شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"سينما الترسو" في مصر في مواجهة "سينما المولات"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الثلاثاء 2 أغسطس 202201:47 م

من البسطاء وعنهم وإليهم؛ هكذا كان حال سينما الدرجة الثالثة أو "الترسو" قديماً في مصر، تدور في فلك العمال والبسطاء الذين خرجوا لاحقاً من دائرة المشاهدة بعد أن تغيرت الأحوال واحتلت "سينما المولات" المشهد، فيما دخلت المنصات الإلكترونية على الخط لتحرمهم ما تبقى لهم من فرص في العودة من جديد إلى مضمار المتعلقين بحبال السينما.

بنظرة أولية يمكن تقسيم دور السينما في مصر إلى فئات ثلاث؛ الأولى فئة دور العرض الموجودة بالـ"المولات"، والتي غالباً ما تكون مخصصة وفقاً لأسعار تذاكرها للأغنياء، بينما يمكن تخصيص صالات السينما في وسط البلد للفئة المتوسطة، فيما كان الملاذ الآمن للفقراء قديماً منحصر في سينمات "الترسو"، التي كانت تضم مقاعد بالية وأفلاماً دون المستوى، وكان من العادي آنذاك أن يتم عرض أكثر من عمل في الحفل الواحد، بين أفلام مصرية وأخرى هندية، حتى أن الحفل الواحد كان يمكن وقتها أن يستمر 5 ساعات كاملة.

بمرور الوقت وتبدل الحال، خرجت دور عرض "الترسو"، وأشهرها: "سينما الزيتون" بمنطقة الزيتون، و"سينما الكورسال" في منطقة بولاق أبو العلا، و"سينما علي بابا" في وسط البلد، و"سينما شارع عبد العزيز" في ميدان العتبة، و"سينما ميدان الجيزة" بمحافظة الجيزة، و"سينما ريكس" في الإسكندرية، وباتت الدور جميعها محصورة بين سينما المولات وصالات وسط البلد، وبعض الصالات المتوسطة، والتي تنتشر في عدد من المحافظات، أغلبها شمال مصر.

مع اختفاء سينما "الترسو" التي تحولت إلى مآرب سيارات ومحلات ومولات، وقضت معها على أحلام الملايين من البسطاء ممن كانوا يجدون في السينما متنفساً لهم، كان من الطبيعي أن نسأل: هل عودة السينما الشعبية أو "سينما الترسو" أمر مهم وضروري في الوقت الحالي؟

من البسطاء وعنهم وإليهم؛ هكذا كان حال سينما الدرجة الثالثة أو "الترسو" قديماً في مصر، تدور في فلك العمال والبسطاء الذين خرجوا لاحقاً من دائرة المشاهدة بعد أن تغيرت الأحوال واحتلت "سينما المولات" المشهد

يجيب الناقد الفني كمال القاضي على السؤال ويقول: "من وجهة نظري إعادة تشغيل دور العرض الشعبية أو دور الدرجة الثالثة سيكون من الصعوبة من جهة، لأن ذلك سيتلزم عدة إجراءات، أهمها رؤوس أموال ضخمة لإعادة الترميم والبناء والتشغيل، وهي معطيات ضرورية وغير متوافرة بالقدر الكافي، ناهيك عن عدم جدواها، لتغير نمط الحياة كله تماماً واعتماد الغالبية العظمى من الجمهور على المنصات الإلكترونية والفضائيات في متابعة ما يروق لهم متابعته ومشاهدته من أفلام، ولأن الحاجة غير ملحة لوجود دور العرض الشعبية فإن الإقبال عليها سيكون ضعيفاً للغاية كما هو حال دور عرض الدرجة الأولى".

وتابع القاضي: "الحل من وجهة نظري، لتلبية احتياج الجمهور من الأفلام، هو استغلال قاعات العرض السينمائية بقصور الثقافة على مستوى الجمهورية، وتطوير النشاطات وآلية الاستفاده منها باشتراكات رمزية تناسب كل الفئات، لحين حل أزمة دور العرض بشكل جذري. والقياس على التجارب الأوروبية ليس مقياساً موضوعياً لاختلاف طبيعة الجمهور والبيئة الثقافية والمستوى الاجتماعي؛ فالمعايير ليست واحدة، وما يمكن تطبيقه في أوروبا ليس بالضرورة يمكن تطبيقه في مصر، أو في كل دول العالم الثالث، ثم إن من بين دور العرض الشعبية ماهو مملوك للأفراد، وربما يكون معظم سينمات الدرجة الثالثة أصحابها من الأعيان والرأسماليين، وهذا يتطلب خطة توافقية للتفاهم معهم حول إعادة تبني هذا المشروع، وإقناعهم به، وهذا ليس بالأمر السهل، فالأمنيات والأحلام تحتاج إلى دراسة وخطة وافية لتنفيذها وضمان نجاحها".

أطلقت وزراة الثقافة المصرية مؤخراً مشروع "سينما الشعب"، والذي يتيح للجمهور من أبناء المحافظات التي تضم عدداً قليلاً من دور العرض أو حتى التي لم يسبق لها أن عرفت دور السينما أن تشاهد أحدث الأفلام مقابل مبلغ مالي زهيد، وقد حققت تلك الدور في موسم عيد الأضحى إيرادات بلغت مليون ونصف المليون جنيه. فهل يمكن أن يكون هذا المشروع بديلاً عن سينما الترسو؟

يجيب المخرج طارق عيسي: "أنا شخصياً أرى أن مشروع سينما الشعب الذي أطلقته الدولة مؤخراً يلعب نفس الدور الذي لعبته سابقاً سينما الترسو، مع اختلاف أن سينما الشعب تتيح للجمهور فرصة مشاهدة أحدث الأفلام مقابل 20 جنيهاً (1 دولار تقريباً)، دون أن تكون المقاعد بالية أو الأفلام المعروضة سيئة أو قديمة، فهي دور على أعلى مستوى، وتقدم أعمالاً حديثة لكبار النجوم، وأنا شخصياً لمست بنفسي مدي الإقبال على تلك النوعية من دور العرض التي تم إطلاقها في قصور الثقافة بعدد من المحافظات المختلفة".

حين يأتي الحديث عن سينما الترسو يتبادل الكل الاتهامات؛ فتارة يتوجه الاتهام الأول لأصحابها رغم أنهم تعاملوا بمنطق تجاري بحت، فيما تشير أصابع أخرى إلى دور وزارة الثقافة، وأيادٍ ثالثة إلى المثقفين وصناع الفن لأنهم تخلوا عن تلك الدور

واستكمل لنا: "سينما الترسو بمعناها القديم انقرضت ولن تعود من جديد؛ فقديماً كانت تلك النوعية من السينما تعرض أفلاماً قديمة، غير الحديثة المعروضة في دور العرض المجاورة لها، وكان التركيز الأكبر فيها على أفلام الأكشن التي تلبي رغبات الجمهور من العمال، فهل يمكن أن نطالب بعودة نوعية تلك الدور بنفس التفاصيل في الوقت الحالي؟ الإجابة هي لا طبعاً. لكن يمكن أن تكون المطالبة بخصوص وجود متنفس جديد للطبقات الفقيرة والعمال والبسطاء، رغم أن الغالبية منهم لم تعد مهتمة أصلاً بالسينما، في ظل الظروف الاقتصادية التي تؤثر على العالم كله وألقت بظلالها على الجميع، وباتت معها السينما رفاهية لحتى ميسوري الحال، ومع ذلك فسينما الشعب تعوض البسطاء عن دور الترسو".

حين يأتي الحديث عن سينما الترسو يتبادل الكل الاتهامات؛ فلا نعرف من يجب أن نشير إليه على أنه السبب في ما وصلت إليه تلك الدور، فتارة يتوجه الاتهام الأول لأصحابها رغم أنهم تعاملوا بمنطق تجاري بحت لا يمكن معه أن نجد من يخبرهم بأنهم كان عليهم أن يخسروا أموالهم إنقاذاً لسينما البسطاء، فيما تشير أصابع أخرى إلى دور وزارة الثقافة، وأيادٍ ثالثة إلى المثقفين وصناع الفن لأنهم تخلوا عن تلك الدور.

الكاتب محمد عبدالمجيد يجيب : "المشكلة كلها تتلخص في أن أصحاب سينما الترسو لم يلتفتوا إلى تحديثها، بعد أن أدركوا أن ظهور قنوات جديدة أثر بالسلب على ذهاب الجمهور إلى السينما، فتركوها تتحول إلى جراجات أو مولات، حتى لا يخسرون أموالهم، وهو أمر يرونه منطقياً للغاية، ناهيك الآن عن وجود منصات إلكترونية تنقل السينما إلى السرير، حيث يمكن بمنتهى البساطة أن تتابع أي فيلم جديد وأنت في سريرك، بدلاً من أن تذهب إلى السينما، التي باتت مجرد (خروجة) أو (فسحة)، في ظل انتشار القرصنة وسرقة الأفلام الجديدة، والتي يتم عرضها على ما يسمى بقنوات (بير السلم)، وهو الأمر الذي يحتاج إلى تدخل قوي من الدولة لحماية حقوق صناع السينما".

وأضاف عبدالمجيد: "شخصياً أرى أنه من المهم أن يكون هناك دور عرض للبسطاء والفقراء، ولكن الأهم أن تكون هناك أعمال أكثر تُعبر عنهم بعد أن شهدنا في الفترة الماضية طفرة في نوعية الأعمال التي تتناول الحياة داخل الكومباوندات، وتراجع الأعمال التي تتناول الحارة الشعبية وحياة أبناء الطبقة الوسطى".

رغم كل المشاريع التي تمّت إلا أنه من الضروري إعادة سينما الدرجة الثالثة (الترسو) إلى الحياة، فما وراء دورها الكبير، تأتي أدوار أخرى منها أنها وسيلة تواصل مع الناس، ووسيلة تثقيف فاعلة للغاية، كون تأثيرها في الجمهور كبيراً للغاية، وهذا ما يؤكده الكثيرون، كما أن وجودها يقف ضد احتكار بعض شركات التوزيع لدور العرض.

ثم أنها موجودة حتى اليوم في عدد من الدول حول العالم، ما يعني أنها ما زالت مهمة، ويكفي أن أغلب النجوم قديماً كانوا يرون أن جمهور الترسو هو المؤشر الحقيقي للنجاح، ويمكن أن تحيي وزارة الثقافة تلك الدور بشكل يحقق أكبر استفادة؛ بمعنى أنه يمكن مثلاً أن تُعرض فيها الأفلام القديمة التي عُرضت في الأربيعنيات والخمسينيات وغيرها بمبالغ زهيدة، لنضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، فمنها تعيد دور العرض وتزيد من أعدادها في مصر ومنها تسهم في تثقيف البسطاء والعمال، ومنها أيضاً تعيد إحياء التراث الفني المصري، وأمجاد السينما المصرية قديماً، لتوسيع دائرة معارف ومدارك الأجيال الجديدة، والتي لم تتح لها الفرصة لمتابعة تلك الأعمال وقت عرضها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image