شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
إليك طريقة تحضير المعكرونة بصلصة الحكمة

إليك طريقة تحضير المعكرونة بصلصة الحكمة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة

الجمعة 1 يوليو 202210:56 ص

ببساطة، دائماً نتناول المعكرونة بالصلصة الحمراء، سواء مع الطماطم أو دبس الطماطم. فكرة تجربتها بصلصة أخرى لم تكن واردةً، ليس لأي سبب سوى أن رؤوسنا دائماً تتجه صوب طناجرنا، أما صحون الآخرين وطناجرهم ... فبسيطة، لا تهمنا.

أنا التي بدأت بالطبخ في الفترة نفسها التي اعترضتُ فيها على أن المرأة تنتمي إلى المطبخ والأعمال المنزلية، تحولت إلى مراقِبة لردود أفعال كل من يتذوق طبخاتي.

أعتقد أن أمي تعلمت الصلصة الحمراء من جدتي التي تعلمتها من إحدى نساء العائلة بدورها، واقتنعت بأنها الطريقة الوحيدة لصنع المعكرونة. لذا، ذات مرة حين كنت أحاول أن أطبّق وصفة المعكرونة بالصلصة البيضاء التي شاهدتها، لم توفر جهداً في سؤالي عن سبب كل خطوة أقوم بها: "ليش الزبدة؟"، و"ليش الحليب؟"....

مؤخراً، أدركت أن العادات المجتمعية التي نتشدد فيها تتضمن الطبخ وطرقه، والخروج عن الذوق العام في الأكلة المفضلة ليس مقبولاً دائماً، بالرغم من أنني اقتنعت يوماً ما أن بإمكاني أن "آكل على ذوقي"، طالما "ألبس على ذوق اللي حواليي"، حسب المثل السائد.

عشرات الأنواع من المعكرونة، وما زلنا نستسهل الصلصة الحمراء، لأنها الشكل الوحيد للمعكرونة التي نعرفها، والأسهل لجعلها ألذ حسب الأعراف المحلية بالإضافة إلى الكثير والكثير من اللحمة.

أعتقد أن ملخص ما حصل في السنوات الأخيرة هو ببساطة يشبه هذا الأمر؛ تخيّل/ ي دخول والدك/ والدتك إلى مطبخ بيت في قارة مختلفة، يقترب/ تقترب من الغاز للاطلاع على محتوى الطنجرة، فتصدمه/ تصدمها الرائحة مثلاً، لكنها محببة أو قابلة لأن تكون كذلك.

لنجرب الطبخة إذاً.

المصطلحات المطبخية هي غالباً طريقتي المفضلة في التعبير، وهي طريقة دارجة في الكردية إلى حد ما. للشخص البارد في تعامله نقول: "فلان ملحه قليل"، أو "من دون ملح"، وفلان لا ينهضم

بالرغم من أن جملة "جيل التغيير" تحولت إلى كليشيه مؤخراً بسبب التكرار التحفيزي المفرط والبليد في نظري، إلا أن الأمر صحيح. على الأقل تغيير المطبخ. القصة تكمن في تقبل طناجر الآخرين، فمحتواها، أردنا أو لم نرِد، صورة لاختلافاتنا. وبديهي أن السنوات الأخيرة ترينا محتويات عدد لا نهائي من الطناجر.

المصطلحات المطبخية هي غالباً طريقتي المفضلة في التعبير، وهي طريقة دارجة في الكردية إلى حد ما. للشخص البارد في تعامله نقول: "فلان ملحه قليل"، أو "من دون ملح"، وفلان لا ينهضم. أنا التي بدأت بالطبخ في الفترة نفسها التي اعترضتُ فيها على أن المرأة تنتمي إلى المطبخ والأعمال المنزلية، تحولت إلى مراقِبة لردود أفعال كل من يتذوق طبخاتي.

الطبخ خبرة مكتسبة، تبدو مهمةً لي بقدر أي خبرة أكاديمية أخرى.

في السنوات الأخيرة، كان المطبخ هو المكان الذي أمارس فيه طقوس عزلتي بامتياز. أنا المحاربة للأنماط المكررة علمت أن المطبخ خيار فردي، وأن من قال جملة "المرأة مكانها المطبخ"، ضيّق الأفق. ربما كانت فكرة صنع وجبة جديدة كل يوم مرهقةً لوالدتي، إلا أنني، بالأخص في الفترات التي أكون فيها عاطلةً عن العمل، أجرّب إبهار كل من حولي بقدراتي المطبخية.

أوكي... يرى البعض أن محاولة الإبهار بالقدرات المطبخية أيضاً أمر نمطي ونقطة ضعف، لكنني متأكدة من أنني أطبخ اليوم بشكل مختلف تماماً عن طريقة طبخي عندما كنت طالبةً جامعيةً تضع كل شيء في الطنجرة وتضيف الملح. اليوم خيارات التوابل أكبر، وأسباب الطبخ مختلفة. الطبخ ببساطة نشاط للاسترخاء، ووقت مستقطع من اليوم لسماع قصائد وديع سعادة في أثناء حفر الكوسا، أو سماع حلقة جديدة من حكم العدالة في أثناء تقطيع الجزر.

الطبخ خبرة مكتسبة، تبدو مهمةً لي بقدر أي خبرة أكاديمية أخرى، ففي الوقت نفسه الذي رمت والدتي فيه مئزر المطبخ، في محاولة منها لأن تكون امرأةً بعيدةً عن انشغالات المرأة الشرقية اليومية، وأن تكون نسويةً حسب مفهومها، ارتديته أنا

الطبخ خبرة مكتسبة، تبدو مهمةً لي بقدر أي خبرة أكاديمية أخرى، ففي الوقت نفسه الذي رمت والدتي فيه مئزر المطبخ، في محاولة منها لأن تكون امرأةً بعيدةً عن انشغالات المرأة الشرقية اليومية، وأن تكون نسويةً حسب مفهومها، ارتديته أنا، لأن فلسفتي كانت تحاول تحقيق هدفها ذاته؛ هي حاولت أن تعرف نفسها خارج المطبخ، وأنا في كل مرة أتعرف على نفسي داخله.

خلاصة الأمر أن السنوات الأخيرة كانت سنوات لممارسة خياراتي المتاحة التي وفرتها ظروف مناطقنا الجديدة، ووفرتها لنفسي. الطبخ كان أحد الخيارات، علمت من خلاله أن الأحكام متجددة ومتبدلة، وأن أي نشاط يومي وأي هواية نمارسها، ليست بالضرورة معبرةً عن قوة في شخصياتنا أو ضعف. هي ببساطة طريقنا إلى الاسترخاء والشعور بالرضا تجاه ذواتنا، ومن الممكن جداً أن تكون المعكرونة بالصلصة البيضاء، هي معكرونة بالفلسفة أو معكرونة بالحكمة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image