شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
شكراً، لن أطلب

شكراً، لن أطلب "رجولة" على العشاء الليلة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 19 فبراير 201803:23 م
أطلّت علينا مجلة «ما تُريده النساء» بالإنجليزية What Women Want، وهي مجلة نسائية مصرية، بحملة تحت عنوان «الرجولة أدب»، في الأسبوع الثاني من فبراير 2018. تتكون الحملة من مجموعة من الرجال المشاهير، بين أدباء وكُتّاب وممثلين، يقفون أمام الكاميرا ويوجهون عبارات عن "الرجولة" للجمهور. صور بالأبيض والأسود، تتوسطها اقتباسات لهؤلاء، بلا فكرة رئيسية أو موضوع مُحدد، أو حتى هدف واضح، لكن محورها الرجولة. اكتفت الحملة أن يكون غرضها هو الكلام عن الرجولة، وكأن الرجولة وحدها كافية. روّجت الحملة للرجولة، كما روّج لها المجتمع والقانون، والمؤسسات الدينية. قبل أن نقفز إلى عبارات الحملة في رحلة نسوية ممتعة، يُشار إلى أن الحملة لم تفرّق بين «الرجولة - Manhood»، و"الرجولية - Masculinity". فالأولى باختصار هي الصفات المرتبطة في الوعي الجمعي بالرجال، كالسيطرة والعنف والهيمنة. أما الثانية، فهي تفريغ الأولى من تلك الصفات وإرجاعها إلى علاقاتها بالنوع الاجتماعي، وعلاقات القوى. فالأولى تؤصل لقولبة الرجال اجتماعياً، ونقدهم إن لم يتصرفوا "كرجال". والثانية تنتقد الأولى، وتُرجع قولبة الرجال اجتماعياً إلى أنظمة السلطة، وإلى أن «الرجولة» هي مجموعة من التنميطات مرتبطة بأنظمة قوى مُتقاطعة مع النوع الاجتماعي.

1- جزء من تكوين شخصية الست جاي من تأثير الراجل عليها

جميعنا نكوّن شخصياتنا من تأثير الآخرين علينا. فما الذي تقدمه لنا هذه العبارة كجمهور؟ هذه العبارة مثيرة للجدل؛ إذ تتضمن تأثير الرجال على النساء في علاقة غير تبادلية. أي أن الرجال يؤثرون على النساء بينما لا تؤثر النساء على الرجال. نحن - كذوات وأنفُس اجتماعية - نتأثر ببيئاتنا المحيطة ونؤثر فيها أيضاً. فالعلاقة بيننا علاقة تبادلية. الحديث عن تأثير الرجال على النساء من دون وضع هذا التأثير في سياقه، يجعلنا نسأل مَن هم الرجال المقصودون؟ أهم آباؤنا؟ أزواجنا؟ أقرباؤنا؟ أصدقاؤنا أم صانعو القرار في الدولة؟ أم رجال الدين؟ أم رجال غرباء ليسوا من هذا المجتمع؟ أليس الرجال أنفسهم يتأثرون بالمجتمع كالنساء؟ إن عكسنا قراءة العبارة، فسنجد أن الرجال فيها تم تقديمهم كذوات يجري تشكيلها بعيداً وفي معزل عن باقي القوى، وكأننا لن نسأل أبداً: «ما الذي يُشكل ذوات الرجال؟»

2- اختاري راجل ميخليكيش تكرهي نفسك

لماذا قد تحب إحداهن نفسها أو تكرهها بسبب رجُل في رأي السيناريست «تامر حبيب»؟ نحن ندخل العلاقات بتعقيدات ذواتنا، مُحملين ومُحملات بأفكار مجتمعنا التي قد لا تكون إنسانية. فمثلاً، هذه العبارة تضع الرجال في خانة "الدعم"، بدلًا من خانة "الهيمنة"، وكلتاهما غير إنساني. فبينما تنتقد العبارة الرجال غير الداعمين، تدعو ضمنياً إلى قبول الرجال الذين يتم تصنيفهم كـ"داعمين"، وتغض النظر عن أن كل إنسان منّا له قدرته فردية على العطاء داخل العلاقات. كما أنها تفترض أن مصدر حب النساء وتقبلهن لأنفسهن هو شركاؤهن، إن كانوا رجالاً. وبذلك، تضع مسئولية العلاقة غير المتكافئة على أكتاف النساء وحدهن؛ لأنهن لم يقمن بالاختيار الصحيح، بدلاً من توجيه اللوم إلى سلوك الرجل الذي يؤذي شريكته، حتى أنها قد تكره نفسها داخل العلاقة التي تجمعها به.

3- الراجل عايز يسيطر على الست بطريقة عامة، فقعد يخلق قوانين وأفكار إحنا بنورثها

أما عبارة المغني «أمير عيد»، فتضع الرجال في قالب السيطرة، وتضع النساء في قالب "المُسيطر عليهن"، ولا تُبدي أي اهتمام عن سبب محاولة الرجال السيطرة على النساء. ليست هذه الحال دائماً، فهناك رجال مُسيطر عليهم، ونساء مُسيطرات، كما أن الفئة العمرية والطبقة الاجتماعية، والعرق إلخ، تلعب دوراً في تشكيل ذات أي رجُل في مجتمعه، أو علاقاته الاجتماعية. أما اختيار فعل «يخلق»، فلم يكن موفقاً؛ لأنه أضفى صفة الخَلق = وهو فعل غير بشري وإلهي في الوعي الجمعي - على القوانين والأفكار، التي هي قواعد بشرية «موضوعة»، وليست «مخلوقة». الإشارة إلى القوانين التي تخبرنا العبارة أن الرجال «خلقوها»، لا تُعطينا مساحة رفض تلك القوانين أو حتى التفاوض عليها. فتصبح واقعاً لا يُمكن تغييره، وهذا أيضاً غير دقيق.
روّجت حملة What Women Want للرجولة، كما روّج لها المجتمع والقانون، والمؤسسات الدينية... أن نتحدث عن الرجولة، كأن لا شيء آخر في العالم
ما معنى أن يكون شخص ما "رجلاً"؟ أيُعد الذكر المُغاير "رجلاً"، بينما يفقد مثليو الجنس رجولتهم؟ هل يكون المرء "رجلاً" بقدرته الجنسية، فيفقد ضِعاف الانتصاب رجولتهم؟

4- بعلم ابني يبقى حنين وميأذيش حد، مبادئ مش شرط أي حد يعلمها لولاده، بس أنا بركز فيها

هذه العبارة جيدة نوعاً ما. فهي تنتقد ضمنياً تربية الأطفال الذكور على كتمان مشاعرهم الإنسانية، وإيذاء الآخرين كتدليل على رجولتهم. لكنها في الوقت نفسه، تنفي أن يكون هذا الطريق مسلكاً تربوياً جيّداً، باعتباره غير إلزامي ولكنه اختياري.

5- عندنا اعتقاد إن الراجل يقدر يعمل كل حاجة هو عايزها، بغض النظر هي إيه

لم ألتقط جيدًا ما المقصود من تلك العبارة. أهي نقد لهذا الاعتقاد، أم تأكيد عليه؟

6- لو أذيت الست اللي بتربي ولادك، هتأذي ولادك

لو بوسعنا اختيار أكثر عبارات الحملة إساءةً للنساء، فستفوز هذه باللقب. العبارة لا تفترض، ولا تتحدث ضمنياً كسابقاتها. هي تقول بمنتهى الصراحة والعفوية أن دور النساء في منظومة الزواج هو الإنجاب والرعاية. العبارة تُشير إلى النساء بأنهن مُربيات. وهذا ليس عيباً في حد ذاته، ولكنها اعتبرته الدور الوحيد لهن، وقصرته عليهن، فكان دور الرجال في الزواج هو الإشراف على تربية الزوجات للأبناء، ولا يشاركون هم أنفسهم في التربية والرعاية. كما أنها أفرغت علاقة الرجال بالنساء في الزواج من أي محتوى إنساني. نفت العبارة وجود أي رابط بين الرجال والنساء في الزواج، فالتخوّف الوحيد للرجال هو إيذاء أطفالهم. تم تقديم الرجال هنا كأشخاص مؤذيين، لكنها تُحذرهم بلهجة حاسمة: أن الأذى سينعكس على أطفالهم، وليس لسوء الأذى بوصفه تعدياً على الآخرين. جعلت العبارة من النساء أشخاصاً يتم إيذاؤهن، وغير قادرات على صد الأذى أو التمييز بين مَن يعتدي عليهن وآخرين. فيدفعهن العجز إلى الانتقام من الأطفال.

7- بتتسمى أم فتحي، مع إنها عندها ناهد ونهى أكبر منه

تفوز جملة الكاتب «أحمد مُراد» بلقب أكثر عبارات الحملة تناقضاً، وللأمانة هي مُضحكة أيضاً. تنتقد العبارة أن النساء تتم مناداتهن بأسماء أطفالهن الذكور. لكن لا مانع من مناداة الأم باسم أطفالها إن كانوا إناثاً. فيعتقد الكاتب بذلك أنه "مُناصر لحقوق المرأة". الأزمة يا سيد «أحمد مُراد» أنه بمجرد الإنجاب، تُمحى ذاتية النساء كأفراد، ويتم دمج كيانهن في كيان أولادهن، فبدلاً من اسم «منى»، يكون الاسم «أم فلان\ة». في بعض الحالات تكون المناداة باسم الذكر، إمعاناً في التأكيد على أهمية إنجاب الذكور، ويعتبر البعض أسماء النساء عيبًا. لكن تبقى الإشكالية قائمة؛ لا فردية ولا كيان للنساء سوى «الأمومة».

8- الراجل ميعيبوش إلا جيبه دة كلام فاضي. في ناس كتير معاها فلوس بس مش رجالة

تضرب عبارة الممثل «محمد ممدوح» الحملة في مقتل. فبينما تحاول الحملة فتح نقاش بشأن قولبة الرجال اجتماعياً، حتى لو بطريقة غير صحيحة، تأتي تلك العبارة لتضع كل القوالب الممكنة للرجال، بل توصمهم أيضاً. العبارة تضع معيارية مجتمعية للرجال، إن خالفوها، يتم وصمهم بأنهم «ليسوا رجالاً». نتساءل بجديّة «مَن هم الرجال الذين لا يتصرفون كرجال؟» ولماذا يجب عليهم التصرف «كرجال»؟ وما معنى أن يكون شخص ما «رجلاً»؟ أيُعد الذكر المُغاير «رجلاً»، بينما يفقد مثليو الجنس رجولتهم؟ هل يكون المرء «رجلاً» بقدرته الجنسية، فيفقد ضِعاف الانتصاب رجولتهم؟ هل يكون الإنسان «رجلاً» لو أحكم سيطرته الكاملة على النساء، ومَن لا يفعل يفقد رجولته؟ مَن هو «الرجل»؟

9- طبعاً الرجالة بتعيط

تعتبر عبارة الفنان الشاب «أحمد مالك» أكثر عبارات الحملة اتساقاً وبساطة. فرغم أنها كليشيه بعض الشيء، تؤكد العبارة أن الرجال أيضاً يعبرون عن مشاعرهم بالبُكاء.

هل سيتحدث إلينا شخص ذات يوم عن كيف نزعت مفاهيم الرجولة عنه إنسانيته؟ هل سنرى يوماً حملة ضد "الرجولة"؟

لكني لا أعرف ماذا سيقول عنها الفنان «محمد ممدوح»، هل سيعتبر البكاء نفياً للرجولة، لأن الشائع أن البكاء مُرادف للضعف، وأن «الرجُل الحقيقي» لا يضعف؟ في الختام، أنا كنسوية، سئمت هذه الحملات التي تقوم بها الجهات المختلفة بهدف الدعاية والانتشار. كما سئمت كذلك صور رجال هنا وهناك يحاولون الإدلاء بأي شيء عن النساء، مُعتقدين بذلك أنهم أبطال اجتماعيون. لكني أُرحِّب بشدة بأن يتحدث الرجال عن الرجولة كنمط اجتماعي، وكيف يؤثر هذا النمط عليهم انسانياً. وكيف يُرمي بالأعباء على كاهلهم، كما يُميزهم اجتماعياً؟ هل سيتحدث إلينا شخص ذات يوم عن كيف نزعت مفاهيم الرجولة عنه إنسانيته وأدت إلى شعوره بالاغتراب عن ذاته؟ هل سنرى يوماً حملة ضد «الرجولة»؟

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image