شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"إما العودة إلى البرلمان أو الشارع"... ماذا يُخبّئ الصدر لخصومه وماذا يخبّئون له؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الجمعة 29 يوليو 202206:42 م

دخلت العملية السياسية في العراق، وهي في الأشهر الأخيرة من عقدها الثاني، في أزمة هي الأكبر منذ عام 2003، فالقوى الشيعية والكردية انقسمت بشكل كبير، وتحولت إلى فرق متعددة، في ظل كثرة الزعامات والأحزاب لديها.

تكمن المشكلة الأساسية في الأزمة هذه، في عدم توافق الكرد على مرشحهم لرئاسة الجمهورية، كون المنصب من حصتهم وفقاً للعرف السياسي العراقي الذي اعتُمد بعد عام 2003، كذلك الحال مع الشيعة الذين لم يتفقوا على التمديد لرئيس الحكومة الحالية مصطفى الكاظمي، أو المجيء بغيره.

أمد الأزمة هذا يصبّ في صالح الحكومة الحالية، وكذلك في صالح زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي حقق نفوذاً كبيراً من خلالها، وتغلغل داخل مؤسساتها عبر المحسوبين عليه، وهو ما أغضب أطرافاً شيعيةً أخرى، وجعلها تجتمع في تكتل واحد اسمه "الإطار التنسيقي".

خلال الشهرين الماضيين، تم تداول معلومات على مستوى ضيّق، في أروقة سياسية وفي أروقة بعض الصحافيين المطلعين على جزء من كواليس العملية السياسية، تفيد بأن شهر تموز/ يوليو الحالي سيشهد موجة احتجاجات جديدة.

هذه المعلومات تحققت، وصارت واقعاً، لذا تريث سياسيون ورجال أعمال ومؤسسات دولية دبلوماسية وغير دبلوماسية عاملة في العراق، في تنفيذ مشاريع ونشاطات إلى ما بعد تموز/ يوليو 2022، بسبب معلومات عن إمكانية حصول احتجاجات، كما تمّ تداول معلومات غير مؤكدة حتى اللحظة، مفادها أن العشرات من الصحافيين الأجانب دخلوا إلى العراق خلال الـ30 يوماً الماضية، لتغطية هذه الاحتجاجات.

تكمن المشكلة الأساسية في الأزمة هذه، في عدم توافق الكرد على مرشحهم لرئاسة الجمهورية، كون المنصب من حصتهم وفقاً للعرف السياسي العراقي

قلب الطاولة

"سيقلب الصدر الطاولة عليهم، وسيمنعهم من تشكيل الحكومة ما لم تكن حكومةً وطنيةً، ولن يستطيعوا فعل أي شيء من دون حكومة أغلبية وطنية"، يقول مصدر مقرب من الصدر، لرصيف22، ويضيف أن "الإطار التنسيقي لن يستطيع أن يتخذ أي خطوة حالياً، فالأبواب موصدة في وجهه".

من جهته، يحذر الإطار التنسيقي "من فتنة"، في إشارة إلى خطوات الصدر التي تتصاعد، وفي الوقت ذاته يدعو أنصاره إلى "اليقظة والانتباه وتفويت الفرصة والاستعداد لكل طارئ"، وفقاً لبيانه الصحافي ما قبل الأخير، وهو مؤشر على أن لا حوارات ولا تفاوض بينه وبين الصدر.

زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي فاز بـ73 مقعداً في انتخابات تشرين الأول/ أكتوبر 2021، لا يُريد للإطار التنسيقي الشيعي أن يشكل حكومةً منفرداً، فمثلما منعوه من تشكيل حكومة بسبب "الثلث المعطل"، سيسعى إلى تعطيل مساعيهم عبر أتباعه الذين يخرجون إلى الشارع خلال دقائق معدودة، بأمر منه.

و"الثلث المعطل" تفسير للمحكمة الاتحادية العراقية، عطّل الجلسات البرلمانية التي أراد الصدر عقدها لتشكيل الحكومة، ومعناه أن أي حضور يقلّ عن 220 نائباً في الجلسة من أصل 329 لا يحقق النصاب، وهو ما سمح لقِوى "الإطار التنسيقي" بإفشال الجلسات لأنها تمتلك وفقاً لأرقامها نحو 130 نائباً، وهذا قبل أن ينسحب نواب الصدر وتزداد مقاعد الإطار.

وعلى هذا الأساس، ومنذ نحو أسبوع، بدأ الصدريون والمنصّات الإعلامية التابعة لهم، بتوجيه اتهامات عديدة إلى القضاء العراقي، وهاجموه بشكل كبير وعدّوه "موالياً للإطار التنسيقي"، في إشارة إلى اتهامات سابقة وُجّهت إلى القضاء بأنه "يخدم مصلحة إيران".

مثل هذه الاتهامات وُجّهت إلى القضاء سابقاً من "الإطار التنسيقي" نفسه، وهو ما يعني أن الكتل السياسية العراقية تدافع عن القضاء وتهاجمه وفقاً لما يتناسب مع مصالحها ومكتسباتها المحققة.

الخيارات المحدودة

يقول سياسي عراقي ينتمي إلى حزب يعدّه الصدر من خصومه، لرصيف22: "هناك مجموعة أفكار لحل الأزمة، لكن الخيارات محدودة. إذا أراد الصدر أن يبقى في العملية السياسية، فعليه أن يعود إلى البرلمان"، ويضيف: "هناك مقترح سيُطرح على القضاء، وهو إيجاد آلية قانونية لعودة نواب الصدر، لكن لم يُجسّ نبض القضاء في هذا الشأن حتى اللحظة، وهو أمر صعب وسيؤزم الأوضاع أكثر".

لا يريد مقتدى الصدر للإطار التنسيقي أن يُشكل حكومة بعد أن منعوه من الحكم، وبالتالي هو يتهيّأ إلى العودة إلى الشارع للضغط على الجميع، فيما هناك من يُحضر لإيجاد صيغة تعيد نواب الصدر إلى البرلمان، فهل يكون ضغط الشارع وسيلة لتسريع هذا التوجه أو يدخل العراق في نفق مظلم؟ 

يُشير السياسي، وهو أحد أعضاء الوفود المفاوضة في هذه الأزمة، إلى أن "الصدر سينصب خياماً في المنطقة الخضراء وحولها ويحوّل تظاهرة أتباعه إلى اعتصام، وهذا خطر كبير". لكن، يبدو أن الصدر لا يريد البقاء بعيداً عما يجري، ولا يُريد لأتباعه أن يعودوا إلى الشارع أو يمكثوا فيه طويلاً، لذا يبحث عن حلّ لعودة نوّابه "الذين يحاولون إقناعه بالعودة"، وفقاً للمصدر السياسي.

وبقاء الصدر بعيداً عن قبة البرلمان، يعني أن اللعبة السياسية ستنتقل إلى الشارع العراقي، وهذا في حد ذاتها يُشكل خطورةً على الجميع، فلا قواعد اشتباك في الشارع، ولا احتجاجات سلمية يُمكنها أن تحل المشكلة، فالسلاح بيد الصدر وبيد خصومه أيضاً.

القضاء في اللعبة

تكمن الخطورة أيضاً، ليس في انتقال اللعبة إلى الشارع فحسب، بل في دخول القضاء من جديد طرفاً في الأزمة السياسية، أو في محاولة إدخاله، وهذا في حد ذاته يعني أن "الإطار التنسيقي" الذي يمتلك فصائل مسلحةً، لن يقبل بذلك.

تكمن الخطورة أيضاً، ليس في انتقال اللعبة إلى الشارع فحسب، بل في دخول القضاء من جديد طرفاً في الأزمة السياسية، أو في محاولة إدخاله

ولم يكن السُنّة بعيدين عن هذه الأزمة، إذ تُشير معلومات رصيف22، إلى أن "هناك تخوفاً من قبل رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي إذا ما بدأ الإطار التنسيقي بجلسات البرلمان وسيطر عليه".

المعلومات ذاتها، تفيد بأن "هناك مساعي من قبل الإطار لإقالة الحلبوسي، وترشيح شخصية سُنّية أخرى تكون أقرب إليهم من الصدر، لذا يسعى (الحلبوسي) إلى الاعتماد على إطالة عمر الأزمة من أجل ترتيب أوراقه أكثر".

محاولة الإطار إزاحة الحلبوسي الذي كان صديقاً لأغلب أطرافه في الدورة السابقة، سببها تحالفه مع الصدر وزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، وتشكيلهم ما يُعرف بـ"التحالف الثلاثي" الذي أغضب إيران وحلفاءها في العراق كثيراً.

تأزُّم الوضع وتعقيده كثيراً، دفع بقائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاآني، إلى زيارة بغداد نهاية الأسبوع الماضي، ثم تمديد زيارته أكثر من الوقت المحدد لها، وذلك يشير إلى توتر الأجواء وعدم تمكّنه من الحصول على نتائج أو إقناع الأطراف الشيعية بالوصول إلى شيء متفق عليه.

لكن الصدر الذي لا تتشكل حكومة من دونه، ولا يأتي رئيس حكومة من دون أن ينال رضاه، يعتمد على الأطراف التي تسعى إلى التهدئة أكثر من اعتماده على خطواته، وقد ينجح في العودة إلى مجلس النواب عبر اتفاق ما، مثلما انسحب من الانتخابات سابقاً وعاد إليها، فهذه ليست المرة الأولى التي يعلن فيها انسحابه.

في المحصلة، فإن العودة إلى انتخابات مبكرة ليست في صالح الصدر، كما أن ابتعاده عن البرلمان أيضاً ليس في صالحه، فالإطار سيشرّع قانون انتخابات يلائمه من دون ملاحظات الصدر. عندها، يُمكن القول إن "هذه المرحلة هي مرحلة كسر طرف وتفوّق آخر عليه، فالمعادلة ما عادت تحمل فوز الجميع".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image