أنهى الرئيس التونسي، قيس سعيّد، الإثنين الماضي، زيارةً إلى الجزائر، في خطوة بدت لافتةً في توقيتها، إذ يُراهن الرجل الذي يواجه معارضةً واسعةً داخلياً، رهاناً دستورياً في الاستفتاء المقرر إجراؤه في الخامس والعشرين من تموز/ يوليو الجاري.
كما تكتسي الزيارة أهميةً خاصةً عندما يتعلق الأمر باستمرار إغلاق الحدود البرية بين البلدين، والتي تمثل شرياناً حيوياً للتجارة والسياحة التونسيتين في سياق فتور واضح في العلاقات يُرجعه متابعون إلى فشل الجزائر في استمالة تونس في ملفات إقليمية مهمة، على غرار قضية الصحراء المتنازع عليها مع المغرب، وأيضاً مخاوف من جر تونس نحو التطبيع.
إذابة الجليد
اختتم الرئيس سعيّد زيارته الثلاثاء، إلى الجزائر بـ"هدية" من الرئيس تبون أكدت إعادة فتح الحدود أمام حركة المسافرين انطلاقا من منتصف شهر يوليو.
وأتت الزيارة بعد دعوة رسمية وجهها إليه نظيره الجزائري عبد المجيد تبون، بمناسبة احتفال بلاده بذكرى استقلالها الستين عن فرنسا، في زيارة تحمل دلالات سياسيةً واضحة.
وبدأت الجزائر الاحتفال بهذه الذكرى بحضور وجوه سياسية عربية، على غرار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ورئيس حركة حماس إسماعيل هنية، ووزير خارجية سوريا فيصل المقداد وغيرهم، وسط استعراض عسكري هو الأضخم عبر التاريخ بالنسبة إلى الجزائر.
حسب المراقبين، وجد الرئيس سعيّد نفسه في هذه الزيارة أمام رهان واحد، وهو حشد مواقف إقليمية مساندة لموقعه وخططه السياسية في بلاده، بعد أن دفع بمشروع دستور يواجه رفضاً قوياً من قبل المعارضة التونسية.
اختتم الرئيس سعيّد زيارته الثلاثاء، إلى الجزائر بـ"هدية" من الرئيس تبون أكدت إعادة فتح الحدود أمام حركة المسافرين انطلاقا من منتصف شهر يوليو وهو ما قد ينعش السياحة التونسية
يعكس ذلك البيان الذي نُشر على صفحة الرئاسة في الساعات الأولى من صباح الثلاثاء 6 يوليو، ودعا فيه سعيّد التونسيين إلى "قول نعم" للدستور الجديد، ما يؤكد أنه كان مثقلاً بهذا التحدي في انتقاله إلى الجزائر وهي من الجولات الخارجية النادرة له.
هذه الزيارة هي فرصة لوضع حد لحالة البرود التي طغت على العلاقات التونسية-الجزائرية، والتي خرجت إلى العلن بعد تصريح الرئيس تبون المثير للجدل من العاصمة الإيطالية روما، عندما وصف الوضع السياسي في تونس بـ"المأزق".
وعلّق القيادي في جبهة المستقبل الجزائرية، الحاج البغوثي، لرصيف22، بالقول إن "هذه الزيارة نتمنى أن تكون فرصةً لتوضيح بعض سوء الفهم الذي ساد في المرحلة الماضية، والأكيد أن تونس والجزائر وشعبيهما هما عائلتان".
من جانبه، قال المحلل السياسي التونسي محمد بوعود، إن "هذه الزيارة جاءت لتذيب الكثير من الجليد الذي تراكم على طول الحدود الغربية لتونس، والذي طرح تساؤلات عدة خاصةً أن العلاقات بين البلدين الشقيقين كانت منذ عقود متميزة وتحمل طابعاً خاصاً يرقى إلى التنسيق في أغلب الملفات ويتجاوز حتى حدود الدبلوماسية إلى الأخوية والجيرة".
أكد مصدر سياسي جزائري مطلع على نشاط ساكن قصر المرادية، لرصيف22، أن "الجزائر لديها تخوفات في هذا الصدد. لا يمكن أن نغمض أعيننا عن التغلغل الصهيوني في المنطقة"
وأكد بوعود، لرصيف22، أنه في الآونة الأخيرة كثُر اللغط حول موقف تتخذه السلطات الجزائرية من قيس سعيّد، أو ضغط تمارسه الجزائر عليه من أجل موقف واضح في ما يتعلق بالنزاع حول الصحراء الغربية، مضيفاً: "أعتقد أن هذا الملف هو الذي يعرقل عودة العلاقات إلى مسارها الطبيعي، وعندما نقول مسارها الطبيعي فإنها لم تنقطع لكن اليوم هناك كثافةً سياحيةً متعودون عليها من الجزائر، لم نرها هذا العام بسبب استمرار إغلاق الحدود من دون موجب".
يبدو أن الأمر مرتبط أيضاً بقضية التطبيع مع إسرائيل، إذ أكد مصدر سياسي جزائري مطلع على نشاط ساكن قصر المرادية، لرصيف22، أن "الجزائر لديها تخوفات في هذا الصدد. لا يمكن أن نغمض أعيننا عن التغلغل الصهيوني في المنطقة بعدما نجح الكيان في تثبيت موطئ قدم له في المغرب".
وكان الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، قد أطلق تحذيرات قبل أيام في هذا الصدد عادّاً أن "في ذلك محاولة لمحاصرة الجزائر إقليمياً".
وقال الطبوبي الذي يزور هو الآخر الجزائر منذ يوم الأحد، إن "هناك حملات تقوم بها صفحات على شبكات التواصل الاجتماعي، وتقودها روبوتات إلكترونية من اللوبي الصهيوني والمخابرات الأجنبية لمسألة جوهرية، وليست محبةً بتونس أو بحرية التعبير".
الغاز و"الصحراء الغربية" يختبران سعيّد
زيارة قيس سعيّد إلى الجزائر، حققت نجاحا كان مرهوناً بإعلان ترقبه الكثيرون في تونس وهو فتح الحدود التي تُعدّ متنفساً تجارياً وسياحياً مهماً، زيادةً على ضخ كميات إضافية من الغاز إلى البلاد في ظل التحذيرات من أزمة كهرباء حادة قد تشهدها خلال هذا الصيف الملتهب.
ورأى وزير الخارجية التونسي الأسبق، أحمد ونيس، أن "الجزائر قد تكون حاولت استمالة تونس وحتى الضغط عليها عبر استغلال الأزمة السياسية الحالية للبلاد من أجل دعمها في قضية الصحراء لأن الموقف الجزائري في هذا الملف ضعيف للغاية".
وقال ونيس لرصيف22، إن "قيس سعيّد، في اعتقادي، لن يفرّط بهذه الورقة، وسيبقي على الموقف التونسي التقليدي من هذه القضية وأنه فوق النزاع. لا يدخل هذا النزاع بين الفرقاء، الأخوة الجزائريين والأخوة المغاربة، وهذه هي مصلحة تونس ولا أعتقد أن قيس سعيّد سيلجأ إلى موقف مغاير".
حول إمكانية فتح الحدود، رأى ونيس أن "الرئيس سعيّد نجح في تحدي الحدود خاصةً أنه يُعدّ من أفضل الرؤساء الذين يرتاح لهم النظام الجزائري، إذ الأهمية القصوى بالنسبة إلى الجزائر أنها منغلقة على نفسها اليوم".
وأبرز أن الزيارة في حد ذاتها تخدم الجزائر قبل كل شيء، كونها تسعى إلى لعب دور إقليمي وتعكف أيضاً على إنجاح القمة العربية المقررة في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، وستأخذ الرئاسة من تونس لأن تونس هي التي احتضنت آخر قمة.
من جانبه، قال البلغوثي عن الجانب الجزائري، إن "استمرار العلاقات الطيبة بين البلدين تحتم بالفعل فتح الحدود، وأتمنى أن تكون هذه الزيارة بادرة خير وأن تتبلور خلالها كل التفاهمات ويتم رفع أي لبس موجود في العلاقات حالياً".
وكان نقابيون تونسيون قد أشاروا سابقاً، إلى أن هناك رفضاً جزائرياً لإمداد تونس بكميات إضافية من الغاز الطبيعي في هذا الصيف، محذرين من تداعيات وخيمة على البلد الذي قد يشهد أزمة كهرباء، لكن الجزائر نفت ذلك.
وكان كاتب عام جامعة الكهرباء والغاز التابعة لاتحاد الشغل عبد القادر الجلاصي، قد حذر في وقت سابق "من عدم تمكّن تونس من إنتاج الكهرباء بسبب رفض الجزائر مستقبلاً إمداد تونس بالغاز، وهو ما قد يجعلنا نواجه وضعاً كارثياً".
وتبيع الجزائر الغاز إلى تونس بسعر تفضيلي، ولتونس حصتها أيضاً من الغاز المنقول إلى إيطاليا عبر "الأنبوب العابر للبحر المتوسط"، وهي حصة تبلغ قيمتها 5.25 في المئة من الغاز.
وكانت الجزائر قد دعمت بقوة الإجراءات التي أقرّها الرئيس التونسي في الخامس والعشرين من تموز/ يوليو 2021، وأطاحت بخصومه في البرلمان، وأفسحت له المجال لتنزيل مشروعه السياسي الخاص على أرض الواقع، وهو ما عكسه مضمون الدستور الذي كشف النقاب عنه مؤخراً استعداداً لعرضه على الاستفتاء.
وستمتحن الفترة المقبلة التي تلي الزيارة قدرة قيس سعيّد على النجاح في تهدئة مخاوف الجارة الغربية لتونس ووأد الخلافات الصامتة التي سادت طوال المرحلة الماضية حول ملفات عدة تحتل صدارة أجندات القيادة الجزائرية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 16 ساعةرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.