شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
كيف سأواجه طفلتي إن سألتني:

كيف سأواجه طفلتي إن سألتني: "لماذا جلبتيني إلى هذه البلاد؟"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة

الجمعة 12 أغسطس 202201:43 م

تلقيت خبر حملي في مطار دمشق الدولي. كنتُ مسافرةً لحضور مؤتمر جنيف الأول – وهو مؤتمر يجتمع فيه المندوبون بشأن منع التطرف - في بالي الأندونيسية. أفكار ومخططات لتغيير الأوضاع في سوريا وإيقاف الحرب والقتل ومحاولة إنقاذ الأطفال الأبرياء الذين يذوقون لوعة الحرب.

في ذلك اليوم، لم أستطع إنقاذ نفسي ولا حتى طفلي. أثر الدوخة وطبيب المطار أكدا أني حامل في نهاية الشهر الأول تقريباً ولا أستطيع ركوب الطائرة. كنت سأقرر الإجهاض بهدف أن أسافر. فكنت معلقة آمالاً بأن أبقى لاجئة في تلك البلاد. لكن، خفت من نظرات الفرح في وجه زوجي، الذي تبين لي أنه ليس ديمقراطياً ولا يحمل فكراً شيوعياً، ويريد حصري في البلد بسبب الطفل.

"هل إجهاض الطفل حرام؟" مازلتُ شابة وأريد عيش الحياة بحرية. إذاً لمَ تزوجت؟ هل أنا أنانية؟ لا بد من التضحية. تنتابني العديد من الأسئلة التي تصيبني بدوار يرافق دوار الحمل

عادت قدماي وما في بطني إلى المنزل. وفي اليوم التالي، فتحت الإنترنت لأرى مؤتمر جنيف المنعقد. أتساءل، والعقدة ظاهرة على وجهي: "هل إجهاض الطفل حرام؟" مازلتُ شابة وأريد عيش الحياة بحرية. إذاً لمَ تزوجت؟ هل أنا أنانية؟ لا بد من التضحية. تنتابني العديد من الأسئلة التي تصيبني بدوار يرافق دوار الحمل.

لم يمض يومان لانعقاد مؤتمر جنيف وأنا أتابع الصور والأخبار مستلقيةً في السرير، فيجب على الحامل أن ترتاح. ليلتها، رأيت دماً على ثيابي الداخلية ما يوحي بأنّ "طفلي مات". استيقظت كل مشاعر الأمومة بداخلي على غفلة. أوقظ زوجي على عجل وأنا أبكي، "طفلنا مات". فاق مستغرباً، وببرودة قال: "أنت كنت تريدين ذلك. في الصباح سنذهب للدكتور".

"لا داعي للقلق". أنا حامل، وسأصبح أماً بعد ثمانية أشهر. كيف للقلق أن يفارقني في أصعب مهام الدنيا؟ "ماما"، لقبٌ محملٌ بالقلق، كما هي محملةٌ بلادي، التي ازدادت الأمور صعوبة فيها بعد مؤتمر جنيف الأول، وكل النسخ الأخرى منه

لم يأت الصباح إلا وبحر الدموع يغرق قلبي. هل قمت بقتل طفل بسبب رغبتي بالحياة والعمل والسفر؟ وماذا عن جريمة إنجاب طفل لهذه البلاد؟ وصولنا إلى الدكتور لم يستغرق 10 دقائق. ولكي نطمئن، أخذ الدكتور دقيقتين، وأخبرنا بأن الطفل بخير ووضع الحمل بخير، وقطرات الدماء هذه تحصل أحياناً في بداية الحمل ولا داعي للقلق.

"لا داعي للقلق". أنا حامل، وسأصبح أماً بعد ثمانية أشهر. كيف للقلق أن يفارقني في أصعب مهام الدنيا؟ "ماما"، لقبٌ محملٌ بالقلق، كما هي محملةٌ بلادي، التي ازدادت الأمور صعوبة فيها بعد مؤتمر جنيف الأول، وكل النسخ الأخرى منه. وكثرت المؤتمرات كما كثرت الأحاديث والمشاورات ولا فائدة ولا نتيجة تفضي لإنقاذ طفل واحد في الشارع.

أطفال الشوارع يملؤون الطريق الذي أقطعه للوصول إلى أمي في الناحية الأخرى من دمشق، كأوراق الخريف. هل هُزت الشجرة كثيراً؟ وهل طفلي الذي سيورق أخضر سيبقى أم سيسقط في اهتزاز البلاد؟

وصلتُ إلى أمي حاملةً خوفي كله من فكرة وجود طفل. وكيف سأواجهه إن سألتني لماذا جلبتيني إلى هذه الحياة؟ إلى هذه البلاد؟ كيف أفرُ من جريمة إنجاب طفل إلى هذه البلاد؟ أدرك أن كل شيء سيىء. وفي محاولة تخفيف عني، تخبرني أمي أن اللاجئين في الخيام ينجبون الأطفال. وذلك بهدف استمرارية الحياة. وأدعو الله أن يهدي إلي كفاً زرقاء لأضعها مع ثياب الطفلة التي لم أشتر ثيابها بعد، ولكن عرفت مؤخراً جنسها.

طفلة في مجتمع ذكوري، غير أننا في بلد حرب. الأمور تزداد سوءاً. والمؤتمرات لا توحي بهدوء جذوة الحرب، ولا قوارب أخرى للنجاة. وأنا في شهري السابع، فالأطفال في قوارب الهجرة يغرقون.

طفلة في مجتمع ذكوري، غير أننا في بلد حرب. الأمور تزداد سوءاً. والمؤتمرات لا توحي بهدوء جذوة الحرب، ولا قوارب أخرى للنجاة. وأنا في شهري السابع، فالأطفال في قوارب الهجرة يغرقون

شهر الولادة، حتى آخر يوم لا يوجد معالم الطلق، هل ستموت؟ لا تريد هذه الحياة. في بطني أمانٌ أكثر مع قلة الوجبات التي أتناولها. أسمع صوت أمي في طريقي إلى المشفى. لنرى الأمر. ولادة سهلة وسريعة وصرخات قليلة، في ولادة طبيعية استعجب الطبيب بها، ووجه طفلة مثل القمر، يضيء كل العتمة، ويصرخ رغبة في الحياة والحليب.

حياة جديدة مع طفلة جميلة، لأستمر وأقول قول كل الأمهات: "من أجل الأولاد". طبخة لذيذة ومشوار جميل وكثير من الضحك والحب، نتغلب على قسوة ما نعيش ويصبح مشروع إنجاب طفل أهم من كل المؤتمرات في العالم.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image