شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"أنا لا أتزوج رجل دين!" لكنها تركت عائلتها الأرستقراطية وأصبحت زوجة الخميني

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الخميس 5 مايو 202205:08 م
Read in English:

Khadija left a life of privilege to became Madame Khomeini


"روحي فداكِ. في كل هذه الفترة أتذكرك، ووجهك الجميل مرسوم في قلبي. أتمنى أن يحفظك الله وأن تكوني بالصحة والسعادة. أيامي تمرّ على أي حال، والحمد لله، كل ما حدث حتى الآن كان جيداً، وأنا حالياً في مدينة بيروت الجميلة. أتمنى لو كنتِ هنا. المدينة بها مناظر جميلة جداً وللأسف حبيبتي الغالية ليست معي كي تستمتع بهذه المناظر الرائعة. روحي فداكِ".

من هي حبيبة مؤسس الثورة الإسلامية الإيرانية، روح الله الخميني، التي يصفها هكذا ويحدثها في رسالة كتبها لها في بيروت عندما كان في طريقه إلى مراسم الحج في شهر آذار/مارس 1933؟

من الولادة حتى الزواج

ولدت خديجة ثقفي أو كما كانوا يسمونها "بانو قدس إيران" (السيدة قدس إيران)، عام 1913 في طهران في أسرة ثرية وشهيرة. كان والدها ميرزا محمد ثقفي، رجل دين ثرياً ومتجدداً، وكان جدها ميرزا أبو الفضل الطهراني من علماء طهران ومن شخصياتها البارزة، أما جدتها فكانت ابنة وزير الخزانة في بلاط ناصرالدين شاه القاجاري، وكانت تسمّى "خازن الملوك" لهذا السبب. هذه الجدة باسمها الأصلي "خانُم مخصوص" كانت تتمتع بثروة هائلة وأراض كثيرة وخدم وحشم.


خديجة التي كانت الطفل الأول لوالديها، سكنت منذ طفولتها مع جدتها "خازن الملوك" لتؤنس وحدتها، فعندما كانت في التاسعة من عمرها، رحلت عائلتها إلى مدينة قم، حيث قرر والدها مواصلة دراسته في المدرسة الدينية (الحوزة العلمية)، وبقيت خديجة مع جدتها، وقضت طفولتها ومراهقتها في رفاهية ودلال كان القليل من الأطفال، لا سيما البنات في تلك الفترة يتمتعون بهما.

لم ترغب لا في مدينة قُم ولا بالزواج من رجل دين، فتقول في إحدى مقابلاتها: "كان رجال الدين آنذاك فقراء، ومعاملتهم مع النساء لم تكن جيدة"

تصف خديجة تلك الفترة، ويأتي صوتها في الفيلم الوثائقي الذي أنتِج قبل بضعة أعوام عنها في إيران بإخراج المخرج الإيراني مصطفى رزاق كريمي تحت عنوان "بانو قدس إيران": "في ذلك الوقت، كان في المدرسة التي تدرَّس فيها الدروس الحديثة صف يتضمن 20 طالباً فقط. كان عدد الأشخاص الذين يمكنهم دفع 5 ريالات شهرياً للحضور في المدرسة قليلاً جداً، لذلك كانت بنات الأطباء أو رجال الأعمال أو الشخصيات الثرية يذهبن إلى المدرسة. عندما كنت طفلة كنت أحصل على كل ما أريده. كانت تتوفر لي أحذية بماركات أجنبية لي بسعر 6 تومان. كان سائق يأخذني إلى أي مكان أريده في عربة خاصة. كما كانت لدي خادمة تقوم بكل أعمالي. بعد كل مرة أستحم فيها، كانت تتم خياطة ملابس جديدة لي بواسطة خياطتنا الخاصة. وكان لدي معلم خاص لتعليم اللغة الفرنسية".


لم تكن خديجة تحب مدينة قم، وكانت تسافر هي وجدتها مرة في السنة إلى هناك لرؤية عائلتها، ثم تعود بسرعة إلى طهران التي كانت تحبها جداً نظراً لحداثتها وحيويتها. وذات زيارة لها إلى قُم مع جدتها تحدث معها والدها عن شاب طلب يدها.

كان الشاب صديقاً لوالدها في قم، وكان طالبَ العلوم الدينية هناك. وقصة خديجة والشاب الذي كان روح الله الخميني، بدأت عندما سأله أحمد لَواساني، صديق والد خديجة وروح الله المشترك، سببَ عدم زواجه رغم أنه في الـ27 من عمره، فرد عليه روح الله: لم أجد زوجة مناسبة لي حتى الآن، ولم أرغب بالزواج من فتاة من مدينتي خُمين. فقال له لواساني بأن السيد ثقفي، صديقنا، لديه ابنتان لهما سمعة جيدة، فاطلبْ يد إحداهما. ثم تحدث لواساني مع والد خديجة، وكان الوالد معجباً بروح الله حيث كان شاباً مهذباً من وجهة نظره ومهتماً بالعلم والدين، فنقل الطلب إلى بنته خديجة، لكنها رفضت، قائلة "أنا لا أتزوج مُلّا" (رجل دين)، حسب قولها.

لمدة شهرين، ولمرات عديدة أتى السيد لواساني إلى بيت عائلة خديجة في قم، للتوسط والحصول على الموافقة على الزواج، وفي كل مرة كانت خديجة ترفض الزواج، حتى بعد أن رأته خلسة في إحدى زياراته إلى بيتهم لطلب يدها، لأنها لم ترغب لا في الإقامة في مدينة قُم ولا بالزواج من رجل دين، حيث تقول في إحدى مقابلاتها: "كان رجال الدين آنذاك فقراء، ومعاملتهم مع النساء لم تكن جيدة". جدتها أيضاً كانت بصدد زواج خديجة بنجل أحد أقربائها الأثرياء الذي كان يدرس في فرنسا، فرفضت بدورها زواج خديجة من روح الله.

لكن حلماً رأته خديجة في المنام  غير كل شيء؛ رأت أن النبي محمد والإمام علي والإمام الحسن، جالسون في بيت، قالت خديجة في ما بعد بأنه نفس البيت التي تزوجت فيه. فروت الحلم لجدتها، وقالت جدتها بأنه عليها أن تتزوج من السيد روح الله، حيث اعتبرت الحلم إشارة لها للقبول بالزواج من روح الله الخميني.

الزواج بالخميني والانتقال إلى الحياة الصعبة

وهكذا، الفتاة التي ولدت ونشأت في عائلة ثرية في طهران، والتي لم ترغب أبداً في أن تكون زوجة لرجل دين، بناءً على ما رأته في الحلم ورغبة والدها، تزوجت من الخميني في شهر رمضان عام 1929. بقيت خديجة مع زوجها في طهران لمدة شهر واحد، ثم انتقلت معه إلى قم، المدينة السيئة بالنسبة لها.  

"كلَّ الطريق من طهران إلى قم، كنت أبكي، وكان روح الله يقول لي: عليك الصبر والتحمل!... وأنا كنت أعلم أنني لن أرى الراحة في حياتي منذ الآن فصاعداً، وأن أيامي الجميلة في طهران انتهت. تركتُ خلفي طهران وشوارعها الجميلة ونساءها الأنيقات، وجئت إلى قم الكئيبة، ذات الشوارع الضيقة، وسكانٍ يرتدون زياً موحداً، ونساء يلبسن الشادور الأسود الذي لم يتبين خلفه من أمامه، ورجال يرتدون العمائم والعباءات البالية"؛ هكذا تصف خديجة تلك اللحظات ومدينة قم آنذاك.


الفتاة المدللة سابقاً قضت شهوراً صعبة بعد الزواج، فكان راتبهما الشهري الذي كان يأتي من عائلة الخميني الثرية في مدينة خُمين، كان يعادل ثمن أحذية خديجة قبل زواجها. كان إجمالي الراتب 6 تومان، وإيجار بيتهما كان 3 تومان. وكانت خديجة وحيدة طوال النهار بينما كان روح الله مشغولاً بالدراسة إما في البيت وإما في المدرسة الدينية، لكن حياتها تغيرت بعد ولادة مصطفى، ابنها الأول، ثم ولادة أبنائها الآخرين.

كانت حصيلة زواج الخميني وزوجته، ثمانية أبناء، ثلاثة أولاد وخمس بنات. ثلاثة من الأبناء توفوا في مرحلة الطفولة، والبقية هم: مصطفى وصديقة وفريدة وزهراء وأحمد.

ولأنها كانت قوية ومستقلة بشخصيتها وقراراتها تروي نمودجاً من بداية حياتهما المشتركة في قُم، حيث كانت ستفتتح محطة قطار لأول مرة في هذه المدينة، وكان الخميني خارج البيت، قائلاً بأن تبقى خديجة في البيت خلال غيابه. لكنها متحمسة لرؤية المحطة ذهبت لوحدها هناك، وعند عودتها إلى البيت كان الزوج قد عاد. أخبرته أنها كانت في المحطة. قال: لكنني كنت قلت لك ألا تذهبي! فردت: لكنني ذهبت.

استمرت خديجة في هذه الحياة، والتي كان يساعدها على احتمالها حبها لزوجها وحبه المتقابل واحترامه لها، إلى حين وفاة المرجع الديني البارز في قم آنذاك، آية الله البُروجِردي، حيث حلّ مكانه الخمينيُّ، وتلته زيارة الشاه إلى مدينة قم وخطاب ألقاه ضد رجال الدين. فمن هنا بدأ نشاط الخميني ضد الشاه محمدرضا البَهلوي بشكل علني ورسمي.

دخلت حياة خديجة مرحلة جديدة، حيث تحول بيتهما إلى مقر لداعمي وأنصار روح الله، ولجلسات وخطابات ضد الشاه. لاحقاً تعرض الخميني لاعتقالات، وسجن، وفي عام 1965تم نفيه برفقة ابنه مصطفى إلى مدينة بورصة التركية، ثم النجف. انضمت خديجة إلى زوجها وابنها في النجف لتبدأ حياة أصعب بكثير من حياتها في قم، حيث تخلت عن كل ما كان يربطها بإيران، وابتعدت عن عائلتها وأقاربها وصديقاتها.

كانت تتمتع، كما يصفها أقرباؤها، بشخصية مستقلة وقوية جداً، تفعل ما تريد دون أدنى اكتراث بآراء الآخرين. كما أنها كانت تقرأ الكتب، والشعر، وتتابع الأخبار، وتسافر كثيراً

"كان البيت صغيراً جداً ودون أدنى إمكانيات؛ لم تكن لنا ثلاجة في البيت ولا هاتف للاتصال بعائلتي في إيران. كان روح الله يرفض أن تكون لنا حياة مترفة أو أفضل من حياة الناس آنذاك. في النجف، كانت الحرارة مرتفعة جداً. كان جلدي يحترق من شدة الحرارة. ذات ليلة استيقظت باكية فقال لي روح الله: ماذا بك؟ قلت له لا أريد منك أن تشتري لي سريراً؛ وافقْ فقط على أن أشتري سريراً بنفسي كي أتخلص من هذا الجحيم!".

أما الجحيم الحققي الذي حلّ بحياة خديجة فكان بعد وفاة ابنها مصطفى الذي كانت تحبه كثيراً، والذي يقال بأنه تم اغتياله بالسّم. تأثرت خديجة كثيراً بهذه الصدمة، وقضت أياماً صعبة وحزينة إلى حين انضمّت بزوجها الذي كان تم نفيه إلى فرنسا برفقة ابنه أحمد. تحدثت خديجة عن أيامها هناك بأنها كانت أياماً جميلة، نظراً لحيوية بيتهم الذي كان يكتظ يومياً بالشباب الثوريين المناصرين للخميني والمعارضين للشاه، إضافة إلى معرفتها بفرنسا وبالثقافة واللغة الفرنسيتين، مشيرة إلى أجواء فرنسا الجيدة، مقارنة إياها بالنجف وقم.

العودة إلى إيران بعد سنوات المنفى

في شهر شباط/فبراير 1979 عاد الخميني برفقة ابنه أحمد إلى طهران، وجاءت خديجة بعد أيام منه. اشتدت نشاطات الخميني، ودخلت البلاد في فترة أدت إلى انتصار الثورة وتطورات كبيرة في البلاد وفي حياة الخميني وعائلته. تحدثت خديجة في مقابلات أجريت معها عن ألم وتعب شديدين كانت تراهما في زوجها الذي كلما كانت تحثه على تخفيض نشاطاته يقول لها إن هناك واجباً على عاتقه يجب عليه القيام به.

تحدثت خديجة عن أيامها في فرنسا بأنها كانت أياماً جميلة

بعد عامين من انتصار الثورة في إيران، بدأت الحرب الإيرانية–العراقية. أثناء الحرب وفي عام 1986 دخل الخميني المستشفى بسبب جلطة قلبية. وبعد انتهاء الحرب بعام واحد دخل الخميني المستشفى للمرة الثانية، وتوفي بعد فترة من رقوده في المستشفى (1989)، فواجهت بانو قُدس صدمة كبيرة ثانية. أما الصدمة الثالثة لها فكانت وفاة ابنها أحمد عام 1994 في ظروف غامضة.

العلاقة الزوجية بين الخميني وزوجته

رغم أنها لم تكن موافقة على ذلك المستوى من نشاط زوجها السياسي، ولا متفقة معه على كل مواقفه وآرائه، سواء الدينية او السياسية، إلا أنها وقفت إلى جانبه في كل المراحل، وحاولت أن تحافظ على عائلتها وبيتها. اشتهرت بصبرها وطمأنينتها، ومحاولتها لإبقاء بيتها هادئاً وبعيداً عن الضجة السياسية. كانت تتمتع، كما يصفها أقرباؤها، بشخصية مستقلة وقوية جداً، تفعل ما تريد دون أدنى اكتراث بآراء الآخرين. كما أنها كانت تقرأ الكتب، والشعر، وتتابع الأخبار، وتسافر كثيراً، وتعقد لقاءات وجلسات مع عوائل الشخصيات، بعيداً عن التكتلات السياسية.

"كانت موضع احترام وتكريم والدي، وكان يحبها كثيراً، ولا يكتم حبّه ومودّته لزوجته ويبوح لها بذلك علناً أمام الآخرين. كان يحثنا على احترامها وعلى أن نكون في خدمتها، ولم يبدأ بالأكل إلا بعد حضور والدتنا. خلال سفرها أو عدم حضورها في البيت كان يحزن كثيراً، ويسأل عنها مراراً"؛ هكذا تروي زهراء، ابنة الخميني في فيلم "بانو قدس إيران".

وتؤكد فاطمة طباطبائي، زوجة أحمد، ابن الخميني، أن بانو قدس ورغم علاقتها الجيدة بزوجها لكنها كانت تعارض قراراته في بعض الأحيان، حيث ذات مرة بعد انتصار الثورة وفي ظل تأكيد الخميني على ضرورة بساطة حياتهم كعائلة زعيم الثورة، قررت بانو قدس أن تسافر إلى فرنسا أو ألمانيا، وفقاً لتوصية الأطباء، لإجراء عملية على عينها، لكن الخميني رفض ذلك. وردت عليه بانو قدس: "تحملتُ كل الصعوبات في حياتي معك حتى الآن، لكني لن أوافق على قراراك هذا". فطلب الخميني من ابنه أحمد أن يمهّد لسفر والدته إلى فرنسا للعلاج.


وفاة بانو قدس

رغم كل التطورات التي شهدتها في حياتها، وفقدان زوجها وابنيها، وأعضاء آخرين من عائلتها، بقيت كما يصفونها قوية جداً، لم تبح بحزنها وألمها الشديدين أبداً، وكانت تحاول الاستمتاع بحضور أبنائها وأحفادها بقربها. وبعد فترة مرضها التي استغرقت أكثر من سبعة أشهر، توفيت في عيد النوروز (21 آذار/مارس) عام 2009 في مستشفى في طهران، ودفن جثمانها إلى جوار زوجها.

تقول خادمة زوجة الخميني في الفيلم الوثائقي: "كانت للسيدة غرفة تهتم بها كثيراً، تحتوي على الأشياء المهمة لها، لا سيما صندوق صغير، وكانت تؤكد دائماً على إغلاق الغرفة. بعد وفاتها قالت بنات السيدة: افتحي الصندوق لنرى ماهو الشيء الثمين في الصندوق التي كانت والدتنا تحرص على الحفاظ عليه! فتحنا الصندوق، وبعد إزالة عدة قطعات من الورق والقماش وصلنا إلى الشيء الثمين، وكان صورة لأحمد ومصطفى، ولديها المتوفيين".   

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard