شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
حركات مقاومة

حركات مقاومة "المجون" في العصر العباسي... أمر بالمعروف وثورة على السلطان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 21 أغسطس 202210:27 ص

برزت في العصر العباسي ظاهرة "المُجّان"، وكانوا فئةً من الشباب والشعراء وعلية القوم الذين يتجمعون في مكان ما لممارسة كل صنوف اللهو واللذة والمجون، غير عابئين بقيود دينية أو مجتمعية. وإزاء ذلك، نشأت حركات مقاومة لهؤلاء، منها ما رفع شعار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنها ما وصل به الأمر إلى إعلان العصيان على السلطان.

يذكر صلاح الدين المنجد، في كتابه "بين الخلفاء والخلعاء في العصر العباسي"، أن عصر العباسيين شهد ظاهرة تكتل الشباب الذين تجمعهم وحدة المشرب والذوق والتفكير، وهؤلاء جمعهم نظام واحد في الحياة، يعيشون كما يشاؤون، ويلهون كما يحبون.

وينقل المنجد، عن علاء الدين غزولي البهائي الدمشقي، صاحب "مطالع البدور ومنازل السرور"، أن فئةً من هؤلاء الشباب كانوا أبناء نعمة، فشردوا عن أهلهم ابتغاء التمتع بالحرية واللهو واللذة.

شعراء وقضاة ومشايخ ماجنون

ومن هؤلاء الفتية أناس من المجّان كانوا من أظرف الناس، وأحسنهم شعراً، وأشدهم مجوناً وخلاعةً، كمطيع بن إياس، ويحيى بن زياد، وحماد عجرد، وحماد الراوية، وكانوا جميعاً على منهج واحد في الخلاعة، وكلّ منهم اتُّهم بالزندقة، حسب المنجد.

وكانت مجالس هؤلاء ملأى باللذة والمتعة والغلمان والنساء والنوادر والشعر، وكانوا يتآمرون في ما بينهم على غلام أو فتاة، وتجري أمور لا تصدر إلا في جوّ من الحرية المتطرفة.

ولم يقتصر المجون على الفتية والشعراء، بل امتد الأمر إلى كبار المشايخ والقضاة. يروي المنجد، أن جماعةً من الكبراء كانوا ينادمون أبا حسن محمد المهلبي، وزير الدولة البويهية في أثناء حكم معزّ الدولة البويهي، ويجتمعون عنده في الأسبوع ليلتين، يمارسون خلالها سبل القصف والخلاعة والمجون، ومنهم ثلاثة قضاة هم أبو بكر بن قريعة، وابن معروف محمد بن عبيد الله، والمحسن بن علي التنوخي. فإذا أصبحوا، عادوا إلى عادتهم في التزمت والتوقر والتحفظ بأبهة القضاة، وحشمة المشايخ الكبراء.

مجون في قصور الخلافة والأديرة

ويذكر شوقي ضيف، في كتابيه "تاريخ الأدب العربي/ العصر العباسي الأول"، و"تاريخ الأدب العربي/ العصر العباسي الثاني"، أن موجة المجون بدأت في العصر العباسي منذ عهد الخليفة محمد بن عبد الله المهدي (127-169هـ)، وبلغت حدتها العنيفة منذ عصر هارون الرشيد (149-193هـ)، ثم ازدادت في عهد ابنه الأمين (170-198هـ)، فتحوّل قصره إلى ما يشبه الحانة، وساعدت على ذلك كثرة الرقيق ودور النخاسة، وما دفعت إليه الثورة العباسية من حرية مسرفة، إذ أمعن الفرس المنتصرون في مجونهم وقلدهم الناس في هذا الأمر، وكان أبرز مظاهر ذلك شيوع شرب الخمر.

وكانت الحانات أحد أبرز أسباب انتشار المجون. ذكر ضيف، أن الشعراء وغيرهم كانوا يؤمّونها للشراب والقصف كل مساء على غناء القيان وضرب الطبول والدفوف، ومن أشهر تلك الدور دار ابن رامين في الكوفة، وكان يختلف إليها الشاعر مطيع بن إياس وصحبه من الشعراء، وابن المقفع، ومعن بن زائدة الشيباني، وروح بن حاتم الباهلي، وعلى شاكلتها دار إسماعيل القراطيسي المقيم في بغداد، وكان يفِد إليها أبو نواس والحسين بن الضحاك وأبو العتاهية وغيرهم من الشعراء.

والغريب أن الأديرة تحولت في هذا الجو الماجن إلى دور للعبث واللهو، وهيّأ لها ذلك أنها كانت تقدّم لروادها الخمور المُعتّقة، وكانت متناثرةً في ضواحي بغداد وسامراء وعلى طول الطرق إلى البصرة والكوفة جنوباً والموصل شمالاً، فحولها الشعراء إلى مجالس للخمر والمجون، وأكثروا من التغني بها ووصف تمتّعهم بخمورها ونشوتها وسُقاتها من الرهبان والراهبات، وتغزلوا غزلاً شاذاً بالغلمان، كما يذكر ضيف.

وكثير من دور الشعراء أنفسهم في بغداد تحولت إلى مقاصف للخمر والمجون، على نحو ما كانت دور مطيع بن إياس ورفقائه في الكوفة، ودار بشار بن برد في البصرة، ودار أبي نواس في بغداد.

وكان هؤلاء المجان يترافقون تارةً في الديارات، وتارةً في دور النخاسين أو في الحانات أو في بيوتهم، ومن أهمهم جماعة أبي هفان ومحمد بن الفضل، ومحمد بن مكرم، وأبي علي البصير، وأبي العيناء، ومنهم جماعة أبي السفاح الأنصاري، وعبد الله بن رضا وإسماعيل بن يوسف، وقد تعاهدوا ألا يقولوا شعراً إلا في صفة الخمر.

التعلق بالغلمان والتغزل بهم

وأشاع هؤلاء المجّان والخلعاء آفة التعلق بالغلمان المُرْد، وكان أول من اشتهر بالتغزل بهم، والبة بن الحباب، وهو الذي صرح بذلك تصريحاً في غير مواربة ولا استحياء، يقول ضيف.

وكان من الجواري مَن يلبسن لبس الغلمان لفتاً للشباب والرجال. ويروي ضيف أن الأمين حين أفضت إليه الخلافة، قدّم الخصيان وآثرهم، فشاعت قالة السوء فيه، ورأت أمه زبيدة، درءاً لتلك القالة، أن تبعث إليه بعشرات من الجواري اللواتي ألبستهن لبس الرجال، حتى ينصرف عن الخصيان، فكنّ يختلفن بين يديه، فأبرزَهن للناس، ولم يلبث كثيرون أن جاروه في هذا الصنيع، وكن يسمَّين بـ"الغلاميات"، وعمّت هذه البدعة بين الساقيات في الحانات.

كانت مجالس "المُجّان" ملأى باللذة والمتعة والغلمان والنساء والنوادر والشعر، وكانت تجري أمور لا تصدر إلا في جوّ من الحرية المتطرفة

وكان نتيجة هذا التبادل بين الجواري والخصيان في الزي والهيئة حينذاك، أن كثُر بين المغنين والضاربين على الدفوف مَن يتشبهون بالنساء في عاداتهم وثيابهم وضفر شعورهم وصبغ أظافرهم بالحنّاء.

مواجهة المجون بالأحاديث

في عهد الأمين، ازدادت وتيرة المجون بشكل غير مسبوق، ووجد رجال الدين، أو بمعنى أدق رجال الحديث، أنفسهم لا يستطيعون إلى الحال إصلاحاً، فأخذوا يصورون هذا الفساد الخلقي في صورة أحاديث رُوِيت عن الرسول، حسب ما ذكر محمد جابر عبد العال، في كتابه "حركات الشيعة المتطرفين وأثرهم في الحياة الاجتماعية والأدبية لمدن العراق إبان العصر العباسي الأول".

تحدث في ذلك أحمد بن إبراهيم أبو عبد الله الحربي، فروى حديثاً قال فيه إنه رُوي عن رسول الله: "إذا كان سنة خمسين ومائة فخير أولادكم البنات، فإذا كان سنة ستين ومائة فأمثل الناس يومئذ كل حاذ. قلنا يا رسول الله: وما الحاذ؟ قال: من ليس له ولد خفيف المؤونة". وهذا الحديث، بحسب عبد العال، يشير إلى أن التطور العام في نفوس الرجال بدأ منذ سنة 150هـ، أي منذ عهد الخليفة المنصور، وإنه لتطوّرٌ يتمنى فيه الرجل الصالح ألا يكون له من الولد غير البنات، ويأخذ هذا التطور مجراه حتى تكون سنة 160هـ، أي في عصر المهدي، فيفضّل الرجل ألا يكون له من الأولاد أحد.

وتحدث عبد الرحمن بن الجارود، بإسناد له عن رسول الله، قال: "يكون في أمتي خسف ومسخ وقذف. قالوا: يا رسول الله ومتى يكون ذلك؟ قال: إذا ظهرت القينات والمعازف والخمور". وهذا الحديث يصوّر بوضوح ما كان عليه المُجّان والجواري، كما يشير إلى فتنة الناس بالحياة الحضرية التي كانوا يحيونها.

كما تحدث أحمد بن العباس بن أشرس، وروى أن الرسول "لعن المخنثين من الرجال، والمتشبهات من النساء بالرجال"، وهذا الحديث يشير إلى الغلمان الذين كانوا فتنةً في القصور وفتنةً للمُجّان ولمن شذّ ميله، كما كانت الغلاميات مبعث استثارة للّذة.

ويذكر عبد العال، أن هذه الأحاديث وغيرها أشار إليها يحيى بن معين، أحد كبار رجال الحديث في قوله: "كان ببغداد قوم يضعون الحديث كذابين"، وذكر من هؤلاء أبا داود النخعي ومحمد بن زياد الميموني، وإسحاق بن نجيح الملطي.

وبحسب عبد العال، لم تكن لحركة وضع الأحاديث هذه، والتي قام بها رجال الحديث، أثر يُذكر في محاربة المجون، إذ استمر الناس في ممارساتهم، حتى كانت الفتنة بين الأمين والمأمون، وما كان بينهما من حروب، وزادت الأمر سوءاً استعانة الأمين بالعيّارين يدافعون عن بغداد، لكنهم كانوا لا ينفكون يؤذون أهل البلد بتصرفاتهم وشهواتهم والسطو على أموال الناس وأولادهم.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

وإزاء هذا الانتشار الكبير لمظاهر المجون واللهو، ظهرت في أواخر أيام الفتنة بين الأمين والمأمون، حركة لمقاومة هذه الحالة عُرفت بـ"الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، ورفعت شعار الدفاع عن الشرف والمال والولد وقمع الفتنة التي أثارتها الشهوات، حسب ما ذكر عبد العال.

ودعا إلى هذه الحركة رجل يقال له خالد الدريوش، فطلب من جيرانه وأهل بيته ومحلته، أن يعاونوه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فأجابوه إلى ذلك، وطلب بعد ذلك من الماجنين أن يكفّوا عن ذلك، فأبوا وتحدّوه، وانطلقوا يريدون القضاء عليه، لكنه استطاع بمعاونيه أن يهزمهم ويبعد الشر عنه وعن معاونيه.

حركة دعا إليها رجل اسمه خالد الدريوش، طلب من جيرانه وأهل بيته ومحلته، أن يعاونوه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فأجابوه إلى ذلك، وطلب بعد ذلك من "الماجنين" أن يكفّوا عن أفعالهم، فأبوا وتحدّوه...

وبعد يومين أو ثلاثة من قيام الدريوش بحركته، قام رجل يقال له سهل بن سلامة، يقطن في منطقة الحربية في الجهة الشرقية من بغداد، وهو من أهل خراسان وكان يُكنّى "أبا حاتم"، فدعا إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعمل بكتاب الله وسنّة نبيه، وعلّق مصحفاً في عنقه، ثم بدأ بجيرانه وأهل محلته، فأمرهم ونهاهم فقبلوا منه، ثم دعا الناس جميعاً وجعل له ديواناً يثبت فيه اسم مَن أتاه منهم لمبايعته على ذلك، وقتال مَن خالفه وخالف ما دعا إليه كائناً مَن كان، فأتاه خلق كثير فبايعوه، ثم طاف ببغداد وأسواقها، وأوقف حركة الفسّاق بالقوة.

ويفرّق عبد العال بين حركتي الدريوش وسهل، فالأول لم يقصد إلا الأمن واستتباب النظام والاطمئنان على المال والولد، ويدلّ على ذلك قوله: "لا أعيب على السلطان شيئاً، ولا أغيّره، ولا أقاتله، ولا آمره بشيء، ولا أنهاه"، يعني بذلك أن لا شأن له بالسياسة.

أما حركة سهل فهي سياسية، وتهدف في تنظيمها وقيامها إلى التصدي للسلطان، وهذا ما أورده أبو جرير الطبري في كتابه "تاريخ الطبري"، على لسانه: "وقال سهل بن سلامة: لكني أقاتل كل مَن خالف الكتاب والسنّة كائناً مَن كان، سلطاناً أو غيره، والحق قائم في الناس أجمعين، فمَن بايعني على هذا قبلته، ومَن خالفني قاتلته".

ولم يقنع سهل بالقضاء على مظاهر المجون، بل اتجه نحو السيطرة على بغداد التي كانت تحوم حولها جيوش المأمون (170- 218هـ)، لتقتحمها، فتحدّاه وأطلق يد شيوخ الحديث في عقاب "الآثمين"، وخصص لتنفيذ العقوبة رجلاً من أهل الحديث هو أحمد بن الفرج بن سليمان أبو عتبة الملقب بـ"الحجازي". وينقل عبد العال عن الخطيب البغدادي في كتابه "تاريخ بغداد"، أن هذا الرجل "كان له ترس فيه أربعة مسامير كبار، إذا أخذوا رجلاً يريدون قتله، صاحوا به أين الغداف، فيجيء، فإنما يضربه بها أربع ضربات حتى يقتله، وقد قتل غير واحد بترسه هذا".

على كلٍ، اضطرت الظروف المأمون إلى أن يسرع في دخول بغداد، واستطاع بسياسته ورفقه أن يُسكن حركة سهل بن سلامة، على أن فريقاً من أتباعه امتنعوا أن يحذوا حذو سهل، فلزم كل واحد منهم بيته يتحيّن الفرص.

انسحاب دعاة المجون وعودتهم

كان من نتيجة هذه الحركة أن اضطر الشعراء المُجان إلى أن ينصرفوا من بغداد، وأن تختفي أصواتهم، حتى دخل المأمون بغداد، واتخذ إجراءاته في سبيل القضاء على الفتنة، وأشار عليه وزيره الفضل بن سهل، أن يحرّم شرب النبيذ، فأذاع تحريمه وأمر بعقوبة شاربه، وكان ذلك بمثابة فوز لرجال الحديث على دعاة اللذة.

واضطر الشعراء حين عادوا إلى بغداد بعد قيام المأمون بواجبات الخليفة فيها، إلى أن يلتزموا جانب الجد في الشعر، فاتخذوا من المدح ميدانهم، أما الخمريات والغزل بالغلمان وهذه المساجلات التي كانت بين المُجّان وخليعات الجواري فأصبحت ذكرى في القلوب، وتاريخاً يتردد على الألسنة.

غير أن الأمر تبدّل شيئاً ما، عندما هدأ أمر بغداد، إذ عاد المأمون وأباح شرب النبيذ، فعادت مجالس الغناء، لكنها لم تكن بالحرية في القول نفسها التي كانت على عهد الأمين.

نظرية خلق القرآن وحركة المجون

بعد فترة قصيرة، ظهر في الأفق ما يُعرف بنظرية "خلق القرآن"، غير أن وفاة المأمون لم تمكّنه من أن يرعاها، فتبنّاها مَن جاءا بعده، وهما أبو إسحق محمد المعتصم بالله (179-227)، والواثق بالله (200-232هـ)، ومن ثم طرأ تغيير على حركة النهي عن المنكر والأمر بالمعروف، والتي تحولت من محاربة المجون إلى معارضة هذه النظرية المعتزلية.

وكان أبرز قادة الحركة في ذلك الوقت، أحمد بن نصر الخزاعي، أحد رجال سهل بن سلامة، والذي تحرك وأعلن معارضته للفكرة في عهد الخليفة الواثق، ونقده نقداً لاذعاً، فأمر الخليفة بتتبّع أنصاره وحبسهم في السجون ومُنعوا من الزوّار وقُيِّدوا بالحديد، ثم قُتل ابن الخزاعي.

وكان لملاحقة القائمين على الحركة في أيام المعتصم، والقضاء على زعمائها، أن عاد أمر المجون إلى ما كان عليه أيام الأمين، فأخذ الشعراء بما كانوا يقولون الشعر فيه، من غزل بالغلمان ومن وصف للخمر، وبلغ الأمر حد أن الشاعر أحمد بن محمد العبر الهاشمي، كان أيام المتوكل يتكسّب بالمجون، وأن محمد بن الفضل الجرجرائي، وزير المتوكل، كان ينشغل عن أمور الدولة باللهو، وعاتبه المتوكل على اشتغاله بالملاهي والقيان عن أعمال السلطان، فأجابه: "إن مقاساة هموم الدنيا لا تتأتى إلا باستجلاب شيء من السرور"، كما كان محمد بن عبد الملك الزيات، وزير المعتصم، يعشق الغلمان والجواري، وله في هذا الميدان قصص وشعر ترويهما كتب الأدب.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard