تندرج المادة في سلسلة تعدّها منى وفيق، المحررة الضيفة في صفحة ثقافة لشهر آب/أغسطس
العُروض المذهلة لِشتاءٍ دافئ تجيء بعد فوات الأوان.
غَيْرُ معنيّةٍ بالسّعادة وأسفي شديد. أعيش حياةً مزوّرة في أماكن مُزوَّرة. متألّمةٌ كبيرة أَفهم الحياةَ على وجهها الصّحيح. لا أناهض السّعادة غير أنّني أخشى ما يحفّها من بلادة. السّعداء لا لغة لهم. اللّغة مِلكي والمطبّاتُ كلُّها. لي عينا بقرة، مائيّتان وشهيّتان، سيّما عندما تقف على إحداهما ذبابة.
مُحتَمِلةٌ ممتازة، ومقامرةٌ بارعة لا أخبّئ شيئاً. عمقي البعيد لَم يُنهَش بعد، لا يَحتفظ بذكريات اللذّة والألم، دافئ كرحمة الربّ. حارسةٌ جيّدة لا أغفلُ عمّا يجب. مُعتزّةٌ بقوّةٍ متخيّلة. أتمايل، مُعلَّقة مِن سرّتي فوق مسمار مفلطح.
قويّة، لكنّني لست محارِبة. خيرُ من يُسكتُ احتجاج العالم وإعلانه الكاذب عن رغبة في النّوم. وآخذ حقّي من القلوب من حولي. آكل بشفتيّ المعذّبَتين مقدّماتِ القلوب قبل أن أتجاسر على هذه القلوب بأكملها. وأمّا الذين أحبّهم فأحبّهم، ثمّ أنساهم لِيموتوا.
لا أناهض قيادةَ أحد، ألفت أنظاره وحسب، قبل أن أقود الحكاية كمُرشدة. ويا لَقلبي العامر بالشّغف الخاطئ، المُذْهِبِ للّغة مع أنّها حديث غير زائل.
ناري غافية، مِثلي لا يُصدِر غير الدّفء. لا أُغلقُ بَصري عن الرّيح البيضاء، لا أضِلُّ عن الصّمت، أطارد أحلامي بِعنادٍ، وأُخطِرها بهدوءٍ واثق "بعد موتي، سأجيؤكِ بهيكلي العظميّ".
لا أندم "الآن" صديقي. الخيانة تُدرّبني على الحياة. لا أكره لكنّني أنسى. هاربةٌ ممّا أنا فيه، بخفّةِ اللّصِّ المُجيدِ لطقطقةِ الأصابع، بدقّةِ الفراشةِ البارعةِ في الإفلات بنعومةٍ مِن زاوية العين، بتفوّقِ الكعب العالي في دقّ الأعناق وتثبيتها. الولادة هَرب. الموت هَرب. سأهرب دوماً.
أستطيع أن أرى الشّقوق في من يحتاجون لضوءٍ يتسلّل إليهم عبرها، وأتسلّل إليهم منها، ثمّ أعود إلى شقوقي أُوسّعُها أملاً في أن يراها من يستطيعون التسلّل عبْرها... منى وفيق في مجاز الخطّ الثالث
سطحيّةٌ في المواقف الآمنة. أستدعي خيباتي في الشكّ، ولو كانت خيباتي على حقٍّ لَما كانت خيبات. معرفتي ناقصةٌ لكنّها تفهم. خاسرةٌ جيّدة. أؤكّد. يكفي هذا برهاناً على عدم استدعائي للمكيدة.
أَنصاحُ في آخر اللّيل؛ أترصّد أخبار العزيزين كلصّ. مراقِبةٌ خفيّة للمَصادرالفذّة. سعيدٌ مَن بلغ مقام حيرتي. مِن أمامي لا يطير أحد، مَن يلتقطه قمري، فَيَحطّ أمام أسناني الفصيحة متوقِّعاً العضّة كمازوخيّ.
كلاّ، لستُ محايدة، فأن تكون محايداً يعني أنّك لستَ على حقّ وهذا مأساويّ. قاسيةٌ لكنّني لا أطفئ النّهار في عينيْ أحد. خطّاءةٌ أتمتّع بفضيلة الاعتراف. منتصرةٌ حزينةٌ، والنُّبل لا يُدرَّس. فريدةٌ ومَن قادني إلى مقارنةٍ لم يَقرأ، لم يَرَ، ولم يَسمع.
أنثى يُمكن تمنّيها في ذلك الوقت المتأخّر من عمر الأشياء. كاملةٌ لا تريد إلّا ما هو كامل.
أكتفي بِكوني تِرموسَ قهوةٍ، حرارتي إلى داخلي. نار الحياة أَحرقتْ رأسي لسنين مُتعدّدة، وأحتاج إلى بردِ الدّول الإسكندنافيّة ليُعيد إليّ الطّمأنينة.
أنامُ وحيدةً كدميةٍ شاردةٍ ذراعاها طويلتان. أَخلع الأسماء على الأشياء، وأضحك في سرّي ممّا لا يحدث. أتقبّل غضب الآخرين بصمتِ العارف. حاذقةٌ لا أَقصد إنساناً خاطئاً، وأينما دخلتُ أخرُج خفيفةً.
حكايتي ليست تحت إمرَتي، هي حكايةٌ فحسب. لغتي محبوسة لي ولِمن أحبّ في ليلي القليل بلا ضجيج. عابرةٌ بلا أمل، غالباً ما أكون في رأسك وتَكون الدّودةَ في خرائي. عابرةٌ ضدّ الأثر، على حقّ، غيرُ شائعة وأحترم صفاتي. ولأنّ النّقصان لا يُمَسُّ بالصّدق، أنا حقيقةٌ مشطورة، أنا خارج الحذر ومكائده، و قرب اللّغة الغاضبة. أنا الحزن الخفيف قرب الشّخوص العائدة من حكايات غير قانعةٍ بالاكتمال. وأنا مرّة أخرى، الغرفة الدّافئة والحارسة والعارفة التي لا يتشمّمها إلّا غريب. عائدةٌ إلى نفسي من حروبي الصّغيرة، ويأسي وفير. اللّمعةُ في عينيَّ، دُموعُ مَن سبقوني إلى الأرض.
هناك الصّفات التي يمنحها لنا الآخرون، والصّفات التي نصنعها لأنفسنا، سنموت بصفاتنا لا بصفاتهم. وكذلك سنحيا.
نار الحياة أَحرقت رأسي لسنين مُتعدّدة وأحتاج إلى بردِ الدّول الإسكندنافيّة لِيُعيد إليّ الطّمأنينة
الرّأسُ يقول إنّني سمكة. الجذع يقول إنّني سمكة. الذّيل يقول إنّني سمكة. الزّعانف تقول إنّني سمكة .سمكةٌ بلا شوك. على البرّ أترنّح، ملمومةَ الذّيل. أحتكّ بالقادرين على إحداثِ جِراحٍ هائلةٍ منتصبةٍ داخلي، لتخرج شوكةٌ وأخرى وأخرى. لا أطيق رؤوس الأسماك، وتقرفني فكرة مصّها. في مرّةٍ، نادى رأسُ سمكةٍ متذاكية رؤوسَ أسماكٍ عديدة إلى طاجني عَلِّي أقتنعُ بأنّها سمكة مكتملة. رميت الطاجن بما فيه في حاوية القمامة.
بالطّبعِ، حساسيّتي عالية (من غير حسد). شغفي متعدّدٌ وفرديّ. أَنتظر استيقاظك بعد حلم رأيتك فيه، أدفعك كغيرك إلى البحر ثانيةً، ولا أتشبّتُ بأحدٍ، وعندما تطلع من صناديقي المهملَة خائفاً أبادرك: "الأدرينالين تقرأ النّوايا، لا اللّغة".
عفويّة. سيّئةُ حظٍّ عريقة. أرحل وقت القطاف. متسرّعة كنمرة. قادمةٌ مِن تاريخ لا يعنيني. أصيلةٌ في التّشبيه؛ لا أحبّ تكرار ما قاله غيري. لا أمنع نفسي عن شيء. مَن يحاول منع نفسه واقعٌ لا محالة. يُسعدني ما يُبعِدني.
لولا أنّني أُفارِق ما أَخشى أن يكون القُبلةَ المَدخلَ لِما لا ينتهي، لَما سمعتَ غير هذا النّداء لشركاتِ الطّيران عند الإقلاع: "يُمنع على منى وفيق البكاء في جميع رحلاتنا".
أبكي بِشكلٍ وَقورٍ ومغرور، كَجدارٍ يتقشّر بصمتٍ خفيف، ولكي أتلاشى، أتحدّث إلى أكبر عدد ممكن من النّاس دفعةً واحدة. أَحتفظ بصورتي في جيبي إلى حين أتعرّف إليها في وقتٍ لاحق.
أستطيع أن أرى الشّقوق في من يحتاجون لضوءٍ يتسلّل إليهم عبرها، وأتسلّل إليهم منها، ثمّ أعود إلى شقوقي أُوسّعُها أملاً في أن يراها من يستطيعون التسلّل عبْرها كضوءٍ أو مَن يَعلقون بها كحديدِ شُبّاك.
البطيؤون في اللّغة، مِقدامون للغاية في استدراج غيرهم إلى الفخاخ؛ هكذا هم الدّائخون في آخر الحياة أو في أوّلها. السّنوات تمرّ. والعمر ليس في الجسد. كلاّ! الهائمون مثلي لاينوون الحكي. محبوسون في مرطبنات. خرجتُ لأكتب في المرطبان خاصّتي:"متألّمة ومؤلمة". ثمّ أغلقتُ على نفسي بإحكام.
كثيراً ما تهاجمني نوبات الكسل. كَسلانةٌ جدّاً، لا أردّ على النّاس في الشّارع، ولا على المكالمات الهاتفيّة، ولا المسجات، ولا الإيميلات، ولا على نفسي أيضاً.
أصحاب البقشيش العالي، يطالعون عروض "أمازون" باستمرار لشراء حياتي الشّخصيّة بالكامل، ومن ثّمة تحويلها إلى تطبيقٍ مسلٍّ على "الأندرويد"، يُحدّد "للتّوّاقين إلى شدّ السّيفونات"، الأماكنَ التي قضى فيها الآخرون "حاجتهم" في حياتي دون أن يشدّوا "السّيفون".
لا إفصاحَ ولا تبريرَ ولا وصف. ما مِن شيءٍ ممّا يرتضيه الأرضيّون تعبيراً عن حالهم. وسط ما يحصل معي، تُوافقني الملائكة "تَمَّ استغلالنا لإِنجاح كْليباتِك".
يصيبونني بالملل هؤلاء الذين يعدّون النّجوم والخرفان ريثما ينامون. و لا أتأثّر بمن يسقطون من عيني، ولا بمن يسقطون من أسطح البنايات أو بلكوناتها. أميلُ إلى تهديم بيوت العناكب، لأنّني لن أتمكّن من السّقوط فيها، والسّقف الوحيد الذي أخشى الاصطدام به هو رأسي. بالمناسبة، عندما صَنع الإنسانُ سقفاً، كان يرجو اختراعَ سماءٍ قريبة.
غَيْرُ معنيّةٍ بالسّعادة وأسفي شديد. أعيش حياةً مزوّرة في أماكن مُزوَّرة. متألّمةٌ كبيرة أَفهم الحياةَ على وجهها الصّحيح... الشاعرة المغربية منى وفيق
كنتُ طفلة ظالمة وسطحيّة، تَنتصر لـ"جيري" على حساب "توم"، تَرتقب فوز "باباي" على"بلوتو"، وتضحك من الصّميم مع السّاذجة "أوليف"، تشعر بالانتشاء و الانتصار عندما في فيلمِ "رعاةِ البقر"، يَقتل أمريكيٌّ أشقرُ واحداً من الهنود الحمر. أمّا اليوم فأنا في صفّ مَن كنت ُضدّهم في طفولتي. لا أصدّق من ينتصر، بل من يشبهني. البطل الحقيقيّ يُغلَبُ بصورةٍ دائمة، يَمضي في قدَره لا مبالياً بتصنيفه نجماً أو كومبارساً.
أحبّ الجميع مِن الدّمية المكسورة إلى مَن كَسرها. أحبّ الجميع بلا استثناء. أَعْرف أنّ أيّ شخص مهما كان كريهاً فهو يأتيني مُحَمَّلاً بمن يحبّونه... بكلّ من يحبّونه.
ثمّة وُجوه لا أنساها. تماماً مثل تلك الوعود القليلة جدّاً التي وفيت بها. الحياة لا تضحك في وجه أحد إلى الأبد، ولا تتجهّم في وجه أحد إلى الأبد كذلك. لاتتذكّرك دائماً، ولا تتناساك دائماً. لمّا نكون معنيّين بها لا نعنيها. يناسبها أن نبقى مُعَلّقين في مشجبِ ضَبطٍ، لترتدينا متى ما شاءت. من يكرهونها هم أنفسهم من يحبّونها. وحدهم الوحدانيّون الذين دخلوا منطقةَ حيادٍ عاطفيٍّ واقتَلعوا الأبواب وتَجرّدوا من أنفسَهم، لا تستطيعُهم. وحده الشِّعر قادرٌ على أن يجعل جثّة الحياة تتكلّم. هذا ما كنتُ أظنّ، قبل أن أؤمن أنّ الحياة فعليّاً كائنٌ هلاميّ مِن دم وجيلاتين، وهي لا تشبع بموت أحد. هي مثلي تَرومُ مَن يَقتلها، وفي انتظار ذلك تكتفي بالسّقوط على أيٍّ كان.
لا أتوق إلى قراءة الشِّعر مِن على سطح القمر، ولا داخل "سوبر ماركت" بالقرب من موادّ التّنظيف، ولا أسفلَ سِتارةٍ هوائيّة، ولا مِن داخل حاويات القمامة أو ما شابَه. ولكنْ في واحدةٍ مِن حفلاتِ الـ"LSD" المُقامةِ في غابة أو مقبرة أو على متن طائرة أو أثناء مضاجعةٍ عابرة.
إحساسي في أغلب اللّحظات يُشبه إحساسَ مصوِّر في الثّمانينيات اكتَشف خلال تحميض فيلمِ زفافٍ صَوّره بمفرده، بأنّه محروق.
لا أَهتدي إلّا إلى الحُفر، الشّرفات في العالم حزينة.
لا أحد يعرف أين تختبئ الفراشات. أختبئ مثلها. لي خفقة الطّحالب، كنْ ضوءاً لألتقطك.
الدّموع والابتسامات أدواتُ حَذف. أعيش في اللّغة والموسيقى والشّهوات العابرة. أَقرأ، أَسمع الموج، أَشرب، أُجاري الأرق، لا آمَلُ، أنصرف. لي مرحي المؤلم كما ترى. صدِِّقِ انتباهي.
أنا آخر ما يَحدث.
حاملةُ الكبريت في الحرق العظيم. لديّ أسبابي.
حاملةُ الكبريت في الحرق العظيم... ولديّ أسبابي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.