تزامناً مع استعدادات مصر لاستضافة مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ COP27، في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، في منتجع شرم الشيخ، بدأ الإعلام المصري بالتوجه نحو الاهتمام بقضايا التغير المناخي بشكل أكبر، سواء بإطلاق منصات متخصصة في الأمر، أو بالتوجه نحو تدريب الكوادر وتوسيع مساحات التغطية الإعلامية.
إجراءات يرى البعض أهميتها، ويشير آخرون إلى أنها لا تزال مجرد خطوات مبدئية تحتاج إلى دعم كبير لمواكبة هذا الحدث بشكل خاص، وموضوع التغير المناخي وتداعياته ضمن مختلف المجالات بشكل عام.
منصات ومحطات بيئية
العام الفائت، انطلقت منصة "أوزون"، وهي من أوائل المنصات المتخصصة في قضايا التغيرات المناخية والبيئية في مصر ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وتنشر بشكل دوري القصص والتحقيقات البيئية المحلية المتعلقة بتغير المناخ، والتنوع البيولوجي، وقضايا التلوث، والتنمية المستدامة في مصر والوطن العربي، وهي تتبع للشبكة العربية للمناخ والبيئة.
لا بد أن تتوسع التغطية الإعلامية لقضايا التغيّر المناخي، وألا تقتصر على تصريحات المسؤولين.
في لقاء مع رصيف22، يشير الكاتب والصحافي أحمد شوقي العطار، وهو رئيس تحرير المنصة، إلى أن رسالة "أوزون" هي نشر الوعي بقضايا المناخ والبيئة بين الجمهور العربي، ودعم الممارسات السليمة لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة للحد من الاحتباس الحراري والتكيف مع التغير المناخي، أما الأهداف فهي عديدة، منها توفير معلومات موثوقة حول المخاطر المناخية والبيئية، ومساندة أهداف التنمية المستدامة على المستويين الوطني والإقليمي، وتقديم رسالة إعلامية تنشد الحد من التغيرات المناخية والحفاظ على البيئة، ورفع مستوى الوعي بقضايا المناخ والبيئة في المجتمعات المحلية.
المنصة تتنامى تدريجياً وفق حديث العطار، وتقدّم محتوى صحافياً علمياً مبسطاً، وتنشر تحقيقات معمقةً مرتبطةً بتغير المناخ لصحافيين من مختلف الجنسيات العربية، بجانب تقارير معمقة عن تغير المناخ في دول المنطقة، وترجمات لأهم التقارير والقصص الدولية. ويضيف: "خلال أقل من عام، تحقق المنصة قرابة 200 ألف قراءة شهرياً، وهو رقم جيد جداً بالنسبة إلى موضوع تخصصي كهذا، لا يحظى باهتمام كبير من القارئ العربي بعد".
من جهة أخرى، أعلنت شركة المتحدة للخدمات الإعلامية في مصر مؤخراً عن تدشين "قطاع أخبار المتحدة"، أحد أكبر القطاعات الإخبارية في الشرق الأوسط، ووفقاً لبيان رسمي صادر عن الشركة، "يضم هذا القطاع قناةً إخباريةً دوليةً يجري الإعداد لإطلاقها بالتزامن مع انعقاد مؤتمر المناخ في مصر، وقناةً إخباريةً إقليميةً يجري التحضير لها بالتعاون مع كبريات بيوت الخبرة العالمية".
مواضيع ملحة
ينبّه العطار (40 عاماً)، وهو مستشار المركز الدولي للصحافيين في واشنطن، إلى أن الاهتمام بمؤتمر المناخ أمر مهم، لكن لا بد أن تتوسع التغطية الإعلامية لقضايا التغيّر المناخي، وألا تقتصر على تصريحات المسؤولين، إذ إن موضوعات التغير المناخي أعمق بكثير من ذلك. "لذلك نحن في حاجة إلى اهتمام دائم بهذه الموضوعات، سواء قبل المؤتمر أو بعده، ولا بد من استغلال هذا الحدث لنشر الوعي بقضايا التغير المناخي، وتدريب الصحافيين المصريين على كيفية مناقشة هذه القضايا".
تغطية أخبار المناخ في مصر تعاني من عدم التركيز وغياب العمق، والتغير المناخي فريضة إعلامية غائبة، ومن يرغب في الاطلاع على تحليلات عميقة ومعرفية حول التغيرات المناخية فى مصر سوف يعاني
ويرى المتحدث أن أزمة تغير المناخ في المنطقة العربية لم تأخذ حقها، وقد بدأ مؤخراً الاهتمام بها إعلامياً، مؤكداً أن تناول وسائل الإعلام المصرية لهذه القضية متوقف فقط على الشقين السياسي والدبلوماسي، ولكن هناك حاجة إلى مناقشة تأثير أزمة المناخ على جميع جوانب الحياة والقطاعات المختلفة كالزراعة والصحة العامة والأمن المائي.
ويستكمل بأن الصحافيين المتخصصين بالتغير المناخي في مصر قلائل، وكثر منهم يهربون من تغطية هذا الملف تحديداً، ولكن مع الوقت بدأت القصص البيئية تظهر على الصفحات الأولى في المواقع الدولية وأصبحت هناك أقسام متخصصة في هذا الملف، ويقول: "نحن في حاجة إلى كوادر متخصصة في هذا الملف، لنشر وعي التغيّر المناخي لدى المتلقي، والمؤتمر القادم فرصة لتحقيق ذلك".
لكن من جهة أخرى، يشير المتحدث إلى عدم وجود جهات متخصصة في إعداد صحافيين أو إعلاميين متخصصين في قضايا البيئة والمناخ، أو تقديم تدريبات وتمويل لهذا النوع "الملحّ" من الصحافة، والجهود المبذولة حتى الآن فردية للغاية.
"الزخم دون المطلوب"
في تصريح لرصيف22، يرى محمد فهيم، مستشار وزير الزراعة للتغيرات المناخية ورئيس مركز التغير المناخي في وزارة الزراعة، أن الزخم الإعلامي حول مؤتمر المناخ، وهو من الأحداث القليلة التي تشارك فيها معظم دول العالم، لا يزال دون المطلوب، ويضيف: "هو ليس مجرد مؤتمر ينتهي بتوصيات، لكنه حديث سيعود بنفع كبير على مصر خلال السنوات المقبلة".
ويرى فهيم الحاجة إلى إعلام مصري مهتم بقضايا التغير المناخي في العموم، وتوسيع الوعي والاستيعاب لهذه القضية، ويضيف: "أحضر ورش عمل كثيرةً لا أجد فيها أي وسائل إعلام مصرية. لا بد أن تطرح الوسائل المحلية كل يوم أسئلةً وقضايا حول التغير المناخي، ليفهم المثقف والباحث والطالب الجامعي والمواطن البسيط هذه القضية وارتباطها بكل جانب من جوانب الحياة".
وضمن هذا السياق، يكشف الخبير الإعلامي ياسر عبد العزيز عما تحتاجه مصر في الفترة المقبلة، حتى تعزز الاهتمام الإعلامي بقضايا التغير المناخي بالتزامن مع مؤتمر المناخ، ويقول: "تغطية أخبار المناخ في مصر تعاني من عدم التركيز وغياب العمق، والتغير المناخي فريضة إعلامية غائبة، ومن يرغب في الاطلاع على تحليلات عميقة ومعرفية حول التغيرات المناخية فى مصر سوف يعاني، لذلك لا بد من إتاحة الموارد اللازمة لتعزيز التغطية".
الصحافيون المتخصصون بالتغير المناخي في مصر قلائل، وكثر منهم يهربون من تغطية هذا الملف تحديداً.
وينصح عبد العزيز بتعزيز التغطية من خلال تدريب وتأهيل الكوادر، وإنتاج محتوى توجيهي وإرشادي، وتوفير موارد معرفية وتدريب الصحافيين على استخدامها من قبل المنظمات المعنية، ويؤكد على أهمية دور المجلس الأعلى للإعلام ووسائل الإعلام المصرية وكليات الإعلام ضمن هذا السياق.
"سفراء المناخ"
مطلع العام الحالي، أطلق المعهد القومي للحوكمة والتنمية المستدامة التابع لوزارة التخطيط مبادرة تحت اسم "سفراء المناخ"، وبالتزامن مع التحضيرات للمؤتمر المقبل. تركز المبادرة على قضايا التغير المناخ، وتقدم معلومات وموضوعات للقمة المرتقبة بالتعاون مع خبراء وجمعيات وجامعات معنية بالأمر، وتتضمن حلقات نقاشيةً افتراضيةً مع مجموعة من الخبراء المصريين، وتدريبات متخصصةً عن التغير المناخي.
وتتحدث الدكتورة نهى سمير دنيا، عميدة كلية الدراسات العليا والبحوث البيئية في جامعة عين شمس، والمسؤولة عن مبادرة "سفراء المناخ"، عن هدف المبادرة المتمثل في اكتساب مهارات قيادية، وتعزيز بناء القدرات للتكيف المناخي في الأعمال الفردية لتقليل البصمة الكربونية للأفراد، والتوعية بمواجهة التغيرات المناخية من خلال التحكم بالعادات اليومية التي تسبب إطلاق غازات الاحتباس الحراري، مثل التوعية بأهمية استخدام المنتجات الصديقة للبيئة وطرق تناول الطعام والطهي وركوب الدرجات والتقليل من تناول اللحوم واستخدام الكيماويات.
وتضيف دنيا لرصيف22: "تقوم جامعة عين شمس حالياً بإعداد قادة المناخ المتطوعين استعداداً لتنظيم مصر المؤتمر المقبل، من منطلق أن عين شمس هي أول جامعة تدرّس العلوم البيئية، ولديها الكادر العلمي والأكاديمي الذي يستطيع تأهيل فريق المتطوعين ليكونوا ملهمين ومؤثرين في حشد طاقات الشباب نحو التكيف المناخي".
نلاحظ تدريبات للصحافيين المتخصصين في هذه القضايا لكنها ليست بالحجم المطلوب. هذا الملف متشعب ويحتاج إلى معرفة واسعة، ونحن في حاجة إلى صحافيين لديهم معرفة كاملة عن قضايا التغير المناخي في الفترات المقبلة
"ملف متشعب"
في حديثها إلى رصيف22، تشير الصحافية ندى محمد البدوي، وهي مسؤولة ملف البيئة والمناخ في مجلة "آخر ساعة" في جريدة أخبار اليوم المصرية، إلى تخوفات من تراجع الاهتمام الإعلامي بقضايا المناخ بعد انتهاء استضافة مصر لمؤتمر المناخ، وترى ضرورة الاستفادة من هذا الحدث لطرح قضايا التغير المناخي، وتشعب هذا الطرح ليشمل ملفات مثل الزراعة والصحة وغيرها.
وعن العوائق التي تقف في وجه هذه التغطيات، تشير البدوي (30 عاماً)، إلى ضعف الإمكانات المتوافرة للتغطية في بعض الحوادث المتعلقة بالتغيرات المناخية، وصعوبة الوصول لمصادر المعلومات، وهي فجوات تعمل مراكز الأبحاث المتخصصة، مثل المركز القومي للبحوث ومركز الأبحاث التطبيقية للبيئة والاستدامة، على سدها، من خلال توفير البيانات اللازمة للجهات العاملة في تغطية قضايا المناخ.
وتختم المتحدثة بقولها: "نلاحظ تدريبات للصحافيين المتخصصين في هذه القضايا لكنها ليست بالحجم المطلوب. هذا الملف متشعب ويحتاج إلى معرفة واسعة، ونحن في حاجة إلى صحافيين لديهم معرفة كاملة عن قضايا التغير المناخي في الفترات المقبلة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...