شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
الحضانات الإسلامية...

الحضانات الإسلامية... "تنشئة سليمة" أم تمهيد للتطرف؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 24 يوليو 202212:37 م
Read in English:

Islamic Kindergartens... Righteous Upbringing or Prelude to Extremism?

طيور الجنة، نور الهدى، براعم الإسلام، أحباب الله، المسلمون الصغار، التنشئة السليمة، نور الإسلام:
هذه ليست عناوين أناشيد إسلامية، بل أسماء لحضانات في فلسطين والأردن وتونس ومصر وأوروبا، تستقبل الأطفال من عمر ثلاثة أشهر إلى عمر أربع سنوات. الدين ليس المشكلة في هذه الحالة، بل تقديمه في مرحلة مبكرة جداً أملاً في أن  تسبق التعبئة الدينية الخيار الواعي للفرد بعد النضوج.  
في الحضانات أو في غيرها سيتعرف الطفل العربي على أهمية الدين ومركزيته في حياته، سيحفظه وسيشعر أنه يحظى بإعجاب الكبار إذا ردد كلماته.
لكن ماذا لو لم يرغب الأهل بأن تكون المعرفة الأولى لأطفالهم هي التعاليم الدينية؟ بل مجرد حفظ وفهم الأرقام والحروف وأسماء الحيوانات والكلمات الأساسية واستخداماتها؟

ما الأهم في الحضانة: الاعتناء بالطفل أم تعليمه؟

من الأردن عاشت ختام (41 عاماً) تجربة غير سارة على حد وصفها مع الحضانات الإسلامية، وهي امرأة محجبة ملتزمة بفروض الدين، لكنها في نفس الوقت ترفض التربية الدينية للأطفال في السنوات الأولى وتعتبر أنها تصادر جزءاً من طفولتهم، تقول: 
"قضيت طفولتي وأنا أخاف من دخول النار، تم تصوير الله لي على أنه إله قاسٍ يلقي الناس في الجحيم لمجرد أنهم لا يكملون إفطارهم، لم أرد لطفلتي أن ترى الله كما رأيته في صغري، لكنني لم أتراجع عن وضعها في حضانة تابعة لمدرسة إسلامية لأسباب مختلفة".
تسكن ختام في منطقة "خلدا" وقد اختارت الحضانة الأقرب لمنزلها برغم كونها إسلامية، تقول:
اختيار الأهل للحضانة يخضع لمعايير تختلف عن القيم، كالقرب من المنزل والكلفة والنظافة ولطف المربيات  ووجود كاميرات في الغرف.
وتضيف: "لم يخفَ علي تبني هذه المؤسسة التعليمية الضخمة للتنشئة الدينية، بالإمكان استنتاج هذا الأمر من اسمها وحديث المعلمات ووسائل الإيضاح على جدران الصفوف، لكنني قلت في نفسي إني سأصحح أية أفكار لا تعجبني إن تم تمريرها لطفلتي، أدركت متأخرة خطئي حين ذهبت لحفل تخريجها من الحضانة.
كانت المسرحية التي مثلها الأطفال في تخرجهم تدور حول السخرية من "البابا" وانتصار المسلمين على المسيحيين، عدت للبيت وأنا مخنوقة وأتساءل في أي جو وضعت طفلتي طوال هذه السنوات، كنت أنظر إليها في الكرسي الخلفي في السيارة وهي تضحك، وكان يقتلني الشعور بالذنب". 

صراع الأسرة العلمانية 

تواجه أية عائلة علمانية في العالم العربي هذا النوع من الصراعات كلما تعلق الأمر بخيارات الأطفال، فالعائلة التي ترغب بتربية أبنائها تربية غير دينية ستواجه هاجس أن يُنبذ طفلها من قبل أقرانه، أو أن توصمه الهيئة التعليمية بالمختلف كونه يأتي من عائلة مختلفة عن السائد.
في الواقع يفكر الأهل بمتطلبات مختلفة في فترات غيابهم عن الطفل لا سيما من هم دون سن الكلام ويعجزون عن التعبير في حال تعرضوا للإساءة، ويطلبون شروطاً أهمها الأمان والراحة والنظافة والرعاية السليمة بالإضافة إلى كل ما ذكرته ختام في مقابلتها، ثم تأتي أخيراً القيم التي تتبناها الحضانة.

كانت المسرحية التي مثلها الأطفال في تخرجهم تدور حول السخرية من "البابا" وانتصار المسلمين على المسيحيين
اختارت يسرا (اسم مستعار، 35 عاماً، من تونس) الخيار الثاني لدى المفاضلة بين الرعاية والقيم، تقول: "أستخدم اسماً مستعاراً ليس تخوفاً ولكن كي أتحدث بحرية، فلا أرغب أن يستخدم زوجي هذا الحديث في المحكمة ضدي في قضية الحضانة أو أن يعتبرني القاضي غير أهل لتربية أطفالي لأنني أرفض ما يسمى  بالتنشئة الإسلامية".
تتعرض يسرا لحملة شرسة من زوجها وعائلته لعدة أسباب، منها رفض تحجيب ابنتها ذات التسع سنوات، وعلى الرغم من أن الزوج غير مقتنع بضرورة حجابها في هذا العمر لكنه لا يرغب بالدخول في صراع مع أهله حول مقدار جرعة الدين المقبولة للأطفال.
تضيف: " لم أضطر لوضع طفلتي وهي صغيرة في الحضانة لقدرة أمي على الاعتناء بها خلال ساعات عملي، تغيرت الظروف واضطررت لإرسال طفلي ذي العامين إلى الحضانة. في أحد الأيام عاد وهو يرتدي طاقية الحج ويكرر نداء التلبية، امتعضت لكنني لم أغير الحضانة، لاحقا بدأت أتوتر من نوع "الأناشيد" التي يحفظها، ومن التركيز على المفاهيم الإسلامية لا التربوية، حين غيرت حضانته أطلعت زوجي السابق على السبب، جن جنونه لكنني تمكنت من إقناعه حين أضفت أسباباً أخرى كقلة النظافة والاستهتار بالتعليم، والحقيقة أنني كذبت في حينها كي لا يعارضني".
وتختم: "أنا مؤمنة على طريقتي لكنني غير متدينة، وأعتقد أن العقيدة شأن خاص جداً، أريد أن يعيش طفلي مفردات الطفولة العادية، لا أن يتحول إلى شيخ جامع في عمر الثلاث سنوات".
في فلسطين لا يختلف الأمر كثيراً عن الأردن وتونس، تتحدث لرصيف 22سهير الخالد (33 عاماً)، وتعمل في مجال العلاقات العامة والتسويق في رام الله، فبعد أن بحثت طويلا عن حضانة لا تقيّد ابنتها بتعاليم دينية اعتقدت أنها وجدت ضالتها، تقول:
لم يمر وقت طويل حتى صارت الطفلة تأمرني أن أبسمل قبل تناول الطعام، وصارت تردد قبل دخولها الحمام (أعوذ بالله من الخبث والخبائث).
هنا دق ناقوس الخطر في رأسي، فالحضانات التي تستخدم الدين الإسلامي كنهج تعليمي لا تُطلع الأهل مسبقاً على هذه السياسة على افتراض أن التربية الدينية ستكون مباركة ومرغوبة من المجتمع".

مصر: 10 آلاف حضانة خارج الترخيص

في مصر تكثر الحضانات المنزلية غير المرخصة والتي تلجأ إليها الأمهات لقلة الكلفة متجاوزات عدم مسؤولية تلك البيوت قانونياً في حال تعرض الطفل لأي أذى فيها، فالمهم أنه يقضي يومه يأكل ويشرب ويلعب مع أطفال، ويحفظ سور القرآن.
في العام 2019 نشر تقرير بعنوان "الحضانات غير المرخصة وصناعة التطرف" لصحيفة اليوم السابع أكد وجود أكثر من 1500 حضانة غير مرخصة في القاهرة وحدها بينما صرحت مستشارة وزيرة التضامن للتأمينات والحماية د. ميرفت صابرين في العام 2020 أن العدد هو 10 آلاف حضانة.
حالياً تقود الحكومة المصرية حملة واسعة لترخيص هذه الحضانات إذ تنتهي مهلة تصويب الأوضاع في مطلع العام 2023 تحت طائلة العقوبة القانونية.
خيار الحضانات سيظل الخيار شبه الوحيد أمام الأم العاملة ما لم تكن هناك استثناءات كوجود نظام دعم من نساء العائلة. كذلك فإن الأم غير العاملة تحتاجها بالقدر نفسه طالما لا يوجد في البلاد العربية حدائق عامة ومساحات لعب آمنة تلبي احتياجات الأم وطفلها لقضاء وقت نهاري، إضافة إلى التغير الثقافي والبيئي الذي حدّ من كون الحارات مكاناً ملائم لوجود الطفل بدون رقابة الأهل.

حضانات إسلامية في المجتمعات الحاضنة

الحضانات الإسلامية ليست حكراً على المجتمعات العربية، ففي أوروبا وبمساعدة بسيطة من غوغل، بإمكانك أن تجد عشرات الحضانات الإسلامية في البلد الذي تعيش فيه، وأكثر منها بين المدارس.
بعد التعمق في البحث ستجد أخباراً لاحقة عن إغلاق الكثير من هذه الحضانات في ألمانيا وفرنسا والنمسا، لأسباب تتعلق إما بـ"ارتباطاتها بجماعات دينية متطرفة" أو "مخالفتها لقيم البلد والتنوع وصنع ثقافة موازية".
الحضانات الإسلامية تُفتح في أوروبا تحت حماية قوانين حرية المعتقد والتنوع الديني، بينما تُفتح في العالم العربي بحماية الدساتير التي تقول إن الإسلام دين الدولة، لكن السؤال هو هل من الضروري أن يتم تمرير التربية الدينية في مرحلة مبكرة جداً.

هل يفهم الأطفال ما هو الدين أصلا؟

تجيب التربوية سلام كريم الحاصلة على ماجستير أساليب التعليم عن هذا السؤال بقولها: "أنا مع أن يتعرف الطفل إلى الله بصورة الحب وليس الخوف، لكن ما يحدث في واقع الحضانات والمدارس مختلف، كتربوية أفضل أن يتعرف الطفل إلى النعم الموجودة حوله، وأرفض بالمقابل أن يتعلم ما لا يفهمه ولا يدركه، كأن نقول له مثلاً: من يكذب يدخل النار، كيف سيفهم الطفل هذه الجملة وهو غير قادر على تجريبها في عالمه المدرك والواقعي؟". 
الحضانات الإسلامية تُفتح في أوروبا تحت حماية قوانين حرية المعتقد والتنوع الديني، بينما تُفتح في العالم العربي بحماية الدساتير التي تقول إن الإسلام دين الدولة
يبقى السؤال إن كانت التربية الدينية بالأساس هي من مهام الحضانات ودور الرعاية، فبحسب تعريفها الأساسي على الحضانات أن تعتني بالأطفال من ناحية أكلهم وشربهم ونومهم ونظافتهم خلال الفترة النهارية المتفق عليها وليس دورها تعليمهم.
تقول لينا فليفل من حضانة قمم الأشجار (Treetops) ومكانها عمّان لرصيف22:
"في الوقت الذي تتبع فيه المدارس الحكومية والخاصة لسلطة ورقابة وزارة التربية والتعليم وتلتزم بمناهج معروفة، تتبع الحضانات لوزارة التنمية الاجتماعية ولا يوجد مناهج محددة بل تعليمات وأنظمة يجب الالتزام بها لحصول الحضانة على الترخيص والسماح لها بالعمل".
التعليمات التي تشير إليها فليفل تتعلق بالأساس بعدد الأطفال مقابل عدد المربيات، ومعايير النظافة، ومتطلبات التدفئة والتبريد، ووجود مساحات خارجية. وتلفت إلى أن الحضانات بالأساس هي دور رعاية لا مؤسسات تعليمية، وواجبها هو الاعتناء بالطفل، وبالتالي لكل حضانة الحرية في اختيار ما تعلمه للأطفال، تقول: "في حضانتنا لا نعلم لا الدين الإسلامي ولا المسيحي، ونعتبر أن الأطفال في هذه المرحلة صغار جداً على استيعاب هذا النوع من المعلومات، بالإضافة إلى أن كل بيت سواء مسيحي أو مسلم يختلف في تربيته ولا نرغب بأن يكون لنا دور في هذا الأمر قد يتعارض مع مفاهيم الأهل. ويقتصر ما نقدمه للأطفال في هذا الشأن على مناسبات قليلة وبشكل مبسط جداً كقدوم سانتا كلوز إلى الحضانة أو إفهام الأطفال أن رمضان هو مناسبة مهمة ذات جو مختلف، بالطبع تختار بعض العائلات ألا ترسل أطفالها في اليوم الذي تحدث فيه مناسبة تخص الدين المسيحي".


إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard