بعد فوز المنتخب المغربي للسيدات في إحدى مباريات نهائيات كأس إفريقيا التي احتضنها المغرب في تموز/ يوليو الماضي، أدلت عميدة الفريق الوطني لكرة القدم للسيدات غزلان الشباك، بتصريح قالت فيه: "أشكر اللاعبات اللواتي كنَّ رجالاً اليوم". قصدت اللاعبة أن زميلاتها اتصفن بالروح القتالية والمنافسة البطوليّة مما ساهم في تحقيق الفوز.
أثار هذا التصريح ردود فعل في مواقع التواصل الاجتماعي، ورأى البعض وصف النساء بـ"الرجولة"، أمراً شائعاً في المجتمع ويُقصد به الثناء على المرأة والرفع من قيمتها لتحقيقها إنجازاً تاريخياً لكرة القدم النسائية في المغرب، فيما رأى آخرون أن التطبيع مع هذه الألفاظ والتعبيرات النمطية إهانة للمرأة. في ظل هذا الجدل دخل على الخط "مشايخ" وجدوا في الأمر فرصةً للانتقاص من النّساء وحقّهن في إثبات أنفسهن على أرضية الملاعب وفي المجتمع.
فتاوى تحريم
تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي شريط فيديو لأحد الشيوخ ويُدعى حمزة الخالدي، هاجم من خلاله رياضة كرة القدم للسيدات، وأفتى بتحريمها وعدّ مشاهدتها إثماً ومعصية. زعم الخالدي بأن "ما نعيشه اليوم يُسمّى زمن الغفلة"، وبأن "الفرح بمعصية الله من الكبائر التي توجب غضب الله من زلازل وحرائق وغلاء أسعار المواد"، على حد زعمه. صرح الخالدي في الشريط أنّ كرة القدم مباحة للرجال بشروط وقيود، وإذا لم يتم الالتزام بهذه القيود تصير حراماً، وبرّر فتواه بكون اللاعبات "كاشفات وعاريات"، وحذر من شاهد مباريات كرة القدم للسيدات من أنه "آثم".
أثار هذا التصريح ردود فعل في مواقع التواصل الاجتماعي، ورأى البعض وصف النساء بـ"الرجولة"، أمراً شائعاً في المجتمع ويُقصد به الثناء على المرأة والرفع من قيمتها
أيده في تصريحاته الدكتور أحمد الريسوني، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في شريط فيديو على موقع التواصل الاجتماعي، يوتيوب، ورأى أن مباريات كرة القدم للسيدات تُنظّم "خارج الإسلام وخارج الاعتبارات الدينية. وأكثر من ذلك وصف لاعبات كرة القدم النسوية بأنهن "من الجنس الثالث ولسن لا برجال ولا بنساء" حسب زعمه.
في تصريح لرصيف22، وصف محمد عبد الوهاب رفيقي، الباحث في قضايا التطرف، تصريحات الشيخ الخالدي والدكتور أحمد الريسوني، بأنها فتوى طبيعية من الشيوخ، وأنه جرت العادة لديهم ألّا يهتموا بما يتعلق بالمرأة إلا بلباسها وجسدها، وأن تصوّرهم للمرأة مبنيّ على أنها مصدر للفتنة ومصدر للغواية ولذلك لا نجدهم يقولون مثل هذا الكلام حينما يتعلق الأمر بالرجل، لأن المرأة بالنسبة إليهم جسدٌ، وتُختزل في ثيابها وفي مفاتنها ومن الطبيعي أن تصدر منهم هذه الفتاوى المنسجمة مع تصورهم.
أضاف رفيقي، أن "هذه التصريحات تندرج ضمن التدافع داخل المجتمع وهذه الفتاوى والاجتهادات قديمة وموجودة. لكن مع مرور الزمن يتطور المجتمع ويتقوّى نحو الانفتاح، وهي عادية وطبيعية ولا تثير القلق".
وبحسب رفيقي، فإن ما ورد في تصريح اللاعبة غزلان الشباك، من عبارة "الرجال" للتعبير عن إنجاز الفريق النسوي، يعدّ مجرد "زلة لسان تعبّر عن تأثر الفتاة بالثقافة المجتمعية السائدة التي تهيمن عليها العقلية الذكورية منذ عقود طويلة، ويصعب تغييرها بين عشية وضحاها".
وأشار رفيقي، إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي سلّطت الضوء على تصريحات غزلان الشباك، ولم تسلّط الأضواء على تصريح وليد الركراكي، المدرب السّابق لفريق الوداد الرياضي البيضاوي لكرة القدم الذي قال: "اللاّعِبَاتْ كانوا اليُومْ بْنَات"، في إشارة إلى أنهن قدّمن أداءً جيداً خلال تلك المباراة، وهو تصريح إيجابي يُعارض النزعة الذكورية بأسلوب ذكي.
من جهتها، دعت خديجة الربّاح، العضوة المؤسسة للجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، الشيخ الخالدي إلى "الاهتمام بالأمور التي من شأنها أن تعود بالنفع على البلاد والعباد".
وأضافت المتحدّثة أن "الخطاب الملكي وضّح أن أحد المداخل الأساسية للتنمية هو المشاركة الكاملة للنساء في جميع المجالات وهذا مطلب ناضلت من أجله جميع القوى الحيّة والحركة النسائية".
وتابعت: "كفانا تضييع الكلام والوقت في أفكار تعيدنا سنوات إلى الوراء، وما أحوجنا اليوم إلى تفعيل المساواة كونها مدخلاً أساسياً إلى التنمية وغيابها يعني غياب التنمية".
وأكدت خديجة الرباح، أن "هؤلاء الفتيات، لاعبات كرة القدم، لسْن قادماتٍ من الحركة النسائية، وتالياً لا يمتلكن لغةً عالمةً حسب النوع الاجتماعي، وهنّ خريجات المدرسة العمومية التي لم تستطع تنشئة الشباب على ثقافة المساواة، وتزرع قيم الذكورة التي تعدّ أن الذكر هو المهيمن، في حين أنّه اليوم برَزَت قيمٌ أنثوية تتطلب تسليط الأضواء عليها. تصريح اللاعبة هو لبطلة متشبّعة بقيم المجتمع السائدة".
احتقار لاهتمام النساء بالكرة... في الإعلام!
النقاش والجدال حول كرة القدم للسيدات والصور النمطية للمرأة داخل المجتمع، أعادا إلى الأذهان الكثير من المخالفات في وسائل الإعلام التي تروّج للصور النمطية وتمسّ بصورة المرأة، ومن أبرزها الضجة التي سبق أن أثارها منشط إذاعي في إحدى الإذاعات الخاصة خلال شهر تموز/ يوليو سنة 2019.
تناولت إحدى حلقات البرنامج أداء المنتخب المغربي (للرجال)، وحظوظه في الفوز، وذلك بمشاركة ضيوف ينتمون إلى المجال الرياضي، وفي أثناء قراءة مذيع البرنامج لرسائل المستمعين، علّق على رسالة وصلته من مستمعة فيها التالي: "(...) مريم آيت الحاج أو بِنت الحاج، اذهبي للطبخ وابتعدي عن المنتخب. شاهدي برنامج الطبخ "شميشة"، أو أي شيء، ولا تتكلّمن (أيتها النساء) عن المنتخب...".
النقاش والجدال حول كرة القدم للسيدات والصور النمطية للمرأة داخل المجتمع، أعادا إلى الأذهان الكثير من المخالفات في وسائل الإعلام التي تروّج للصور النمطية
على إثر ما ورد في هذه الحلقة، وصلت إلى الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري "هاكا"، مجموعة من الشكاوى، تجاوز عددها 22 شكوى من طرف أفراد وجمعيات، وتسهر الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري المعروفة اختصاراً بـ"هاكا" على مراقبة تقيّد متعهدي الاتصال السمعي البصري، في القطاعين العام والخاص، بأحكام النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بمجال الاتصال السمعي البصري.
عدّت "هاكا" أن ما ورد على لسان المذيع حول إبعاد المرأة وعدم أحقيتها في الاهتمام بالشأن الرياضي الوطني من خلال حصر دورها في الطبخ، أمر يقزّم وظيفتها وإسهاماتها المجتمعية وينتقص من كفاءاتها وقدراتها كما يلغي حريتها وحقها في التعبير عن رأيها انطلاقاً من وضعها كفاعل أساسي في المجتمع، مما يشكل إخلالاً بالمقتضيات القانونية والتنظيمية الجاري العمل بها، لا سيما تلك المتعلقة بمحاربة الصور النمطية التي تحطّ من كرامة المرأة.
وبناءً عليه، قررت "هاكا"، وقف البث الكلي لخدمة الإذاعة الخاصة لمدة خمسة عشر يوماً خلال التوقيت الاعتيادي للبرنامج موضوع المخالفة، وإذاعة مضمون القرار يومياً، في بداية التوقيت المحدد للبرنامج طوال مدة العقوبة سالفة الذكر.
في تصريح لرصيف22، أكدت خديجة الرباح، أن قرار "هاكا" جاء بعد إصدار الجمعيات النسائية بيانات عدة تطالب بتفعيل دورها في المراقبة ومنع تمرير بعض الأفكار والصور النمطية التي يتم تداولها، والصادرة من بعض الأشخاص الذين من المفروض أن يكونوا مساهمين في تغيير بعض العقليات.
وعن تقييمها لصورة المرأة في وسائل الإعلام المغربية، وخاصةً في ما يتعلق بتغطية مباريات كرة القدم للسيدات ومتابعتها، أكدت خديجة الرباح أن وسائل الإعلام، وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي، حققت قفزةً نوعيةً على مستوى الخطاب وعلى مستوى تغيير العقليات والنهج الشامل المرتبط بنشر ثقافة المساواة، ولكن هذه المجهودات تظل موسميةً أو مرتبطةً بالاحتفالات السنوية الدولية، مثل محاربة العنف ضد النساء، وكذلك في اليوم العالمي للنساء وفي مناسبات أخرى مثل بطولة كأس إفريقيا لكرة القدم النسوية، كما أنه حاضر أيضاً في انشغالات بعض الصحافيين والصحافيات، ولكنه كنهج عام غير حاضر.
ودعت الربّاح، كافة وسائل الإعلام إلى بذل مجهودات لتكون سفيرةً لتغيير الثقافة الذكورية السائدة داخل المجتمع التي تُعدّ من المعوقات الأساسية التي تكرسها وسائل الإعلام والشارع والمعادون للحقوق الأساسية للنساء.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.