بدأت وزارة النقل المصرية بالتعاون مع الشركة الفرنسية لإدارة وتشغيل الخط الثالث لمترو القاهرة إزالة الجدارية المثيرة للجدل في محطة مترو "كلية البنات" بمنطقة مصر الجديدة، شرق القاهرة.
البدء بإزالة الجدارية وما سبقه من اعتذار رسمي في بيان أصدرته الشركة، يأتي استجابة لتهديدات الفنان الروسي جورجي كوراسوف، صاحب اللوحة التي نقلت عنها الجدارية، بمقاضاة الشركة لامتناعها عن الاعتذار ونسبة العمل إلى صاحبه الأصلي، وذلك في تصريحات خاصة أدلى بها لموقع البلد (مصري).
الجدارية التي أثارت استياءً واسعاً في مصر لأسباب عدة، نسبت إلى ستوديو غادة والي، وهي مصممة شابة لها سوابق أخرى في السطو على تصميمات فنانين آخرين، وأسند إليها تصميم وتنفيذ الجدارية ضمن المشروع الثقافي بمحطات خط المترو الثالث “رحلة عبر العصور”، والذي أطلقته الشركة الفرنسية لإدارة وتشغيل الخط الثالث لمترو الأنفاق " آر. إيه. تي. بي"، في مارس/ آذار الماضي، ويشمل محطات: العباسية- كلية البنات - هليوبوليس - باب الشعرية. وعلى الرغم من الإعلان عن المشروع الفني في خط المترو في مارس/ آذار الماضي فقط، كانت غادة والي قد صرحت في لقاء تلفزيوني أنها تعمل على المشروع منذ عام ونصف العام.
وأعلنت الشركة الفرنسية المسؤولة عن إدارة وتشغيل خط المترو الثالث أنها تعتزم مقاضاة والي، وتحفظ مصدر مسؤول بالشركة تحدث إلى رصيف22 شريطة عدم ذكر اسمه على ذكر حجم الخسائر المادية التي تتحملها الخزانة العامة ممثلة في وزارة النقل جراء إزالة الجدارية المثيرة للجدل، وتكليف شركة أخرى تصميم وتنفيذ جدارية جديدة.
لم تجد المصممات الشابات دعماً يذكر من وسائل الإعلام المصرية، إذ كان نجم والي صاعداً في ذلك التوقيت، بحكم الدعم الكبير الذي تحظى به من شخصيات بارزة في الدولة، بل واتجهت وسائل الإعلام المصرية إلى الاحتفاء بالمصممة الشابة رغم اتهامات السطو
لماذا غادة والي؟
لم تعلن وزارة النقل التي تتبعها شركة مترو القاهرة الكبرى، ولا الشركة الفرنسية التي تتولى تشغيل الخط الثالث عن مسابقة محلية أو دولية للتصميمات الخاصة بالمشروع الفني، وكدأب الجهات الحكومية في السنوات الاخيرة، تم إسناد التصميمات لعدد من الشركات، منها ستوديو مملوك لغادة والي، التي تحظى بدعم رسمي تمثل في دعوتها مراراً إلى مؤتمرات الشباب التابعة للرئاسة وقيامها بإلقاء كلمة في منتدى شباب العالم في نسخته الأولى في العام 2017.
عقب كلمتها، صعدت غادة والي سريعاً، من خلال تكليفها تصميم مشروعات تهتم بها الدولة في أعلى مستوياتها، وأبرزها "افتتاح طريق الكباش"في العام 2021، إذ تفجرت فضيحة السرقة الأولى.
تغير موقف وسائل الإعلام المصرية من غادة والي عقب تسريب معلومات، تفيد بأن هناك توجهاً لدى الشركة الفرنسية ووزارة النقل المصرية لإزالة الجدارية بعد سلسلة منشورات للفنان الروسي جورجي كوراسوف هدد فيها بمقاضاة الشركة للسطو على أعماله الفنية
بعد ساعات من انتهاء احتفالية الكباش، ومع انتشار التصريحات الإعلامية لغادة والي باعتبارها مصممة شعار الاحتفالية، أعلنت مصممات شابات من هريجات الجامعة الألمانية (حيث درست غادة والي) أدلة تثبت أنهن صاحبات التصميم الأصلي لشعار الموكب والشعار الجديد لمحافظة اللأقصر، ضمن "التكليف الرئاسي للجامعة الألمانية" لتصميم "الهوية البصرية لمحافظات مصر". واتهمت المصممات الشابات دينا درويش ونرمين عمرو وسارة السيد وياسمينا صالح زميلتهن السابقة غادة والي بالسطو على مجهودهن ونسبة المشروع لنفسها.
مفيش اسوأ من ان شغلك و مجهودك يتسرق منك و يتنسب لشخص تاني.. فا دا تذكير ان اللي صمموا شعار الاقصر اللي استخدم في طريق الكباش هما البنات دي من الguc مش "غادة والي" اللي كانت جزء بس من الteam و قررت تسيبهم في الاول خالص و كملوا هما ٤ سنين عشان يوصلوا لليوم دا مش زي ما هي كاتبة خالص pic.twitter.com/VL77sc0W1z
— Yomna (@YomnaElbanota) November 27, 2021
لم تجد المصممات الشابات دعماً يذكر من وسائل الإعلام المصرية، إذ كان نجم والي صاعداً في ذلك التوقيت بحكم الدعم الكبير الذي تحظى به من شخصيات بارزة في الدولة، منهن سميتها الوزيرة السابقة غادة والي. واتجهت وسائل الإعلام المصرية إلى الاحتفاء بالمصممة الشابة رغم الاتهامات.
كما شاركت والي في تنفيذ الحملة الدعائية لفيلم الأصليين، للمخرج مروان حامد، لكن بعد نشر تصميم البوستر الدعائي للفيلم، اتهمت بسرقة تصميمه من تصميم آخر لفيلم هندي اسمه يوميات بومباى، الصادر في العام 2010.
وحاول رصيف22 التواصل مع المصممة غادة والي لمنحها حق الرد على الاتهامات، غير أنها لا ترد على اتصالات الصحافيين. كما قامت بإغلاق حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي.
مصادفة لافتة
في اليوم نفسه الذي قررت فيه وزارة النقل والشركة الفرنسية إزالة جدارية والي ومقاضاتها، أعلن البنك المركزي المصري عن طرح ورقة بنكنوت جديدة من فئة 10 جنيهات (0.53 دولار) ذات تصميم جديد، ضمن خطته لإصدار عملات بنكنوت "بلاستيكية".
التصميم أثار الاستنكار والغضب في البداية لتواضعه الفني خاصة عند المقارنة بالتصميمات الأقدم. وكتب المصمم والفنان التشكيلي أحمد اللباد تحليلاً يوضح تواضع التصميم فنياً، خاصة أن مصر لها "مدرسة حقيقية راسخة" في تصميم العملات.
تحليل اللباد لفت إلى ما لاحظه آخرون حول نسخ عناصر التصميم والألوان الخاصة بالعملة النقدية الجديدة من الفئة الموازية لها من الجنيه الإنجليزي، إذ نسخ المصمم المصري العديد من العناصر والخطوط المستخدمة في ورقة بنكنوت فئة العشرة جنيهات الإنجليزية.
الآن يتخلى عنها الجميع
تغير موقف وسائل الإعلام المصرية من غادة والي عقب تسريب معلومات صباح الإثنين 4 يوليو/ تموز، تفيد بأن هناك توجهاً لدى الشركة الفرنسية ووزارة النقل المصرية لإزالة الجدارية بعد سلسلة من المنشورات كتبها الفنان الروسي جورجي كوراسوف، يؤكد فيها أنه يدرس مقاضاة الجهتين بسبب انتحال مجموعة من لوحاته من دون إذن أو إشارة إليه، فأصدرت نقابة التشكيليين المصريين بياناً تنفي فيه انتماء والي إليها.
فيما أكد أحمد عبد الهادى، المتحدث الرسمي للشركة المصرية لمترو الأنفاق ومدير عام الإعلام والعلاقات العامة بالشركة، في حديث هاتفي مع رصيف22، أن الشركة غير مسؤولة عن أزمة الجدارية، وأن الشركة الفرنسية "آر.إيه. تي.بي"، التي تدير الخط الثالث، هي المسؤولة عن المشروع الثقافي.
كما نفى محمد عز المستشار الإعلامي لوزارة النقل والمواصلات أن تكون للوزارة علاقة بالأزمة، مؤكداً أن الشركة الفرنسية وحدها هي المعنية بالأمر، ورفض في حديثه الهاتفي مع رصيف22 الإدلاء بتعليقات أخرى.
من جهتها أعلنت الشركة الفرنسية، في بيان رسمي مشترك بينها وبين الهيئة القومية للأنفاق، مساء الثلاثاء، أنها تعاقدت مع "استوديو والي"، وهي وكالة إعلانات واستشارات تابعة للمصممة غادة والي، لإنشاء تصميمات فنية خاصة بالمشروع الثقافي بمحطات الخط الأخضر (الثالث)، وأنه تم إدراج بند ملزم قانونياً ينص على أن شركة الدعاية هي المسؤولة الوحيدة عن تقديم تصميمات فنية أصلية، وفى حالة الاقتباس أو النسخ، يتعين عليها الحصول على موافقة قانونية رسمية من الفنانين القائمين على تلك الأعمال تجيز استخدامها، وفقاً لما هو متعارف ومعمول به مع جميع الفنانين.
وأكدت الشركة أنها لم تكن على دراية بأن تلك التصميمات مستوحاة بشكل غير قانوني من لوحات فنان روسي، وأنها حالياً تدرس الإجراءات القانونية المناسبة ضد شركة الدعاية، عند إثبات الادعاءات. وعليه سيتم تغيير التصميمات المقتبسة بشكل غير قانوني.
وفي تصريح لرصيف22، كشف مصدر مسؤول بإدارة الشركة الفرنسية أن المشروع الثقافي، الذي تعد محطة مترو كلية البنات جزءاً منه، جاء بالتعاون مع الهيئة القومية للأنفاق، بامتداد 19 محطة بينها أربع محطات جديدة سيتم افتتاحها.
وأوضح المصدر أن طلاب كليات الفنون الجميلة شاركوا فقط في إنشاء الهوية الثقافية، لكن المرحلة الثانية قام بها فنانون وأصحاب مواهب يقدمون مواهبهم داخل المحطات، وأن الشركة الفرنسية تتعاون في المشروع مع عدد من الشركات التي تتولى عمليات التصميم وبعضها ينفذ التصميمات، مشيراً إلى أنه تم فسخ التعاقدات مع بعض تلك الشركات منذ فترة، ولا يتم العمل وفقاً لنظام التكليف بل عن طريق المناقصات ولا تتعامل الشركة مع شركات حكراً دون غيرها؛ إذ تتقدم كل منها بتصورها للعمل وأعمالها السابقة التي تعرض على الإدارة للتقييم ويجري قبولها أو رفضها، وأنه من أحد بنود التعاقد أن الشركة تكون مسؤولة بشكل كلي عن الملكية الفكرية لعملها وأنه في حال وجود فكرة مقتبسة فإنها ملزمة بتقديم ما يثبت الحصول على موافقة من صاحبها على غرار ما حدث بمحطة الألف مسكن.
وأضاف المسؤول: "لأن بعض الأفراد من شركة ما استوحوا جدارية من عمل فني أجنبي دون علمنا فإن المسؤولية القانونية تقع على صاحب تلك الشركة"، في إشارة منه لستوديو والي، مؤكداً: "إدارة الشركة لم تتواصل مع الفنانة غادة والي إطلاقاً منذ فترة؛ إذ تم فسخ التعاقد معها خلال شهر مارس بسبب اختلاف وجهات النظر ولأسباب مهنية، وندرس حالياً الموقف القانوني والاجراءات القانونية، بالتعاون مع هيئة الأنفاق لضمان الحقوق الفنية والمعنوية والمادية لكل من الشركة والهيئة".
وتحفظ المصدر على ذكر ميزانية المشروع الثقافي وجداريات محطة كلية البنات، باعتبارها أمراً سرياً يخص إدارة الشركة، موضحاً أن التكاليف تختلف من مرحلة لآخرى وأن هناك جوانب مادية تتعلق بالتنفيذ وتصميم الملصقات ومبتكري الأفكار، وأن هناك مراحل تتم دون مقابل مادي وهناك شركات تقوم برعاية جزء من المشروع، كما رفض الحديث عن كون الشركة هي من تتحمل وحدها النفقات أم تتحمل الهيئة القومية للأنفاق ووزارة النقل جانباً منها.
الانتحال والاقتباس
يرى الدكتور محمود قاسم، الكاتب والناقد الفني والأستاذ السابق بكلية الفنون الجميلة بجامعة المنيا، أن الاقتباس هو أمر يحدث في السينما والفن والأدب، ولكن في لوحات الفن التشكيلي يظهر بوضوح التأثر بعمل فني لفنان آخر، وأن التشابه القريب يكون فيه شبهة السرقة، مبيناً أن السارق يضع بعض الرتوش والإضافات الشكلية في محاولة منه لإخفاء سرقته، مؤكداً أنه يجب على الفنان الاعتراف بالاقتباس وإلاّ كان فنان نسخة وليس مبدعاً أصيل، لأن الجوهر يبقى بؤرة العمل الفني وحق للفنان صاحب العمل الأصلي.
ويبيّن الناقد الفني لرصيف22 أن الجداريات المرسومة في محطات مترو الأنفاق هي عمل فني جماهيري يفترض به أن يعيش سنوات طويلة، وأن الفنان الذي يقوم برسمها وتصميمها يفترض به أن يكون على إطلاع واسع على المعارض الفنية وأعمال الفنانين العالميين، مؤكداً أن سرقة عمل فني ورسمه على جدران المحطة يخلقان حالة من اللغط، وهو أمر خطر لأن حقوق الملكية شيء حساس في العالم، مشيراً إلى أن الفنان الأصلي يستطيع أن يلجأ للقضاء لقطع الطريق على ضعاف النفوس من الفنانين القليلي الموهبة.
بينما يعتبر الفنان التشكيلي والكاتب عبدالعزيز السماحي أن لوحات محطة مترو كلية البنات مأخوذة طبق الأصل عن لوحات للفنان الروسي جورجي كوراسوف مع تمصير الملابس فقط، وأن هذا أمر معيب، مؤكداً لرصيف22 أن الاقتباس له حدود ويستحيل أن يصل إلى نقش الفكرة وأسلوب الرسم والخطوط والحركة والوضع التشريحي واللون، "لأن هذا يعتبر سطواً وليس اقتباساً".
ويلفت السماحي إلى أن المصممة جعلت لون بشرة الفراعنة أسود أو بنياً أدكن في الجداريات، مؤكداً أن الثقافة الشخصية والثقافة العامة للفنان مهمتان جداً، لكي يعرف تاريخه وحضارته، وأن يتسلح الفنان بقليل من الثقافة قبل الشروع في عمله. خاتماً: "هذه حضارتنا ومن العيب أن نقدمها للعالم بهذا الشكل".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...