شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
مهمَّش وغير مرئي... كيف ظهر العربي في السينما الإسبانية؟

مهمَّش وغير مرئي... كيف ظهر العربي في السينما الإسبانية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 26 يوليو 202211:57 ص

بالرغم من التاريخ العربي-الإسباني الطويل، الذي لا يمتد لثمانية قرون فقط هي فترة الأندلس، وإنما يمتد لقرون بعدها عبر الاحتلال الإسباني والحماية المفروضة على المغرب، والهجرات المتتابعة والمتزايدة منذ أواخر القرن العشرين، إلا أن السينما الإسبانية لم تعرف تقديم العربي/ المسلم، ولم تتطلع إلى فهمه. كان التنميط هو الوسيلة الأسهل لتجسيده؛ قالب جاهز يمكن صبّ أي عربي فيه مهما كانت ثقافته أو خلفيته الاجتماعية، لكن العربي في المهجر ليس نفسه العربي في فترة الأندلس، وهي فترة تاريخية سلطت عليها المسلسلات الضوء بشكل متكرر كطريقة للاعتداد بالذات والانتصارات القومية.

بالرغم من التاريخ العربي-الإسباني الطويل، إلا أن السينما الإسبانية لم تعرف تقديم العربي/ المسلم، ولم تتطلع إلى فهمه.

ظهور على استحياء

في دراسة له، تناول الأكاديمي إلوي مارتين كورالس، في بحث منشور في جامعة بومبيو فابرا في برشلونة، العلاقة بين العالمين الإسباني والعربي المعكوسة في السينما، مسلطاً الضوء على فترة الاستعمار والحماية المفروضة على المغرب، وامتداداً إلى فترة الديمقراطية والعقود الأخيرة. لقد شغل العالم العربي، والمغرب تحديداً، حيزاً في هذا الطرح السينمائي، ليس لكونه ماضياً بعيداً وإنما لكونه حاضراً ممتداً. وبحسب كورالس، فالسينما تناولت موضوعات عدة عن العرب باختلاف أهميتها، منها أفلام مخصصة عن المواجهات بينهما خلال فترة الاسترداد، وهي الحروب التاريخية الممتدة لطرد المسلمين من المدن الإسبانية، وتميزت في عرضها بالانحياز إلى المسلمين وحضارتهم البازغة: الأندلس. من هذه الأفلام "طريق الشمس"، و"يجردوننا من الرقص" (1983)، و"دانيّا، حديقة الحريم" (1987)، من إخراج كارلس ميرا، وفيلم الكرتون "أحمد أمير الحمراء" (1998). في الاتجاه نفسه، يجب ضم المشاركة الإسبانية المهمة في "معركة الملوك الثلاثة"، الذي يحكي عن معركة مهمة بين البرتغال والمغرب في أواخر القرن السادس عشر، من دون أن ننسى طبعاً المسرحيات الهزلية التاريخية مثل "عندما فقد المنصور الطبلة"، المعروضة عام 1983، للمخرج لويس ماريا دلغادو.

كان التنميط هو الوسيلة الأسهل لتجسيده؛ قالب جاهز يمكن صبّ أي عربي فيه مهما كانت ثقافته أو خلفيته الاجتماعية، لكن العربي في المهجر ليس نفسه العربي في فترة الأندلس، وهي فترة تاريخية سلطت عليها المسلسلات الضوء بشكل متكرر كطريقة للاعتداد بالذات والانتصارات القومية

الموضوع الثاني؛ خلال الفرانكوية، بدأ طرح موضوع الحماية على المغرب على استحياء، فأُنتِج فيلم "كارثة أنوال" (1970)، ولم يرَ النور حتى الآن، بالإضافة إلى أن شخصياته مجموعة من العرب يعيشون في شقة في مدريد ويستحضرون ذكريات الكارثة. في المقابل، فيلم "باديس" للمخرج محمد عبد الرحمن طازي (1988)، الذي يتناول قصة حب جندي إسباني لفتاة ريفية، لم ينَل كثيراً من النجاح. ونادراً ما طُرحت مشاركة المغاربة في صفوف فرانكو خلال الحرب الأهلية الإسبانية. في هذا السياق، يأتي فيلم "متحررات" Libertarias، للمخرج بيثنتي أراندا، وفي مشاهده الأخيرة يظهر العسكر النظاميون يغتصبون ويذبحون البطلات الجمهوريات حتى يأتي ضابط إسباني ويوقف المجزرة. يتداخل هذا الفيلم مع الجدل السائد حول المعاملة التي يستحقها المهاجرون المغاربة، ولا يزال يثير الكثير من الشفقة. وفي التيمة نفسها، يأتي فيلم "إجازات طويلة بعام 36" (1975)، لخايمي كامينو، ومادريخيلدا (1993)، لفرانثيسكو ريغيرو. لكن اللافت تجاهل السينما للعربي في الفترة من 1939 وحتى 1975 (المغرب استقلّ عام 1956)، ولم تظهر إلا أفلام قليلة منها "حلم طنجة" (1991)، للمخرج ريكاردو فرانكو، ويتناول تجارة السلاح.

المغرب كعدو

ثمة موضوعات أخرى تخصّ اللحظة الراهنة تناولتها السينما الإسبانية أيضاً لكن بقليل من العمق، منها المطالبة المغربية باستعادة سبتة ومليلة، أو العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في هاتين المدينتين، وهو ما يظهر في فيلم "بيض من ذهب" (1993)، لبيغاس لونا، و"ستموت في شافاريناس" (1995)، لبدرو أوليا. كذلك تهريب الحشيش والمخدرات عبر الساحل المغربي إلى إسبانيا، كما في فيلم "النزول إلى المورو" (1988)، لفرناندو كولومو، و"ستموت في شافاريناس".

لم يغِب عن السينما تناول ظهور الإسلاموية الراديكالية في الغرب، وظهرت بشكل غير مباشر في أفلام عدة.

جزء كبير من الأفلام والأفلام الوثائقية التي تناولت الصحراء سلّط الضوء على "العدو" المغربي، بدءاً من عام 1975: "صندوق الذكريات" (1994) لماريا ميرو، ويحكي عن منفى الصحراويين في أراضٍ جزائرية، كذلك "ليلى" (1999)، وهو فيلم قصير لسيلبيا مونت. الواضح أن السينما كلما تضامنت مع الشعب الصحراوي، تشيد هذا التضامن مع العداء السافر للمغرب. في فيلم "هنا من لا يركض، يطير"، يستيقط أحد الأبطال، وهو نصّاب قليل الحيلة، في يوم عطلة على صخب مجموعة من العمال المنزليين المغاربة والآسيويين يثرثرون أسفل نافذة بيته، فيخرج إلى الشرفة ويصرخ بعبارة واحدة ويكررها: "يا مسلمين ارحلوا مع حسن، وإلا أتضامن مع البوليساريو".

الإسلاموية تظهر مؤخراً

في الإطار نفسه، لم يغِب عن السينما تناول ظهور الإسلاموية الراديكالية في الغرب، وظهرت بشكل غير مباشر في أفلام عدة، منها "نفد البترول" للمخرج بانتشو باوتيستا، وفيه يظهر آية الله في زيارة إلى مقاطعة أندلسية. وفي "نساء على حافة نوبة غضب" لبدرو ألمودوفار، واحدة من البطلات تكتشف مستاءةً أن خطيبها الشيعي قد أخفى ترسانةً حقيقيةً من الأسلحة الأوتوماتيكية في مسكنه.

لكن المسلم أيضاً هو المغربي باختزال. هنا تقترب السينما من حياة المهاجرين الصحراويين كما في فيلم "بوانا"، لإيمانويل أوريبي، و"خطابات ألو" لمونتكستو أرمنداريث. وتظهر البطولة المغربية بالذات في "سوسانا" لأنطوني تشبارياس، و"مغامرة المضيق" للوبيث دومينغيث، و"سعيد" للورينت سولير، ويتناول أزمة المهاجرين الذين بلا أوراق في برشلونة.

بناءً على هذا العرض، يستخلص مارتين كورالس أن الأجواء الديمقراطية الأولى منذ 1975، لم تُستغل في السينما لمراجعة الماضي الإسباني/ المسلم، خاصةً ما يتعلق بحروب المغرب ومشاركة المغاربة في الحرب الأهلية الإسبانية. كذلك لم تتخلص السينما من الإستيريوتايب القديم، مثل ربط شمال إفريقيا والمسلمين بالعنف والحسية، وهو ميراث الماضي في جزء كبير من أفلام الحاضر. مع ذلك، لا يمكن إنكار الجهد المبذول في السنوات الأخيرة، لتقديم صورة أكثر إيجابيةً للعرب والمسلمين بشكل عام، وتحديداً في معاملة المهاجرين المغاربة في إسبانيا.

المخرج والممثل خالد أحمد يوسف، الذي درس السينما في إسبانيا وشارك في أعمال عدة قبل أن يرحل إلى الولايات المتحدة، يرى، في تصريح لرصيف22، أن التنميط عنصر أساسي في السينما الإسبانية، ويطلق عليه "تنميط الأقليات"

صورة نمطية... سينما مشوّشة

المخرج والممثل خالد أحمد يوسف، الذي درس السينما في إسبانيا وشارك في أعمال عدة قبل أن يرحل إلى الولايات المتحدة، يرى، في تصريح لرصيف22، أن التنميط عنصر أساسي في السينما الإسبانية، ويطلق عليه "تنميط الأقليات". وفي حالة المهاجرين، بحسب يوسف، يصعب كسره إلا ببطء. "فالسينما والمسرح والتلفزيون في إسبانيا وسائل لا تبادر بفعل، وإنما برد فعل لتوجه أصيل أو تجربة خاصة، وهو ما لا نجده في البلد الأوروبي، إذ يرتبط بشكل البيزنس الهوليوودي".

خاض يوسف العديد من اختبارات الكاستيغ، وهذه التجربة جعلته يرى المطبخ السينمائي من الداخل وكيف تدار الأمور، إذ المسألة ليست فقط كيف يظهر العربي في السينما والدراما، وإنما مدى مشاركة ممثلين عرب في أفلام تخص العرب وحجم دورهم فيها. يقول خالد يوسف: "التنميط في هذه الجزئية هزلي جداً، إلى درجة أنه تم رفض ممثلين مغاربة كثيرين في فيلم المفروض أنه يتناول تفجيرات 11 آذار/ مارس، ومن إنتاج Telemadrid. بل تم رفض مغاربة في أفلام أخرى لأنهم ليسوا مغاربةً بالشكل الكافي، بمعنى أنهم مخالفون لتصوراتهم عن المغاربة في ما يتعلق بالشكل واللهجة والاهتمامات، وحتى الموهبة، وفي ما يتعلق بطبيعتهم مثل الذكورية والعنف وافتقاد القدرات الذهنية إلا في ما يتعلق بكسر القانون وخلفية اجتماعية شديدة الضحالة".

ربما يمكن قراءة صورة العربي في السينما الإسبانية، وهذا التجاهل أحياناً والتنميط في معظم الأحيان، على أنها الصراع بين الإخوة وليس بين الغرباء.

المخرج والممثل المصري، الذي شارك في مسلسل Disfraces (أقنعة، 2011)، يُرجع ذلك إلى ندرة التواجد العربي في الكتابة والإخراج والإنتاج، ما يعني أن الصوت العربي مكتوم، وأن المنفذ الوحيد له سيكون عن طريق بوق إسباني يضع قطاعات كاملةً في السلة نفسها، فمسلم=عربي=بربري=أمازيغي=بشرة داكنة، في معادلة مشابهة لصيني=آسيوي. يضيف يوسف: "ما من تأمل في التجارب الشخصية للشخصيات نفسها، وهذه مشكلة تجاوزتها الدراما الهولندية والبلجيكية مثلاً في تعاملها مع الجالية المغربية، بالرغم من أن التجربة المغربية في إسبانيا أشد عمقاً وتعقيداً". السينما الدنماركية والسويدية، بحسب يوسف، أكثر نضجاً في تعاملها مع المجتمع العربي، وهناك وعي بالفارق بين العراقي والجزائري، وعراقي الجيل الأول والثاني المولود في أوائل ثمانينيات القرن الماضي والمهاجر بعد 2003.

يحكي خالد يوسف عن تجربته في التمثيل في السينما الإسبانية، ويقول: "كل الأدوار التي كانت تُعرض عليّ كانت متشابهةً، حتى بدأت العمل مع سيناريستات مهمين مثل السيناريست الفرنسي بيرنار ماري كولتيس، حينها لاحظ الجميع، عندي وعند زملائي المغاربة، قدرات مختلفةً. وذلك بسبب ماتيريال الكتابة".

وأخيراً، يرى خالد يوسف أن مشكلة السينما والدراما الإسبانية تحديداً، تكمن في مصارحة ثقافتها بالحقائق المؤلمة، وهي مشكلة يرى أن الرواية والنون فيكشن تجاوزتاها منذ زمن، إلا أنها لا تزال تتسبب في أرتيكاريا للدراما، بدءاً من تناول الحرب الأهلية وتجربة فرانكو، وانتهاءً بالعلاقة مع الأقليات. "مصارحة وبطء"، يقول الممثل المصري، فـ"حتى الدراما البرتغالية أصبحت أكثر شجاعةً في تناول ماضيها الاستعماري وعلاقتها مع إفريقيا".

لكن اللافت أن العربي والمسلم هو فقط ابن شمال إفريقيا، وخاصةً المغربي، من دون أي تطرق إلى العربي الخليجي الثري الذي يقيم في ماربيللا، أو يصيّف في جزيرة مايوركا أو جزر الكناري

عالم قريب، عالم بعيد

ربما يمكن قراءة صورة العربي في السينما الإسبانية، وهذا التجاهل أحياناً والتنميط في معظم الأحيان، على أنها الصراع بين الإخوة وليس بين الغرباء. فالتاريخ القديم المشترك في فترات الأندلس الطويلة، والتاريخ الحديث المنفتح على الهجرات والسفر والسياحة بين شمال المتوسط وجنوبه، يسمح بكل بساطة لمخرجي الأفلام والدراما وكُتّابهما أن يفهموا العربي والمسلم، ليس بهويته الدينية ولا بلونه الخمري، وإنما بكونه إنساناً يمثّل نفسه أكثر مما يمثّل ثقافةً أو ديناً.

لكن اللافت أن العربي والمسلم هو فقط ابن شمال إفريقيا، وخاصةً المغربي، من دون أي تطرق إلى العربي الخليجي الثري الذي يقيم في ماربيللا، أو يصيّف في جزيرة مايوركا أو جزر الكناري. ربما هذا ما يتفق مع ما راحت إليه الفيلسوفة الإسبانية أديلا كورتينا، في مصطلح "الأبوروفوبيا"، ويعني الخوف من الفقر. إذ ترى أن مشكلة المجتمع الإسباني ليست مع المهاجر العربي أو الشمال إفريقي، وإنما مع المهاجر العربي الفقير، الذي يأتي ليزاحم في سوق العمل أو يشكّل تهديداً للمجتمع لخرقه للقانون أو عدم احترامه المفترض للعادات الأوروبية. أما العربي الثري فمرحَّب به في المجتمع لأن وجوده يفتح عملاً وبيوتاً إسبانيةً. وهذا العربي، تالياً، لا وجود له في السينما لأنه يقدّم صورةً أخرى للعربي خارجةً عن التنميط ولا تريد السينما الإسبانية أن تتناولها، لأن همها الأول، شأن هم المجتمع، هو المهاجر الفقير.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard