شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"كأس الشامبانيا الفائر"... مديحة كامل ونجومية الافتتان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأربعاء 3 أغسطس 202211:00 ص

صاحبة مكانة خاصة جداً عند كل متابعي السينما المصرية طوال عدة عقود، فتاة الإسكندرية الساخنة، بملامحها المحددة اقتحمت المشهد الفني القاهري دون استئذان، وصالت وجالت في سباق النجوم داخل هوليوود الشرق، حتى تصدر اسمها الأفيشات. امتلكت من الحضور الملفت ما جعلها فتاة أحلام الشباب لجيلين متعاقبين، بخفتها وحضورها وجاذبيتها.

"هي فتاة أحلام كل الشباب في فترة السبعينيات والثمانينيات، معشوقة الكاميرا، وقطة الشاشة، وكأس الشمبانيا الفائر، الممثلة الرائعة متعددة المواهب منذ صغرها، الرياضية التي فازت بالعديد من البطولات، والتي تكتب الشعر والقصص"، كتب الصحفي المصري محمد سرساوي في بداية كتابه، الذي يقع في 290 صفحة من القطع الوسط، معبراً عن إعجابه الشخصي بمديحة كامل.

الكاتب مثل أبناء الثمانينيات (ولد في 1985) الذين كانت مديحة كامل تحتل مرتبة رفيعة بالنسبة لهم: "فتاة الأحلام"، فقرر أن يقتحم عالمها هذا من خلال أول كتاب يصدر باللغة العربية لرصد سيرتها، بعنوان "سنوات الظهور والاختفاء"، عن دار الرواق للنشر بالقاهرة.

حكى سرساوي في كلمته التي صدّر بها كتابه، أنه اختلف مع والده على كل شيء، إلا نقطة واحدة فقط، هي أن مديحة كامل تمتلك "حتة دين وش" بالعامية المصرية الدراجة.

محطة الميلاد: رابعة العدوية

طريق مديحة كامل إلى عرش النجومية لم يكن سهلاً، وشهد الكثير من المحطات الصعبة، إلى الدرجة التي دفعتها في نهاية المشوار إلى اعتزال الفن. محطة الميلاد كانت في عروس البحر المتوسط عام 1946، عاشت على ضفاف البحر أجواء طفولة هادئة، عاصرت خلالها الأيام الأولى لما بعد ثورة 23 يوليو 1952، وبعدها بعشر سنوات غادرت إلى القاهرة، في عام 1962، وكانت ما تزال في عمر السادسة عشر.

بدايتها الفنية كانت على المسرح المدرسي في الإسكندرية خلال المرحلة الإعدادية، حيث قامت بأداء أول أدوارها، شخصية "رابعة العدوية" في مسرحية تحمل نفس الاسم، وحصلت على لقب أفضل ممثلة على مستوى المدرسة، ما فتح أمامها الطريق للانتقال إلى العاصمة، القاهرة، بحثاً عن أحلام النجومية داخل الحقل الفني.

عام 1964، بدأت طريقها في بنت المعز بعدة أدوار صغيرة في السينما والمسرح، كما شاركت في العديد من عروض الأزياء. عام 1965، التحقت بكلية الآداب في جامعة عين شمس لمواصلة دراستها، جنباً إلى جنب، مع المحاولات المستمرة لصعود سلم النجومية.

محطة الأضواء: السجن

لعب الحظ لعبته، وبدأت الرحلة بنجاح أمام وحش الشاشة فريد شوقي، عندما شاركت في بطولة فيلم "30 يوم في السجن" نهاية الستينيات من القرن الماضي، بعد بطولتها الأولى، وتزامناً مع أزمات حاصرت صناعة السينما في ذلك الوقت، اختفت مديحة كامل عن الأنظار قليلاً.

لم تأت الفرصة للعودة إلى أدوار البطولة مرة أخرى، إلا في حقبة الأفلام اللبنانية، التي شهدت إنتاجاً مصرياً لبنانياً مشتركاً، تلك الأفلام التي ظهرت خلال فترة الحرب المشتعلة في المنطقة نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، ورغم أنها لم تحقق قبولاً نقدياً، لكنها كفلت لمديحة كامل في ذلك الوقت انتشاراً جماهيرياً واسعاً في أوساط الشباب، واعتبرها الجمهور واحدة من أجمل وجوه السينما المصرية.

بدأت مديحة كامل في التشكل كفتاة أحلام.

محطة الإغراء أو الحرمان

عندما ذهبت مديحة إلى بيروت، شاركت في فيلم "قطط شارع الحمرا" في دور فتاة هيبية، لم تعجبها تلك الشخصية، فشاركت بعدها في فيلم "شاعر الحب" أمام محمود ياسين، وفرحت بعودتها إلى البطولة بجوار النجم الصاعد بسرعة الصاروخ آنذاك، كما أن القصائد الشعرية لنزار قباني التي قدمها المخرج اللبناني محمد سلمان في الفيلم، والمحملة بالوجدان الوطني والعربي عن بطل القصة الفدائي الفلسطيني.

قرأت مديحة كامل نصوص نزار، وواصلت الإبحار في رحلتها المغايرة، التي لم تنشغل فيها أن تكون بطلة أغراء، ولذلك نجدها وحدها بين نجمات حقبة الأفلام اللبنانية التي عادت إلى مصر، وهي في قمة توهجها الفني لتواصل نجاحها، وحتى مع هجمة الآراء النقدية على أفلام تلك الحقبة، لم يؤثر ذلك على التقدير الفني لموهبة مديحة كامل، وكان أكثر ما يحزن مديحة كامل أنها عندما ذهبت إلى مهرجان طهران السينمائي، وجدت كبار المخرجين العالميين يقولون لها إن وجهك متلون، وتستطيعين أن تؤدي كل الأدوار والشخصيات، بينما أصر مخرجون مصريون على ترشحيها في أدوار الإغراء والإثارة فقط.

وبحسب الفصل الثالث من الكتاب، فإن مديحة كامل قالت إنها كانت تتمنى أن يكون معها جهاز تسجيل لتوثق رأي المخرجين الأجانب من أجل أن يسمعه المخرجون المصريون، فيغيروا رأيهم، ويرشحوها لكل الأدوار، التي ترى أنهم حرموها منها. 

كان الدور في الفيلم صعباً للغاية، وهو ما هربت منه أغلب نجمات السبعينيات، لتعلن مديحة كامل عن نفسها كممثلة من العيار الثقيل بقبولها الدور.

أثبتت مديحة كامل في محطتها مع كمال الشيخ أنها ليست مجرد وجه جميل يصلح في أدوار الإغراء فقط.

من خلال تحليل الأداء الفني لمديحة كامل يتضح أنها استقرت على خلطتها النهائية بعد العمل مع كمال الشيخ، رسمت مديحة كامل نفسها بخلطة ما بين البراءة والإثارة في الأداء، بالإضافة إلى جاذبية الوجه، التي كانت عناصر القوة التي اعتمدت عليها مديحة كامل خلال مشوارها الفني طوال ما يزيد على 70 فيلماً، منها الكثير من علامات السينما المصرية.

ينجح سرساوي باقتدار من خلال 8 فصول، في نقل تفاصيل حياة مديحة كامل منذ أيام الطفولة الأولى وحتى محنة المرض، وفي نقطة أخرى أكثر أهمية، وهي التقاط المشهد القريب لروح مديحة كامل التي ستحبها أكثر بكل تأكيد عندما تراها من ذلك المقعد بجوار سرساوي.

حوارات مديحة

افتتن محمد سرساوي، بحسب حديثه لنا، بشخصية مديحة كامل، يقول: "كنت أراقب الناس يعبرون عن حبهم بنشر صورها، كنت أود الولوج إلى عالمها الخاص والفني كمن يبحث باباً سحرياً في البورتريه الخاص بها، باب يدلف منها إليها".

اشتدت رغبته بمرور الوقت في الكتابة عن مديحة كامل، وانطلقت رحلته عبر عالم الأرشيف في مؤسسات الصحف القومية، والمركز الكاثوليكي بالسينما، ودار الكتب والوثائق القومية، وتصفح ملفها الذي تنوعت قصاصاته ما بين أخبار وحوارات ومقالات وموضوعات.

اختلف مع والده على كل شيء، إلا في نقطة واحدة، أن مديحة كامل تمتلك "حتة دين وش"، وعندما كبر وعمل بالصحافة، قرر أن يؤلف كتاباً عنها، وكتب عنها: "معشوقة الكاميرا... وكأس الشمبانيا الفائر... التي تكتب الشعر والقصص" 

"يمكن أن ترصد وتنظم وتحلل، لتتحول (التجربة) إلى كتاب يكون مثل الوردة التي توضع على قبرها، ومن هنا كان منهج الكتاب التضفير ما بين الحياة الخاصة لمديحة وأعمالها الفنية".

"حياتها الخاصة منذ كانت طفلة صغيرة بمدينتها الإسكندرية، طفلة موهوبة ذكية، كانت نجمة منذ طفولتها في مجال الرياضة، والعزف وكتابة الخواطر، ثم التمثيل وهي في المرحلة الإعدادية بل إنها نالت جائزة التمثيل الأولى على مستوى الجمهورية في مسابقة المسرح المدرسية"، يقول السرساوي في حديثه لنا.

رسمت مديحة كامل نفسها بخلطة ما بين البراءة والإثارة في الأداء، بالإضافة إلى جاذبية الوجه، التي كانت عناصر القوة التي اعتمدت عليها خلال مسارها الفني في ما يزيد على 70 فيلماً

يسترسل سرساوي في حديثه، وكأنه يريد أن يوجز كتابه/ تجربته في كلمات موجزة: "قد حرصت على رصد المراحل الفنية في حياتها عبر فصول الكتاب، فكانت ثمانية فصول رصدت حياتها وفنها في آن واحد، مع كشف العوامل التي أدت إلى اعتزالها، العوامل المباشرة والعوامل غير المباشرة، كآلام تجارب الحب والزواج، وآلام المرض، وآلام فقد الأحبة، وموقفها من الإشاعات التي واجهتها ثم حياتها بعد الاعتزال، ووفاتها، وكيف كان يراها الجميع، وكذلك علاقاتها بابنتها الوحيدة، ورؤيتها للفن، واحترامها لرسالته حتى بعد الاعتزال، ورفضها لأي لفظ يمس من قريب أو بعيد قيمة الفن وأهميته، وأخيراً كشف لاهتمامات مديحة الخاصة، كالرسم والقراءة، وكنوزها الخاصة، كاللوحات التي تعلق في شقتها، ومكتبتها الورقية، ومكتبة الفيديو، وكذلك علاقاتها بالأدب والأدباء".

عند تعامل السرساوي مع مادة البحث، لاحظ أن "حوارات مديحة بالصحافة كاشفة لأبعاد جديدة في شخصية مديحة ورؤيتها الفنية، حوارات صادقة مرحة أحياناً عند الحديث عن الفن والأدوار التي قامت بها، أو عن الحب أو ابنتها الوحيدة ميرهان، وفي آن آخر تجدها حوارات يشع منها الحزن، خاصة عند حديثها عن موت أخيها، أو مرض أمها، أو ظروف أخرى خاصة بها؛ فتستكشف أن رحلة مديحة كامل لم تكن رحلة سهلة، بل رحلة شاقة عانت فيها الكثير حتى تحقق لنفسها ما تعي أنها تستحقه من مكانة فنية".  

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image