لا زلت أشعر براحات كفوف الجدّات على يدي ووجنتي يوم الانتخابات، كلّما مرّت إحداهنّ بجانبي، وعلِمت أنّي في الماكينة الانتخابيّة لـ"معاً نحو التغيير". ولا زلت أسمع صدى الهتافات، وزغاريد تتصاعد من أعماقي، وأرى دموعاً لم أستطِع حبسها.
شعرت للمرّة الثانية بعد انتفاضة 17 تشرين الأول/ أكتوبر، بصوتي وأحسست به مع كلّ هتافٍ رددته، بعد أن خنقه انفجار مرفأ بيروت والأزمات المتتالية التي شهدناها في لبنان. كان يوم 15 أيّار/ مايو الماضي، وما تلاه من نتائج، بالنسبة إلي، انتقاماً لضحايانا وأحلامنا وهجراتنا ولجوئنا، وتحرّراً من جراحٍ آلمتنا من جهة، ومن جهة أخرى انتصاراً لوعي المنطقة وأهلها، لرفضهم/ ن كافة الشعارات الابتزازية والخطابات التخوينية التي همّشت المنطقة تحت رايات المقاومة، من دون أن تنظر إلى حال الناس وما أنتجته سياسات قوى الأمر الواقع المهيمنة من إهمال للإنسان وللتنمية في المنطقة.
التغيير الذي شهدناه في دائرة الجنوب الثالثة كان في مقدّمته جنود وجنديات مجهولون/ ات، فما رأيته في عيون الشباب والشابات في الجنوب الثالثة لا يمكن وصفه واختصاره ببعض الكلمات أو السطور، ولا يمكن لجملٍ أن تنقل شرارة الإحساس الذي روته نبرات أصواتهم/ ن، وعيونهم/ ن، وغصّاتهم/ ن، عند وصف كلّ ما مرّوا به منذ 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، وحتى 16 أيّار/ مايو 2022.
ولكن ما يمكن قوله بالفعل، هو أن الجنوب نجح في خوض الاستحقاق الانتخابي وتحويل كافة الأنظار نحوه، كونه قلب موازين القوى فيه. وما يمكنني اليوم نقله إليكم/ ن، هو الواقع الجنوبي بعيوننا كشباب وشابات قبل التغيير وبعده، التغيير الذي حققناه على الصعيد السياسي وعلى صعيد النظام الإقطاعي والأبوي المهيمن على منطقة رزحت تحت احتلال العدوّ الإسرائيلي، وبعده تحت خط الفقر والتهميش.
الجنوب اللبناني جزء من لبنان، وليس مفصولاً عنه، ومعاناة سكّانه هي نفسها معاناة الشعب اللبناني كله. لم تولِ السلطات الحاكمة والمتعاقبة أياً من الاهتمام بهذه المنطقة، وأمعنت في إهمالها، والتخلي عنها منذ احتلال العدو الإسرائيلي وحتّى تحريرها في عام 2000. ومع الوقت، انتقل الجنوب من هيمنة العدوّ إلى هيمنة شبيحة النظام اللبناني وتحالف الإقطاع السياسي الجنوبي، وباتت محاولات إنماء المنطقة مرتبطةً بالتحاصصات والاستثمارات الحزبية، وذلك كله على حساب مصالح الناس، واقتصر عمل نواب الجنوب على المشاركة في الأفراح والأتراح، وكأنّ الناس ينقصهم مَن يرثي ويتجبّر في مناسباتهم، وليس مَن يعمل لأجلهم.
"ما يمكنني اليوم نقله إليكم/ ن، هو الواقع الجنوبي بعيوننا كشباب وشابات قبل التغيير وبعده، التغيير الذي حققناه على الصعيد السياسي وعلى صعيد النظام الإقطاعي والأبوي المهيمن على منطقة رزحت تحت احتلال العدوّ الإسرائيلي، وبعده تحت خط الفقر والتهميش"
كان لشرارة 17 تشرين في عام 2019 أن تنتقل إلى المنطقة بفضل شبابها وشباتها الذين/ اللواتي عمدوا/ ن إلى رفع الصوت والوعي بين الناس، بهدف كسر الاستسلام الحاصل، وبعدها، بالرغم من انخفاض نسبة الأمل، كان لا بدّ من خوض المعترك السياسي والإصرار لإيصال صوتهم/ ن، عبر ترشيح مَن يحملون فكرهم/ ن وبرنامجاً يشبه تطلعاتهم/ ن، متصدّين لكافة حملات التخوين التي خيضت ضدهم/ ن.
إلى جانب كلّ هذا، كان لا بدّ أيضاً من الإضاءة على مشاركة النساء ودورهنّ في هذا الانتصار، وعلينا هنا أن نتوقّف عند صور نساء الجنوب يوم التحرير، اللواتي لم يفصلن أنفسهن عن كافة المراحل والمحطات التاريخية التي مرّ بها الجنوب اللبناني، وهنّ اليوم في منتصف المعارك السياسية التي تخاض فيه. وإنْ كان لا وجود لهنّ على لائحة التغيير، إلا أنهنّ كسرن الصورة النمطيّة، وكنّ في مقدمة القرارات التي اتُّخذت في هذه اللائحة، ومسؤولاتٍ في الماكينة الانتخابية، وهنّ اليوم يرون أنّ الانتخابات غيّرت الكثير في نظرة الناس، وأنّ الانتخابات النيابية القادمة، وقبلها البلدية، ستشهدان مشاركةً للنساء كبيرةً في الترشيحات وفي خوض غمار المعركة.
"ها نحن اليوم نعيد توليد الأمل والانتقام من نظام حاول شلّ حركتنا لسنوات، وحاول اغتيالنا مرّات ومرّات، ها نحن اليوم نسعى إلى أن نُشفى. لا بدّ أننا زرعنا اليوم شيئاً يشبه الأمل، وبدأت نضالاتنا التي نخوضها في كامل لبنان تثمر"
ها هي الفئة الشبابية في الجنوب تقاوم لأجل الوطن، ولمستقبل يشبه أحلامها، وها نحن اليوم نعيد توليد الأمل والانتقام من نظام حاول شلّ حركتنا لسنوات، وحاول اغتيالنا مرّات ومرّات. ها نحن اليوم نسعى إلى أن نُشفى. لا بدّ أننا زرعنا اليوم شيئاً يشبه الأمل، وبدأت نضالاتنا التي نخوضها في كامل لبنان تثمر.
للتغيير طريق تراكمي طويل، ولكنّه ليس مستحيلاً، وها نحن اليوم كسرنا صورة الزبائنيّة والزعامة عبر إسقاط وجهين من الوجوه التقليدية والمدعومة من كافة الأطراف السياسية: أسعد حردان، ومروان خير الدين. وبات الناس يدركون قوّتهم في المساءلة والمحاسبة. لقد لقّنوا أحزاب المنطقة درساً سوف يتناقلونه من جيل إلى جيل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.