وردت جملة "أساطير الأولين" في القرآن في تسع آيات، واتفق المفسرون على تفسير معناها بأكاذيب الأولين. رغم أن القرآن وفي الآيات التسع لم يهاجم أو ينكر أو يكذب تلك الأساطير، بل كان موقفه في الآيات ضد المحاجج بهذا الرأي، وليس ضد الأساطير نفسها التي لم يصفها القرآن بالأكاذيب أو الترهات. هكذا وضع شارحِ القرآن نظرة دونية إلى مفهوم أساطير الأولين. لقد كان القرآن أكثر حكمة من مفسّريه، فلم يضع لأحداث ورمزيات مروياته معيار قيمة لأنها ببساطة تكرار لما قالت به الشعوب.
نحن والمفسرون الأوائل
إننا نعذر المسلمين الأوائل لأنهم لم يجدوا بعد دخولهم إلى سوريا القديمة ومصر المؤمنين بهذه الأساطير، فقد تعرضت الوثنية بمعابدها وهياكلها لإبادة وتخريب كاملين، عندما تحولت المسيحية من إيمان إلى ابتكار غير مسبوق يدعى "دين دولة الوحيد"، وانحصرت البقية المحتفظة بهذه الأساطير في الأماكن الصعبة التعقب.
فلم يكن أمام المفسرين المسلمين الأوائل في فهم الحدث القرآني إلا الموروث اليهودي والمسيحي، والبقايا النادرة من الوثنية القديمة الباقية بأشكالها الغنوصية أو الفلسفية، فترى المفسّرين المسلمين الأوائل مثلاً يبذلون الجهد في محاولة لمعرفة من هو ذو القرنين، ويجتهدون بين شخصية إسكندر المقدوني أو أحد ملوك الفرس أو العرب، ونحن نعرف حالياً أن لبس القرون في الثقافة القديمة دليلٌ على الألوهية، وأن أول من ارتدى القرنين كان الملك الأكدي نارام سين وتعني حبيب الإله سين (إله القمر)، وقصته مشهورة في مواجهة شعبين بدائيين قادمين من الجبال من جهة الشرق لتحطيم إمبراطوريته، بما يشابه المذكور في النص القرآني.
زاد الطين بلة أن معرفتنا المتزايدة منذ القرن الماضي بما يتعلق بأساطير وأحداث الشعوب في سوريا ومصر القديمتين، والتي تسبق أحداث النص التوراتي والقرآني، لم تغير شيئاً من تفسيرات النص القرآني المعاصرة، ولم تخفّف من غلوّ نظرية الإعجاز العلمي في القرآن إلا في مظاهر التلاعب في سياق الكلام، فأصبح الكلام حديثاً يدور عن "الإعجاز القرآني في العلم"، عوضاً عما كان يُعبّر عنه قديماً بـ"الإعجاز العلمي في القرآن"، وهو تواضع مغرور أمام حقائق تغدو يوماً بعد يوم أكثر بروزاً ووضوحاً.
فليس ثمة من إعجاز قرآني في نص خلق الإنسان من طين عندما يحدثنا العلم عن العناصر الكيمائية الموجودة في جسد الإنسان أنها تشبه الموجودة في التراب، لأن نصوص الأساطير البابلية والآشورية حدثتنا أيضاً عن خلق الإنسان من تراب! وبالتأكيد إن أكثر المؤرخين خفة لن يحدثنا عن الإعجاز العلمي في الأسطورة التي توجب بالدليل الإيمان بتعدد الآلهة! بل يدور الحديث عن كون الأسطورة من مقدمات بداية العلوم.
نظرية الخلق نموذجاً
يرد ذكر خلق العالم في النص القرآني وتنظيم الحياة في آيات متفرقات، منها هود 7: "هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء" تشبه ما ذكر في سفر التكوين في التوراة: "في البدء خلق الله السماوات والأرض وكانت الأرض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة وروح الله يرف على وجه الماء"، وتشبه ما ذكر في الأسطورة البابلية: "في تلك الأزمان الأولى لم يكن سوى المياه"، ونستطيع أن نزيد أن حيثية "عرشه على الماء" في القرآن و"يرف على وجه الماء" في التوراة، جاءت من الأسطورة البابلية لتصف مقام ومقر الإله أيا أو إنكي على الماء العذب، ويدعى "أبسو"، بعد أن خلق الأرض والسماء.
يأتي الفصل بين السماء والأرض في آية الأنبياء 32: "أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما". إن فعل الفصل بين الأرض والسماء عند خلق العالم يرد في أساطير سورية القديمة بعدد من النصوص، فتارة يكون بطله إنليل في نصوص سومرية، أو مردوخ في النصوص البابلية.
يأتي تنظيم شؤون الحياة والكواكب في القرآن في يونس 5: "هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً، وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب"، بينما يأتي وصف تنظيم ذات الفكرة في الأسطورة البابلية أكثر تفصيلاً: "أوجد مردوخ محطات الآلهة العظام، وضع الكواكب التي تماثلهم لتكون رموزاً لهم.
حدد السنة وقسم الفصول، وخصص ثلاثة أبراج للأشهر الاثني عشر، وبعد أن حدد للسنة أيامها، أوجد محطة للمشتري لتثبيت مداراتها حتى لا يكون هناك خطأ أو زلة، ومعها ثبت محطة للإلهين إنليل وإيا. فتح البوابات على كلا الجانبين ورسخ الأقفال على الشمال واليمين، وفي الوسط ثبت السمت. أنار القمر وجعل الليل في عهدته، جعل له سكينة المساء ليوضح معالم اليوم وأمره: في كل شهر أبزغ بالتاج من غير انقطاع، كن منيراً في أول الشهر على البلاد.
نصوص الأساطير البابلية والآشورية حدثتنا أيضاً عن خلق الإنسان من تراب
ليكن لك قرنان منيران فتدل على ستة أيام، وفي اليوم السابع تكون بنصف تاج، لتكن ليلة البدر مقابلاً للشمس وهي منتصف الشهر، وحين تطالك الشمس في الأفق خفض نورك وانطوِ به. في يوم المحاق اقترب من مدار الشمس. في اليوم الثلاثين كن مقابلاً للشمس ثانية، لقد وضعت علامة فاتبعها..." بقية النص وللأسف تالفة.
الجدير بالذكر أن الحدث القرآني في خلق العالم جاء مناقضاً للأسطورة السورية التي قدمت أن خلق الكون ينطلق من مادة هيولية أولى قابلة للتطور بالانقسام والصراع والتكاثر، وهي بصمة الفكر السوري القديم المادي. فقد تعددت في القرآن في ثماني آيات فكرة "كن فيكون"، منها "بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ"، أي الخلق من العدم، مقترباً، ولحد ما، من نظرة الأسطورة المصرية لخلق الكون التي ترتكز إلى فكرة (الخلق من العدم أو الخواء)، عندما يُوجِد الإله ذَاته وثم من ذاته يُوجِد العالم بدون مادة أثيرية أولى.
ولحد ما، لأن آية خلق الإنسان في القرآن تتحدث عن استخدام الله لمادة التراب في خلق الإنسان ولكنه يقول له كن فيكون: "إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ". لذلك يصحّ وصف الأساطير السورية القديمة بالتكوين وليس الخلق، فالخلق هو الفعل الذي يصح فيه وصف النظرة القرآنية إلى وجود العالم، رغم أن القرآن لم يقدم رؤية مفصلة ومتماسكة بهذا الخصوص.
الحدث القرآني في خلق العالم جاء مناقضاً للأسطورة السورية التي قدمت أن خلق الكون ينطلق من مادة هيولية أولى قابلة للتطور بالانقسام والصراع والتكاثر، وهي بصمة الفكر السوري القديم المادي
شُبّه لهم
لم يضع القرآن كلمة تخص دراسة ظواهر الطبيعة وحدها بل كان حديثه شاملاً للوجود ووحدة المعرفة، وبالتالي النظرة إلى الوجود بشمولية من الله إلى الإنسان والحياة (كأساطير الأولين تماماً)! لا يوجد في القرآن آيات مبوّبة منهجية لحقائق علم الفلك أو علم الطبيعة أو الكيمياء (كأساطير الأولين تماماً)! وإن وجد علم في القرآن فهو موحد ومبسط الغاية والوسيلة لوحدة متكاملة (كأساطير الأولين تماماً)!
بينما أعتمد الإنسان في العلم على أسلوب التقسيم والتجزئة والمناهج وقسم المواضيع ضمن دراسات تحمل أسماءً لها مدلول في الوجود، كاسم علم الرياضيات والفيزياء والهندسة، فكان هذا التقسيم بتوزيعه لحقائق الحياة يشبه إلى حد كبير أسماء الآلهة المتعددة واختصاصاتها التي نسب إليها الإنسان القديم ظواهر الطبيعة (كأساطير الأولين تماماً)! فإذا كان ثمة تناقض أو تباين بين العلوم، فهو لسبب من طبيعتها، أي عدم وحدة الغاية والوسائل (كأساطير الأولين تماماً)!
إذن، ما هو الحد الذي عنده يمكن اعتبار القرآن حقاً استمراراً لأساطير الأولين؟ أو بالأصحّ، ما هي الفوارق التي تمايزه عن أساطير الأولين، كي نقدر فهم موقعه من أساطير الأولين، وربما موقعه من العلوم أيضاً؟
اتِّباع "اليقين"
لا يكفي الاطلاع على نصوص الأساطير ومقابلة تصوراتها بالتصورات الموجودة في القرآن مهما ظهر هذا المنهج مغرياً، والمشكلة ليست في القرآن بل في أساطير الأولين نفسها! فنحن نأخذ أساطير الأولين في صياغاتها كنص نهائي ونستغرق في الدراسات المقارنة، ولا نعلم أن البيئة التي أنتجت الأسطورة البابلية لتكوين العالم استمرت في صياغات متطورة تعدل وتنقح في نصوص مباشرة أو بالفهم النظري.
فالأساطير السومرية والبابلية والكنعانية تحدثت بوضوح عن تكوّن العالم من ماء بدائي ممزوج من عذب ومالح، ولكنها في نسخها الأحدث، وبما وصلنا منها كشذرات، تحدثت عن شروط ضغط وحرارة ولدت شرارة كهربائية، فظهر المطر والتربة الرقيقة وانقسام البيضة الأولى (الخلية) وظهور أنواع الكائنات، وهي شذرات وصلتنا من سانخونياتن البيروتي، الذي يعتقد أنه عاش بين الألف الأولى والقرن الثامن قبل الميلاد، ويمكن مراجعة الشذرات الخطيرة من نظريته في كتاب "مجاهيل تاريخ الفينيقيين" لـلدكتور يوسف حوراني.
واصلت التصوراتُ القديمة السورية لتكوين العالم تطورَها الطبيعي، من السذاجة الأولى المذهلة التي وصلتنا، وأدت إلى التعقيد المعرفي اللاحق وبأحد نماذجه سانخونياتن كمثال. إن عدم معرفتنا بهذه السياقات إلا من خلال شذرات لا يعود إلى عدم وجودها، بل يعود إلى ما سبق وذكرناه من قيام المسيحية بتدمير الكثير من حواضر التراث الوثني القديم، وقبلها كان تدمير قرطاجة من قبل روما، وتدمير صور من قبل إسكندر المقدوني واحتراق مكتبة الإسكندرية، وجميعها مراكز كانت تحتوي كنوزاً معرفية لشعوب المنطقة.
بهذا السياق، لا يمكن المقابلة بين أساطير الأولين والقرآن، ولا يمكن لمئات السنين أن تؤدي إلى تطوير شكل الحدث القرآني في خلق العالم، إلى أي منحى خارج مرويات النص الثابت. وفي ذات السياق، يمكن المقابلة بين العلم وأساطير الأولين وليس القرآن والعلم، وبالتالي يظهر الخط الفارق بين النص الأسطوري والقرآني، وهو فارق يتعلق بالغاية من الأسطورة والقرآن.
الأسطورة نص علمي من اللاوعي الجمعي للإجابة على سؤال، والقرآن نص مكتوب بلغة الحكمة المتناهية الدقة من لاوعي مفرد ونهائي. الأسطورة نص مرن قابل للتطور والكسر والثني والنفي والانتقال عبر الزمن مترعاً بالمجهولات المادية والنفسية، والقرآن نص جامد ونهائي ولا يقبل المجهول إلا بالشروط المطروحة في سياق نصه بالتحديد.
الأسطورة فهم من حدس الشعوب إلى عقولها وقلوبها بمشاعرها المتباينة ويفترض مسبقاً القبول الذاتي، والقرآن لغة مصاغة إلى قلوب وعقول شعوب العالم، بغض النظر عن مستويات إدراكها، في رسالة لا تريد بذاتها إلا حالة القبول النفسي العام.
إن ارتباط الأسطورة بحدث فردي أمر مجهول لدينا ويأتي مشوشاً، وقد تم تفريغه معرفياً من محتواه الفردي لمصلحة موضوعية المعرفة بشروط زمانها، فالنص الأسطوري يرتبك أمام الباحث عن المسبب الفردي. القرآن ينطلق من الفرد ويرتبط "أسباب النزول" بالحدث وأشخاصه ونفوسهم وتوجهاتهم، وبالتالي يزداد فهم النص القرآني ويتم تشريحه بدقة نفسياً ومادياً، وكل جهد مبذول يصب في فائدة متعاظمة الضرورة.
الأسطورة نص يبحث عن الكلمة ليستفيض في التعليل ويسهب في الربط المحكم، والقرآن يتعرّض للكلمة ليختصر المعنى ويرسخ الأكثر ثباتاً بين محددات معروفة مسبقاً. فالذي تقدمه الأسطورة بالشكل والمضمون يقدمه القرآن بالشكل ذاته لمضمون مغاير.
إن كامل تاريخ الجزيرة العربية قبل الإسلام كتب بروح الإسلام وليس بروح الثقافات القائمة فيه حقاً
لا مجال لاستعراض الفوارق الكثيرة التي تدل على عبث المقارنة بين القرآن وأساطير الأولين، والكلام الحق أن القرآن يصلح للمقارنة مع كتب تشبهه في سياقاته وتقاربه، مثل التوراة والكنزا ربا، لأنه جاء مؤيداً ومنقحاً ومصوباً لهما، وهو ما تم نسفه في قصص القرآن بشكل منهجي، عندما تغلغلت التوراة إلى مفاصل الفراغات في القص القرآني وأتمت هذه الفراغات التي قصد لها عند كتابتها أن تبقى فارغة.
خدعة المكان
يكتشف المطلع على الجوانب الثقافية في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام مقدار الكم الهائل من الثقافات والمعتقدات والخرافات والتقاليد، وهي جميعها لا تظهر في القرآن إلا في حدودها الدنيا واللازمة، بل يتم التركيز في القرآن على الجماعات الفاعلة ثقافياً، من يهود ونصارى وصابئة والزاهدين والحنفاء، وهم لم يكونوا الجماعات الأكثر طغياناً على الحالة النفسية للعرب قبل الإسلام، أو بالحد المتواضع، كانوا ثقافة هامشية في هذه بيئة الجزيرة العربية.
بالإضافة إلى تعرض القرآن لبعض الأحداث التاريخية الواردة في المحيط القريب من الجزيرة العربية، مثل الطوفان أو عند الحديث عن اليهود. فيبدو كتاب القرآن كأنه يُدلي برأيه في كامل الثقافة الرئيسية لعصره بين الشعوب تقريباً ويتخذ منها موقفاً، النحل 89: "ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء"، وجاء هذا التبيان كفعل غير مسبوق لأنه منطوق باللغة العربية، وهو ما كرر في 15 آية في القرآن، منها يوسف 2: "إنا أنزلناه قرآنا عربياً لعلكم تعقلون، الرعد 37: "وكذلك أنزلناه حكماً عربياً".
أوقعت معضلة تفسير القرآن المؤرخين والمفسرين المسلمين القدماء في خطأ التركيز على فهمه من خلال من تحدث عنهم القرآن، فأصبح على سبيل المثال الحديث بين المؤرخين على انتشار دين الحنفاء بين العرب، والدافع له هو تفسير الفضائل المنتشرة بين العرب إلى هذا الدين القديم، وهذا موضوع مبالغ فيه، أو حديثهم عن قبائل العرب النصرانية، وأن العرب كانوا موحدين في جذورهم، ولكنهم انقلبوا إلى وثنيين بسبب شخصية ما جلبت الأوثان من خارج الجزيرة العربية، وهو أمر لا يقبله المنطق والعقل.
إن كامل تاريخ الجزيرة العربية قبل الإسلام كتب بروح الإسلام وليس بروح الثقافات القائمة فيه حقاً. إن فرادة الخطاب القرآني أنه توجه إلى هذه الثقافات المتنوعة في معتقداتها وآلهتها، ومتجاهلاً التعرض لها، ليحدثها عن الثقافة العالمية، ويقاطع وجودها الثقافي الخاص مع الوجود الثقافي القائم خارج الجزيرة العربية.
كان الحكم في هذه المقدرة الظاهرة في القرآن هو خصوصية لغته الأدبية التي استخدمت مفردات وتصورات سكان بيئة الجزيرة العربية في نظرة جديدة ولكنها أصيلة، وبالتالي يكون فهم الثقافات القديمة في شبه الجزيرة العربية واستيعاب تنوعها قبل بداية الدعوة هو المفسر الحقيقي لفرادة الخطاب الأسطوري في القرآن، وليس من خاطبهم وتحدث عنهم من يهود ونصارى وحنفاء وسواهم.
خدعة اللغة
تتعلق المشكلة الثانية بمحمول الخطاب القرآني (الرسالة) وعلاقة هذا المحمول باللغة التي رغم الجهود الجبارة التي بذلها القدماء لمحاولة تفسيرها وشرحها بقيت مستفيضة بجانبها الديني وغامضة عما سواه. قدمت المعاجم في شرح الفعل فسق، ومنه الفسوق من الكبائر، لما ورد في النص القرآني عند الحديث عنه، ولكنه يرد أيضاً بمعنى مغاير: "فسقت الرطبة عن القشر"، أي خرجت، ما يوحي بقصة لهذه الكلمة.
كيف سيكون تفسير القرآن، وربما فحواه، لو أن المسلمين وجدوا في بلاد الشام والرافدين وبلاد النيل أصحاب الأساطير القديمة ومراكزهم الثقافية ومعابدهم وآلهتهم وفلسفاتهم على قيد الحياة، إلى جانب المسيحية التي عرفوها باسم النصرانية؟
إن هذا الفعل ليس غريباً عن السريانية في كلمة فسق – بسق بمعنى قطع، وقص، وجذم. ومنها كلمة باسوق أو فاسوق وتعني عث القمح. لم يعنَ أهل المعاجم بهذه اللفظة وأصولها، ولو فعلوا لتوصلوا إلى الكثير من روابط اللغة العربية مع اللغات السابقة لها ولتعرفوا على الكثير من خواص الألفاظ العربية.
إننا نحتاج إلى مناهج جديدة في اللغة والتاريخ والاجتماع لتفسير الفرادة الشديدة في الكيفية التي استخدم بها النص القرآني أساطير الأولين. فرغم الإغراء الذي يدفعنا لمقابلة القرآن بالتوراة أو الكنزا رابا أو سواهما، إلا أنها ستكون مقارنة في الظواهر ولا تفيد في فهم الابتكار اللغوي الفريد الذي جاء به النص القرآني.
فالقرآن ظهر في زمن محدد وضيق وليس عبر القرون كالتوراة مثلاً، ولم يتعرض للتغيير والتنقيح والتصحيف والتبديل عبر الزمن لجعله مقبولاً. كان القرآن رسالة عالمية مختزلة لحامليها بالتحديد، ليجدوا أن لديهم ما يشبه بقية الشعوب، ويتقاطع بشكل أو بآخر مع ما تعرف تلك الشعوب، وأن لهم رأياً فيه ينبع من لغتهم الخاصة. ومن هنا يبقى السؤال الخيالي، إذا جاز لي التعبير: كيف سيكون تفسير القرآن، وربما فحواه، لو أن المسلمين وجدوا في بلاد الشام والرافدين وبلاد النيل أصحاب الأساطير القديمة ومراكزهم الثقافية ومعابدهم وآلهتهم وفلسفاتهم على قيد الحياة، إلى جانب المسيحية التي عرفوها باسم النصرانية؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...