اعتادت نساء الكرد في عفرين -حتى أمد قريب- أن يعلّقن الشكل الهندسي المصنوع من بذور النبتة البرية التي تنمو بكثرة في منطقة جيايي كورمينج –عفرين كزينة لكل الأوقات، إذ لا يكاد يخلو بيت من بيوت القرى المتناثرة في الجبال والسهول والوديان من هذا الشكل الجميل المعلّق في صدر الغرفة الكبيرة.
تقول الجدة سهيلة من أهالي قرية قطمة الأيزيدية في جيايي كورمينج – عفرين لرصيف22:
في طفولتي كنت أذهب مع أمي إلى الأحراش لنجمع أوزلك وهو لا يزال أخضر، ثم نعود به إلى المنزل ونبدأ بفرز البذور وتمرير الخيط في كل بذرة لصنع أشكال عديدة تبدأ بالشكل الهرمي من الأعلى، وبعد ذلك كانت أمي تعلقه بالغرفة وتتركه ليجف
بعد نزوحها القسري مع عائلتها نتيجة الغزو التركي لعفرين في العام 2018، تقيم الجدة سهيلة اليوم مع ابنها في مدينة أربيل/هولير. تتابع بالقول: "ما بين شهري أيار/أيار وحزيران/ يوليو ينمو أوزلك ويُحصد ويُباع في أسواق الريف وهو أخضر، ويمكن أن تجديِه لدى العطارين أيضاً وهو مجفف، ويتوافر في البراري أكثر من المناطق الأخرى".
قوّة الشمس
وعند السؤال عن استخدامه، قالت: "نحرقه كبخور من أجل الحسد، كنا وما زلنا نحرقه في الأعراس وعند المرض وفي ليلتي الأربعاء والجمعة إنْ أحسسنا بضيق أو قلق، عادة آخذ بضع حبات منه وقد أرش الملح فوقها ثم أشعلها بعد أن أمرره فوق رؤوس أبنائي وحول المكان. فهو يمنح الشعور بالراحة بإبعاد الأذى والحسد من حولنا، والدخان المتصاعد منه يبعد الأرواح الشريرة من المكان".
إنه أوزلك Uzilk الذي تعددت أسماؤه بتعدد شعوب المنطقة، دون أن تتغير وظيفته، فتسمى النبتة عند كرد جياي كورمينج وكرد كردستان تركيا بـ"أوزلك" وعند كرد منطقة الجزيرة السورية بـ "بوغير Boxîr"، ولدى كرد كردستان إيران والعراق "اسبند أو اسفندر Espender"، إضافة لأسماء أخرى هي " Qang- Qanêr" وفي اللغة التركية والأذربيجانية يطلق عليه "üzerlik" أما في اللغة العربية فيعرف باسم "حرمل Hermel".
وتأتي كلمة "أوزلك من كلمة زار وآذار (zer u azar) وهي كلمة مرتبطة بالشمس الكردية (روج)، وتلفظ أوزالك أو أوزاك أو زالك" وفق ما أورده الباحث الكردي، المقيم في باريس، مامد جمو،، وفي تفسير آخر تعني "قوة الشمس".
تتحدث الكثير من المراجع عن الفوائد الطبية لهذه النبتة العشبيّة المُزهرة، التي تنتشر في آسيا الوسطى، وشمال أفريقيا، والشّرق الأوسط، كما في أمريكا وأستراليا، وهي أحد الأعشاب المُستخدمة في الطبّ الشَعبيّ منذ القدم لتسكين الآلام والتّعقيم، وقد انتشر استعمالها في حالات ألم الظّهر، والرّبو، والمغص، والصّفار، وكمنبه لدى الكثيرين.
بعد البحث والسؤال تبين أن استخدام هذا النبات كبخور بطرق شائعة لدى شعوب المنطقة وليس لدى الكرد حصراً، كما يستخدم كمغلي لمعالجة نزلات البرد أو "للحماية من العين"، أما صناعة الشكل الهرمي ووضعه على الحائط فمتعارف عليه لدى الكرد عموماً والإيزيديين خصوصاً.
فالنساء الكرد كنّ يتفنن بأشكاله وألوانه لكن دون أن يخرجْن عن مبدئه الأساسي، حيث يؤتى بقطعة خشب مستطيلة الشكل ويُخطنَ حولها قطعة قماش ومن ثم يبدأن بتمرير بذور الأوزلك (الحرمل) بينما لا يزال أخضر في خيط حتى عدد معيّن، ثم تُغلق نهايته بقطعة الخشب ويُرص صفوفاً كشراشيب حتى نهاية القطعة الخشبية، هذا من جهة أما من الجهة الأخرى فتوّزع البذور من خلال الخيط عليه حتى تنتهي إلى الشكل الهرمي.
11 ألف عام وأقدم
يقول بير عبد الرحمن شامو، أحد شيوخ الإيزيدية في عفرين "إن الشكل الهرمي والألوان المستخدمة فيه عادة قديمة ومتوارثة ضاع معناها مع الزمن من الذاكرة الجمعية، وبقيت عادة حرق البذور كبخور من ضمن طقوس الطرق الصوفية أو في مناسبات محددة؛ كالعرس أو مولود جديد أو عند المرض للاعتقاد أن بخوره يطرد الجن، كذلك للمرأة الوالدة حديثاً لدر الحليب، كما يحرقه الراعي ويمشي به بين أغنامه عندما يتأخر التكاثر بينها لزيادة الخصوبة والتلقيح، ويمكنني الإشارة إلى أن أزولك كان يعلّق على البيادر ومواسم حصاد القمح مع حجر أسود لمنح البركة والحماية للموسم لارتباطه بعلاقة قوية مع المجتمعات الزراعية القديمة لكن للأسف اختفت معانيه مع الزمن".
أمّا المهتم بالتراث السيد أدهم شيخو فيقول إن لـ"أوزلك" شكلاً هرمياً وآخر مخروطيًاً، ويعود كلا الشكلين لفترات ما قبل الميلاد، ويرجح أنه تقويم كردي (روزنامة) يجب أن تكون أطرافه المتدلية 12 خطاً من الأسفل وفي كل واحدة منها 30 حبة، وتقسم من الأعلى لأربعة أقسام".
ما يدعم هذا القول هو بحث عائد لمركز جينولوجيا (علم المرأة) في روجآفا (كردستان سوريا)، إذ يشير البحث إلى أن هذا الشكل في الأصل هو تقويم كردي تُقسّم الصفوف العلوية لأربعة أقسام وترمز إلى الفصول الأربعة، وقمته هو أعلى السماء، الخط الأوسط (قطعة الخشب) هو الخط الفاصل بين الأرض والسماء، وعلى جانبها نقش يشبه القمر، أما الشراشيب السفلية فهي بعدد الأشهر الـ 12 وكل واحدة منها بعدد الأيام، وأما قطع القماش الملونة التي تستخدم فيها وتوزع بينها الحبات كزينة فترمز إلى الطبيعة، لكن معناه هذا واستخدامه الموقٰت تلاشيا مع الزمن.
بقيت عادة حرق البذور كبخور من ضمن طقوس الطرق الصوفية في مناسبات محددة؛ كالعرس أو مولود جديد أو عند المرض للاعتقاد أن بخوره يطرد الجن، كذلك للمرأة الوالدة حديثاً لدر الحليب، كما يحرقه الراعي ويمشي به بين أغنامه عندما يتأخر التكاثر بينها لزيادة الخصوبة والتلقيحووفق البحث فإن عشبة أوزلك /حرمل معروفة منذ 11 ألف سنة حين كانت العشبة تكثر في مناطق ما بين نهري دجلة والفرات، تجمع في فصل الربيع وتُعلق على مداخل الأبواب للاعتقاد بأنها تسحب الطاقة السلبية من كل شخص يمر من تحتها، وأن كل منزل تُعلّق فوق أبوابه هذه العشبة لا يدخل الشر إليه ولا تقع المساوئ والكوارث فيه.
أما بير خلات أحد خدّام مزارات لالش (سادن مزار ممى شفان) وهو ملم بالتراث الأيزيدي فيقول لرصيف22: "لا يقتصر التقويم لدى الإيزيدية على أزولك فقط. هنالك نوع آخر يسمى مَشُور، ويستخدم أيضاً لحساب الأيام والأشهر والأعوام".
وأضاف: "كان كل بيت إيزيدي في شنكال وفي لالش والمناطق التي يتوزع فيها الإيزيديون يحتوي على أوزلك، إلا أنه اختفى الآن ويقتصر على بعض البيوت العامة وبيوت رجال الدين، لكن يمكنكِ أن تري هنا أشكالاً عديدة منه وبأسماء مختلفة، فهناك أوزلك – كشكول – هكبة – بوخجك – جوهور – بركة، وبعضها يتشكل من حبات القمح وسنابلها، بسبب وجود علاقة وثيقة بين هذه الأشكال وزراعة القمح، وهي ترمز لمعرفة الإنسان بالزراعة، ومنها استوحى رجال الدين أدعية عدة"، في إشارة إلى طبيعة المجتمع الزراعي لشعوب المنطقة قديماً.
كانت العشبة تكثر في مناطق ما بين نهري دجلة والفرات، تجمع في فصل الربيع وتُعلق على مداخل الأبواب للاعتقاد بأنها تسحب الطاقة السلبية من كل شخص يمر من تحتها، وأن كل منزل تُعلّق فوق أبوابه هذه العشبة لا يدخل الشر إليه ولا تقع المساوئ والكوارث فيه.
الشكل الهرمي في كل الحضارات
من خلال البحث على مواقع التواصل الاجتماعي وسؤال عدد من كبار السن من الجنسين، (مع الأخذ في الاعتبار أن التراث الشفهي يمثل أحد المصادر الهامة في كتابة تاريخ الشعوب)، توصلت لعدد من الإجابات أجمعت على علاقة أوزلك الوثيقة بشكل معبد لالش، وعلى أن الشكل المثلثي من الأعلى يرمز إلى قبة معبد لالش أمّا الشكل الشبكي من الداخل فشعاع الشمس والمرموز به بشكل خطوط على قبة لالش، وهو مثال عن جميع المعابد القديمة التي كانت في المنطقة حتى قبب بيوت النار الزرادشتية المخروطية الشكل.
أما خيوط حبات أوزلك التي تتدلى منها فتمثل الأشهر وعدد أيام الشهر إذ كان لكل فصل لون محدد؛ الأحمر للخريف، الأبيض للشتاء، الأخضر للربيع، والأصفر للصيف.
بالرغم من غياب الدلائل الكاملة والقطعية عن أساس صناعة وبنية "أوزلك" الفكرية لعدم وجود أبحاث متخصصة كافية لدى الباحثين، تظل صناعة الشكل الهرمي وتعليقه على الحائط جزءاً من العادات والممارسات المتعلقة بالطبيعة ومهارة مرتبطة بالفنون الحرفية التقليدية الخاصة بالتراث الثقافي اللاّمادي، وإن كان ثمة خلاصة لهذا التقرير فهي الحاجة إلى تناوله بشكل أوسع من قبل مراكز الأبحاث المتخصصة للحفاظ على الذاكرة الجمعية لشعوب المنطقة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع