها لنا أكثر بكثير مما يمكن أن نشاهده في ساعة تلفزيونية فيحفظ في أذهاننا.
اكتشفت مؤخرًا أنني أعترف بجزء بسيط من الكتب، وأفهم القراءة إذا كانت في الأجناس التي اعتدتها؛ فلسفة، شعر، رواية، أي أنني أعترف بنسبة قليلة من الكتّاب أيضًا. وجدت نفسي أهمل نسبة كبيرة من القراء، ولا أفكر حتى في تأمل ما يمسكونه لأصدق أنه كتاب يندرج تحت عناوين فلكية، وكتب لفنون الطهو، وكتب للفأل وقراءة الكف، وكتب دينية، والكثير الكثير مما يسمّى كتاب.
هل كل ما وضع بين دفتين يصلح أن يسمى كتابًا؟ حسب فهمي لمعنى الكتاب أنه ما يقدم المعرفة، وما ينمي الشك والسؤال والتأمل، ولا يمكنني أن أستمر في هذا النشاط إذا شعرت أن القراءة تقدم لي أحكامًا جاهزة ووجهات نظر معلبة أو معلومات غير منطقية عن الغيبيات.
من اهتمامي بالقراءة ألاحظ مثلًا أن من يقرأ في الأدب يبحث دائمًا عن مساحة جمالية أكبر، يفكر في فضاء أوسع من الذي يغلفه حقيقةً، ويبحث عن صورة أكثر جاذبية من كل ما شاهده، ويلتقط خيوطًا لينسج بها سؤالا آخر. من يقرأ في الفلسفة ينتظر أن يفتفت الحجر الكبير الذي بُني عليه سؤاله ليصبح حجارة صغيرة تبنى لتكوّن شكلًا مفهومًا ومفيداً، يريد تفسيراً مقنعاً لما يحدث ولكيفية حدوثه، وأن من يقرأ في الفلك والأبراج يريد دائمًا إجابة مريحة لما يمكن أن يحدث في المستقبل القريب، أما من يقرأ كتب التنمية البشرية وفروعها يبحثون عن آليات في التفكير وتوجيه الطاقة تجعل ما يفعلونه أكثر فائدة...
هل كل ما وضع بين دفتين يصلح أن يسمى كتابًا؟ حسب فهمي لمعنى الكتاب أنه ما يقدم المعرفة، وما ينمي الشك والسؤال والتأمل، ولا يمكنني أن أستمر في هذا النشاط إذا شعرت أن القراءة تقدم لي أحكامًا جاهزة ووجهات نظر معلبة أو معلومات غير منطقية عن الغيبيات.
إذا كان النشاط الذي نفكر في تأثيره على بناء شخصياتنا، وتنميتنا الفكرية والاجتماعية والسياسية هو القراءة؛ هناك سؤال مهم عن نوعية الكتب التي ينتجها العالم العربي، وبالتالي ما يترتب على قراءة هذه الكتب من سلوكيات شخصية، تنتقل لنشاطات جماعية.
الجهات المسؤولة عما نقرأه نحن كأفراد هي دور النشر؛ بكونها مصدر الإنتاج والتوزيع والترجمة، من السهل أن تؤخذ المسألة هذه بحسن نية، إلا أننا نتسوّق ما يوجد في السوق أصلًا، ونبتاع السلعة الأقرب لما نريد بالضبط، وبما أن السوق خاضعة للقانون والسياسة والأوضاع الاجتماعية، سيكون ما يباع فيها هو تجسيد للحالة العامة.
إذا كان النشاط الذي نفكر في تأثيره على بناء شخصياتنا، وتنميتنا الفكرية والاجتماعية والسياسية هو القراءة؛ هناك سؤال مهم عن نوعية الكتب التي ينتجها العالم العربي، وبالتالي ما يترتب على قراءة هذه الكتب من سلوكيات شخصية، تنتقل لنشاطات جماعية، ثم تصبح جزءًا من تكوين القاعدة الاجتماعية التي تؤثر في النظام السياسي وخطابه، والاقتصادي وجدواه، وتتدخل في الحكم القانوني.
الجهات المسؤولة عما نقرأه نحن كأفراد هي دور النشر؛ بكونها مصدر الإنتاج والتوزيع والترجمة، من السهل أن تؤخذ المسألة هذه بحسن نية، إلا أننا نتسوّق ما يوجد في السوق أصلًا، ونبتاع السلعة الأقرب لما نريد بالضبط، وبما أن السوق خاضعة للقانون والسياسة والأوضاع الاجتماعية، سيكون ما يباع فيها هو تجسيد للحالة العامة بالضرورة. بيّنت إحصاءات في دائرة المتابعة والنشر في الأردن أن 34 كتاباً منع من النشر في العام 2014 وحده، هذا بالتحديد يثبت أننا نقرأ ما يريد الناشر والسياسي، بالإضافة إلى أن عجلة الترجمة متأخرة جداً إذا ما قورنت في الدفع لإنتاج الكتب التي تعنى بالغيبيات.
في الحروب والأزمات تنتج الكتب بكثرة ويسطع نجم الفنون، كنتيجة طبيعية لحالة الرفض المجتمعي وكنوع من أنواع رد الصفعات التي يتلقاها الأفراد، لكن هذا لم يكن ملموسًا من قبل فئات كثيرة في المجتمعات العربية بعد فترة الربيع العربي مثلًا.
في معارض الكتاب التي تقام في الأردن، تزدحم دور النشر التي تعرض الكتب الدينية والفلكية وتفاسير الأحلام وما إلى ذلك، بالمقارنة مع الدور التي تعرض كتباً أدبية وفلسفية وفكرية وكتباً مترجمة من مختلف اللغات، وبما أن معارض الكتب هي المكان الذي يعرض الإنتاج الكتابي العربي والعالمي، أفترض أن الصورة يمكنها أن تبدو غير ذلك، خصوصًا أن الدورة الأخيرة لمعرض الكتاب في عمّان 2018 شهدت منع روايتين من العرض للروائي العراقي سنان أنطون. في النهاية لا يمكنني أن أصدق أن هذا الفقر في الشكل العلني للمكتبة العربية يتعلق بما ينتج من الكتّاب والمفكرين العرب، الطبيعي هو عكس ما يحدث تمامًا، إذ إن الخسارات والصعوبات التي عايشناها كمجتمعات دفاعًا عن الحرية والكرامات ونتاجاتها من المعارف والتجارب، تعني أن المكتبة ستكون أغنى بكثير، وأن من يضع الكتب بين أيدينا هو المسؤول عن الإجابة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه