شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"ما أهمية ما تؤمنين به عن الحب؟"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة

الثلاثاء 21 يونيو 202209:31 ص

تستمرُّ في إنكار الحب، أو إطلاق تسميات مختلفة عليه، كالإعجاب، أو التعلّق، أو التعوّد، حتى تصيب رصاصة الرفض شعورك المختبئ خلف فلسفتك الواعية.  تسبّب تلك الطلقة نزيفاً في جسدك وروحك وقناعاتك. وأثناء محاولتك إيقاف النزيف، تتساءل عن ماهية الحب، وتبحث عن السبب خلف وقوعك بهذه القسوة.تختلف علاقات الحب المتوازنة والصحية عن مشاعر الانجذاب العاطفي غير المتبادل. ولأنّ الحب تعبير معنوي، لا يمكن تحديده بدقة أو تعريفه تعريفاً ثابتاً من قبل الجميع - أو على الأقل من قِبل غير المختصين في المجال النفسي. لا يمكننا الجزم بالمسمّى الصحيح لمشاعرنا بسهولة. 
ولأنني لا أؤمن بوجود "الحب من طرف واحد"، وأفضّل ترقية الحب إلى مرتبة عليا لا تتخللها مشاعر الخوف والحزن وانعدام الأمان، سوف أستعيض عنه باستخدام تعبير "وهم الحب"، وأترك للقارئ حرية اختيار المسمّى الذي يراه مناسباً. 

لا شيء أكثر خداعاً من فكرة سعيدة تنبت في أشدّ حالات اليأس.

الآمال السّامة 

لا شيء أكثر خداعاً من فكرة سعيدة تنبت في أشدّ حالات اليأس. يكوّن الخيال صوراً خيالية لقصص الحب داخل رؤوسنا، وخاصة حين لا تربطنا في الواقع إلا علاقة سطحية بالطرف الآخر، تمنحنا مجالاً واسعاً لرسم تفاصيله بطرقٍ مغرية ومبالغ فيها. 
حين أستمع لقصص أصدقائي الغارقين في "وهم الحب"، يتبادر إلى ذهني السؤال ذاته في كلّ مرة: "متى تولّدت هذه المشاعر؟" وغالباً ما تكون الإجابة: "في أشد الفترات اضطراباً من حياتنا"، عندما نكون في أمسّ الحاجة للتعلّق بخيط رفيع من الأمل.  في حالتي، لم تكن لحظة الوقوع في "وهم الحب" هي الأسوأ، إنمّا أدّت الظروف والتعقيدات المتتالية لإفراطي في التعلّق بهذا الوهم. وكان خوفي من الخوض في علاقات جديدة، وعدم امتلاكي طاقة كافية لعيش بدايات رومانسية، ومحاولة شرح نفسي أمام الآخرين، تجعل لعلاقتي بذلك الشاب مقدّسة، لا يمكن المساس بها. إذ بدت معرفته بي منذ سنوات ميّزة مختلفة عن ميّزات أيّ شاب آخر من محيطي الجديد. 

في حالات عديدة، نكون مدركين لعدم صحة الصورة المثالية التي نخلقها للطرف الآخر، وندرك أن ما نحبّه حقاً هو فكرة الوقوع في الحب، وليست شخصية الطرف الآخر أو وجوده الفعلي في حياتنا

الخوف من الوقوع في حالة مختلفة من عدم الراحة يمنع الكثيرين من الاعتراف بعبثية مشاعرهم، والبحث عن فرص لعلاقات جديدة. في حالات عديدة، نكون مدركين لعدم صحة الصورة المثالية التي نخلقها للطرف الآخر، وندرك أن ما نحبّه حقاً هو فكرة الوقوع في الحب، وليست شخصية الطرف الآخر أو وجوده الفعلي في حياتنا. إذا تأملنا حقيقة هذه المشاعر، نجد أن أثرها، إيجابياً كان أم سلبياً، هو انعكاس لأفكارنا وتخيّلاتنا، ولا أهمية لوجود الطرف الآخر فيها. 

التعرض للرفض 

دائماً ما تكون مشاعر الطرف الآخر ظاهرة في أفعاله. فالحب لا يخبئ نفسه مهما اختلفت الشخصيات وطرق التعبير. ولنعُد هنا إلى خيط الأمل، يصوّغ الأمل لنا أفكاراً لا منطقية واحتمالات زائفة. حيناً نقول: "يمكن عم يستنى الوقت المناسب"، وفي حين آخر نقول: "يمكن خايف يدخل بعلاقة ويخسر صداقتنا". ورغم تكرر جميع التحذيرات أمام أعيننا، موضحةً النتيجة ذاتها "إنّها مشاعر من طرف واحد"، تسحبنا موجة الأمل حتى نصطدم بتيارٍ معاكس يشلّ حركتنا.  حين تتلاشى هذه الآمال بحقيقة واضحة لا مجال للتشكيك فيها، كدخول الطرف الآخر بعلاقة حب جديدة، أو حديثه عن مشاعره تجاه شخص ما، نُصاب بصدمة عاطفية تصاحبها تشنجات جسدية وأعطال في نظام التقبّل للواقع. التعرض للرفض في العلاقات يطرح أسئلة عديدة لا إجابات لها، فلا أحد يختار الإنسان الأفضل في الحب، بل الشريك الأنسب له تحديداً، مما يجعل المقارنات ساحة قتال غير منصفة لأيّ من المشاركين. تربكنا حالة الفراغ من الأمل التي نعيشها بعد التعرض للرفض، ونتساءل: كيف للحياة أن تستمر بعد الآن؟ على أن حياتنا لم تكن يوماً معلّقة بالآخر إلّا داخل رؤوسنا، ولم تكن مستمرة إلّا بفعل خيالاتنا. وكلما ازدادت قدرتنا على التخيّل، ازدادت تعاستنا في الواقع. 

التعرض للرفض في العلاقات يطرح أسئلة عديدة لا إجابات لها، فلا أحد يختار الإنسان الأفضل في الحب، بل الشريك الأنسب له تحديداً، مما يجعل المقارنات ساحة قتال غير منصفة لأيّ من المشاركين

من منّا لا يستحق الحب؟ 

يجب ألّا نبحث عن الحب لنحلّ علاقتنا المتوترة مع ذواتنا، أو لنهرب من الواقع المزدحم بعدم الأمان. يجب أن نغيّر مفهومنا عن الحب، ونوسّع مساحة الاستقبال لهذه العاطفة لتشمل مختلف العلاقات، والأشياء، والأماكن، والأحلام. جميعنا نستحق أن نتلقى الحب دون شروط. وحتى نجد من هو قادر على إعطائنا الحب الذي نستحقه، علينا أن نكمل أنفسنا بما نملك من صداقات وأحلام وقدرات. فكما تقول الكاتبة الأميركية إريكا يونغ: "إن لم تكن لدينا القدرة على إكمال أنفسنا، فإن البحث عن الحب يتحول إلى بحث عن تدمير الذات؛ وحينئذ نحاول أن نقنع أنفسنا بأن تدمير الذات هو الحب".  أؤمن بأن الحب عاطفة نقية تحتضن آلام الحياة جميعها، ولا يمكن أن تسبّب كل هذا الألم لنفسها. أكتب الآن وبداخلي هذا الألم كلّه، يخاطبني مثاراً من محاولاتي للتخلص منه "ما أهمية ما تؤمنين به عن الحب؟".  من السهل الاستمرار بتدمير الذات حين نعتاده. ومن السهل كتابة مقال واعٍ عن الحب. أما عن سيطرة الأفكار الواعية على واقعنا، فهو أمر يحتاج لزمن وجهد كبيرين. قد يبدو كل ما كتبته فارغاً ومتناقضاً بعد هذه الخاتمة. لكن، من قال إن من واجب الكاتب ألّا يكون متناقضاً؟ إنمّا على الكاتب أن يكون صادقاً في تناقضاته لا أكثر. 

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard