شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
جريمة قتل فاطمة الزهراء بن شيخة... كيف يمكن حماية النساء في الجزائر؟

جريمة قتل فاطمة الزهراء بن شيخة... كيف يمكن حماية النساء في الجزائر؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الثلاثاء 5 يوليو 202203:00 م

لا يزال الذهول والحيرة الشديدة يخيمان على عائلتي الممرضة الجزائرية فاطمة الزهراء بن شيخة (32 عاماً) التي كانت تعمل في قسم الغدد والسكري في مستشفى بني مسوس (بلدة تقع في الضاحية الغربية للعاصمة الجزائرية) وزميلتها صابرينا الشامي (29 عاماً)، العاملة في قسم أمراض الكلى في نفس المستشفى، وذلك بعد أن فارقت فاطمة الحياة إثر تلقيها عدة طعنات، بينما نجت صديقتها من الموت بأعجوبة.

وفي التفاصيل الواردة في بيان لمصالح الأمن الجزائري، فإنه "وبعد أقل من 24 ساعة من اقترافه لجريمة قتل راحت ضحيتها سيدة بالقرب من مستشفى بني مسوس (الجزائر العاصمة)، وإصابة أخرى بجروح خطيرة، ومباشرة بعد فتح تحقيق تحت إشراف النيابة المختصة، تمكنت مصالح أمن محافظة الجزائر العاصمة من توقيف المشتبه به، البالغ من العمر 31 عاماً، يقطن بالجزائر العاصمة، مع استرجاع أداة الجريمة".

تعدد أساليب القتل

لم يكشف البيان الذي صدر بعد ساعات قليلة من وقوع الجريمة، عن الأسباب الحقيقة التي دفعت بالفاعل للتهجم على الشابتين بوساطة سلاح أبيض ليلوذ مباشرة بعدها بالفرار، وهو ما عزّز التكهنات والتخمينات حول الجريمة، واكتفى البيان بالتأكيد على أن الأبحاث والتحريات لازالت متواصلة، وأي مستجدات في القضية سيتم إخطار الرأي العام بها.

حتى والدة المغدورة فاطمة الزهراء بن شيخة تجهل لحدّ الساعة أسباب وقوع الجريمة، وكانت قد كشفت أنها تريد الالتقاء بالجاني وسؤاله عن الأسباب التي دفعته لقتل ابنتها.

وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، انفجرت الجماهير الجزائرية غضباً واستشاطت قهراً، وأعادت إثارة الجدل حول تطبيق حكم "القصاص" في حق مرتكبي القتل العمد، وهي القضية التي تطفو على السطح كلما اهتزت الجزائر على وقع جريمة قتل شنعاء.

"البارحة فاطمة الزهراء، غداً قد يأتي الدور عليّ أو على أختي أو جارتي، مللنا من القتل والاغتصاب، الحل في القصاص"

الناشط الجزائري عبد القادر رحال، كتب على صفحته في فيسبوك، مطالباً بـ "القصاص" واستدل بقوله تعالى: "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب".

وبدوره، قال الناشط أمين جلاب: "المطلوب الآن عدالة ناجعة وسريعة وعقاب فوري يتناسب وبشاعة الجريمة المرتكبة، فالقاع امتلأ. رحمتك يا رب".

وطالبت الناشطة ملاك بتسليط عقوبة الإعدام على الجاني، وكتبت على صفحتها في فيسبوك: "البارحة فاطمة الزهراء، غداً قد يأتي الدور عليّ أو على أختي أو جارتي، مللنا من القتل والاغتصاب، الحل في القصاص".

وعند استعراض جرائم القتل التي وقعت على المرأة في الجزائر خلال الآونة الأخيرة، نجد تعدد أساليب وطرق القتل، فواحدة تُقتل طعناً باستعمال آلة حادة، وأخرى ذبحاً أو حرقاً، وهو الأسلوب الشائع والجديد، وقد يتحول إلى ظاهرة إذ لم يتم احتواء مثل هذا النوع من الجرائم.

والواقع أن عدد النساء اللواتي قتلن منذ بداية العام الجاري بلغ 27 جريمة قتل، آخرهنّ فاطمة الزهراء بن شيخة، حسب آخر الإحصائيات التي نشرتها Féminicides Algérie، وهي تعتبر أبرز صفحة على فيسبوك مخصصة بحصر جرائم قتل النساء في الجزائر.

بينما تشير آخر التقارير الرسمية الصادرة عن الشرطة الجزائرية، إلى أن أكثر من ثمانية آلاف قضية تتعلق بالعنف ضد المرأة والبنات خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام 2021، ومن إجمالي الحالات التي تم تسجيلها ورصدها نجد 51% لها علاقة بالإهانة والتهديد، و38% اعتداءات جسدية، و4% تتعلق بالمساس بالحياة الشخصية للضحايا، بينما تم تسجيل 2% على أنها أفعال جنسية، فيما تتعرض 1% منهنّ للتحرش الجنسي.

وتطرح هذه الأرقام عدة تساؤلات حول أسباب ارتفاع جرائم قتل وتعنيف النساء في البلاد، وعمّا اذا كانت تستهدف النساء بشكل أكبر، خاصة وأنه لا يكاد يمر أسبوع واحد من غير أن تسجل قضية قتل أو اعتداء ضد النساء.

القانون غير كاف للردع

في تعليقها على الجريمة الأخيرة التي وقعت ضحيتها فاطمة الزهراء شيخة، كشفت الحقوقية والنائبة السابق في البرلمان الجزائري، فطيمة سعيدي، لرصيف22، أن "ارتكاب العنف ضد المرأة تقف وراءه أسباب متعددة، قد تكون عائلية، وفي هذه الحالة شدد القانون العقوبة بعد تعديل قانون العقوبات عام 2015، وفي حالة وقوع الجريمة بين زوجين انفصلا فإن العقوبة ستكون مشددة".

وبحسب فطيمة سعيدي، تكون أحياناً أسباب الجريمة انتقامية بسبب علاقات تتم خارج إطار الزواج، "ولعلّ العلاقات عبر وسائل التواصل الاجتماعي زادت الطين بلّة"، على حدّ قولها.

تابعت سعيدي بالقول: "القانون والعقوبات المسلطة غير كافية لمعالجة هذه الجرائم، فالمعالجة يجب أن تكون شاملة وفق دراسات اجتماعية تحليلية تحدد الأسباب بدقة وتقترح خطط تنفيذية، وترفع لكل القطاعات، سواء حكومية أو مجتمع مدنية، من أجل التقليص من رقعة الجرائم".

وكانت الحكومة الجزائرية قد أقرت تعديلات على قانون العقوبات، بهدف تشديد العقوبة في الجرائم التي استفحلت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، ومن بين ما أقرته المعاقبة على الاختطاف بالسجن المؤبد أو الإعدام إذا أفضى إلى القتل.

وتعليقاً على هذه النقطة، قالت سعيدي: "الوضع الحالي يتطلب وضع خطط مستعجلة من أجل حل مشكلة البطالة وأزمة السكن والفقر وتدني مستوى المعيشة، لأن نشوء الجيوب السكانية الفقيرة تعشش فيها الجريمة بمختلف أنواعها".

واقترحت النائبة السابقة في البرلمان الجزائري تشجيع الصلح والوساطة سواء بين أفراد العائلة الواحدة أو بين عوائل مختلفة، وهذه الأمور يتكفل بها المجتمع المدني وأئمة المساجد، وأيضاً وضع خطة خاصة بالعلاقات وضبطها وفق المعايير الشرعية، لأن الفوضى في العلاقات والعلاقات المشبوهة عبر وسائل التواصل الاجتماعي سببت الخيانة الزوجية، وامتدت في كثير من الأحيان إلى القتل أو الانفصال بدرجة أقل، وفق ما شرحت: "إن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي أصبح يعد من أبرز الأسباب التي تؤدي إلى وقوع جرائم القتل، وتكون عادة تحت مبرر الخيانة الزوجية".

وأضافت: "تكمن المصيبة الأكبر أيضاً في تدهور القيم التي شهدت اضمحلالاً كبيراً داخل المجتمع الجزائري، ومن الضروري إعادة بعث القيم المجتمعية التي تركز على الاحترام المتبادل بين الرجل والمرأة والتعاون والتسامح، خاصة وأن مؤسسة الأسرة هي مؤسسة حوار واحترام وليست مكاناً للصراعات والتسلّط والقهر، وتضمن هذه المفاهيم وغيرها في المناهج التعليمية وخصوصاً في المراحل الأولى للتعليم".

"إن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي أصبح يعد من أبرز الأسباب التي تؤدي إلى وقوع جرائم القتل، وتكون عادة تحت مبرر الخيانة الزوجية"

بدورها، قالت الدكتورة مليكة حيون، الباحثة في علم الاجتماع، لرصيف22: "إن الجريمة التي وقعت في بلدة بني مسوس هي بمثابة آلية للإنذار المبكر حتى ندق ناقوس الخطر كي نتمكن من استرجاع مقومات المجتمع السوي".

وتابعت بالقول: "المجتمع الجزائري تغير وعاش تحولات عديدة على مستوى المبادئ والتربية والأخلاق، وقضية الجريمة واستباحة الدم في مجتمعنا أصبحت لأسباب مختلفة وكثيرة، منها التفتح الخاطئ على الخارج والتأثير بثقافة العنف، خاصة في المجتمع الأميركي، حيث الجريمة مستباحة ومتداولة بصورة تقريباً طبيعية، وإذا حاولنا فهم أو تحليل الجريمة في بلادنا فأغلبها تكون تحت تأثير المخدرات أو أمراض نفسية مختلفة".

وفي تحليلها لجريمة قتل فاطمة الزهراء شيخة من وجهة نظر علم الاجتماع، قالت الدكتورة مليكة حيون: إن "حالات الجريمة للممرضة بني مسوس أو غيرها تجد دوافع وأسباب لتحفيز الجريمة، أبرزها سوء المعاملة مع المجرم الخفي الذي حتى هو لا يعلم أنه قد يقدم على ارتكاب جريمة"، هذا واستدركت بالقول: "الأمر المؤكد أن هذا لا يبرر الجريمة، فالفرد الجزائري أصبح في حاجة ماسة إلى من يحتويه في المستشفيات والمصالح العامة".  


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard