أخذت البحرينية شريفة الزياني على عاتقها تعلُّم وتدريس الرقصات البحرينية والخليجية النسائية، وذلك بغية توثيق ما أمكن توثيقه من هذا الإرث قبل أن يضمحل مع رحيل النساء الأكبر سناً اللواتي لم يزلن يمارسنها أو يملكن معرفة بها، مستعينة أيضاً بمن عاصرن المتمرسات بها. وقد صدر كتابها "الرقص الخليجي للنساء" الذي يحمل عصارة بحثها.
وُلدت شريفة وترعرعت في بيت يحب التعلم والثقافات المختلفة كما أخبرت رصيف22، وهي حاصلة على بكالوريوس في التربية الرياضية من جامعة البحرين. ومنذ العام 2017 تعمل على بحث موسع في مجال الرقص الشعبي إضافة إلى عملها الحالي منسقة أغان ومدربة رقص خليجي.
ينبع اهتمامها بهذا الفن من اهتمامها بفن الحركة كما توضح: "للرقـص الخليجـي إيقـاع حركـي يختلف عـن الرقـص الشـرقي، حيث تأتي الحركات بـروح الإيقـاع لا ملازمة ومتزامنة معه كما فـي الرقـص الشـرقي".
ورغم أن التنوع الكبير في الرقص الخليجي النسائي لم يجد طريقه للشهرة، فالأعمال الموسيقية والسينمائية أو التلفزيونية لا تبين إلا جزءاً بسيطاً منه، فإن الخليجيات يمارسنه في العديد من المناسبات، كالأعياد والجلسات النسائية الخاصة، وجلسات السمر والسهر مع الأحباب والأهل، كما أنه فرصة للتعرف ورؤية الأمهات لزوجات أبنائهن المستقبليات.
الدراسة والتوثيق طريقان وعران
ما الذي دفعها لدراسة هذا الموضوع وتوثيقه؟ تقول الزياني: "ساعدتني مادة التربية الرياضية في تحليل الحركة أو المهارة، كنت أحب عروض الرقص في التلفاز أو على خشبة المسرح، ولكن مع مرور السنوات وجدت أن هذا النشاط الجميل بدأ في التراجع من قبل البنات الأصغر سناً وبعض العارفات ممن كنّ يؤدين هذا النوع من الرقص رحلن، أما الموجودات فلا يمتلكن التخصص الحركي او البدني لممارسته أو تدريبه للجيل التالي".
للرقـص الخليجـي إيقـاع حركـي يختلف عـن الرقـص الشـرقي، حيث تأتي الحركات بـروح الإيقـاع لا متزامنة معه كما فـي الشـرقي
وتشير إلى أصعب التحديات التي واجهتها خلال بحثها الذي استمر عدة سنوات، ومن أهمها اختلاف التسميات لبعض الإيقاعات عند الفرق الشعبية المتنوعة، إذ كانت تأخذ برأي الأغلبية أو تستمر بالبحث أو حتى تخترع مصطلحاً جديداً من وحي الملاحظة والبحث.
أما التحدي الآخر فهو قلة الفنانات الشعبيات الملمات بهدا الفن، إلا أنها اعتمدت على تنويع مصادر المعلومات حتى من الرجال الذين عاشروا نساءً كنّ يؤدين هذه الرقصات.
لاحظت الزياني حركات الرقص منذ صغرها في المناسبات العائلية ومن خلال التلفزيون، إذ كانت تسجل وتحلل الحركات وتقلدها، وهي ترى أن الرقص الخليجي "ليس صعباً جداً ولكن لا يعرفه الكثيرون/ات، كما أنه قريب للطبيعة والفطرة والبساطة. هناك شح في المعلومات من ناحية توفر الكتب وتعلم الأداء".
تناسق البحر مع البادية
خلال رحلة البحث تحدثت الزياني ودرست الرقص الخليجي مع فنانات/ين شعبيات/ين، لتوثق الرقصات النسائية الخليجية وتاريخها وأدائها، وتشير إلى أن رقص أهل الخليج يجمع بين طبيعة أهل البادية وأهل البحر، فهناك تجانس بين فنون البادية مثل: المراداة والسامري ورقصة الخيل أو الفرس، وفنون أهل البحر مثل الليوة والطنبورة، وهي متأثرة بسواحل إفريقيا والهند، والبستة متأثرة بالعراق (أهل البصرة خاصة)".
رقص أهل الخليج يجمع بين طبيعة أهل البادية مثل رقصات المراداة والسامري ورقصة الخيل أو الفرس، وفنون أهل البحر مثل الليوة والطنبورة
رقص أهل الخليج يجمع بين طبيعة أهل البادية مثل فنون المراداة والسامري ورقصة الخيل، وفنون أهل البحر مثل الليوة والطنبورة
تهتم الزياني بفنون الرقص النسائية التي تتميز بـ"البساطة والحياء والرومانسية الواضحة في فن السامري والخماري" بحسب تعبيرها، وقد قدمت مجلة الثقافة الشعبية الدعم لها في هذا التوثيق منذ العام 2019.
وتشير إلى اختلاف الرقصات باختلاف المناسبات، مثلاً "فن الفريسة" يكون في احتفالات النصف من شعبان والنصف من رمضان، "القرقاعون" في "الأفراح". رقصة "الفرس" أو "الخيل" هي رقصة نساء البادية في شبه الجزيرة العربية وتتمتع المرأة فيها بخفة الانتقال من مكان إلى آخر مع تمايل ووضوح في حركة اليدين وتحريك الشعر أو ما يُسمى بلفح الشعر والخطوات.
أما رقص "السامري" فيكون في الأعراس مع تمايل الثوب، حيث يشير الأداء الحركي البطيء في هذه الرقصة إلى الحياء والحزن والشوق للحبيب، وتلبس النساء الشيلة أو ثوب النشل أو العباءة لأداء الرقصة.
كذلك هناك رقصة "البسته" التي ترقصها النساء في الأعياد والأعراس والمناسبات الوطنية وهي خفيفة ذات أنس وسرور وترتدي النساء لها ثوب النشل مما يساعد على إبراز جمال الثوب في الحركة. وهناك رقصة "المراداة" التي تقام في العيدين أو في أي مناسبة يلتقي فيها عدد مناسب من النساء في المكان، وهي عبارة من الذهاب والرجوع في مكان معين، والرد في الكلام والغناء. أما رقصة "الخماري" فترتدي لها المرأة الجلابية وثوب النشـل، وقد سُميت بهذا الاسم مـن خمر الشيء أي غطاه أو اللـون الخمري أو الأسمر أو الاختفاء خلف شيء أو الشيء أو الشخص المخمور أي السكران".
التدريب والانتشار
تدرب الزياني حالياً الرقص الشعبي الخليجي في عدد من المراكز في البحرين، وهناك إقبال من النساء الأكبر سناً أكثر من الصغيرات على تعلمه كما أخبرتنا، باستثناء الفتيات اللواتي يجهزن أنفسهن لحفل الزفاف، أو الراغبات بالتعرف على تاريخهن وثقافتهن، إضافة إلى الأجنبيات اللواتي يرغبن بالتعرف على ثقافة أهل البلد.
التنوع الكبير في الرقص الخليجي النسائي لم يجد طريقه للشهرة، فالأعمال الموسيقية والسينمائية والتلفزيونية لا تبين إلا جزءاً بسيطاً منه
وحول نشر الفيديوهات التعليمية على حسابها على انستغرام ويوتيوب، تقول: "علاقتي بالجمهور عبر هذه الوسائل جيدة. وقد تعودت النقد والصدمات"، وتضيف: "كامرأة خليجية، ليس من الدارج أن نكون مدربات للرقص، فالجمهور ليس معتاداً ذلك. لذا أتعرض للتنمر في بعض الأحيان".
تطمح شريفة أن يُدرس الرقص الخليجي بمنهج يساعد الفتيات في التقرب من تراثهن، بالإضافة لتقديمه للشعوب والثقافات الأخرى بصورة جميلة وحضارية، كما تطمح أن يكون لديها مركز لتدريب الرقص الشعبي الخليجي.
وتختم بقولها إن نشر هذه المقاطع على وسائل التواصل الاجتماعي يعني أن "يخلق الفن الخليجي لنفسه مساحة في ظل طغيان رقصات وفنون الثقافات الأخرى، وكذلك هو طريقة لتتعرف الأجيال على تراثها وهويتها في الرقص".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...