منفعلةً وصدامية، كما بدت دائماً، ظهرت نوال السعداوي في مقابلة لها مع "بي بي سي" أُذعيت قبل رحيلها في 2018، ترد على أسئلة مقدمة البرنامج حول مواقفها من النظام الحاكم في مصر. بيقين واضح، كانت السعداوي تؤيد ثورة يناير 2011 ناقدةً دور المجلس العسكري ورئيسه محمد حسين طنطاوي، ثم ما تلبث أن تكيل المديح للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، متهمةً القناة بخدمة "أجندات غربية".
ويمتد الجدل بين السعداوي والصحافية المحاورة، حتى تكشف لنا النسوية المصرية الأكثر شهرةً أن موقفها من السيسي نابع من أنها وجدت في عهده مساحةً للكتابة والتعبير لم تجدها في العهود السابقة.
هذا الملمح الذاتي في مواقف السعداوي مفتاح مهم في فهم شخصيتها ومواقفها السابقة، ذلك أن جرأتها التي واجهت بها على مدى عقود المؤسسات الدينية والقوى المحافظة في قضايا المرأة، هي في المقام الأول وليدة مزاج شخصي يخفي خلفه كبرياء و"إيغو" متضخمين. وهذا المزاج هو الذي طبع علاقة السعداوي بتونس منذ أول احتكاك بها أواخر سبعينيات القرن الماضي.
نقد النسوية البورقيبية
عام 1978، زارت نوال السعداوي تونس للمرة الأولى. كانت حينذاك تعمل على بلورة حلمها في تأسيس "جمعية تضامن المرأة العربية" وهي المنظمة التي سترى النور في بداية الثمانينيات وستقتلع اعترافها القانوني من الدولة المصرية بعد معركة صحافية عاصفة ما زالت بقاياها في أرشيف الصحافة المصرية. كانت السعداوي تبحث عن ناشطات نسويات تونسيات لضمهن إلى المنظمة التي كانت تحلم بأن توحّد تحت سقفها العالي عموم النسويات العربيات، وقد نجحت في وقت لاحق في ذلك الأمر إلى حد ما، إذ ضمت أسماء معروفة في النضال النسوي كالمغربية فاطمة المرنيسي والمصرية عطيات الأبنودي ولطيفة الزيات والسعودية فاطمة بكر وغيرهن.
لكن مساعي السعداوي في تونس انتهت إلى الفشل، ذلك أن خطابها النسوي كان بعيداً عن السقف العالي الذي كان يدور في فلكه الخطاب النسوي التونسي. إلى ذلك الوقت، كان خطاب السعداوي النسوي والخطاب النسوي المشرقي عموماً يدور أساساً حول قضايا الأحوال الشخصية وعقلية "الشرف''، لاعتبارات واقعية تتعلق بأوضاع مدوَّنات الأحوال الشخصية في مصر وفي أغلب الدول العربية، والتي كانت تعتبر المرأة مجرد تابع للرجل من خلال حقوق مختلة في مسائل الطلاق وتعدد الزوجات والولاية على الأطفال والحضانة، إلى جانب شيوع ثقافة ربط النساء بالشرف وما ينجم عنه من ممارسات قاسية كالختان وجرائم الشرف وغيرها. في المقابل، كان الخطاب النسوي في تونس في الوقت نفسه قد تجاوز هذه المسائل منذ عقود وشرع في إثارة الجدل حول قضايا المساواة التامة بين الرجل والمرأة وقضية حق المرأة في المشاركة السياسية، ليس فقط في معسكر النظام الحاكم، بل في مواجهة النظام في صفوف المعارضة.
كانت روافد الحركة النسوية التونسية الجديدة في السبعينيات سياسية بالأساس، إذ تتحدر أغلب قياداتها من الاتحاد العام لطلبة تونس ومن المنظمات اليسارية الراديكالية التقليدية كالحزب الشيوعي التونسي، أو منظمات اليسار الجديد الثورية كـ"العامل التونسي" أو "التيار الوطني الديمقراطي" (الماوي). وكانت مراجع هذه الحركة النظرية غربيةً بالأساس، لا سيما الفرنسية لجهة المشترك الثقافي الفرانكفوني.
هذا الفارق في الأهداف والمنطلقات بين خطاب نوال السعداوي وبرنامجها من جهة، وبين "النسوية التونسية "الجديدة وبرنامجها أحدث منذ الاحتكاك الأول بينهما حالةً من التوتر، ستطبع علاقة السعداوي بتونس لسنوات لاحقة. فالسعداوي لم تكن تفسر هذا الفارق الزمني في سقف المطالب وطبيعة الخطاب النسوي خارج فكرة هيمنة الدولة على النسوية التونسية، أي أن هذه المكاسب النسوية في مسائل الأحوال الشخصية والتي قدمتها الدولة في شكل تشريعات جديدة في أعقاب الاستقلال منذ عام 1956 لا تعبّر أبداً عن أن النظام السياسي الحاكم "نسوي" بقدر ما تعبر عن انتهازية سياسية في استغلال قضايا المرأة، من خلال نزعة أبوية في منح الحقوق، للظهور بمظهر حداثي وديمقراطي.
هذا التفسير الذي تبنته السعداوي، والذي كان سائداً لدى قطاع واسع من اليسار التونسي الثوري خلال الستينيات والسبعينيات، سيظهر بوضوح في أول صدام لها مع السلطة السياسية في تونس، وتحديداً مع الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة في عام 1986. تروي السعداوي في مقابلة صحافية أجرتها في تونس بعد الثورة وقائع ذلك الصدام قائلةً: "في زيارة لي لتونس زمن بورقيبة، أجرى مسؤول إعلامي حواراً معي، سألني فيه: كيف ترين المرأة التونسية في عصر بورقيبة وقد كنت، في ذلك الوقت، ألاحظ كيف يرفع الإعلام في تونس، كما في مصر وفي البلاد العربية، رئيس الدولة إلى مصاف الآلهة فأصبح بورقيبة هو السبب الوحيد في تحرر المرأة. فأجبته أن جهود المرأة التونسية على مدى العقود والسنين هي التي حررتها فرئيس الدولة لا يحرر شعباً. بالصدفة، شاهد بورقيبة هذا الحوار على الشاشة، فغضب غضباً شديداً لعدم قدرة هذا المسؤول على جعلي أعترف بأن بورقيبة هو محرر المرأة. استدعى بورقيبة هذا المسؤول وصفعه على وجهه، ثم أصدر قراراً بخلعه من منصبه، كما أصدر أمراً بأن نوال السعداوي غير مصرح لها بدخول تونس واستمر هذا القرار سائداً في عهد (زين العابدين) بن علي".
ومع أن الأمر لم يصل إلى الصفع، بحسب مبالغة السعداوي، كما يروي الصحافي التونسي ماهر عبد الرحمان في مذكراته عن الإذاعة التونسية، "يوميات حامل ميكروفون"، إلا أن مقابلة السعداوي فجرت فعلاً غضب بورقيبة وأرسلت مدير الإذاعة والتلفزيون التونسي حينذاك، عبد العزيز قاسم، إلى بيته معزولاً. كان بورقيبة يعتبر ملف تحرير المرأة مسألة شخصية، ملكية يحتكرها، حتى أنه أوصى بأن ينقش على قبره "باني تونس الحديث ومحرر المرأة"، لذلك كان لدخول نوال السعداوي إلى هذه المنطقة بالنسبة إليه تجاوزاً للمحظور.
ورغم الطابع الشخصي الذي أخذته الخصومة بين بورقيبة والسعداوي، باعتبارهما يمتلكان الخصال الشخصية نفسها من تضخم الأنا والاعتداد بالرأي والنفس، إلا أن نقد نوال السعداوي للنسوية البورقيبية الدولتية كان فيه الكثير من الوجاهة. فالنظام التونسي لم يكن نسوياً إلا بدافع الضرورة السياسية ولإخفاء العجز الديمقراطي الذي يبدو أنه يرغب في تعميقه، دون التقليل من قناعات بورقيبة الحداثية، ولكنها حداثة ذات ثوب وضعي يقوم على تضخم دور الدولة والمجتمع والتقليل من شأن الفرد. وقد أدى ذلك إلى نوع من استغلال قضية تحرير المرأة في التغطية على قضية الديمقراطية السياسية والحريات.
كانت نوال السعداوي ترى أن المكاسب النسوية في مسائل الأحوال الشخصية والتي قدمتها الدولة التونسية في شكل تشريعات جديدة في أعقاب الاستقلال منذ عام 1956 لا تعبّر أبداً عن أن النظام السياسي الحاكم "نسوي" بقدر ما تعبر عن انتهازية سياسية في استغلال قضايا المرأة
كما لا بد من الإشارة إلى أن النظام لم يكن في أي وقت مستعد لتخطي حدود مسألة "التحرير" ولم يكن يرى من المفيد عبور حدود معيّنة أو عزل القطاعات الأكثر محافظةً في المجتمع في ظل تشكيلات اجتماعية لا تزال شديدة الارتباط بالهياكل الأبوية.
لكن السعداوي لا تغفل عن الإشارة إلى أن فشلها مع النخب والسلطة التونسية لم يكن مانعاً لها من اكتساب شعبية لدى عموم التونسيين. تقول: "التونسيون قرأوا كتبي ورواياتي، يأتون بالآلاف لسماع محاضراتي، في إحدى المرات تعطل المرور في تونس بسبب الزحام على المحاضرة، مما دعا المنظمين إلى تغيير وقتها ومكانها، فاستقل الناس القطارات لحضورها فى جامعة القيروان، كان ياسر عرفات (يومئذ) في اجتماع بتونس مع قيادات عربية، منهم وزير الإعلام في عهد (جمال) عبد الناصر، قال لي محمد فائق: كانت محاضرتك حديث تونس، وياسر عرفات قال إن شعبيتك في تونس مثل أم كلثوم، وقلت: شعبية أي كاتب (أو كاتبة) لا تقارن بشعبية لاعب كرة أو راقصة أو مطربة عادية فما بال أم كلثوم كلها؟".
العلاقة الغائمة ببن علي
بعد عشرة أيام من هروب زين العابدين بن علي إلى المملكة السعودية، نشرت نوال السعداوي مقالاً في جريدة "المصري اليوم"، تحت عنوان "نساء تونس ونجاح الثورة الشعبية"، سيُضم لاحقاً إلى مقالات أخرى ضمن كتاب "امرأة تحدق في الشمس"، قالت فيه: "منذ تولى بن علي الحكم فى تونس زادت الديكتاتورية شراسة تحت اسم الديمقراطية، بالضبط كما حدث منذ عصر أنور السادات في مصر، مع الانفتاح على بضائع أمريكا وإسرائيل، تم اعتقال أو نفي أصحاب الفكر الإبداعي الحر خارج البلاد وداخلها، الخديعة الطبقية الأبوية الاستعمارية، تحت اسم الديمقراطية والليبرالية الجديدة (...) وطوال عهد بن علي لم أدخل تونس، كنت أتلقى دعوات من الشعب التونسي نساء ورجالاً".
لكن ذلك لم يحدث أبداً. فبعد رحيل الحبيب بورقيبة عن السلطة في أعقاب إنقلاب السابع من تشرين الثاني/ نوفمبر 1987 رفع حظر الدخول عن نوال السعداوي إلى تونس، لتستأنف منذ عام 1989 زياراتها إلى تونس، وكانت المحطة في الندوة الدولية لمهرجان قابس الدولي، والذي ألقت خلاله محاضرة عن حقوق المرأة، وشاركت في حلقات نسوية في نادي الطاهر الحداد في العاصمة تونس.
وتشير الباحث التونسية زهرة الجلاصي في مقال نشرته عام 1999 حول "تحولات قضية المرأة عبر أطوار الموضوع والذات" إلى أن السعداوي "رغم خيبة أملها السابقة من تونس إلا أنها عادت من خلال ندوات مهرجان قابس لكن الجمهور لقنها درساً خلال حلقة النقاش حيث أدركت إفلاس خطابها، لكنها لم تيأس، فقد حاولت استقطاب نسويات ومثقفات في جلسات نادي الطاهر الحداد قصد تأسيس فرع جمعية تضامن المرأة العربية التي ترأسها إلا أنها لم تلق أي تجاوب يذكر فاكتفت بترويج العدد صفر من مجلة ‘نون’ التي كانت تديرها مع زوجها شريف حتاتة وابنتها منى حلمي".
جاءت زيارة السعداوي في ذلك الوقت، في سياق حالة انفتاح كانت تعيشها تونس، بعد انقلاب 1987. كان نظام بن علي يخوض صراعاً ثقافياً مع الحركة الإسلامية، ولكن لم تصل ذروة الصراع حينذاك إلى مرحلة الصدام والقمع. ودأب النظام الجديد على استدعاء مثقفين علمانيين لمواجهة المد الإسلاموي، وقد زادت وتيرة هذه الدعوات بعد عام 1991 عندما انطلقت المعركة المفتوحة بين الدولة وحركة النهضة.
وإلى جانب نوال السعداوي، قدم إلى تونس الكاتب فرج فودة محاضراً في نقد الإسلام السياسي، فيما كانت كتبه تلقى رواجاً كبيراً، كما منح بن علي، عام 1993، وسام الاستحقاق الثقافي للمفكر المصري نصر حامد أبو زيد في عز محنته التي كان يعيشها في مصر بسبب تكفيره وإقامة دعوى قضائية للتفريق بينه وبين زوجته الدكتورة ابتهال يونس.
جيل النسويات اللواتي عرفتهن نوال السعداوي في تونس لم تعش أي واحدة منهن في مجتمع تسود فيه عادة ختان الإناث ولا الطلاق الشفوي ولا غيرها مما عاشته وما زالت تعيشه قطاعات واسعة من النساء في العالم العربي
رغم تأكيد السعداوي على أنها لم تدخل تونس طوال عهد بن علي، إلا أنه من خلال أرشيف الصحافة التونسية وأرشيف الملتقيات الفكرية والثقافية التونسية يمكن الجزم بأنها زارت تونس مرتين على الأقل، إن لم يكن أكثر، الأولى في عام 1989 والثانية في أيار/ مايو 2001 في ملتقى المبدعات العربيات في مدينة سوسة الساحلية، وقد خصتها وسائل الإعلام التونسية بعناية واضحة كما أفردت لها مجلة الحياة الثقافية، المجلة الثقافية الرسمية للدولة، حواراً طويلاً على ثلاثة عشر صفحة أجراه الصحافي المعروف الحبيب جغام على شرفة غرفتها المطلة على البحر في أحد فنادق ضاحية قمرت المخملية في العاصمة تونس.
وأشارت السعداوي في هذا الحوار إلى أن الملتقى عالج قضية العلاقة بين الأدب والسياسة وهل يمكن أن ينعزل الأديب في برجه العاجي أم تكون له مواقف سياسية؟ مؤكدةً أنها ترفض الفصل بين الأدب والسياسية والطب والتاريخ... ثم وجه لها الصحافي سؤالاً يبدو شجاعاً في ذلك السياق الذي تعيشه تونس قائلاً: "هل بإمكانك أن تناضلي وتغيّري هذه العقليات في مجتمعات تحكمها سلطات قوية بالمال والسلاح والعسكر؟"، فأجابت بأسلوبها المعروف في التصعيد دون أن تتجه إلى جوهر السؤال بجواب يبدو بيعداً عن الموضوع، لكن الحبيب جغام تجازوه ربما مخافة الوقوع في خصام مع السعداوي ذات المزاج الشخصي العصبي. قالت له: "أنا أقول إنني نجحت خلال نصف قرن في تغيير عقليات كثيرة وفي تغيير مفهوم الشرف وفي القضاء على ظاهرة ختان الأنثى... يعني أنا حاربت ضد ختان المرأة لمدة نصف قرن ثم أصدر وزير الصحة قراراً يمنع ختان الإناث... أنا حاربت ضد مفهوم الشرف المرتبط بالعذرية فقط".
ورغم أن جواب السعداوي كان بعيداً عن سؤال الحبيب جغام حول سلطة السلاح والعسكر التي تساهم بشكل مباشر في ترسيخ التحيّز ضد النساء من خلال البنى المحافظة الاجتماعية، إلا أن جوابها يكشف بوضوح عن سبب التوتر الذي ساد طويلاً بين السعداوي والنسوية التونسية، إذ بدت المنجزات الكبيرة التي تعتبرها نوال السعداوي أكبر ما حققته للمرأة المصرية والمشرقية بصفة عامة أشياء عادية جداً في تونس، ذلك أن جيل النسويات اللواتي عرفتهن نوال السعداوي في تونس لم تعش أي واحدة منهن في مجتمع تسود فيه عادة ختان الإناث ولا الطلاق الشفوي ولا غيرها مما عاشته وما زالت تعيشه قطاعات واسعة من النساء في العالم العربي. هذا الفارق النفسي جعل السعداوي مناضلة نسوية شديدة العادية في تونس، أي أنها لم تجد ذلك الانبهار بشخصها الذي عادةً ما وجدته في دول عربية، وهذا التفصيل الذاتي الصغير يبدو لي أنه ساهم في توتر علاقات نوال السعداوي بالتونسيات، فقد كان ذلك خادشاً لكبريائها.
الثورة تجبّ ما قبلها
عكس كثير من النخب العربية، دعمت نوال السعداوي بصوت واضح الثورات العربية. وطالبت بتمكين النساء التونسيات من مناصب في الحكومة الانتقالية منذ الأشهر الأولى، وأشادت بدور الحركة النسوية في تظاهرات خريف 2011 التي طالبت بدسترة حقوق المرأة بعد صعود حركة النهضة الإسلاوية إلى السلطة والخشية من تغييرات قوانين الأحوال الشخصية، حين كان قطاع واسع من الإسلاميين عائدون بقوة إلى سياسات أسلمة الدولة والمجتمع.
فقد كتبت في مقالها الأسبوعي في جريدة "المصري اليوم": "المرأة التونسية أكثر وعياً بحقوقها من المرأة المصرية، وأكثر شجاعة وقدرة على تنظيم صفوفها ضد المخاطر التي تهددها. لم تنتظر النساء التونسيات وقوع الانتكاسة، بل بادرن بمظاهرة للوقاية منها... المرأة التونسية تصون كرامتها أكثر من المصرية، لا يمكن أن يجمع زوجها في الفراش بينها وبين امرأة أخرى. تم تحريم تعدد الزوجات في القانون التونسي منذ سنوات كثيرة، لم يحدث هذا في بلدنا مصر. لماذا سبقت المرأة التونسية فى الوعي والتنظيم زميلتها في مصر؟ نظام التعليم في تونس أكثر تقدماً، المرأة التونسية لا تتعلم أن طاعة الزوج من طاعة ربها، وأن تعدد الزوجات أمر الله. تدرك المرأة التونسية أن الدستور الصحيح يؤدي إلى انتخابات صحيحة وليس العكس كما يحدث لنا في مصر. أين نحن النساء المصريات من هذا الوعى والتنظيم؟".
وتعبيراً عن تحسن العلاقة بينها وبين تونس، كتبت السعداوي بعد الثورة: "عندي ذكريات حميمة مع تونس، أشعر فيها أنني وسط عائلتي وأهلي، بلاد الخضرة ونضارة العقل وحرارة القلب. دولة تونس قررت تدريس كتبي ضمن المناهج في المدارس والمعاهد، وقرأها الشعب التونسي جيلاً بعد جيل، كانت كتبي حينئذ تصادَر في مصر، ويطاردني بوليس السادات ومبارك، ويوضع اسمي على قوائم الموت".
ثم ما لبثت أن جاءت إلى تونس في زيارة رسمية بدعوة من الرئاسة التونسية، وحظيت بتكريم من صديقها الحقوقي منصف المرزوقي، فيما رفعت جريدة الفجر، الناطقة باسم حركة النهضة الحاكمة حينذاك، عنواناً بارزاً في صفحتها الأولى :"نوال السعداوي، داعية الدعارة والشذوذ الجنسي". كان ذلك صادماً للرئيس التونسي، حليف حركة النهضة في السلطة، لكنه لم يؤثر كثيراً في مواقف السعداوي من حركة النهضة، والتي بدت متمايزةً عن مواقفها من الإخوان المسلمين في مصر. وقد عبرت عن ذلك بوضوح في مقال نشرته في ذلك الوقت بعنوان "إسلام مختلف في تونس؟" جاء فيه: "أقبلت نحوي وعانقتني بحرارة، قبل مغادرتها قاعة المؤتمر، وقالت: نورت تونس يا دكتورة نوال. قالوا (بعد خروجها) إنها السيدة ‘محرزية العبيدى’ النائب الأول لرئيس المجلس الوطني التأسيسي في تونس، تنم ملامحها عن الطيبة والحزم معاً، وجهها مستدير أبيض مبتسم يحوطه حجاب يخفي شعرها (...) يختلف الإسلام في تونس عنه في مصر أو السودان أو السعودية أو أفغانستان أو إندونيسيا أو غيرها من البلاد كما تختلف المسيحية، وأى دين آخر، من بلد إلى بلد''.
وقد عادت السعداوي إلى تونس في زيارة ستكون الأخيرة قبل وفاتها، ربيع العام 2015، واستقبلها الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي في لقاء رسمي بصحبة الشاعر السوري أدونيس، لتدعم لاحقاً في عام 2018 مشروعه بتقديم قانون المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة، والذي اعتبرته "خطوة جريئة يُحتذى بها". وعندما سئلت ما هو السبب في كون تونس أول بلد عربي مسلم يتخذ خطوة جريئة كهذه بشأن المرأة ؟ أجابت: "تونس سباقة بسبب الحركة النسائية المتواجدة بها، وهي بلد متقدم بسبب تاريخ الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، وأيضاً بسبب الفكر المتقدم للرئيس الحالي الباجي القائد السبسي. في الحقيقة تونس سباقة، ولكن أمامها خطوات كثيرة أيضاً"، في حالة من الاعتراف المتأخر بفضل "نسوية الدولة المؤساسية"، أو ما كانت تسميه بالنسوية الأبوية، على أوضاع النساء في تونس قياساً بدول الجوار العربي، أو ربما هو النضج، إذ كانت السعداوي في غمرة الشباب ترفض "المنح والعطايا التي يجود بها النظام السياسي الأبوي على النساء" كما كان يفعل بورقيبة، لكنها أدركت ربما أن هذه المنح تقوي موقع النساء في المطالبة بحقوق أكبر والتوسع في حركة النضال.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع