شُيّع قبل قليل جثمان الشابة الأردنية إيمان أرشيد (21 عاماً) بقريتها كفر الماء، جنوب غربي إربد، وذلك بعد أن توفيت متأثرةً بإصابتها بخمس رصاصات أطلقها صوبها مجهول - حتى الآن - عقب أدائها الامتحان في إحدى الجامعات الخاصة شمالي العاصمة الأردنية عمّان.
الجريمة بحق طالبة كلية التمريض جامعة العلوم التطبيقية هزت وجدان الأردنيين، وأثارت الفزع لا سيّما مع تأكيد الجامعة أن القاتل ليس من طلابها ودخل إلى الحرم الجامعي بلا هوية جامعية وهو يغطي وجهه، وظل متربصاً بالضحية حتى الخروج من الامتحان.
أصابت أربع من رصاصات المجرم إيمان في الصدر والرصاصة الخامسة في الرأس لتسيل دماؤها في الساحة العامة للجامعة حيث نُقلت إلى المستشفى في حالة سيئة ولم تفلح جهود إسعافها.
نيرة أشرف جديدة؟
الطريقة التي قُتلت بها إيمان دفعت على الفور إلى الربط بينها وبين حادثة قتل طالبة مصرية أخرى أمام جامعتها قبل أيام، حادثة مقتل نيرة أشرف، إنما الأخيرة قُتلت ذبحاً. وتكهّن الكثيرون بأن تكون إيمان قُتلت على أيدي شاب رفضته أيضاً. علماً أن الجاني لا يزال هارباً ولم يتضح سبب الجريمة بعد.
وعبر وسمي #حق_إيمان و#إيمان_أرشيد، تداول معلقون بغزارة عبارة: "مرة وحدة قالت لأ انقتلت!" كانعكاس لتأويلاتهم لأسباب الجريمة. كما راجت رسالة مزعوم أن القاتل أرسلها إلى المغدورة ليلة الحادثة ورد فيها: "بكرا رح اجي أحكي معك وإذا ما قبلتي رح أقتلك مثل ما المصري قتل البنت اليوم". وهو الادعاء الذي تعذّر على رصيف22 التحقق منه بشكل منفصل.
وطالب الأردنيون النشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي بسرعة ضبط الجاني فيها وتوقيع أقصى عقوبة ضده وهي عقوبة الإعدام، كما يتضح من وسم #إعدام_قاتل_التطبيقية الذي يتصدر قائمة المتداول في المملكة الهاشمية.
"وقف التداول في هكذا قضايا هو قمع للصوت المناصر للنساء" و"شكل من أشكال تقييد الحملات النسويّة"... تخوّف نسوي من أن يكون حظر النشر في قضية #إيمان_أرشيد هدفه "تبريد" التضامن الواسع مع المغدورة أو التأثير على أسرتها
قرار بحظر النشر في القضية
في ظل كثرة الشائعات والتكهنات حول الجريمة، التي غذّتها عدم قدرة الأجهزة الأمنية على القبض على القاتل بعد ساعات من وقوع الحادثة والدهشة من قدرة الجاني على اختراق أمن الجامعة وهو يحمل سلاحاً، دعت مديرية الأمن العام الأردنية إلى "عدم نشر وتداول أية أخبار غير موثوق بها تتعلق بالقضية" بدعوى أن مثل تلك الأخبار "يتسبب بآثار سلبية بحق الضحية وذويها"، بينما تعهدت في بيان وضع الرأي العام بمجريات التحقيق أولاً بأول.
وأمر النائب العام جميع وسائل الإعلام المرئي والمسموع ومواقع التواصل الاجتماعي، بالتقيد بعدم نشر أي معلومات تتعلق بالقضية، أو مجريات التحقيق فيها، أو نشر أو إعادة نشر أو تداول أي صور أو فيديوهات تتعلق بالجريمة، لافتاً إلى تأثير ذلك بالسلب على مجريات التحقيق، متوعداً المخالفين بالوقوع تحت طائلة المساءلة الجزائية.
من الشائعات التي أُثيرت حول الجريمة، الزعم بأن قاتل الفتاة هو شقيقها ويدعى نور. لكنه خرج في تصريحات صحافية موضحاً أنه كان بصدد التوجه إلى الجامعة لاصطحاب شقيقته إلى المنزل بعد أن تنتهي من امتحانها حين وقعت الجريمة.
وجاء على لسان شقيق إيمان: "أوصلها والدي إلى الامتحان في الجامعة صباح الخميس كالمعتاد، لنُفاجأ بعدها باتصال هاتفي عند الساعة الحادية عشرة، يبلغنا أن إيمان في المستشفى بعد إجراء الامتحان، ولدى وصولنا علمنا أنها توفيت جراء مقتلها بخمس رصاصات من شاب مجهول".
وعن سبب قتلها، أكد شقيق المغدورة أن العائلة لا تعرف بعد السبب الكامن وراء إقدام الجاني على جريمته. وطالب والد إيمان في تصريحات إعلامية بأشد عقوبة لقاتل ابنته، موضحاً أن آخر مكالمة جمعته بالمغدورة كان عندما هاتفته تسأله عن موعد مجيئه لأخذها من الجامعة، حيث أخبرها أن شقيقها سيأتي ليقلها بدلاً منه.
إلى ذلك، تباينت الآراء حول قرار حظر النشر في القضية إذ اتجهت آراء نحو تأييد القرار على أمل وقف سيل الإشاعات التي تم تداولها حول حيثيات الجريمة، في مقابل تخوف آخرين من أن يؤدي حظر النشر إلى "تبريد" الغضب حولها ما قد تخف معه حدة المطالبات بعقوبة رادعة للجاني، بالإضافة إلى تخوّف من أن يبهت حجم التفاعل والتضامن مع إيمان، أو "التأثير على عائلتها بغية تخفيف العقوبة على القاتل".
"مرة وحدة قالت لأ انقتلت!"... لاحظ المعلقون تشابهاً كبيراً في ملابسات جريمتي قتل #نيرة_أشرف طالبة جامعة المنصورة في #مصر و#إيمان_أرشيد طالبة الجامعة التطبيقية في #الأردن. علماً أن سبب الجريمة الثانية لم يتضح بعد #عزاء_النساء
هذا السجال فنّده لرصيف22 مصدر أمني أردني، فضّل عدم ذكر اسمه، إذ عزا قرار حظر النشر إلى الرغبة في الحفاظ على سرية مجريات التحقيق، منبهاً إلى أن "المجرم ما يزال فاراً، وما يتم نشره على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام قد يسهّل عليه استمرار هروبه، ويكشف تفاصيل ما آلت إليه التحقيقات، وكل ذلك سيؤثر بالتأكيد على سير العدالة".
ولفت المصدر الأمني إلى أن قرار حظر النشر لا يقتصر على وسائل الإعلام، وإنما يشمل المواطنين النشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، والذين ناشدهم "كبح جماح الغضب وحجم التفاعل الذي قد يؤثر على سير التحقيقات".
يوافقه الرأي نائب نقيب المحامين الأردنيين وليد العدوان الذي استبعد في حديث مع رصيف22 أن يكون قرار حظر النشر لغرض "تبريد القضية أو التأثير على عائلة المغدورة إيمان". وأضاف أن "الأصل في الفقه القانوني أن علنية القضايا تكون خلال جلسات المحاكمة أي داخل المحاكم، لكن عندما تكون القضية بين يدي المدعي العام فيجب أن تكون سرية، وقضية إيمان ما تزال على طاولة المدعي العام".
واستشهد المحامي الأردني بقضايا المخدرات التي تبقى التحقيقات فيها سرية لأنها لو كانت علنية "تسهل على شبكات المخدرات معرفة إلى أين آلت إجراءات التحقيق".
"تقييد الحملات النسويّة"
على الجانب الآخر، رأت المديرة التنفيذية لحملة "تقاطعات" النسوية الأردنية، بنان أبو زين الدين، في حظر النشر "شكلاً من أشكال تقييد الحملات النسويّة في هذا النوع من الجرائم. هذه الجرائم من المهم جداً رفع الصوت تجاهها، وأنا لست مقتنعة بأن ذلك قد يؤثر على مجريات التحقيق. أنا مقتنعة بقدرة السلطات الأردنية على التحقيق بآلية صحيحة دون التأثر بحملات مناهضة العنف، لكن وقف التداول في هكذا قضايا هو جزء من قمع الصوت المناصر للنساء".
سلمى النمس: هذا الشكل من الجرائم هو ترجمة للـ‘أنا‘ الطاغية على العقلية الذكورية تلك التي تأبى الرفض. وفي حال تعرضت له تمارس العنف، وللأسف الجيل الحالي مرعب بسبب حجم حبه للأنا وتعامله مع الرفض بالعنف #حق_إيمان
واصلت بنان انتقاد قرار حظر النشر قائلةً: "يجب أن يبقى الصوت عالياً لتوعية المجتمع ضد مخاطر جرائم قتل النساء. كبت ذلك الصوت يُسهم في استمرار العنف ضد النساء".
وعن مقتل إيمان تحديداً، أضافت: "ما حدث مع إيمان في الأردن ومع نيرة في مصر يجعلنا ندرك أن العنف ضد النساء والفتيات عملية ممنهجة، وهنا أسلط الضوء على دور الدولة في حماية النساء في تسهيل آليات الحماية والتبليغ وأن تصدق الناجيات دوماً".
وطالبت النسويّة الأردنية بـ"تخفيف الإجراءات البيروقراطية في آليات حماية النساء" وتغيير منظومة الحماية للمعنفات وإضفاء تسهيلات أوسع مما هي عليه راهناً إذ يقتصر الأمر على "الخط الساخن" في الجهات الأمنية، وأن تتم إزالة "الوصاية" على المعنفات اللواتي يشترط وجود أولياء أمورهن في حال قدمن شكاوى إزاء تعرضهن للتهديد أو الابتزاز.
دعت أيضاً إلى رفع سقف الخطاب المناهض لجرائم قتل النساء قائلةً: "هناك كثير من قضايا العنف ضد النساء لا يتم الكشف عنها في الأردن، وعلمنا بقصة إيمان لأنها قتلت داخل حرم جامعي على مرأى من الطلاب، وهذا بحد ذاته مؤشر آخر خطير بانتقال قتل النساء إلى الساحات العامة".
بدورها، اعتبرت الأمينة العامة للجنة الوطنية لشؤون المرأة، سلمى النمس، أن جريمة الطالبة إيمان أرشيد شكل من أشكال "جرائم العاطفة" مثل ما حدث في مصر مؤخراً مع الطالبة نيرة أشرف، ومثل ما يحدث كثيراً في أوروبا ودول أمريكا اللاتينية.
وقالت لرصيف22: "هذا الشكل من الجرائم هو ترجمة للـ‘أنا‘ الطاغية على العقلية الذكورية تلك التي تأبى الرفض. وفي حال تعرضت له تمارس العنف. وللأسف الجيل الحالي مرعب بسبب حجم حبه للأنا وتعامله مع الرفض بالعنف".
وعن رأيها في قرار حظر النشر، قالت النمس: "الأهم من حظر النشر الضمانات بعدم التأثير على عائلة إيمان أرشيد. نحن نعلم أن قضيتها لا يمكن أن تحظى بإسقاط الحق الشخصي كما يحدث للأسف في قضايا ‘الشرف‘، لكن الخوف هو في التأثير على العائلة بعدم قبول الالتفاف والغضب الشعبي مع قضية ابنتها، فتبريد التفاعل مع القضية لن يخدم حملات مناهضة جرائم قتل النساء".
وتندرج الجريمة تحت بند القتل المقصود (القتل العمد) مع توافر الظرف المشدد، وهو سبق الإصرار، وعقوبتها في قانون العقوبات الأردني هي الإعدام.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...