عندما كنا صغار، طرأ على بالنا جميعاً السؤال التقليدي "إحنا جينا الدنيا ازاي؟"، وكان الأهل يجيبون عليه عبر سرد أي رواية خيالية، ما عدا الرواية التي تقول إن الطفل نتاج للمعاشرة الجنسية بين الأب والأم، ظناً منهم أن هذه الرواية ستفسد عقلية الطفل، أو كما يقولون: "هتفتح عينه بدري".
هذا، في حين أن الأهل لا يحترمون بالمرة خصوصية جسد طفلهم، فتجد الأم تبدل ملابس طفلها أمام أي أحد من الأقارب أو الجيران، ومن الممكن أن تجد أحدهم يضحك على أعضاء الطفل التناسلية أو يلعب بها، وبعد أن يكبر الطفل قليلاً تجده يركض أمام الجميع في المنزل بدون ملابس، ورغم ذلك، لا تتحدث الأم مع طفلها عن جسده وأنه ملكه وحده ولا يجوز لأحد أن يلمس أياً من أعضائه التناسلية.
والسؤال هنا: متى سندرك أن التربية الجنسية جزء لا يقل أهمية عن أي جزء من أجزاء التربية؟
يجب ألا نجعل "وجود الزوج" هو مفتاح التعرّف على أجسادنا كنساء.
ولكن الطفل فضولي بطبعه وبالفطرة، وتبدأ فترة المدرسة ويبدأ الطفل بجمع المعلومات الجنسية، سواء عن جسده أو عن جسد المرأة أو عن العلاقة الجنسية، من أصدقائه في المدرسة، خاصة أن المعلمين بالمدارس يشرحون في الحصص التي لها علاقة بالأعضاء التناسلية والجنس، بشكل سطحي، أو لا يشرحونه بالمرة، لدرجة أنه يثير فضول الطفل أكثر وأكثر لاستكشاف جسده والسبب من وراء مجيئه للعالم.
ومهما كانت الرقابة الأسرية التي تفرض على الطفل شديدة، فسيأتي يوم ويعرف فيه كل المعلومات الجنسية، ولكن من مصدر غير موثوق وبطريقة غير صحية وغير صحيحة، وسيعرف أنه كان يُكذب عليه بهذه الروايات الخيالية التي كان تقص عليه كيفية مجيئه إلى العالم.
للفتاة، الأمر أصعب
وعندما يكون الحديث عن الطفلة/ الفتاة، تكون الأمور أصعب، حيث أن هذه الأمور يجب أن تكون "خارج معرفة الفتاة" إلا قبيل ليلة زفافها، وستحدثها عنها والدتها من خلال تجربتها الجنسية التي من الممكن أن تكون فاشلة، ولكن لا يهم... المهم أن تتسم الفتاة بالحياء، وكلما كان عندها جهل بالأمور الجنسية، كلما زاد رصيد الحياء والخجل عندها، فبالتالي ترتفع نسبة "صلاحيتها" للزواج وتكوين أسرة!
وعندما تتزوج الفتاة، ومهما كانت المعلومات الجنسية التي تعرفها، فيجب أن تتظاهر بعدم معرفتها بأي شيء يخص الجنس، حتى لا يساور زوجها الشكوك حولها، أو يظن أنها فتاة "غير محترمة"، لدرجة أن عدداً كبيراً من الزوجات يخجلن من التعبير عن شعورهن تجاه الجنس مع أزواجهن حتى، يخفن من التعبير عن رضاهن أو استيائهن أو خوفهن.
عندما أتحدث عن جسد المرأة وكيفية الاهتمام به بطريقة صحية، أو عندما أتحدث عن الجنس بشكل عام، ومن يتحدث معي يجد أنني أمتلك وعياً جنسياً وغير متزوجة، أو على الأقل لست طبيبة، يعتقد على الفور أنني إما عاهرة، أو امرأة تمارس الجنس يومياً... وتبدأ سلسلة غير عادية بالوصم حتى ولو بالنظرات.
عندما كنت في سن المراهقة جاءتني الدورة الشهرية لأول مرة، وكل ما قالته أمي لي أنني بمجرد بلوغي للدورة الشهرية هذا يعني أنني "آنسة" ولست طفلة! أعطتني أمي فوطاً صحية وغسولاً مهبلياً، ولم تحدثني ولو مرة، عن جسدي وكيفية الاهتمام به، أو عن التغييرات التي طرأت على جسدي ونفسيتي وصدمتي حيال ذلك، خاصة أننا من الصعيد، وتبدأ المرأة الاهتمام بفرجها عندما تتزوج فقط!
أتذكر ذات يوم عندما كنت بالصف الأول الثانوي، رأت أمي بغرفتي شفرة حلاقة، وعندما سألتني عما أفعله بها؟ فقلت لها بكل بساطة إنني أحلق شعر عانتي... اتهمتني بالفجور وبأن هذه الأمور تخص السيدات المتزوجات فقط. حينها تعجبت من الذعر الذي أصاب أمي، ولكن الآن لا ألومها بالمرة لأن هذا ما تربت عليه، وهذا ما تتوارثه العديد من النساء في مجتمعاتنا، الجنس من التابوهات والممنوعات الكبرى في مجتمعاتنا، ومن الصعب على أي أحد كسرها، خاصة إذا كانت فتاة، وحتى لو كان كسر هذا التابو مجرد اكتساب بعض المعلومات عن الصحة الجنسية وعن جسدها فقط.
في يوم ما أصبت بعدوى مهبلية، ولن أخجل عندما أقول إنني أصبت بها بسبب عدم الوعي الكافي بجسدي وكيفية العناية به بطريقة صحيحة، وهذا يرجع أيضاً لعدم وجود تربية جنسية سواء للطفل أو للمراهق/ة أو البالغ/ة
مع المعرفة، أدركت أن الجنس ليس خطيئة، وليس وسيلة للتناسل فقط أو واجباً من ضمن الواجبات الزوجية… إلخ، فأساسيات الحياة هي أكل صحي، نوم صحي وعلاقة جنسية صحية
عندما أصبت بعدوى مهبلية
في يوم ما أصبت بعدوى مهبلية، ولن أخجل عندما أقول إنني أصبت بها بسبب عدم الوعي الكافي بجسدي وكيفية العناية به بطريقة صحيحة، وهذا يرجع أيضاً لعدم وجود تربية جنسية سواء للطفل أو حتى للمراهق/ة أو البالغ/ة.
وحينها قررت البحث عن جسدي، قررت أن أعرف كيف أعتني به، بل وأدلـله، وأدركت حينها أن الاعتناء بالجسد وشراء مستحضرات العناية به ليست مقتصرة على المتزوجات…
فقرأت عن الختان، عن أنواع غشاء البكارة والمفاهيم المغلوطة عنها، عن العادة السرية والوصم الذي يصاحبها بسبب المعتقدات الدينية والمجتمعية، قرأت عن العلاقة الجنسية، جسد الرجل وجسد المرأة، حتى عن الأمراض المنقولة جنسياً، عما فعلته الأفلام الإباحية بنظرتنا للجنس وبنظرتنا لجسدنا، عن فلسفة الإنجاب، وكلما زادت معدلات بحثي اكتشفت معلومات جديدة ومعلومات مغلوطة، وعرفت أن الجنس أكبر تابو يحوي أساطير ومعلومات خاطئة وحتى الآن يتم توارثها.
من قبل كنت أخجل حتى من البوح أنني في أيام الدورة الشهرية، وأخجل عندما أذهب لشراء الفوط الصحية وأجد رجلاً في الصيدلية، وأخجل من البوح لأمي حتى أو أسألها عن التغييرات التي طرأت على جسدي، أو أن أتحدث معها عن فضولي تجاه الجنس... ولكن اليوم أدركت أن جسدنا يخصنا وحدنا ويجب إقامة علاقة صحية بيننا وبينه، وأن نعطيه القدر الكافي من العناية والاهتمام…
فيجب ألا نجعل "وجود الزوج" هو مفتاح التعرّف على أجسادنا للمرة الأولى. مع المعرفة، أدركت أن الجنس ليس خطيئة، وليس وسيلة للتناسل فقط أو واجباً من ضمن الواجبات الزوجية… إلخ، فأساسيات الحياة هي أكل صحي، نوم صحي وعلاقة جنسية صحية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون