شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
عائلة صدام وصلها خبر روايتي واستشاطت غضباً... ياسين غالب

عائلة صدام وصلها خبر روايتي واستشاطت غضباً... ياسين غالب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن وحرية التعبير

الاثنين 5 سبتمبر 202203:30 م

برزت كتابات المؤلف العراقي، ياسين غالب (مواليد البصرة 1981)، في فنلندا، واستطاع أن ينخرط بأعماله الأدبية المتنوعة داخل المجتمع الفنلندي. فقد أشعل النار حول الكثير من القضايا الشائكة والجريئة، أبرزها العنصرية الجنسية.

نشرت روايته الأخيرة بعنوان "الماجدة، كانت زوجة للرئيس" الصادرة عن دار تأويل في السويد، 2021، كما صدرت له رواية "15+" عن مؤسسة أروقة للترجمة والنشر، وتم طرح الرواية في معرض  القاهرة للكتاب 2020، ثم في معرض كازابلانكا للكتاب 2020، وترجمت إلى الفنلندية، كما حولت إلى كتاب صوتي في سوريا. صدرت له مجموعة شعرية بعنوان "عرش بغداد" عام 2021، عن دار السامر للنشر بالعراق بالتعاون مع الأمل الجديد للنشر بسوريا.

يمثل غالب أحد أعضاء القلم الدولي والقلم الفنلندي، وجمعية الكتاب والفنانين الفنلندية، وجمعية الكتاب الشباب الفنلندية، وجمعية الشعراء المغتربين في المهجر بلندن، وعدة جمعيات مسرحية وشعرية وأدبية فنلندية، وهو عضو ناشط في جمعية الكتاب والفنانين الفنلنديين اليساريين "كييلا".

كيف بدأت رحلتك ككاتب ومؤلف بين الهجرة من العراق والاستقرار في فنلندا؟

وصلت الأمور لحد الخطورة على حياتي، كوني كاتباً ولديّ مشاركات فعالة بنشاطات مجتمعية، وفي نشاطات أخرى تدعو لحرية التعبير والرأي. أصبحت حياتي في خطر، وتركت كل شيء، حتى أنني تركت وظيفتي كمدرس  لغة إنكليزية في إحدى المدارس الثانوية، وغادرت العراق. كان خياراً صعباً بين أن أعيش حراً، أستطيع أن أكتب وأفكر وأقول ما أريد مثل أي إنسان طبيعي، وبين أن أكون تحت التهديد والخوف والرعب والإرهاب. لست وحدي من فعلت هذا، هناك الكثير من الكتاب العراقيين الذين غادروا، وإن عاد بي الزمان مرةً أخرى لتركتُ كلَّ شيء من جديد، رغم حبي لوطني ومدينتي، لكن حياتي كانت على شفا الهاوية بسبب الأوضاع السياسية غير المستقرة وعدم استقرار الأمن في العراق.

أصبحت حياتي في العراق في خطر، وتركت كل شيء، وغادرت العراق. كان خياراً صعباً بين أن أعيش حراً و... ياسين غالب

بأي طريقة استقبلك المجتمع الفنلندي ككاتب عربي؟

في البداية، استقبلني المجتمع الفنلندي بفتور، كون المجتمع لا يعرفني ولا يصدق كل الحكايات التي يسمعها، حتى استطعت من تمكين ذاتي أدبياً. لم يكن لدي أعمال مكتوبة في الخارج أو مقروءة بالنسبة لهم، وكل أعمالي السابقة كانت في العراق فقط، لم تصل إليهم ولم يعرفوا عنها شيئاً، لكني استطعت أن أكون واحداً من الكتاب المقبولين، بعد أن تفهمت عقلية القراء الأوروبيين، وكيف يُقدّم إليهم النص الأدبي، وبلغة تناسب جميعهم.

من هنا التفتت أعين الجهات المعنية في فنلندا لي، وبدوا يكلفوني بأعمال كتابية من قبل العديد من الجمعيات الفنلندية، مثل جمعية الكتاب اليساريين الفنلنديين، بفضل طرحي للنصوص ومعيار جودتها، إذا لم أكن أكتب نصوصاً جيدة لن أجد من يهتم بما أكتب من الأساس، وحظيت بتزكية من شخصيات عديدة وبارزة داخل المجتمع الفنلندي، كتاباً ومخرجين وفنانين. 

لماذا شعرت بالصدمة عندما توغلت داخل أروقة المجتمع الفنلندي؟

عندما تخرج من حمام ساخن "العراق" إلى فريزر "فنلندا" طبعاً هنالك تغيرات ثقافية، وهناك صدمة وأنساق مختلفة، وأمور نعتبرها نحن الشرقيين مقبولة وغيرنا لا يتقبلها. طبيعي أن أواجه صدمة ثقافية حتى تمكنت أن أتفهم ثقافة هذا المجتمع وأعتاد عليها. الآخر قد لا يفهمنا ولا يفهم معنى سلوكياتنا والتصرفات التي تصدر عنا. اللغة غير كافية للفهم، لأن نمط التعامل لا يعتمد على اللغة وحدها، بل يحتاج إلى توسيع آفاق العقل، فنجد أن العرب يتأثرون بالعواطف والأسرة والعائلة، وهذا أمر ربما يكون غير هام بالنسبة للفنلندي، لكن الفرد نفسه ووحده له قيمة كبيرة داخل المجتمع الفنلندي، لكن بالنسبة لنا من الصعب قطع الجذور والتعامل مع الآخرين كما لو كانوا جماداً ولا يمثلون أي شيء للفرد.

ياسين غالب: إن عاد بي الزمان مرة أخرى لتركت كل شيء من جديد، رغم حبي لوطني ومدينتي، لكن حياتي كانت على شفا الهاوية بسبب الأوضاع السياسية غير المستقرة

كيف تبدو قضايا العراق ومشكلاته في كتابتك؟

البصرة مدينة معروفة بالإنتاج الأدبي، وتعرضت لكثير من الإجحاف بحقوقها وتجاوز بسبب الأوضاع السياسية والأمنية في العراق، وعندما يقرر العراق الحروب أول ما تقع تندلع من  البصرة، مثل حروب الخليج الأولى والثانية والثالثة، وحتى غزو العراق يدخل من البصرة، ففي 1914 عندما جاء البريطانيون دخلوا من البصرة، وعندما جاءوا مرة أخرى في 2003 دخلوا من البصرة، فهي دائماً جرحها مفتوح، وبالرغم من أنها المصدر الوحيد للبترول العراقي فإنها تعاني من خيبات الأمل.

كلفت من قبل مؤسسة دعم الفنون الفنلندية بكتابة رواية "15+". حدثنا عن هذه الرواية وسبب تكليفك بها؟

كلفت بكتابة رواية "15+" عام 2020. بدأت المشروع ومُنحت الوقت الكافي لإتمام هذه المهمة، يتكون العمل من 6 فصول ويتحدث عن الجانب الفنلندي أكثر من الحديث عن المهاجرين. احتوت الرواية على تفاصيل الحياة في فنلندا بين الفنلنديين: كيف يعيشون وكيف ينامون وكيف يسهرون وما يحبون ويكرهون، فهي كتبت عن الشعب الفنلندي وتاريخه. تبدأ أحداثها عام 1940 بدءاً من الغزو الروسي لفنلندا، وتنتهي في عام 2015. تحدثت حول شعور المواطن الفنلندي تجاه المهاجر المقيم في بلده، واحتوت على مشاهد تكتب لأول مرة في الأدب العربي، ومشاهد ربما تعد فاضحة بعض الشيء لكنها حقيقية، فاجأت الجمهور الفنلندي عندما ترجمت إلى الفنلندية.

"عائلة صدام نفسها عندما وصلها خبر الرواية استشاطت غضباً ناحيتي بدون أن يقرأوا الرواية، وانفعلوا بأن شخصاً ما جعل منهم مادة للكتابة، وهنالك أسرار عن عائلة الصدام تنشر لأول مرة"

في رواية "15+" هناك بيئات يكتب عنها لأول مرة عربياً. الرواية كانت رائدة في كتابة التأريخ والبيئة الفنلندية والأفغانية، كذلك سجلت الرواية سبقاً في موضوع مناقشة العنصرية جنسياً في العلاقات الحميمية، ومدى انعكاس ذلك على سقوط المهاجرين في دائرة الاستغلال والمتاجرة بالجسد رجولياً. المومس في الرواية رجل، في مغايرة للكليشيه العربي في طرح المومس امرأة، كذلك عكست الرواية ثيمة العربي الساخن الذي تعشقه الأجنبيات، كما روجت له السينما المصرية، لتقدم المرأة العربية كباحثة عن الرجل الغربي لوسامته وأشياء أخرى.

ما هي الخطوط الحمراء التي تخطيتها في رواية "الماجدة"؟

لقد جلبت عائلة صدام حسين، وتحدثت عن الجانب الآخر الذي لا يراه أحد عن هذه العائلة، خاصة الزوجة التي حاولت الحفاظ على أولادها بألا يكونوا أذرعاً أمنية أو سياسية داخل العراق. عائلة صدام نفسها عندما وصلها خبر الرواية استشاطت غضباً ناحيتي بدون أن يقرأوا الرواية، وانفعلوا بأن شخصاً ما جعل منهم مادة للكتابة، وهنالك أسرار عن عائلة الصدام تنشر لأول مرة، وتحليل حقيقي حول حياة هذه العائلة في العراق مقارنة بحياة باقي العراقيين.

في رواية "الماجدة" هناك إشارة مهمة سببها سوزان مبارك، حيث بوجودها في العراق في عام 1989، وقربها من حادث قتل شارك به بن الرئيس العراقي السابق، أحرج ذلك العراق سياسياً، واضطر صدام لتقديم ابنه للمحاكمة ثم نفيه لأشهر إلى جنيف، تجيب رواية "الماجدة" عن سؤال: لماذا يرى العرب صدام كبطل قومي بينما لا يرى العراقيون ذلك؟ من على خطأ ومن المصيب بالأمر؟ هل يمكن أن يكون صدام بطلاً ومهزوماً، ضحية وجلاداً، قاتلاً ومقتولاً، شهيداً وملعوناً، في نفس الوقت؟

وبما أن الأمور نسبية فذلك ممكن حسب رؤية المشاهدين للحدث ولصدام نفسه، وليتصالح العراقيون مع أنفسهم ومع العرب. في هذه الجدلية جاءت رواية "الماجدة" عن حياة صدام العائلية. من الملفت أن مواطني الخليج العربي متصالحون مع هذه الإشكالية، حيث يرونه بطلاً شجاعاً عروبياً ومغتصبَ الكويت في آن واحد.

ما الذي كتبته للقراء الفنلنديين بالتحديد؟

كتبت للقارئ الفنلندي المجموعة الشعرية "الوصمة" وتمثل نقداً قاسياً للمجتمع، واستقبلوها بحرارة. بيعت النسخة الأولى كلها وطبعت نسخ أخرى، وبالرغم من حدية الطرح وعرض الكثير من النقاط الشائكة إلا أنها لاقت استحسان الكثيرين، وبالطبع انزعج منها آخرون، كانوا يرون أنها حملت جرأة في الكتابة.

"خطتي هي أن أكتب ما أريده بدون رقابة"

"الوصمة Stigma" بالفنلندية والإنجليزية، أول مجموعة شعرية لكاتب عراقي كتبت مباشرة بالإنجليزية، وبيعت في المكتبات، ووزعت على 150 مكتبة عامة في أوربا وأمريكا. جميع الشعراء العراقيين والعرب يكتبون الشعر باللغة العربية، وإذا ترجم شعرهم فلا يتعدى وضعه في رفوف الجامعات الأجنبية للدراسة والأدب المقارن، أقصد لن تجد من يسوّق له ولن تجد فرداً يذهب لشرائه من المكتبات مهما كان اسم الكاتب العربي. الآخر لا يقرأ الأعمال العربية المترجمة وإنما يحفظها نقدياً ومتحفياً.

كيف دعمتك فنلندا ككاتب عربي؟

يتم دفع كم هائل من المنح للكتاب في فنلندا بغض النظر عن الجنسية واللغة والموهبة. الجميع ممكن أن يحصل على المنح بكل أنواع الفنون والآداب، لكن النشر لكاتب أجنبي يحتاج لسنوات ليحصل على فرصة من ناشر في فنلندا. بالنسبة لي كان نشر كتاب الاول بالإنكليزية والفنلندية أسهل.

يقابل المهاجر العربي في أوروبا ثقافات مختلفة وعرفاً مجتمعياً يختلف عن مجتمع نشأته. كيف لمست هذا الاختلاف وكيف أثّر على كتاباتك؟

عندما نكتب للقراء الأجانب لا نركز فقط على اللغة، وإنما نركز على المفاهيم والثقافة الفكرية التي تسيطر على هذا المجتمع. في أغلب الأحيان يعتبر القراء الفنلنديون أن الأعمال الأدبية التي كتبها كتّابٌ عرب غريبة عنه، وتتحدث عن أمور لا تشغله. الفرد هنا يعتمد على نفسه بصورة كلية. لا يوجد ترابط اجتماعي أو تكاتف. الإنسان هنا يعيش ويموت، ولا يحتاج إلا لنفسه.

هذا مؤلم عادةً، وله آثاره السلبية، وهو أمر غير مفهوم بالنسبة للعرب، فالعرب لا يفهمون كيف يمكن لجارهم الذي يعيش بجانبهم منذ ما يزيد عن 20 عاماً لا يلقي عليهم التحية، وإن ألقوا عليه التحية ينزعج وقد يطلب رجال الأمن، إذ يعتبر أن كلمة صباح الخير الموجهة له كسراً لخصوصيته.

ما هي الإنجازات التي حققتها من خلال أعمالك الأدبية؟

برأيي، الإنجاز الحقيقي هو أن تصل كتابات المؤلفين إلى القراء في البيئة التي يعيشون فيها، وهذا ما فعلتُه. لقد استطعت أن أصل للقراء الفنلنديين أنفسهم، أتحدث إليهم عن همومهم ومشاكلهم  وقضاياهم، حتى أصبح القراء يعرفونني ويعرفون أسلوبي، ويعرفون نصوصي التي أكتبها لهم.

العراق وسنوات الطفولة والذكريات كيف أثرت روايات الحرب في شخصية ياسين غلاب؟

في الثمانينيات التحقت برياض الأطفال حينها تعرض المبنى للقصف، سقطت أرضاً وأنا مصاب، فكتبوا اسمي على ورقة وتركوني، حتى إذا ما دخل أحد يتمكن من كشف هويتي ويعيدني للمنزل، لا زال دويُّ الرصاص يؤلمني نفسياً حتى الآن.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

معيارنا الوحيد: الحقيقة

الاحتكام إلى المنطق الرجعيّ أو "الآمن"، هو جلّ ما تُريده وسائل الإعلام التقليدية. فمصلحتها تكمن في "لململة الفضيحة"، لتحصين قوى الأمر الواقع. هذا يُنافي الهدف الجوهريّ للصحافة والإعلام في تزويد الناس بالحقائق لاتخاذ القرارات والمواقف الصحيحة.

وهنا يأتي دورنا في أن نولّد أفكاراً خلّاقةً ونقديّةً ووجهات نظرٍ متباينةً، تُمهّد لبناء مجتمعٍ تكون فيه الحقيقة المعيار الوحيد.

Website by WhiteBeard
Popup Image