شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
هل قصص الأطفال التي قرأناها ما زالت صالحة لأطفالنا؟

هل قصص الأطفال التي قرأناها ما زالت صالحة لأطفالنا؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحريات الشخصية

الثلاثاء 30 أغسطس 202204:40 م
Read in English:

Reading to your child in Arabic while avoiding religious and sexist tales?

لم أنسَ نظرة الخذلان التي اعترت وجه طفلتي، ذات السبعة أعوام ونصف، حين قدّمتُ لها هدية لم أفصح لها عن محتواها، واكتفيتُ بالقول: "ستكون مفاجأة".

صدمة أولى

اقتربتُ من العلبة الملفوفة بشرائط أنيقة، وحين فتحتها كانت الصدمة. لست أدري هل كانت صدمتها، أم صدمتي، أم صدمة متبادلة فيما بيننا: "كتب يا ماما، ليش ما خلصت المدرسة، كمان درس بالصيف".

لم تغرِ الصور الملونة طفلتي الصغيرة ذات الطاقة الكبيرة، واعتبرتها مجرد وسيلة خداع جديدة كي تدرس في العطلة الصيفية، قبل أن نخوض حواراً طويلاً، اقتنعَت في نهايته بقراءة القصص، شريطة أن نترافق سوياً، في تلك الرحلة.

بعيداً عنها، سألت نفسي: هل أنا أم تقليدية تريد لطفلتها أن تقرأ وتتثقف لأباهي بها الجيران والأقرباء؟

5 قصص تصدر عن دار نشر معروفة هنا في سوريا، كنت قد أنفقت عليها مبلغاً ليس بالقليل، كان يمكن شراء بعض احتياجات المنزل به وسط الظروف المعيشية القاسية التي نكابدها

حقاً، لماذا على طفلتي أن تعتاد المطالعة، أن تسلك الطريق ذاته الذي اخترتُه لنفسي عندما كنت في مثل سنّها دون أي ضغوط من أحد. تذكرت كم كنت أتوق لقراءة أي قصاصة ورقية أصادفها.

على الأرجح، كنت قد خدعت نفسي، حين برّرت لها الأمر بكونه مجرد وسيلة إثراء للغة والكلمات، تفيدها في مدرستها وتسهل عليها مهمة التعليم، أقنعت ذاتي بالفكرة، ومضيت معها في تلك الرحلة التي عدتُ منها بصدمة جديدة.

صدمة ثانية

5 قصص تصدر عن دار نشر معروفة هنا في سوريا، كنت قد أنفقت عليها مبلغاً ليس بالقليل، كان يمكن شراء بعض احتياجات المنزل به وسط الظروف المعيشية القاسية التي نكابدها، لكني اخترت التهامَ الثقافة، أو هكذا اعتقدت.

الأخطاء التربوية والجندرية التي اكتشفتها بقصص تشاركتُ وطفلتي قراءتها كانت فادحة للغاية. في قصص الأطفال تكريس مرعب لتنميط المرأة، ضمن قالب الأميرة المنتظرة لفارسها، أو تلك التي ترتدي مريول المطبخ بانتظار زوجها، أو تلك التي أرسلت ولدها الذكر ليلعب، وطلبتْ من طفلتها الصغيرة مساعدتها بأعمال المنزل.

أغلقت تلك القصة دون أن أكملها. تحججت أمام طفلتي بتذكري لعمل هامٍّ عليّ القيام به. اعتذرت منها، ووعدتها بمتابعة القراءة لاحقاً. أما هي فلم تلقِ بالاً، على العكس كانت سعيدة جداً بأنني فعلت ذلك.

الإجبار على القراءة

كنت قد قرّرت مراقبة محتوى تلك القصص قبل أن أخوض المغامرة مع طفلتي مرة أخرى. ما قرأته كان مفزعاً، حتى القصص التي تتحدث عن المنافسة بين الطلاب في المدرسة الواحدة، كانت تتجه نحو تعزيز الغيرة والحسد لا المنافسة.

هنا توقفت قليلاً، وتذكرتُ "تختخ والمغامرون الخمسة"، وكل القصص الأخرى التي قرأتها في طفولتي. لا أعرف إن كانت تحمل تنميطاً وتمييزاً جندرياً عميقاً هي الأخرى، ولكني أدرك أنها لم تؤثر عليّ بالسلب. على العكس، أنا اليوم أستمتع بقراءة تفاصيل مثل: "الرواية الحقيقية لقصة ليلى والذئب"، وكيف أن الذئب كان الضحية، النقيض دائماً هو من يعلم، وليس الرتابة والانسيابية، فحتى أشد الأشخاص دبلوماسيةً ورتابةً يمكن أن يكونوا أشراراً جداً.

في نهاية قصتنا مع القراءة، سجّلت طفلتي انتصارها، فقد قررتُ إيقاف البحث عن قصص أطفال بمحتوى تربوي لائق، وانصعت إلى رغبتها بتعلم الرياضة والسباحة والعديد من الأنشطة الحركية الأخرى التي تحبها

في نهاية قصتنا مع القراءة، سجّلتْ طفلتي انتصارها، فقد قررتُ إيقاف البحث عن قصص أطفال بمحتوى تربوي لائق، وانصعت إلى رغبتها بتعلم الرياضة والسباحة والعديد من الأنشطة الحركية الأخرى التي تحبها.

قصص الأنبياء

تصف سمر (38 عاماً، خريجة جامعية تعمل في مجال تخصصها) نفسها بأنها "لا دينية"، أي لا تؤمن سوى بالله، لكنها بالمقابل لا تمانع أن يقرأ طفلها قصص الأنبياء، كجزء من برنامج المطالعة لديه، ولكنها تعارض بشدة الطريقة والمحتوى الذي تقدَّم بهما تلك القصص.

تسأل سمر نفسها: كيف أقرأ لطفلي قصص الأنبياء وأنا الأم "اللادينية" التي تسعى أن يختار ابنها عندما يكبر ما يؤمن به؟

تقول سمر: "لا مانع من تقديم القصة على أنها متداولة في الكتب منذ الزمن القديم، لكن دون الجزم بحدوثها، وضرورة استخدام كلمات، مثل (يقولون إنه حدث ذلك)، فهي لا تريد أدلجة طفلها، وفي الوقت ذاته تحب لو أنه يطلع على كل تلك الأمور، ويختار ما يؤمن به عقله في النهاية، دون أن يتأثر بمجرد قصة قرأها بطريقة عابرة".

عاشت سمر الكثير من المشاكل مع زوجها وعائلته، والذين تصفهم بـ"المحافظين نوعاً ما"، إلا أنها نجحت في إبعاد طفلها عن تلك القصص في النهاية، وحققت رغبتها في ترك طفلها يبني شخصيته بعيداً عن الأدلجة الدينية والفكرية.

ممارسة القراءة أهمّ

على عكس سمر، لا تكترث منى (35 عاماً، سورية تعمل موظفة في القطاع العام) كثيراً بمحتوى القصص التي يقرأها أطفالها، والتي تختارها لهم تبعاً لمعيار السعر، أينما وجدتْ قصصاً رخيصة الثمن، تشتريها فوراً.

ترى منى أن الرقابة على قصص الأطفال لا بد أنها كبيرة، وتقول: "الرقابة في هذا البلد تفرض نفسها على كل شيء، فهل من الممكن أن تغفل أعين الرقباء عن قصص أطفالنا الصغار؟".

منى مقتنعة كثيراً بالفكرة، وتعتبر أنه من المبالغة جداً التركيز على بعض التفاصيل، خصوصاً تلك المتعلقة بعمل المرأة، ووفقاً لاعتقادها الخاص، فإنه "ليس من الخطأ أن تتعلم الفتيات الصغيرات مساعدة أمهاتهنّ في الأعمال المنزلية، بينما شقيقهن الذكر يلعب"، وتضيف: "من ينزعج من الفكرة يستطيع القول لأطفاله إن الطفل الذكر صغير، ولا يستطيع تقديم المساعدة، فالمهم بالنهاية تعويد الطفل على القراءة والرغبة بالمطالعة".

رسومات شخصيات المتحرشين

يتابع خالد (42 عاماً، مهندس إنشائي) بخوف، أخبارَ جرائم التحرش بالأطفال التي بات يقرأ كثيراً عنها عبر السوشال ميديا، فقرر مساعدة أطفاله من خلال إحضار قصص خاصة، تساهم في توعية الأطفال، وتعلمهم كيفية التصرف في حال حدوث تحرش من طرف آخر.

لاحظ خالد، بعد أن قرأ محتوى القصص التي ابتاعها، والتي تعود لإحدى دور النشر "الموثوقة" في الدول العربية، أن هناك مبالغة كبيرة في وصف بعض الأشخاص وطريقة رسمهم، فعلى سبيل المثال، حين كان طفله يقرأ القصة، أخبره بأن الشخص السيء "المتحرش"، يشبه جارهم، وسأله: "هل جارنا سيء يا بابا؟ هل يجب أن أحذر منه؟".

تسأل سمر نفسها: كيف أقرأ لطفلي قصص الأنبياء وأنا الأم "اللادينية"، التي تسعى أن يختار ابنها عندما يكبر ما يؤمن به؟

يرى خالد أن على رسامي صور قصص الأطفال الانتباه أكثر إلى تفاصيل الرسومات، فليس الإنسانُ السيء قبيحَ الشكل بالضرورة، والعكس صحيح. كما أن القصص الخاصة بالتحرش التي حصل عليها، تنطوي على الكثير من التفاصيل التي قد ترهب الطفل من استخدام المصعد الكهربائي، أو حتى زيارة الدكان، أو التعامل مع المعلمين والمعلمات في المدارس.

المشكلة في التعامل مع قصص الأطفال تبدو عويصة للغاية، خصوصاً لأولئك الأهل الذين اختاروا تنشئة أطفالهم بطريقة غير تقليدية، ولا تتماهى مع ثقافة الجماعة، وللأسف فإن هذه الفئة من الآباء والأمهات لا تعثر على قصص أطفال صالحة للمطالعة دائماً، وفي حال وُجدت فإنها تكون نادرة للغاية.

ضرورة

المقالات والدراسات التي اطلعت عليها، يكاد يجمع خبراؤها النفسيون على ضرورة تعليم المطالعة للأطفال وتحفيزهم عليها، دون الخوض كثيراً في المحتوى المقدم، فهم يرون أن المطالعة بحد ذاتها نشاط يساهم في تنمية المفردات والخيال لدى الأطفال، ويعزز الثقة بالنفس، ويساعدهم في تنمية مهاراتهم.

الأخطاء التربوية والجندرية التي اكتشفتها بقصص تشاركتُ وطفلتي قراءتها كانت فادحة للغاية، تكريس مرعب لتنميط المرأة، ضمن قالب الأميرة المنتظرة لفارسها، أو تلك التي ترتدي مريول المطبخ بانتظار زوجها

وترجع الأخصائية النفسية غيداء سعيد، العلاقة السيئة التي تجمع الطفل بالكتاب عموماً إلى "النظام التعليمي الخاطئ، الذي يقوم على الحفظ الصمّ، دون مراعاة العمر العقلي للطفل/ة أو الطالب/ة، وهذا ما يمنع الأطفال من بناء علاقة جيدة مع الكتاب".

وتعطي سعيد نصائح لتربية طفل محب للقراءة، وشغوف بتثقيف نفسه:

1 - وضع السنّ في الاعتبار أثناء تعليم الطفل الإقبالَ على المطالعة.

تقول سعيد: "أهم جزئية خلال تعليم الطفل الإقبال على المطالعة، هي التنبه للفئة العمرية، فلكل مرحلة عمرية أسلوب خاص بها".

على سبيل المثال، في مراحل الطفولة المبكرة، أي ما دون الثلاث سنوات، نستخدم القصص المصورة فقط، ونركز على ضرورة قراءة قصة ما قبل النوم، على ألا تتجاوز السطرين للأطفال بعد سن الثالثة، وحتى إشراك دمية بالقصة، وتحويلها إلى مشهد تمثيلي بالاشتراك بين الطفل والأم والأب والدمية.

2- مشاركة الطفل

مع تقدم الطفل بالعمر، تنصح سعيد، بأن تشارك الأم أو الأب طفلهما بتفاصيل القصة، وسؤاله عن رأيه بها، أو تغيير مجريات الأحداث، بطرح سؤال "ماذا لو؟"، توضح: "مثلاً في قصة ليلى والذئب، نستطيع سؤال الطفل: ماذا لو أن ليلى سلكت طريقاً آخر؟ ماذا كان سيحدث؟".

3 - التأكد من استيعاب القصة

بحسب سعيد، فمن الجيد أن تطلب الأم أو يطلب الأب من الطفل تلخيص القصة أو حتى كتابة ماذا فهم منها، في حال وصل إلى مرحلة عمرية بات يتقن فيها الكتابة.

تلك الأمور تساعد الأطفال على بناء علاقة جيدة مع الكتاب من جهة، وتنمية خيالهم وحس المشاركة لديهم من جهة ثانية، وفق سعيد، التي ترى أنه من أهم استراتيجية تعليم الأطفال المطالعة، مساعدتهم على بناء مكتبة صغيرة خاصة بهم وبكتبهم، على أن يخصصوا دفتراً صغيراً لتدوين ملاحظاتهم عن القصص التي يقرأونها، وماذا تعلموا منها، وحتى منحهم الفرصة لإضافة شخصيات جديدة إلى القصة، تقول: "وشيئاً فشيئاً، ربما يتعلمون كتابة قصصهم الخاصة".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image