"هل تنتظرين أن ينزل الرجل من عليائه ليقول لك شكرًا؟". هكذا ردت صديقتي عندما سألتها لماذا لا يقول الرجل للمرأة شكراً ليعبر عن امتنانه بعد أي معروف. وعندما سألتها عن السبب صمتت قليلاً ثم قالت: "لا أعرف. فالرجل الممتن والذي يعترف بفضل المرأة أصبح عملة نادرة".
نشأ بعض الرجال في المجتمعات العربية على أن ما تقدمه المرأة من خدمات واجب حتمي فلا ينظر إليه على أنه يستحق الشكر والتقدير. وكأن جمل الود والعرفان تنقص من رجولتهم وتحولهم إلى كائنات رخوة لا تستطيع أن تنظر لنفسها في المرآة. وهذه النسخة العربية هي ما تُجبر المرأة على تحملها طوال الوقت.
خارج القاموس
في أسرتي الصغيرة، اعتاد أبي على أن تجلب له أمي كل شيء يحتاجه حتى كوب الماء عندما يطلبه. كنت بالغة وأنا أراه يترك وراءه أكواب الشاي الفارغة والأحذية التي تحتاج إلى تنظيف وتلميع. ورغم كل الجهد الذي تبذله أمي وتقدمه، لم أسمعه يوماً يقول لها شكراً.نشأ بعض الرجال في المجتمعات العربية على أن ما تقدمه المرأة من خدمات واجب حتمي فلا ينظر إليه على أنه يستحق الشكر والتقدير.
عند تقديم الطعام أو كي الملابس وغيرهما، كنت أحياناً أسمع صوت أبي يرتفع بالملاحظات حول الطعام مثلاً أو الأشياء الناقصة التي نسيت أمي أن تفعلها، ولكن تلك الكلمة التي كانت تعلمنا إياها المُدرّسة في الفصل أنها من الآداب العامة التي يجب أن نلتزمها لم أسمعها منه.
ولأن هذه هي الحياة التي نشأ عليها أخي، فكان هو أيضاً كذلك. يطلب مني شيئاً لأفعله له، ثم يتعامل معي أو مع شقيقتي بطريقة عادية جداً ولم يعتد الشكر. وأصبح من البديهي أن تقدم له هذه الخدمات دون عناء. عندما كنت في الثانوية، طلب مني مساعدته في دروسه، ولم أكن أحب ذلك، ولكني فعلت ما طلبه بعد إلحاح من والدتي. وعندما انتهيت قلت له ساخرة: "العفو"، فرد ضاحكاً: "أنا لم أقل شكراً".
ومع مرور الوقت، لم يختلف الأمر كثيراً في حياتي، فحتى بعد دخولي مجال العمل وجدت أن من الصعب على رب العمل أن يقدم الشكر لموظفة عنده. كنت أعمل في موقع إخباري بدوام كامل. وكان في بعض الأحيان يحدث ضغط في العمل كالمعتاد. وعندما كنت أنا أو أي واحدة من زميلاتي ننجز العمل بشكل سريع لا نسمع كلمة "شكراً" منه. في رأيه أننا نقدم عملاً مقابل أجر. ولذلك، لا يوجد شيء يستحق الشكر.
لم ننشأ عليها
لم أفهم حتى يومنا هذا السبب الذي يجعل تلك الكلمة ثقيلة بهذا الشكل على نسبة كبيرة من الرجال. ولذلك، قررت أن أسأل بعض زملائي الرجال لربما أعرف الحقيقة أو حتى أقترب منها.قال زميل لي: "شكراً لمن؟ للزوجة تقصدين. الحياة بيننا مقسمة إلى واجبات ومسؤوليات. فهل تشكرني زوجتي على شراء احتياجات المنزل مثلاً؟". زميل آخر قال محاولاً أن يوضح الأمر: "نحن لم نربَ وننشأ على هذه الكلمات. أنا مثلاً لا أشكر أمي على ما تفعله لي رغم أنها تفعل الكثير. هذا باختصار هو السبب".
قال زميل لي: "شكراً لمن؟ للزوجة تقصدين. الحياة بيننا مقسمة إلى واجبات ومسؤوليات. فهل تشكرني زوجتي على شراء احتياجات المنزل مثلاً؟"
صديقاتي لهن رأي آخر، فواحدة قالت لي: "قد يظن الرجل أن كلمات الشكر ستجعله ضعيفاً وكأنه من خلالها يقول إنه يحتاج المرأة ولا يستطيع أن يعيش دونها". وقالت الأخرى وهي تضحك: "الرجل ينظر للمرأة على أنها خادمة دون أجر. وأي شيء تفعله واجب عليها لا يستدعي الشكر".
سألت قريبتي التي تفرغت لابنها في المرحلة الإعدادية لتتابع دروسه أثناء سفر زوجها عندما حصل على درجات عالية: "بالتأكيد فرح زوجك لهذه النتيجة". نظرت لي مستنكرة وأخبرتني: "زوجي عندما جاء من السفر لامني وعاتبني على الدرجات التي نقصت من مجموعه النهائي. بعد كل هذا المجهود لا يظن أنني فعلت شيئاً يستحق التقدير، بل يتهمني بالتقصير".
لا أعرف حقاً كيف تستمر الحياة الزوجية أو الأسرية دون سماع تلك الجمل الودية التي نركن إليها لاستقبال أيامنا الجديدة بصعوباتها المتوقعة.
أسوأ طريقة لتوجيه الشكر
قد تظن بعض النساء أنها عندما تطلب الامتنان، تستطيع أن تحصل على ما تريد، ولكن للأسف، لا يحدث ذلك. في أحيان كثيرة في المنزل أفعل شيئاً ما أفرح له كثيراً وأظن أنني أستحق الشكر عليه. وعندما لا يحدث لا أجد غضاضة في القول لزوجي: "لم أسمعك تشكرني"، فيزفر في غيظ: "شكراً".بالحديث مع صديقات لي، اكتشفت أن بعضهن أيضاً يفعلن الشيء ذاته وربما بنفس الطريقة فيأتي هذا الرد الجاف من الزوج لتزداد الأمور سوءاً. تقول صديقتي: "أظل ألح عليه لأسمع كلمة امتنان منه وأحصل عليها في النهاية، ولكنها تكون بلا طعم. سوف أربي ابني على أهمية التقدير والعطاء".
في مقال لإيلي هوجان على موقع "بيست لايف" بعنوان "هذه أسوأ طريقة لتشكر شريكتك"، تقول: "إنّ التعبير عن امتنانك لقدرة شريكك على فهم احتياجاتك وتلبيتها يفسح المجال لحياة من الرعاية والعطاء المتبادلين".
في أحيان كثيرة في المنزل أفعل شيئاً ما أفرح له كثيراً وأظن أنني أستحق الشكر عليه. وعندما لا يحدث لا أجد غضاضة في القول لزوجي: "لم أسمعك تشكرني"، فيزفر في غيظ: "شكراً"
وفي دراسة نشرتها مجلة العلاقات الاجتماعية والشخصية "وفقاً للمقال"، شرع الباحثون وراء الدراسة في معرفة أي شكل من أشكال التعبير عن الامتنان سيكون له أكبر تأثير إيجابي على العلاقة. ما وجدوه هو أن الفعل اللطيف لشريكك قد يلبي احتياجاتك (يشار إليه تقنياً باسم تسليط الضوء على الاستجابة) وينتج مشاعر إيجابية حول التعبير عن الامتنان والعلاقة. من ناحية أخرى، فإن الاعتراف بمدى تكلفة الإجراء بالنسبة لشخصك المهم (المشار إليه باسم تسليط الضوء على التكلفة) لم ينتج عنه مشاعر إيجابية حول مشاعر الامتنان أو العلاقة. على سبيل المثال، "لم أكن لأتمكن من إنجاز كل هذا العمل دون مساعدتك" أفضل من، "أعلم أن ذلك كان مزعجاً بالنسبة لك لمساعدتي اليوم عندما كان لديك أشياء أخرى للقيام بها".
وفي مجتمعاتنا، يفكر بعض الرجال بأن لا بأس من قول بعض الكلمات المسكنة للمرأة حتى ترضيها لتسكت وتكمل ما بدأته من تضحيات وأعمال لا تنتهي. فيشكرها بتعال، أو يستعطفها للحصول على ما يريده ويعتقد أنه الأذكى، ولكنه لا يتصور أن المرأة بدهائها تفهم هذه الحركات المزيفة، ولكنها تقبلها فقط من هول الضغط الواقع عليها، ولأنها تعرف جيداً بينها وبين نفسها أنها لا تستطيع أن تحصل على أكثر من ذلك من عقلية نشأت حاملة للأنانية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...