شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
عندما دافع بورقيبة عن الحجاب... مُساجلاً الطّاهر الحدّاد

عندما دافع بورقيبة عن الحجاب... مُساجلاً الطّاهر الحدّاد

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 30 يوليو 202205:18 م

يُدندنُ الطّاهر الحدّاد برائعة سيّد درويش الخالدة التي كان يعشقها ويتقنُ أداءها بصوتٍ عذب: "أنا هويت وانتهيت"، حين كان يجلسُ بين أصدقائه الذين ضاق عددهم ولم يبقَ حوله منهم إلاّ نفرٌ قليل. كان ذلك في منتصف ثلاثينيات القرن الماضي، في زمن محنته التي سبّبها كتابه الشّهير "امرأتنا في الشريعة والمجتمع".

أنهى الطّاهر الحدّاد أيّامه تلك معزولاً ومنبوذاً عن المجتمع، يُرمى بالحجارة في الشّارع، ويُضْرب بعنف ويهانُ بقسوة. وحتى حين رحل عن الدنيا بعد أشهر من ذلك، بسبب داء القلب ومرض الصّدر وبسبب العذاب النّفسي أيضاً، لم يسِر في جنازته إلاّ عددٌ قليل من الأهل والأصدقاء.

بعد ذلك بعقود، وفي ليلة رتيبة من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، في العام 1987، كان أوّل رئيس لتونس بعد الاستقلال الحبيب بورقيبة، يروي لجليسَيه، ابنة أخته سعيدة ساسي، ومدير ديوانه عمر الشاذلي، قصصاً تاريخيّةً من الحروب الصليبية التي كان يُحبُّ دوماً تكرارها، في الوقت نفسه الذي كان يتحرّك فيه وزيره الأوّل زين العابدين بن علي، ليعزله عن السّلطة. بعد ذلك سينهي "محرّر المرأة"، بقيّة حياته معزولاً في قرية ساحليّة صغيرة، وسط البلاد، ممنوعاً من الزيارة والتواصل مع الخارج، وحين رحل هو أيضاً في السنة الأولى من القرن الحالي، لم تسمح السلطة لجنازته أن تكون في حجم يليق بـ"باني تونس الحديثة".

أنهى الطّاهر الحدّاد أيّامه تلك معزولاً ومنبوذاً عن المجتمع، يُرمى بالحجارة في الشّارع، ويُضْرب بعنف ويهانُ بقسوة. وحتى حين رحل عن الدنيا لدفاعه عن سفور المرأة، أما الحبيب بورقيبة فدافع حينها عن الحجاب... ما السر في هذا الاختلاف في المواقف؟

لا يجمع بين الطّاهر الحدّاد والحبيب بورقيبة "بؤسُ النهايات" وحدها، بل يجمعهما أيضاً -وخاصةً- دورهما التاريخي في قضيّة تحرير المرأة التونسيّة، إذ يتشارك الرّجلان هذه الميزة حتّى صارا عنوانين كبيرين لها. الطّاهر الحدّاد صاحب الكتاب الأشهر في تاريخ تونس الاجتماعي الذي نادى فيه بضرورة تحرير المرأة ورفع كلّ القيود الاجتماعية والاقتصاديّة والثقافيّة المسلّطة عليها، والذي خلّف جدلاً كبيراً وحاداً في الأوساط الدينية التونسية والعربية. والحبيب بورقيبة بإصداره، المجلّة القانونيّة (قانون الأسرة) الأشهر في الأحوال الشخصية في العالم العربي، والتي كرّست للمرأة التونسية حقوقاً رائدةً في محيطها العربي الإسلامي.

لقد حازت المرأة التونسية، بفضل مسيرة إصلاحية طويلة (كان الرّجلان أحد أبرز علاماتها)، مكانةً متميّزةً على صعيد الحقوق والحريات والمكانة الاجتماعية والسياسية، فاقت نظيرتها حتى في دول العالم الغربي إذ كانت الكثير من النساء في الغرب يكافحن من أجل حقوق حازتها المرأة في تونس منذ عقود.

غير أنّ الرجلين، بورقيبة والحداد، بقدر ما كان يجمعهما مشروع واحد، وهدف واحد تحقّق في النهاية، إلاّ أنهما لم يكونا دوماً على الموقف نفسه من هذه القضيّة. لقد كانت مواقف الرّجلين متنافرةً تماماً في أواخر عشرينيات القرن الماضي، عندما ظهرت لأوّل مرّة في تونس دعوات السّفور العلنيّة في الندوات وفي الصحف وفي النقاشات. إذ كان الطاهر الحداد مناصراً لتلك الدعوات ومدافعاً عنها بقوّة، بينما كان الحبيب بورقيبة، الذي نزع بيديه بعد عقود -إثر الاستقلال- حجاب النسوة مباشرةً أمام الكاميرا، رافضاً لتلك الدعوات، بل ومتحمساً أيضاً لرفضها بشدّة.

جذور قضايا السّفور وتحرير المرأة

لطالما كانت قضية المرأة حاضرةً في بال الرعيل الأول من المصلحين التونسيين في التاريخ الحديث، غير أنّها لم تكن ذات أولويّة ضمن مشاريع الإصلاح السياسي والاجتماعي التي دخلتها تونس منذ منتصف القرن التاسع. كما لم تكن أيضاً المواقف حيالها محلّ إجماع بين كلّ المصلحين. فالمصلح والوزير أحمد بن أبي الضياف الذي يُعدّ واحداً من ألمع النّخب التّونسية الإصلاحية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، لديه رسالة حول المرأة كتبها في العام 1856، ونشرها وحققها الباحث المنصف الشنوفي في العام 1968، بعنوان "رسالة أحمد بن أبي الضياف في المرأة"، والتي كشفت عن روح تقليديّة ومحافظة في الرؤية إلى موضوع المرأة، خاصةً أنّها جاءت كردود دفاعية عن الإسلام، في شكل أجوبة عن أسئلة من أسماه "بعض أعيان الفرنسيين"، والذي يتفق المؤرخون بعد ذلك أنّه ليس سوى القنصل الفرنسي الشهير بأدواره في تونس والجزائر، ليون روش.  

في المقابل، كانت صحيفة "الرّائد التونسي" التي أسسها المصلح الشهير خير الدين التونسي، والتي صدرت لأوّل مرّة سنة 1860 (أول صحيفة تونسيّة)، تنشر أخبار الحركات والقضايا النسويّة في العالم والتي كان محرّرها هو الأديب والمثقف المُصلح محمّد السنوسي.

بورقيبة والحداد، بقدر ما كان يجمعهما مشروع واحد، وهدف واحد تحقّق في النهاية، إلاّ أنهما لم يكونا دوماً على الموقف نفسه من هذه القضيّة. لقد كانت مواقف الرّجلين متنافرةً تماماً في أواخر عشرينيات القرن الماضي

بعد ذلك، وإثر دخول الاستعمار الفرنسي إلى تونس، وتغيّر الخريطة الاجتماعية والواقع السياسي في البلاد، ومع اتّساع رقعة النّشر والصحافة، بدأت القضيّة تثير نقاشات واسعةً في الصّحف التونسيّة خاصةً مع وصول تأثيرات دعوة قاسم أمين حيث حُبّرت المقالات دفاعاً عن أفكاره وأخرى كثيرة معارضةً له. غير أنّ حدثاً مهماً سيكون مفصلياً في تاريخ تونس الاجتماعي وفي تاريخ قضيّة المرأة التونسية بدءاً من العام 1924.

في أوائل العام 1924، نظّم الحزب الاشتراكي الفرنسي في تونس، ندوةً حول قضايا المرأة، وفي تلك الأمسية "اعتلت المنصّة موظفة مسلمة سافرة وهي السيدة منوبية الورتاني وخطبت في الجمهور مطالبةً بجرأة بحقوق المرأة المسلمة، ملحّةً على ضرورة رفع الحجاب عنها وترقية مستواها الفكري والأخلاقي والاجتماعي بالتربية والتعليم، ملاحظةً أنّ المرأة المسلمة ضحيّة التمسك بحرفيّة النص القرآني من دون روحه العميقة السمحة"، وفق ما يذكر الباحث والوزير الأسبق أحمد خالد في كتابه "أضواء من البيئة التونسية" (ص 215).

"اعتلت المنصّة موظفة مسلمة سافرة وهي السيدة منوبية الورتاني وخطبت في الجمهور مطالبةً بجرأة بحقوق المرأة المسلمة، ملحّةً على ضرورة رفع الحجاب عنها"

خلّفت تلك المداخلة، التي ألقتها امرأة "مسلمة سافرة"، جدلاً واسعاً في النّدوة وفي الصحف بعد ذلك، إذ صعد بعدها المنبر في تلك الأمسية الصحافي والقيادي في الحزب الدستوري الشاذلي خير الله، ليرد عليها ويناهض أفكارها، وليلقي هو نفسه بعد أشهر في الـ28 من جزيران/ يونيو 1924، "من منبر جمعيّة قدماء الصادقية محاضرةً أخرى دعا فيها إلى تعليم البنت المسلمة ولكنه نادى بالحفاظ على الحجاب"، كما شكري المبخوت في تاريخ التكفير في تونس (ص 196).

بعد محاضرة منوبية الورتاني، انطلقت المجادلات عبر الصحف والجرائد، فكانت صحيفة الحزب الاشتراكي "Tunis Socialiste" (تونس الاشتراكية) ناطقةً بأصوات الداعين إلى السّفور وتحرير المرأة ونزع الحجاب، بينما كانت الصحف المقرّبة من الحزب الدستوري القديم وعدد من الصحف الأخرى تتراوح بين الاعتدال والهجوم الحاد والتكفير.

استمر ذلك الجدل حول السفور بوتيرة متذبذبة طوال أربع سنوات كاملة، يتصاعد حيناً ويخفت حيناً آخر، حتّى "ارتفعت الضوضاء في سنة 1928، بين الكتّاب والصحافيين التونسيين حول تعليم المرأة والحجاب وانقسموا إلى فريقين: أحدهما متحرر يدعو إلى السفور ومنح المرأة حقوقها والآخر محافظ يناصر الحجاب. واعتدل فريق ثالث عدّ المجتمع التونسي آنذاك غير متأهل لقبول السّفور، غير أنّه لم يناهض السّفور مبدئياً"، وفق ما يشير الباحث أحمد خالد، في كتابه سابق الذكر (ص 253)، والذي يؤكّد بالقول إنّ "ما يجدر ذكره في هذا المقام أنّ معركة السّفور دخلت آنذاك في طور حجاجي جدلي". وكان من أبرز الكتّاب الذي دخلوا غمار ذلك النقاش الواسع والصاخب، في عام 1928، "الهادي العبيدي الصحافي المعروف والطاهر الحدّاد"، (أحمد خالد، ص 254).

الطاهر الحدّاد يدخل المعركة

في العام 1924، وبعد فشل تجربته في الحزب الدستوري (القديم)، ونفي زعيم الحزب، صديقه الشيخ عبد العزيز الثعالبي، كان الطّاهر الحدّاد يخوض غمار تجربة رائدة واستثنائيّة أخرى في تاريخ تونس، وهي تأسيس أوّل نقابة تونسية وعربيّة "جامعة عموم العملة التونسية"، مع رفيقه وابن بلدته محمد علي الحامي. لذلك كان بعيداً عن النّقاش الذي اندلع حول محاضرة منوبية الورتاني. فقد كان الطّاهر الحدّاد حينها منهمكاً في تجربته النقابية تلك، والتي انتهت سريعاً ولم تُعمّر طويلاً لأسباب كثيرة سياسية وتاريخية.

كانت تجربةً قصيرةً، ولكنها مكثّفة وقويّة، خلّفت في نفس الطّاهر الحدّاد وتفكيره أثراً بليغاً، دخل إثرها في فترة تأمّل طويلة متفكراً في تلك التجربة وأسباب فشلها، ليخرج بعد ذلك بكتاب يؤرّخ لكل أحداثها وتفاصيلها، أولاً، وهو كتاب "العمال التونسيون وظهور الحركة النقابية"، وثانياً باستنتاج مفاده أنّ نجاح أي تجربة نقابيّة أو نضالية وطنيّة يجب أن يكون مسبوقاً بـ"دعاية عامة تشرح حقيقتها وأصول أعمالها وواجب عموم الشعب فيها وتطهير أوساطه من جراثيم الأفكار القاتلة حتى يستعد بنفسه لتأييد المشاريع عن بصيرة" (الطاهر الحدّاد، العمّال التونسيون، ص 216).

هكذا خلّفت تلك التّجربة النقابيّة في فكر الحدّاد وعياً اجتماعياً قاده إلى التفكّر في أوضاع المجتمع وعلله وسبل إصلاحه، فتوصّل إلى أنّ "المجتمع في عصرهِ أشلٌّ قد سجن نصفه في البيوت" (أحمد خالد، ص 202)، لأنّ المرأة "هي نصف الإنسان وشطر الأمّة نوعاً وعدداً وقوة في الإنتاج من عامة وجوهه" (الطاهر الحدّاد، امرأتنا في الشريعة والمجتمع). وبالتوازي مع ذلك، خلّفت التّجربة -أيضاً- للطّاهر شرخاً عميقاً في علاقته بالحزب الدّستوري القديم الذي تحالف مع الإقامة العامة لضرب تلك التّجربة النقابيّة الوليدة. وهو شرخ/ صراع سيكون له تأثيره الكبير في الحملة الشّرسة التي سيتعرّض لها بعد ذلك بسبب كتابه عن المرأة، إذ سيكون "الدستوريون" رأس الحرب في الهجوم على رفيقهم القديم في الحزب، وأشدّهم عليه على الإطلاق هو  محيي الدين القليبي.

مع نهاية العام 1925، كانت جامعة عموم العملة التونسيّة قد حُلَّت تماماً ونُفي زعيمها محمد علي الحامي، وبقي الطّاهر الحدّاد متأمّلاً متفكراً في أحوال المجتمع، واصلاً إلى خلاصته التي مفادها أن لا سبيل لتحرّر المجتمع وإصلاحه إلا بتحرير المرأة وتخليصها من كلّ القيود وإعطائها كافة حقوقها الكاملة. لذلك عندما اندلع النّقاش مجدداً حول السفور وتحرير المرأة في العام 1928، كان الطّاهر الحدّاد أحد أهم المنخرطين في تلك المعركة/ النقاش، مدافعاً عن المرأة وحريتها وحقوقها.

انخرط الحدّاد، بكل حماسة، في النقاش الصحافي للعام 1928، الذي كان تواصلاً للنقاش الذي فجّرته محاضرة منوبية الورتاني في العام 1924. حبّر المقالات في الصّحف، خاصةً في جريدة "الصّواب"، مُدافعاً عن حقوق المرأة ومُشرّحاً وضعها الاجتماعي والمآسي التي تتعرّض لها في حياتها وواقعها اليومي، وكتب حول التعليم والزواج والحجاب وردّ على المخالفين الرافضين لتغيير واقع المرأة والمجتمع. ومما "يلفت نظر الباحث أنّ جل الفصول التي نشرها الطاهر الحدّاد في جريدة 'الصّواب' سنة 1928، ضمّنها فيما بعد كتابه 'امرأتنا في الشريعة والمجتمع' الصادر سنة 1930. أمّا المقدّمة فقد كتبها في 10 كانون الأول/ ديسمبر 1929، والعناوين التي تحملها مقالاته توحي بمضمونها وهي نفس عناوين أبوابٍ وفصولٍ من الكتاب" (أحمد خالد، ص 260).

بورقيبة يدخل على الخط

في العام 1924، كان الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة، ينهي حينها امتحان الباكالوريا ويستعدُّ للسّفر إلى باريس لدراسة الحقوق. لم ينخرط بورقيبة في النقاش الذي اندلع في ذلك العام حول محاضرة منوبية الورتاني، إذ كان صغيراً ومغترباً ولم يكن له أيُّ حضور في الساحة السياسيّة ولم يكن معروفاً بعد.

لكن، بعد ذلك، وفي مساء يوم 9 كانون الثاني/ يناير 1929، اعتلت منصّة منبر الجمعيّة الأدبيّة الترقّي L'Essor، سيّدة تونسية تُدعى حبيبة المنشاري، وقد تحدّثت بحماسة في تلك المحاضرة عن "حالة المرأة التونسيّة المنحطة ودافعت عن بنات جنسها ونددت بالحجاب وحثّت التونسيين على منح المسلمة حقوقها ونبذ العوائد البالية الصادة عن التقدّم. وللمرة الثانية في تونس تجرأت امرأة مسلمة على الوقوف أمام الجمهور ومخاطبته سافرةً" (أحمد خالد، ص 261).

مرّةً أخرى أثارت تلك المحاضرة ردود فعلٍ صاخبة وجدلاً واسعاً، فاعتلى المنصّة عدد من المتدخّلين للتنويه بها (كما فعل الاشتراكيون من التونسيين والفرنسيون)، أو الردّ عليها (كما فعل الزيتونيّون والدستوريون). وكان أوّل وأبرز من صعد للردّ عليها هو المحامي الشاب، العائد منذ أشهر من باريس بعد إنهاء دراسته في الحقوق، والملتحق حديثاً بالحزب الدستوري، الحبيب بورقيبة.

بقي الطّاهر الحدّاد متأمّلاً متفكراً في أحوال المجتمع، واصلاً إلى خلاصته التي مفادها أن لا سبيل لتحرّر المجتمع وإصلاحه إلا بتحرير المرأة وتخليصها من كلّ القيود

تكلّم بورقيبة ليلتها مدافعاً بقوّة عن الحجاب، وهو الذي سينزعه بعد سنواتٍ عن رؤوس النّساء أمام الكاميرا، ومتهجماً على دعوات السّفور والأفكار التي ألقتها حبيبة المنشاري في محاضرتها تلك. قال بورقيبة في كلمته: "لا تنسوا أنّ الحجاب دخل منذ قرون في تقاليدنا وأصبح جزءاً لا يتجزأ من ذاتيتنا ومظهراً يميزها عن ذاتيات أخرى، فكل ضربة تسدّد إليه تغير أخلاقنا وتتسبب في تذبب شخصيتنا" (أحمد خالد، ص 262).

وبتابع بورقيبة وفق المصدر ذاته، قائلاً: "إن هذا الظرف يفرض على التونسيين التشبث بكل مظاهر ذاتيتهم، ولو كان ذلك في اللباس".

غير أنّ المحامي الدستوري الشاب يؤكّد أنّ المحافظة على هذه الذاتيّة "ليست موقوفةً على رفض التقدّم والظهور في مظهر الإنسان البدائي، إذ لا بدّ من التطوّر وإلا كان المآل الاندثار، وسيحدث التطور ولكن بلا كسر ولا قطيعة وبطريقة تحفظ في دوام متجدّد وحدة ذاتنا التاريخيّة التي تستطيع ضمائرنا إدراكها في كل حين... بيد أن الوقت لم يحن بعد لرفع الحجاب. فحين تنقذ الشخصية التونسيّة حينذاك تحين ساعة تطويرها بما يلزم وإصلاح فسادها، ويكون من اليسير تمزيق الحجاب" (أحمد خالد، ص 262).

وهو موقف أكّده في مقال بالفرنسية في صحيفة "اللواء التونسي" L'Etendard Tunisien، ردّ فيه على مواقف المحامي الاشتراكي محمّد نعمان، في تلك الأمسية ودفاعه عن أفكار حبيبة المنشاري، وفي مقال صبيحة اليوم التالي في صحيفة الحزب الاشتراكي "تونس الاشتراكيّة"، بعنوان "أمسية في الترقّي" Une soirée à l'Essor (بتاريخ 10 كانون الثاني/ يناير 1929). عنوَنَ بورقيبة مقاله ذلك الذي نشره يومين بعد المحاضرة، ويوماً بعد مقال محمّد نعمان بـ"الحجاب" Le voile (بتاريخ 11 كانون الثاني/ يناير 1929)، قال فيه: "سيختفي الحجاب من تلقاء نفسه ومن دون أخطار يوم تنزع المرأة التونسية عنها ذلك الشعور الغامض الدال على ثورة الموروثات اللا شعوريّة عندما تخرج سافرةً، لأن ما كان يرمز إليه الحجاب يكون قد زال، غير أننا الآن لم نصل بعد إلى ذلك الوقت".

تكلّم بورقيبة ليلتها مدافعاً بقوّة عن الحجاب، وهو الذي سينزعه بعد سنواتٍ عن رؤوس النّساء أمام الكاميرا، ومتهجماً على دعوات السّفور والأفكار التي ألقتها حبيبة المنشاري في محاضرتها تلك

بعد ذلك بعقود، وقد أصبح رئيساً لتونس، يعود الحبيب بورقيبة إلى ذكريات تلك الليلة في خطاب له بتاريخ 15 كانون الأول/ ديسمبر 1961، حين قال: "دافعتُ عن الحجاب دفاعاً لم يرضِ الدستوريين القُدامى لأنه يرتكز على وجوب إزالة الحجاب يوماً ما. لكن الحجاب آنذاك كان جزءاً من شخصيتنا ومظهراً من ذاتيتنا ولوناً من مميزاتنا التي يستقلّ بها كياننا الإسلامي بعوائده وعقائده عن غيره من الكيانات الأجنبية".

هكذا يبدو موقف بورقيبة واضحاً وحاسماً في تلك الفترة، يعارض بشدّة وبقوّة دعوات السّفور، لأنّه يعدُّ أنّ ذلك ما زال مبكراً وأنّ الحجاب يُعدّ مرتكزاً من مرتكزات الهويّة التونسيّة التي يسعى الاستعمار إلى تذويبها ومحوها، وأنّه حين يحصل الاستقلال يمكن حينها "تمزيق الحجاب".

تنافر المواقف

لم ينخرط الطّاهر الحدّاد في الجدل الذي فجّرته محاضرة حبيبة المنشاري، في كانون الثاني/ يناير 1929، كما فعل مع جدل العام 1928، حين كتب مقالات عديدةً حول المرأة دفاعاً عنها، ويبدو أنّه كان مشغولاً بتجميع مادة كتابه الشّهير "امرأتنا في الشّريعة والمجتمع"، والمكوّن في معظمه من مقالات جدل العام 1928، وهو الكتاب الذي سيصدر بعد ذلك بأشهر قليلة في خريف العام 1930.

لم ينخرط الحدّاد مباشرةً في ذلك النّقاش الذي انخرط فيه بورقيبة بحماسة، لكنّ مجمل مواقف الرّجلين في تلك الفترة (1928-1930)، كانت متنافرةً تماماً. فقد كان للطّاهر الحدّاد في مقالاته الصحافيّة "رأي معتدلٌ في السّفور منذ سنة 1928، فهو لا يُطالب بالسّفور دفعةً واحدةً من دون أن يمهّد للسفور بتثقيف فتيات الجيل الصاعد إذ السفور والتعليم في نظره متلازمان" (أحمد خالد، ص 258). لكن الحدّاد في كتابه الصّادر بعد ذلك بأشهر قليلة، في تشرينالأول/ أكتوبر 1930، كان صريحاً وحاسماً في موقفه الرّافض للحجاب وفي الدّعوة إلى إلغائه كما نقرأ في فصلٍ من كتابه بعنوان "الحجاب"، إذ يقول في أوّل جملة في ذلك الفصل: "ما أشبه ما تضع المرأة من النقاب على وجهها منعاً للفجور بما يُوضع من الكمامة على فم الكلاب كي لا تعضّ المارين"! ليختم فصله بالقول: "ظهر جلياً أن الحجاب بشكله الحاضر ليس إلاّ كإغراء للأنظار أو كبرقع اللّص يحميه في غدوه ورواحه من معرفة عينه ليقع أمام القضاء العادل. فما الذي بقي أن نصنع به بعد الآن؟".

أمّا بورقيبة، فقد كان على النّقيض من ذلك مدافعاً عن الحفاظ على الحجاب ومعارضاً للسّفور بقوّة في ذلك الظرف التاريخي تحت سلطة الاستعمار حفاظاً على "الذّاتية التونسيّة"، وصوناً لها من التذويب في "الكيانات الأجنبية". وقاد حملات صحافيّة وسياسيّة للدّفاع عنه وعن ارتدائه، بل جعل من التشجيع على ارتداء "السفساري" (حجاب المرأة التقليدي في تونس) و"الشاشية"، وهي قبّعة رجالية، جزءاً من برنامج الحزب الدستوري الجديد (بعد انشقاقه مع مجموعة من القيادات الشابة عن الحزب الدستوري القديم في العام 1934)، لتشجيع الصناعة الوطنيّة ودعم الحرفيين والصناعيين التونسيين الصغار.

كان بورقيبة مدافعاً عن الحفاظ على الحجاب ومعارضاً للسّفور بقوّة في ذلك الظرف التاريخي تحت سلطة الاستعمار حفاظاً على "الذّاتية التونسيّة"، وصوناً لها من التذويب في "الكيانات الأجنبية"

حتى حين أصدر الطّاهر الحدّاد كتابه الشّهير "امرأتنا في الشّريعة والمجتمع"، وما خلّفه من جدل ومحنة استهدفت صاحبه، الذي تم تكفيره، وسحب خطة الإشهاد منه بطلب من نظارة جامع الزّيتونة (حاصل على شهادة التطويع من جامع الزيتونة)، وفصله من عمله في الجمعيّة الخيرية التي يعمل فيها، ومحاصرته والتضييق عليه وعزله وثلبه وإهانته والاعتداء عليه، لم يدافع بورقيبة عن الحدّاد ولا عن كتابه، ولم تذكر المراجع والمصادر التاريخيّة أي موقفٍ لبورقيبة في هذا الاتّجاه.

في هذا السياق، يشير شُكري المبخوت في كتابه "تاريخ التكفير في تونس"، إلى أنّه "من المفيد تدقيق موقفي بورقيبة والحدّاد من مسألة تحرير المرأة ضمن السياق الأيديولوجي والسياسي لتلك الفترة. فالتباين بين موقفيهما واضح. ولازم بورقيبة الصّمت عند التنكيل بالحدّاد رغم أنّهما متفقان جوهرياً" (الجزء الأوّل، ص 197).

أمّا الباحث والمؤرّخ والوزير الأسبق الراحل أحمد خالد، وهو بالرغم من صرامته العلميّة، إلا أنّه في النهاية دستوريٌّ بورقيبي، فيشير إلى أنّ بورقيبة "إثر صدور كتاب 'امرأتنا في الشّريعة والمجتمع' سنة 1930 لم يُناصب صاحبه العداء، بل لعله اقترح على أصدقائه الشبان المنخرطين في الحزب الدستوري القديم قبل تصدعه الاهتمام بالمشكلات الاجتماعية إلى جانب المطالبة بالإصلاحات الاجتماعية" (ص 266).

هكذا يبدو التنافر بين مواقف الطّاهر الحدّاد والحبيب بورقيبة حول قضيّتي المرأة والسّفور واضحاً وجلياً في أواخر عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي. الحبيب بورقيبة الذي سيصبح بعد عقدين أوّل رئيس لتونس بعد الاستقلال، والذي سيُكتب، بعد ذلك، على باب ضريحه الكبير في مدينة المنستير، مسقط رأسه، وسط البلاد: "المجاهد الأكبر، باني تونس الحديثة، ومُحرّر المرأة"، والذي كان إصدار مجلّة الأحوال الشخصية أوّل عمل يقوم به بعد الاستقلال، وحتى قبل إعلان الجمهورية، وهو لا يزال رئيساً للحكومة تحت سلطة الباي.

كيف نفهم موقف بورقيبة ذاك؟

بخلاف ما أعلنه بورقيبة نفسه في تفسير موقفه من قضيّة السّفور في تلك الفترة، وهو تفسير يستند إلى الدفاع عن "الذّاتيّة التّونسيّة"، والخشية من تذويبها تحت سلطة الاستعمار ومشروعه الحضاري الرامي إلى فَرنسة المجتمع التونسي، من خلال التجنيس والتنصير، الذي كشفَ عنهُ عبر المؤتمر الأفخارستي، وهو موقفٌ كشفهُ بورقيبة في مقالاته في العام 1928، وبعد ذلك في خطبه رئيساً لتونس بعد الاستقلال، لكن هناك تفسيرات أخرى يفترضها المؤرخون وعلماء الاجتماع.

المؤرّخ وعالم الاجتماع الهادي التيمومي يذهب في كتابه "تاريخ تونس الاجتماعي 1881-1956"، إلى أنّ بورقيبة دافع عن السفساري (الحجاب التقليدي التونسي) ضد "المطالبات والمطالبين بالسفور (مقاله بتاريخ 11 كانون الثاني/ يناير 1929 في جريدة L'Etendard Tunisien)، لأنّ السفساري يمثّل في رأيه أحد مقومات الشّخصية التونسيّة، وكان هدفه اجتذاب الجمهور العريض من الحرفيين ومن زبائنهم إلى حزبه" (ص 97).

بقدر ما عدّ الصحافي والباحث لطفي حاجي في كتابه "بورقيبة والإسلام"، هذا التحليل "مثلاً للتفسير بالعامل الواحد (العامل الاقتصادي) الذي ما زال يتمسّك به بعض المثقفين والدارسين"، غير أنّ بورقيبة كان -فعلاً- داعماً للحرفيين التونسيين الذين يمثّلون قاعدةً مهمةً للحزب وللحركة الوطنية، وحريصاً على استمالتهم إلى القضيّة الوطنيّة.

قاد الحزب حملةً في الثلاثينيات للتشجيع على ارتداء المنتجات الصناعيّة التونسيّة، وهو ما نجد له صدى في قصيدة أحمد خير الدين التي غنّتها الفنانة الشّهيرة صليحة في الثلاثينيات "أوتاري وعودي والصّوف والسدّاية". ونجدهُ بشكل واضحٍ وصريح في مقال لبورقيبة نفسه بتاريخ 6 آذار/ مارس 1933، في صحيفة L'action Tunisien (العمل التونسي)، التي أسسها برفقة مجموعة من الشباب في الحزب الدستوري في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1932، قبل انشقاقهم نهائياً وتأسيس الحزب الدستوري الجديد في آذار/ مارس 1934.

غير أنّ لطفي حاجي، بدوره، يؤكّد أنّ رؤية بورقيبة لوضع تونس في فترة أواخر العشرينيات التي شهدت "أوج السياسات التفكيكية الاستعمارية التي حاولت بالإضافة إلى تفكيكها المؤسسات التقليديّة، تفكيك المؤسسات الرمزية عبر محاولة إدماج العنصر الديني في الثقافة التونسية وحشدت لذلك كل الإمكانات: قانون التجنيس المؤتمر الأفخارستي، التركيز على تعليم الفتاة في مدارس الراهبات"، هذه الرؤية هي التي ستدفع الحبيب بورقيبة إلى "مناهضة الفكرة الإصلاحية التي ضمّنها الطّاهر الحدّاد كتابه 'امرأتنا في الشّريعة والمجتمع'، لأنّ 'الإصلاح تحت خط النّار' في العُرف البورقيبي هو إصلاح لفائدة المستعمر من دون أن يكون له أيّ أثر إيجابي على المجتمع التونسي" (بورقيبة والإسلام، ص: 135-137).

في حوار مع مندوب إذاعة الأمم المتحّدة، نشرته جريدة "العمل" في السبعينيات، اعترف الحبيب بورقيبة بتأثير الطّاهر الحدّاد على فكره وعلى مشروعه السياسي

في المقابل، لكلّ هذا يذهب، وبشكل أعمق، المؤرّخ لطفي الشايبي في كتابه "الحداد وبورقيبة: معركة السّفور واللقاء المؤجّل"، إلى تشريح الوضع السياسي والأيديولوجي في تونس في العشرينيات والثلاثينيات، مؤكداً بالقول إنّ بورقيبة "امتنع عن نجدة، الطّاهر الحدّاد، في محنته"، في أثناء السّجال الذي طفا إثر صُدور كتاب 'امرأتنا في الشّريعة والمجتمع" (الشايبي، ص 52)، متسائلاً بالقول: "هل كان للسياق الأيديولوجي والسياسي لسنوات 1928-1930، دورٌ في تفسير مستويات التحليل والمنطق بين السياسي الحبيب بورقيبة والمفكّر الحرّ الطاهر الحدّاد واختلافهما إزاء طرح مسألة تحرير المرأة؟".

يشرّح المؤرخ لطفي الشايبي، معالم تلك المرحلة وخريطتها السياسية، ويشرح موقف المحامي الشاب حينها الحبيب بورقيبة في علاقة من موقفه من الاشتراكيين، إذ إن بورقيبة وعبر "مواكبته للحراك السياسي في الإيالة إثر عودته كشفت له مدى عنصريّة زعيم الفيدرالية الاشتراكية في تونس جواكيم دورال Joachim Rurel" (ص 54)، وخاصةً دوره في ضرب تجربة محمّد علي الحامي النقابية، وهو -أيضاً- الذي عرض مطولاً في خطابه إبّان أشغال المجلس الوطني للحزب الاشتراكي الفرنسي (يوم 15 تموز/ يوليو 1928)، "محاسن استعمار الأعراق العليا للأعراق السفلى وعدم وجود شعب تونسي مؤهل للتحرير وأنكر حقيقة الوطن التونسي" (ص 55)، مضيفاً أن "ما أثار حماسة الشاب المحامي الحبيب بورقيبة أن الدعوة إلى المنبر الحر المنعقد يوم 8 كانون الثاني/ يناير 1929، حول 'المرأة المسلمة غداً' كانت بدفع من الفيدرالية الاشتراكية في تونس وبحضور زعيمها جواكيم دورال الذي أشار على رفيقه ألكسندر فيشي Alexander Fichet، رئيس جمعيّة الترقّي تكليف المناضلة الاشتراكيّة المتجنسة، حبيبة المنشاري بإلقاء محاضرتها حول السفور والتي كانت تهدف إلى اندماج التونسي عن طريق المرأة في بوتقة الحضارة الفرنسية" (ص 56).

هكذا، وبهذا كله، يُمكن فهم موقف الحبيب بورقيبة من قضيّة السّفور وتحرير المرأة زمن الاستعمار، وكيف ولماذا خالف الطّاهر الحدّاد في هذه القضيّة، ولم يسانده حتى في محنته التي خلّفها كتابه حول المرأة بدءاً من خريف العام 1930، وهو الذي جعل من قضيتي السّفور وتحرير المرأة مشروعاً للحكم بعد الاستقلال حتّى أنّه أطلق على نفسهِ وصف "مُحرّر المرأة"، وبالرغم من أنّه أيضاً قد احتفى كثيراً بالطّاهر الحدّاد بعد الاستقلال وردّ له الاعتبار كمصلح وكرمز وطني، وحاز على اعتراف واسع من "دولة الاستقلال" حيث أُطلق اسمه على الشوارع والسّاحات وأصبح جزءاً من مقرّرات التعليم المدرسي ورُسمت صورته على الطوابع البريديّة والأوراق الماليّة، تخليداً لذكراه.

بعد عقود، إثر الاستقلال، تكلّم الحبيب بورقيبة عن الحدّاد، وعن ذكريات تلك الفترة قائلاً: "عرفتُه في آخر حياته، وكان من المناضلين الدستوريين، وأدركت كيف كان يقاسي الأمرَّين من مجتمع تنكّر له ورماه بالإلحاد حتّى انهارت قواه، وأنهكت أعصابه وعاجله الموت على حال سيئة"، (الحبيب بورقيبة، خطب، الجزء العشرون، ص 209).

وقد اعترف له بالفضل والمكانة في تاريخ تونس الاجتماعي والسياسي بالقول إنّه كان "أول من صدع بحقوق المرأة، وهو من البناة الأُوَل لنهضة الأمة التونسية" (ص 210).

وفي حوار مع مندوب إذاعة الأمم المتحّدة، نشرته جريدة "العمل" في السبعينيات، اعترف الحبيب بورقيبة بتأثير الطّاهر الحدّاد على فكره وعلى مشروعه السياسي بالقول: "أثّرت في نفسي مطالعة كتابه 'امرأتنا في الشريعة والمجتمع' الذي بيَّن فيه أن الشريعة تبيح القضاء على بعض التقاليد المجحفة مثل حرمان النساء من الإرث ووقف الممتلكات على الذكور دون الإناث استناداً إلى بعض أقوال المذهب الحنفي. وعندما قرّرنا حل الأوقاف منحنا كل ذي حقّ حقّه وأقررنا حق المرأة في الإرث. إنّ أوّل عمل قمت به بعد أن تولّيت مقاليد الحكم في البلاد هو إصدار مجلة الأحوال الشخصيّة والحال أن الجيوش الفرنسيّة ما زالت إذ ذاك منتصبةً في البلاد فقد توليت رئاسة الحكومة في نيسان/ أبريل 1956، وكان صدور المجلّة في 13 آب/ أغسطس 1956"، (جريدة العمل، 8 آذار/ مارس 1975).

رحل الطّاهر الحدّاد وحيداً وحزيناً يقضي وقته بين عدد قليل من أصدقائه في الاستماع إلى روائع سيّد درويش، وهو رائد عربي آخر من روّاد التّحديث العربي، في مجال الموسيقى، وبعد الاستقلال حصلت أفكاره على اعتراف واسع من "خصمه" القديم الحبيب بورقيبة الذي قاد بدوره مشروع تحديث اجتماعي مهم، تقع في مقدّمته مجلّة الأحوال الشّخصيّة التي ليست سوى ترجمة لأفكار الطّاهر الحدّاد نفسه وأحلامه.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image