في فيديو كليب أغنية محمد منير الجديدة، ظهر 7 شباب يشبهونه، يقفون وقفته، يتمايلون مثل ميلته الشهيرة. بسمرته، شعره المنكوش وإكسسواراته، حتى ضحكته كان بينهم من يملك مثيلتها، لكنهم جميعاً ليسوا هو.
أيضاً الكلمات جاءت موزونة مقفاة، تحمل سجعاً موسيقياً، لكن المدقق في معناها، لا يجد ثمة معنى واضح، أي أن الأمر برمته كان عبارة عن شبيه فنان يردد ما هو أشبه بأغنية.
منير ببساطته، وطلته علينا؛ أبهجنا أيما ابتهاج.
ارتكزت أغنية "للي" في نجاحها على عنصرين، أولهما الإرث الفني والتاريخي لمحمد المنير، الذي يعتبره البعض، وأنا منهم، "آخر ملوك الغناء في مصر". هذا العنصر حقق مبتغاه، فمنير ببساطته وطلّته علينا؛ أبهجنا أيما ابتهاج.
أما العنصر الثاني، وهو المفاجئ لنا، أن الأغنية من كلمات وألحان الممثل المصري أكرم حسني، الذي حقق جماهيرية كبيرة عبر أعمال كوميدية متتالية، أي أنه لم يجد نجاحه على طبق من فضة، لكن هذا العنصر كان مصدر ضعف أكثر منه قوة.
طريق أكرم حسني
كتب أكرم حسني العديد من الأغنيات، ولحنها أيضاً، ضمن سياق أعماله الكوميدية، بداية من الأغاني التي عُرضت في برنامجه "نشرة أخبار الخامسة والعشرون"، عام 2008، والذي قدم فيه شخصيته الشهيرة "سيد أبو حفيظة"، وصولاً إلى مسلسل "الوصية" عام 2018.
كانت أغاني أكرم حسني غير جادة، ومن ثم لم يتناولها أحد بالنقد أو التحليل، كما لم يعلق أحد على مقدرته الغنائية، ومدى أصالة اللحن أو تأثره واقتباسه.
كان الضحك لأجل الضحك هو رسالة العمل، ومن ثم استقبلتها الجماهير على اعتبارها وجبة كوميديا من ممثل موهوب، أما وقد طرح نفسه باعتباره شاعراً وملحناً لواحد من أهم مطربي مصر، فكان بديهياً أن ينظر الناس في الكلمة واللحن.
أول الأزمات التي فجّرتها الأغنية الجديدة، هي اتهام مؤلفها بالسرقة، لا سيما البيت القائل "واللي فتح باب الوجع... واجب عليه رده"، فقد جاء ضمن موال رباعي نشر في ديوان "بحر الدميرة" عام 2014، للشاعر الصعيدي عادل صابر، مع تعديل خفيف.
يقول صابر:
"صنف الطحين يتعرف من رده
وإن كان سؤالك قبيح هيبان من رده
كل البلايا لازم يكون لها أسباب
واللي فتح باب خراب واجب عليه رده"
أما أكرم حسني فيقول:
"سألته هل داء الولع كان الجواب صدّه
ساق الدلال ساق الدلع مفاتيح هواه صدّوا
ومشيت أوشوش في الودع ولا جاني ليه ردّه
اللي فتح باب الوجع واجب عليه ردّه".
ثمة تماثل بين ما كُتب في مذهب أغنية "للي"، وما كتبه الشاعر عادل صابر، أيضاً ثمة تطابق بين الشطرة الأخيرة لكليهما، ذلك ما فجّر أزمة، بدأت من مواقع التواصل ثم سرعان ما انتقلت إلى وسائل الإعلام، كان طرفها بعض الأدباء والمثقفين الذين رأوا في الأمر شبهة سرقة أدبية، وطرف آخر مثّله الفنان أكرم حسني، الذي دفع عن نفسه التهمة، معتصماً بحجة "توارد الأفكار"، ومتسائلاً: هل تشابه بيت بين 20 بيت في الأغنية يعني أني سارق للأغنية؟
العديد من الشعراء الشباب الموهوبين، ومن أصول صعيدية، يحلمون بأن يغني محمد منير قصيدة من شعرهم، فلماذا التجاهل؟ كان هذا تساؤل لشاعر شاب محبط
لم يُحسم الجدل حول تهمة السرقة، أي لم نجد رداً قاطعاً مانعاً على سؤال الممثل المصري، لكن على أي حال، آلت القضية إلى المحاكم، وأعلن الشاعر عادل صابر، تطوع المحامي أدهم العبودي، وهو روائي مصري، لتولي الأمر أمام القضاء.
أمر آخر بقي دون التطرق له، هو مدى جودة الكلمة المغناة، والقيمة التي تحملها آخر أغاني "الكنج". لا أقصد بـ"القيمة" هنا أن تحمل رسالة أخلاقية أو معرفية، فليس ذلك غاية الفن، لكن أبسط الأمور، هو الموضوع التي تتناوله، أو الحالة التي يمكن الوقوف بصددها، وقد خلت الأغنية من أي فكرة تقريباً، فجاءت عبارة عن مربعات مهلهة، يختتمها الشاعر الممثل بحكمة مستمدة من مثل شعبي؛ مثل "ما هو لو حبيبك كان عسل ما تخلّصوش كلّه".
أظن أن السبب في ركاكة الكلمات وعدم ترابطها؛ هو أن كاتبها ليس شاعراً، فبحسب منشور له على فيسبوك، كتب أن مهنته الأساسية ممثل، "وبحب صناعة الأغاني من باب الهواية".
لم يشكك أحد في قدرة أكرم حسني وموهبته كممثل، لكن هل من المنطق في شيء أن يكتب الأغاني لمطرب بقيمة منير، مجرد "هاوٍ"؟ حسب تصريحه.
أمر آخر تسبب في ذلك، هو أنه ما من أحد أراد الدخول إلى الكتابة باللهجة الصعيدية؛ إلا ودلف من باب "المربعات"، كونها المنطقة الأسهل، سواء من حيث شكلها القائم على أربعة أشطر؛ يتفق فيهما الأول والثالث والثاني مع الرابع، أو من حيث البحر "المجتث" سهل الكتابة.
أيضاً اعتماد الشاعر على البناء اللغوي، أو الجناس التام، هو الأمر الذي لا يلجأ إليه إلا من يبحث عن عوض لضعف رؤيته، وخير دليل؛ أن لا أحد من شعراء الصعيد الكبار الذين كتبوا لمنير، لجأ إلى هذا "التكنيك"، بل جاءت أشعارهم تحمل مضموناً واضحاً، لا مجرد ألعاب لغوية راقصة.
في ظني، لا يتحمل الممثل المصري المسؤولية وحده، لكن محمد منير، الذي بات مؤخراً يخشى التجريب ويكتفي بالمساحة الآمنة، المعتادة؛ تجعله يتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية، فلو كان الشاب الأسمر، المولود في قرية منشية النوبة بأسوان عام 1954، والذي جاء إلى القاهرة شاباً حالماً، اكتفى بما هو آمن، لما صار ما هو عليه الآن.
شاعر شاب يحلم بمنير
تعاون محمد منير مع ممثل يدّعي هواية الشعر تصيبني بغصة، لاسيما إذا ما تذكرنا محاولات الشعراء الشباب في الوصول إليه، أذكر منهم مثالاً، الشاعر أحمد النجار، الحاصل على عدد من الجوائز، على رأسهم جائزة أحمد فؤاد نجم لشعر العامية المصرية، عن ديوانه "كاموفلاج"، وصاحب عدد من الأغنيات الناجحة، أشهرها "مسارح وسيما" مع فرقة "عمدان نور"، وقد عرف عنه عشقه لمنير، وحلمه في التعاون معه.
يروي "النجار" أكثر من مرة عبر صفحته بموقع فيسبوك كيف استغله شخص، وأعطى له موعداً "مزيفاً" مع "الكينج"، بعد 6 أشهر من "المحايلة"، ادعى فيها هذا الشخص أنه مدير أعمال الفنان، لكن الشاعر الشاب عندما ذهب في موعده إلى مسكن "منير"، حاملاً بوكيه ورد وبعض أشعاره، والكثير من الأحلام، سرعان ما تبخرت أحلامه وذبلت وروده؛ بعدما خرج عليه الفنان، وطلب منه أن يتركهما ويذهب.
وكأن ما يحدث لمنير هو صورة مصغرة لما يحدث في مصر، فعندما كان شعراؤها شعراء، وممثلوها ممثلين، وحتى حرفييها حرفيين وصنايعية، صنع المشروع الغنائي لمنير شعراء كبار، أما الآن وفي عصر "الشبه"، ظهر في الكليب أشباه مغنٍ، يرددون ما يشبه أغنية
يقول الشاعر الشاب: "كل المحيطين بيّا تقريباً عارفين إني حلمي إني أقابله لمجرد دقيقتين بس، وأنا كفيل أغير العالم في الدقيقتين دول... بس للأسف، في مجالنا ده محدش بيساعد حد. حاولت أقابله تقريباً بكل الطرق... بس تقريباً برضه النصيب لسه مش كاتب".
ما تزال تهمة السرقة الأدبية قائمة، كما وجهت لأكرم حسني تهمة أخرى بسرقة اللحن من مطرب وملحن شاب، وإن كان كلاهما استندا إلى لحن فلكلوري لم يشيرا إليه.
ولا أعتقد أن أكرم حسني قصد السرقة، لكن استعانته بقوالب استهلكت، سواءً في الكتابة أو اللحن، حرمته من نعمة التفرد، وأصابته بما يسمى "وقوع الحافر على الحافر"، ذلك إذا ما استثنينا البيت الأخير في المذهب الأول.
وكأن ما يحدث لمنير هو صورة مصغرة لما يحدث في مصر، فعندما كان شعراؤها شعراء، وممثلوها ممثلين، وحتى حرفييها حرفيين وصنايعية، صنع المشروع الغنائي لمنير شعراء كبار، أمثال الأبنودي، جاهين، مجدي نجيب وعبد الرحيم منصور، أما الآن، وفي عصر "الشبه"، ظهر في الكليب أشباه مغنٍ، يرددون ما يشبه أغنية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع