أثارت تصريحات الداعية الإسلامي الدكتور مبروك عطية، أستاذ الشريعة في جامعة الأزهر، التي جاءت عقب حادثة مقتل طالبة جامعة المنصورة نيرة أشرف، حالة من الغضب والاستياء الشديدين، لا سيما في أوساط النسويات والمدافعين عن حقوق المرأة وحقوق الإنسان، إذ اُعتبرت تحريضاً صريحاً على العنف ضد النساء بل قتل غير المحجبات وغير المسلمات.
تحت وسم #أنا_الضحية_القادمة أطلقت صحافيات وناشطات حقوقيات، مساء الثلاثاء 21 يونيو/ حزيران، بياناً للرد على تعلقيات محرضة صادمة تؤيد القتل وتدعو للاغتصاب كتبها مرتادون لشبكات التواصل الاجتماعي تعليقاً على جريمة قتل الطالبة نيرة أشرف. وأشار البيان صراحة إلى الدور الذي يلعبه بعض نجوم الفضائيات والإنترنت من شيوخ الفتوى الذين تحرض فتاويهم على النساء وتثير العداء ضدهن وتحملهن مسؤولية ما يقع عليهن من جرائم، وأبرز هؤلاء الشيوخ عبدالله رشدي ومبروك عطية.
وندد البيان بما يراه دوراً للداعية عبد الله رشدي "في تطبيع الخطاب التحريضي على العنف تجاه النساء من خلال كتاباته على السوشيال ميديا"، وتصريحات مبروك عطية تعليقاً على الواقعة إذ قال في أحدها: "لو حياتك غالية عليكي اخرجي من بيتك زي القفة"، التي "تبيح قتل النساء وتبرر للجاني فعلته" بحسب البيان.
على طول تاريخ التقاضي المدني في مصر دأب "الإسلاميون" على اتسخدام القانون في مهاجمة من يختلفون معهم كآداة تجاور أدوات التحريض التقليدية ضد المفكرين والكتاب والحقوقيين
لم يتوقع الداعية مبروك عطية ما قوبلت به تصريحاته من غضب واسع، ما دفعه لإعلان اعتزال الظهور الإعلامي، إلا أنه تراجع عن قرار الاعتزال وبث عدداً من الفيديوهات قبل أن يعاود الظهور على شاشة التلفزيون. إلا أن ظهوره جاء مصحوباً بمحاولات للاعتذار والتوضيح لم يقبلها الغاضبون والغاضبات من تصريحه السابق.
الهجوم والغضب على كلام الداعية لم يكونا التحرك الوحيد غير المسبوق، إذ بدأت مجموعات حقوقية في اتخاذ تحركات قانونية ضد الشيخين، كون التحريض علي العنف مجرماً طبقاً للقانون المصري.
وكان البيان الذي حصد نحو ألف توقيع من نشطاء ومواطنين معنيين، قد وجه اتهاماً للشيخين بارتكاب جريمة التحريض "لأنه يتمثل في بث التصميم أو التشجيع أو دفع شخص أو عدة أشخاص بأي وسيلة كانت، بهدف تنفيذ جرائم عنف، ويستوي هنا أن يكون التحريض مباشراً أو غير مباشر، فردياً موجهاً لشخص بعينه، أو تحريضاً عاماً موجهاً إلى جماعة غير محدودة من الناس".
بلاغات غير مسبوقة
على طول تاريخ التقاضي المدني في مصر دأب "الإسلاميون" على اتسخدام القانون في مهاجمة من يختلفون معهم كآداة تجاور أدوات التحريض التقليدية، ورغم إلغاء قوانين الحسبة، وجعل النيابة العامة صاحبة حق وحيد في تحريك الدعاوى ضد الأفراد في قضايا التحريض أوالإساءة، دأب المتشددون على التقدم ببلاغات إلى النيابة العامة ضد المفكرين والكتاب والحقوقيين، ما يجعل من تقدم الفئة الأخيرة ببلاغات ضد الدعاة النحرضين سابقة تستحق التسجيل.
تحركات قانونية وبرلمانية لاستصدار قانون موحد ضد العنف يضمن معاقبة المحرضين باسم الدين
من ناحية أخرى، شنت المحامية الحقوقية نهاد أبوالقمصان، رئيسة المركز المصري لحقوق المرأة، والعضوة في المجلس القومي لحقوق الإنسان هجوماً حاداً على مبروك عطية، متهمة إياه بارتكاب مجموعة من الجرائم خلال تعليقه، معلنة التقدم ببلاغ للنائب العام ضده، يتضمن ثلاث تهم تضم دعوته لتعطيل الدستور، وازدراء الدين الإسلامي، والثالثة مرتبطة بجرائم الانترنت.
بعدها مباشرة، أعلنت مايا مرسي، رئيسة المجلس القومي للمرأة، التقدم ببلاغ للنائب العام ضد عطية، متهمة إياه بإطلاق تصريحات "غير مسؤولة" تحرض على تلك الجرائم، في إشارة لجرائم قتل النساء والاعتداء عليهن. وأضافت مرسي: "خرج علينا الشيخ مبروك بخطاب يرهب بنات مصر وسيداتها، رغم أنه لا يوجد مظهر ولا ملبس يبرر جريمة، كما أن لدينا قانوناً يحمينا ونظام عدالة يحمينا".
هل تحرك النيابة البلاغات؟
يحظى الشيخ مبروك عطية باهتمام خاص من وسائل الإعلام الرسمية في مصر، لا سيما مع حرص الرئيس عبدالفتاح السيسي على متابعة فقراته وإجراء مداخلات خلالها، ما قد يخلق لعطية "حصانة عرفية" ضد الملاحقة القانونية.
وكانت الباحثة وفاء عشري العضوة في الهيئة التأسيسية لحزب العيش والحرية قد تقدمت ببلاغ رسمي ثالث إلى النائب العام صباح الخميس، تضامنت فيه حقوقيات ومحاميات وناشطات نسويات ضد مبروك عطية و"ما انطوت عليه رسالته المصورة من تحريض ضد النساء" في معرض "تبريره لما فعله الجاني في الجريمة البشعة في حق الطالبة نيرة أشرف، وإيجاد الأعذار لكل شاب أو رجل يتعرض للفتيات في الشوارع"، ودعت العشري في حديثها لرصيف22 كل مهتم إلى التقدم ببلاغات أخرى كي يكون هناك تحرك فعلي ضد التحريض على النساء باسم الدين.
بلاغات الضحايا في الأدراج
تشير المحامية الحقوقية نسمة الخطيب، مؤسسة مبادرة "سند" للدعم القانوني للنساء، إلى أنه عقب واقعة نيرة تلقت الحملة بلاغات من فتيات تعرضن للتهديد بأن يلقين مصير نيرة من ذكور يقومون بابتزاهن، وأن الصحافية هند مختار تواصلت معها لتصوغ بيان النسويات الذي لقي تضامناً واسعاً، وأنها حولته لعريضة عبر الانترنت وقع عليها ألف مواطن ومواطنة، الكثير منهم غير منخرطين في العمل الحقوقي.
وتؤكد الخطيب لـرصيف22 أن نيرة "تقدمت بأربعة بلاغات ضد القاتل" – ثلاثة وفقاً لوالد الضحية-، و"كان هناك تراخٍ من السلطات الأمنية في حمايتها حتى تعرضت للقتل". في إشارة إلى تقدم الضحية وعائلتها ببلاغات لمنع التعرض ضد قاتلها. وبيِّن رصيف22 في تقرير سابق الوضع القانوني لمثل تلك البلاغات وكونها لا ترتب مسؤولية الحماية على جهات الأمن وفقاً للقانون المصري.
وشددت على أن هناك العديد من الفتيات مثلها يتقدمن ببلاغات مصيرها التجاهل، رغم أنهن، مثل نيرة، معرضات للقتل. ولفتت إلى ارتفاع معدلات العنف ضد النساء بشكل كبير ولا سيما العنف الأسري وبعضه يتحول لجرائم قتل واغتصاب.
وتشيد الخطيب بحديث نهاد أبوالقمصان وبلاغها ضد د. مبروك عطية بسبب تحريضه على العنف، مؤكدة أنه كانت له تصريحات كثيرة مسيئة للنساء وتزيد الفجوات والتمييز ضد النساء، لكن تلك المرة جاءت عقب جريمة قتل.
مشروع قانون
بدورها ترى عزة سليمان، وهي محامية ومدافعة عن حقوق الإنسان، أن الحملات التي تقوم بها النساء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تبقى واحدة من الأدوات لمطالبة الدولة بحماية النساء اللواتي يشعرن بالخوف والاستباحة في وطنهن، إلا أنها لا تكفي من دون وجود تشريعات صارمة تضمن حماية النساء.
وأعادت التذكير أن نيرة وذويها تقدموا ببلاغات في قسم الشرطة ضد الجاني، لكن لم يتم التحرك ضده، وأنها "ليست البنت الأولى والأخيرة، لوجود خلل تشريعي في حماية النساء من العنف"، مشيرةً إلى أن عدداً من المؤسسات الأهلية تقدمت بمشروع قانون موحد ضد العنف، وتبنّته النائبة نادية هنري من قبل، وتتبنّاه حالياً البرلمانية نشوى الديب.
وتؤكد سليمان أن المحامية عزيزة الطويل تقدمت ببلاغ إلكتروني للنيابة العامة ضد مبروك عطية، وأنه تم الرد عليها بأنه جاري الفحص، كما دعت النساء والرجال للتقدم ببلاغ مثلها، وتشيد عزة ببلاغي نهاد أبوالقمصان والمجلس القومي للمرأة، فيما تحمّل الأخير مسؤولية العمل على تغيير السياسات، والتحدث مع الحكومة لتوضيح الخلل التشريعي القائم في مسألة الحماية بموجب محاضر عدم التعرض المقدمة من النساء، والمطالبة بقانون موحد ضد العنف.
وترى سليمان أنه لا بد من "أن يكون هناك وعي لدى العاملين بالشرطة والنيابة، ووجود تعميم لدى وحدة مواجهة العنف بكافة أقسام مصر وليس في وزارة الداخلية فحسب".
جرائم قتل النساء تزداد فجاجة وعنفاً
في حديثها لرصيف22، تؤكد آية منير، الناشطة النسوية ومؤسسة حركة سوبر وومن، والتي أطلقت حملة #أنا_الضحية_القادمة، بالتعاون مع حركات نسوية من بينها، براح آمن، أن الحملة جاءت اعتراضاً على تكرار جرائم قتل النساء "التي تزداد فجاجة وعنفاً"، مطالبة بتشريع قانون واضح للعنف ووجود جهات تنفيذية صارمة "لا تتهاون أو تتجاهل أي بلاغ". وأضافت: "توجد عشرات الحكايات في دوائرنا لبنات، يتم استهدافهن وتهديدهن وابتزازهن بصور وحسابات مزيفة مقابل طلبات معينة جنسية او مادية"، مذكرةً بحادثة انتحار الطفلة بسنت خالد بسبب الابتزاز.
وترى آية أن التحريض على السوشيال ميديا يعكس حال المجتمع. وعلى عكس ما يقال إنه غير حقيقي وإن الشارع مختلف، فهناك من تعاطفوا مع القاتل وخلقوا له مبررات تحت شعار الحب، مشددةً على ضرورة وجود قانون أشد صرامة كعقوبات للتحريض وتحرك أمني مباشر واستخدام الدولة حقها في الحد من التحريض ضد مواطن. واستشهدت بواقعة مجموعة التليغرام التي كانت تستهدف النسويات.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...