هو فارس السينما المصرية وفتاها الأول وفيلسوفها وجنرالها وحكيم أعمالها؛ أحمد مظهر الذي شهدت حياته تحول دراماتيكي نقله من خانة الرجل العسكري إلى قائمة أبرز النجوم الذين مروا على الشاشة المصرية.
يحكي لنا المؤرخ الفني محمد عوني عن بدايات مظهر: "ولد أحمد مظهر في 8 تشرين الأول/أكتوبر من عام 1917، وبينما كان يخطو خطواته الأولى إلى سلم الحياة، ويتعلم منها كيف يخطط لمستقبل يثور فيه على كل ما هو تقليدي ومعتاد، بدأ العشق يجرفه إلى تيار الموسيقى، واختار العود والقانون ليتدرب على العزف عليهما، حتى برع في العزف بشكل غير متوقع".
ويكمل: "وبعد أن أغوته الموسيقى وقع في حب رياضة الفروسية وركوب الخيل، وهي الرياضة التي تعوّد أن يمارسها في الأسطبل الذي امتلكه والده، فيما كان شغفه خلال دراسته الثانوية متعلقاً برياضة الملاكمة التي برع فيها حتى تعود كل عام أن يحصد كأس البطولة التي تنظمها المدرسة".
"وعقب حصوله على شهادة الثانوية العامة من مدرسة السعيدية في عام 1934، اختار مظهر الالتحاق بكلية التجارة غير أنه لم يجد نفسه بين القوانين الجافة والأرقام الصارمة التي لا تعترف سوى بالقواعد دون أي إبداع، فتركها إلى كلية الطب البيطري، والتي لم تُرض طموحاته وأحلامه أيضاً، فقفز فوق كل النصائح التي ألحت عليه للاستمرار بها ليستقر أخيراً في الكلية الحربية التي زامل فيها جمال عبدالناصر، وأنور السادات، اللذين سيصبحان في ما بعد رئيسيْ مصر".
ربما لا يعرف الكثيرون أنه شارك في الحرب العالمية الثانية، واشترك أيضاً في حرب فلسطين التي اشتعلت عام 1948. كذلك عمل أحمد مظهر لفترة بسلاح الفرسانوربما من هنا أُطلق عليه لقب الفارس
يضيف عوني: "كما زامل مظهر أيضاً خلال فترة تواجده بالكلية الحربية الكاتب الكبير ثروت عكاشة، الذي أصبح لاحقاً وزيراً للثقافة، ونائباً لرئيس الوزراء. وبعد التخرج عمل أحمد مظهر ضابطاً بسلاح المشاة في منطقة منقباد".
"وربما لا يعرف الكثيرون أنه شارك في الحرب العالمية الثانية، واشترك أيضاً في حرب فلسطين التي اشتعلت عام 1948. كذلك عمل أحمد مظهر لفترة بسلاح الفرسان، وربما من هنا أُطلق عليه لقب الفارس الذي لازمه في السينما وبات يسبق اسمه في كل المناسبات؛ خصوصاُ أنه كان فارساُ ماهراُ، وهو ما يمكن أن نلحظه ببساطة في فيلم (الناصر صلاح الدين). ولا ننسى كذلك تألقه اللافت في فيلم (الشيماء) والذي ظهرت فيه العلاقة القوية التى ربطت بينه وبين الجواد الذي امتطاه خلال الأحداث، ليحقق نجاحات مبهرة بفضل الفروسية التي كانت سبباً مهماً ورئيسياً في شهرته".
ويكمل: "انضمّ مظهر أيضاً إلى الفريق المصرى للفروسية، وحقق مراكز مهمة في السباقات التى خاضها خلاله، كما تم تعيينه بمنصب قائد مدرسة الفروسية بعد ثورة 1952، وأذكر وقتها أنه كان متواجداً في فنلندا للمشاركة بالمسابقة الدولية للألعاب الأولمبية، قبل أن يعود إلى مصر سريعاً مع انتشار أخبار قيام ثورة يوليو من العام 1952. وقيل إن بعض اللقاءات التي عقدها الضباط الأحرار لخلع الملك والقيام بالثورة تمت في بيت أحمد مظهر".
بمراجعة السيرة الذاتية لأحمد مظهر طل السؤال الإجباري، ماذا لو استكمل مسيرته بين محاريب السياسة دون السينما؟
يجيب على هذا السؤال الناقد الفني عصام يوسف: "أحمد مظهر كان بإمكانه أن يبنى مجداً سياسياً كبيراً، غير أنه وكما يقال خطفته السينما وندهته نداهتها ليصبح فارساً من نوع آخر، وأتصور أنه هو نفسه كان سعيداً بما وصل إليه وحققه في الوسط الفني".
ويضيف يوسف: "ربما يغفل الكثيرون أن بداية أحمد مظهر في الوسط الفني، بدأت عام 1948، حين رشحه زكي طليمات، الأب الروحي لأغلب نجوم الزمن الجميل وأستاذهم ومرشدهم، ليقدم دوراً صغيراً في مسرحية (الوطن). ورغم توقع الكثيرون له بأن يمضي على سلم الفن نحو الشهرة والنجومية، إلا أنه اختار الاعتزال مبكراً خصوصاً بعد سفره للمشاركة في حرب فلسطين، والتي عاد منها ليطوى صفحة التمثيل معتقداً أنه خرج من هذا العالم بلا عودة. لكن بمرور الوقت بدأ المخرج إبراهيم عز الدين التحضير لفيلم (ظهور الإسلام) إنتاج عام 1951، وتقدم بطلب إلى وزارة الحربية للسماح له بإن تمده بـ100 فارس بخيولهم، و350 فرد من أفراد المشاة، وكان أحمد مظهر من بين الـمئة فارس الذين تم ترشيحهم".
يضيف عصام: "رشح المخرج إبراهيم عز الدين في البداية أحمد مظهر لشخصية الصحابي ياسر بن عمار، لكن فجأة ودون أي مقدمات قرر أن يسند إليه شخصية أبي جهل, وحين سأل مظهر المخرج عز الدين عن سببب هذا التحول الكبير، أخبره أن ملامحه الحادة تؤهله لتقديم أدوار الشرّ".
طلب تصريح من الجيش بالموافقة على التمثيل وقوبل طلبه بالرفض، فذهب إلى زميله وصديقه جمال عبد الناصر، والذي نصحه بالتفرغ للعمل بالسينما، وهي النصحية التي طبقها آنذاك
وربما لم يعجب مظهر ظهوره بتلك الإطلالة في الفيلم فقرر أن يتوارى بعيداً عن أنظار السينما وصناعها، حتى جاءت النقلة الأهم في مسيرته في العام 1957، حين رشُح لفيلم "ردّ قلبي" الذي قدم خلاله شخصية البرنس علاء، والتي تبقى حتى الآن نموذجاً سينمائياً مميزاً لتلك الشخصية.
يروي عصام : "تردد في هذه الأثناء أن مظهر طلب تصريح من الجيش بالموافقة على التمثيل وقوبل طلبه بالرفض، فذهب إلى زميله وصديقه جمال عبد الناصر، والذي نصحه بالتفرغ للعمل بالسينما، وهي النصحية التي طبقها آنذاك، حتى انتشر تصريح لأحمد مظهر يقول فيه: ذهبت لأحصل على تصريح فأقنعني جمال بالتسريح".
يعدّ فيلم "رد قلبي" أحد أبرز التجارب في مسيرة أحمد مظهر، وكل أبطال الفيلم الذي جمع شكري سرحان وصلاح ذو الفقار ومريم فخر الدين، وغيرهم من النجوم. وعن تلك التجربة يقول المخرج محمد أشرف: "حين بدأ التجهيز لفيلم (ردّ قلبي) رشح المخرج عز الدين ذوالفقار، مظهرَ لدور البرنس علاء ابن الحسب والنسب، والذي يقف في وجه حب شقيقته إنجي لعلى ابن الجنايني، غير أن مظهر رفض الدور في البداية خوفاً من كونه دورَ شرّ، وهو ما يمكن أن يتسبب في كره الجمهور له وهو يخطو أول خطواته على هذا الطريق. وفي تلك الأثناء فكر في الاعتذار عن العمل بالفيلم، حتى وصل الخبر إلى الأديب الكبير يوسف السباعى، صاحب قصة الفيلم، والذي أقنعه بالموافقة على الشخصية".
ويواصل: "اجتهد أحمد مظهر في الدور بشكل كبير، وفي يوم العرض الخاص وبينما يجهز نفسه لردّ فعل قوى من الجمهور وحفاوة بالغة بأدائه، لمح أن أغلب الحاضرين مستائين من الشخصية التي قدمها، ولم يكن يدرك وقتها أن كره الجمهور له والتعامل بهذا الكره مع الشخصية إنما هو دليل قوى على أنه نجح فيها وأقنع الكلَّ بها، ومع نظرات الجمهور تلك قرر أحمد مظهر أن يعتزل الفن الذي لم يكن بحسابات الورقة والقلم قد دخله بعد".
"وفكر أحمد عند ذلك في أن يعود لعمله السابق وهو سكرتير مساعد لرئيس المجلس الأعلى للفنون والآداب، لكنه وجد الكثيرين يمتدحونه للأداء الذي قدمه، فيما أكدوا أنه بدا على الشاشة وكأنه فعلاً ابن الأسرة المالكة، وأنه كان شريراً بما يكفي حتى يكرهه الجمهور".
ويختتم أشرف: "من تلك الإشادات انطلق أحمد مظهر إلى عالم الأضواء والشهرة، ليقدم أكثر من 120 تجربة فنية، حصد بسببها الكثير من الجوائز والميداليات وشهادات التكريم، وكان من أبرز تلك الجوائز جائزة الممثل الأول، التي خطفها عن دوره في فيلم الزوجة العذراء إلى جانب جائزة الدولة عن دوره في فيلمه الأهم والأشهر، (الناصر صلاح الدين) فيما قلده زميله السابق الرئيس جمال عبد الناصر وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولي، وكرمه زميله بالكلية أيضاً الرئيس أنور السادات وساماً خلال الاحتفال بعيد الفن".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع