سريعاً انتشر تسجيل مصوَّر يُظهر ضرب رجل تركي لامرأة سورية مسنّة تجلس على كرسي في مدينة غازي عنتاب (جنوب تركيا)، وسط ذهولها وعجزها، وذهول من شاهد التسجيل، إذ لم يتردد الرجل في رفس السيدة السورية الجالسة على الكرسي، على وجهها، قبل أن تضع ليلى محمّد يدها على وجهها وتنظر إلى عدسة التصوير بالذهول نفسه الذي قد يصيب كل من شاهد التسجيل، لكنها الضحية التي لا حول لها.
التسجيل الذي لا تتجاوز مدته الثواني المعدودات، أثار غضباً واستياءً عارماً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، سواء في تركيا أو في خارجها، من قبل السوريين والأتراك والعرب الذين أعربوا عن تضامنهم مع الضحية.
يقول ابن شقيق ليلى المحمد، قدور دعاس، لرصيف22، إنهم (أي العائلة)، "واثقون بالقضاء التركي"، مشيراً إلى وجود 17 محامياً سورياً وتركياً تطوعوا للدفاع عنها، والإجراءات القانونية مستمرة عبر هؤلاء المحامين".
بروي ابنها محمود حجو، في تصريحات صحافية، أن والدته تعاني من اضطراب عقلي نتيجة فقدانها ولدها في تركيا، قبل عشر سنوات، مما أضرّ بصحتها النفسية بشكل كبير، وتطور الضرر حتى أصابها بمرض "الزهايمر"، قبل عامين، وسبّب لها ما يُعرف بـ"الخرف المبكر". وأضاف أنه "في يوم الحادثة، أوقفها بعض الأشخاص واتهموها بأنها تخطف الأطفال، ثم اتهموها بأنها رجل متنكر في زي النساء، وتحدّثوا معها باللغة التركية، وهي كانت ترد باللغة العربية من دون أن تفهم ما يقولون، ليُقدم أحدهم على ركلها على وجهها، وحدث هذا كله أمام مكتب مختار الحي".
يتحدث ابن شقيق ليلى المحمد عن ثقتهم بالقضاء التركي ويشير إلى وجود 17 محامياً سورياً وتركياً تطوعوا للدفاع عنها، والإجراءات القانونية مستمرة عبر هؤلاء المحامين
احتقان سياسي
يأتي حادث الاعتداء هذا، في ظل احتقان سياسي/ اجتماعي كبير، في تركيا، قبل عام من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وتصاعد حدة الخطاب العنصري ضد اللاجئين السوريين عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وتغذّي هذا الخطاب شخصيات تركية سياسية معارضة تتوعد اللاجئين بمجرد وصولها إلى الحكم بعودتهم مجبرين، أو بقرار شخصي، إلى بلد مصنف من ضمن أخطر بلدان العالم، في ظل وضع اقتصادي وسياسي وأمني سيء للغاية في سوريا.
الاعتداء الذي تعرضت له ليلى محمد، ليس الأول ضد السوريين، إذ سُجلت خلال الشهور الماضية حوادث اعتداء عدة على سوريين في إسطنبول ومدن تركية أخرى، بالإضافة إلى ظهور عبارات تحريض وخطاب كراهية على جدران عدد من الشوارع دعت إلى طرد السوريين والعرب.
ما حصل خلال الأيام الماضية، يفتح الباب بشكل مباشر أمام سؤالين مهمين يتعلقان بالوجود السوري في تركيا اليوم، الأوّل حول جدوى حملات التضامن الإلكترونية مع السوريين في تركيا (مع أهمية وسائل التواصل الاجتماعي في حياة الإنسان اليوم)، والثاني حول أفق السوريين في تركيا.
حملات التضامن
لم تعد وسائل التواصل الاجتماعي مجرد تسلية في حياة الإنسان اليوم، بل تلعب دوراً مهماً كبيراً في ما يخص المعلومات والأخبار والشائعات وتشكيل حملات الضغط، ومن هذه النقطة تبرز أهمية حملات التضامن ضد العنصرية الممارسة على اللاجئين في تركيا أو في غيرها.
لكن هذه الحملات لا تبدو كافيةً لتغيير الواقع الذي يعيشه اللاجئون، أو التخفيف من الحملات العنصرية ضدهم، إن لم تترافق مع إجراءات قانونية وحملات كبيرة على الأرض. ويقول الناشط والحقوقي، طه غازي، لرصيف22: "هذه الحملات قد تؤثر على طريقة تعاطي المواطن التركي ورؤيته إلى حقيقة الوجود السوري في بلاده".
بعد الاعتداء على المسنّة ليلى محمّد في تركيا، أسئلة كثيرة تُطرح عن جدوى حملات التضامن وعن العنصرية الممنهجة التي يُراد بها جعل السوريين يفاضلون بين البقاء حيث هم أو العودة إلى سوريا بالرغم من خطورتها، ليُجبروا مكرهين على الثانية
ويربط غازي نجاح هذه الحملات وزيادة تأثيرها بعملية "المناصرة وحشد الدعم التي تستهدف الصورة المترسخة عن السوريين في أذهان شريحة من المجتمع التركي"، ويضيف: "للأسف الشديد خلال السنوات الماضية، دأبت المؤسسات السورية والإعلام السوري والمنظمات السورية في تركيا على تقديم اللاجئ السوري وفق نمطية الإنسان المحتاج إلى الصدقة، وما زالت. وهذه الصورة رسّخت في ذهن المواطن التركي بعد فترة زمنية، أن اللاجئ السوري عبء وحمل ثقيل وعالة على المجتمع، لذا فإظهار الجانب الإنساني مهم بالطبع، ولكن حملات المناصرة يجب أن تُظهر أن المجتمع السوري بعد عشر سنوات من وجوده في تركيا، بات فئةً منتجةً وقادرةً على إدارة شؤونها بنفسها من دون الاعتماد على أحد".
ليست كافيةً
تشير مديرة الاتصال في اللجنة السورية المشتركة، إيناس نجار، لرصيف22، إلى أنه "لا يُمكن القول إن الأتراك جميعهم عنصريون، لكن الحالة العنصرية موجودة كما في كل بلدان العالم". ومن هذا المنطلق، ترى أن "حملات التضامن ليست كافيةً، ولكنها ضرورية أيضاً لنفسية السوريين ليشعروا بأن الجميع ليسوا عنصريين، فالواقع يختلف عن وسائل التواصل الاجتماعي. لو كانت الحال كما هي عليه على مواقع التواصل، لكانت الدماء تسيل في الطرقات".
تضيف: "من الضروري أن تترافق هذه الحملات مع دعم من المنظمات السورية في تركيا حتى لا يتراجع من يتعاطف نتيجة الضغط الذي يتعرض له".
ويعيش في تركيا حالياً، وفق الأرقام الرسمية الصادرة في أيار/ مايو الماضي، عن دائرة الهجرة التركية، ثلاثة ملايين و762 ألف سوري و686، يعيش منهم أكثر من 542 ألفاً في مدينة إسطنبول، وإلى جانب هذه الأرقام فإن معظم الهيئات السياسية المعارضة، بمن فيهم أعضاء في "الائتلاف الوطني لقوى الثورة السورية"، و"المجلس الإسلامي السوري"، وعشرات المنظمات المدنية ووسائل إعلام سورية موجودة في تركيا، ومعظم هذه الهيئات لم تنجح في إقامة حملات مناصرة أو توعية، أو التحرك في اتجاه تخفيف الضغط عن اللاجئين السوريين.
ما الأفق؟
يعيش السوريون في تركيا، وكذلك في لبنان والأردن، قلقاً من نوع آخر، فمن جهة ليست لديهم القدرة على العبور إلى القارة الأوروبية، والحصول على أوراق قانونية أو فرص عمل أفضل، ومن جهة أخرى ليست لديهم القدرة على العودة إلى سوريا في ظل الظروف الأمنية والسياسية والاقتصادية الحالية، بغض النظر عن المناطق السورية التي ينتمون إليها.
معظم الهيئات السياسية المعارضة وعشرات المنظمات المدنية ووسائل إعلام سورية موجودة في تركيا، لم تنجح في إقامة حملات مناصرة أو توعية، أو التحرك في اتجاه تخفيف الضغط عن اللاجئين السوريين
ومن جهة أخيرة، فإن الأزمات المعيشية والاقتصادية والسياسية الحالية في البلدان المجاوة، تجعل شكل معيشة السوريين فيها أكثر صعوبةً، لذا يبدو السؤال حول "الأفق المتاح أمام السوريين في تركيا ومستقبلهم" ملحّاً، على وجه خاص. ويُضاف إلى ما سبق، إعلان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، خلال الشهر الماضي، عن "مشروع العودة الطوعية"، الذي يستهدف مليون سوري.
يرى غازي أن "اللاجئ السوري يتيقن أن هناك اتفاقاً ضمنياً بين تيارات من المعارضة وتيارات في الحكومة التركية، الغاية منه الضغط على اللاجئ السوري وإلزامه وإجباره على التفكير في العودة إلى الداخل السوري، وهذا ما تزامن مع إطلاق مشروع العودة الطوعية إلى سوريا".
ويقول: "الوصول إلى أوروبا في هذه الفترة صعب جداً، والبقاء في تركيا في ظل هذا الفراغ القانوني وغياب بيئة قانونية وحقوقية تحمي السوريين، يعني أننا قد نشهد في المرحلة المقبلة عودة قسم من الأسر السورية إلى الريف الشمالي في حلب أو إدلب، بشكل قسري أو مكرهةً، لأنها لن تجد بديلاً آخر لتتخلص من الوضع الحالي الذي يشهد غياب الاستقرار النفسي والوظيفي".
ووفق غازي، فإنه وبقدر ما "تتحمل تيارات أو شخصيات من المعارضة التركية مسؤولية الوضع الحالي، فإن الحكومة التركية تتحمل المسؤولية أيضاً، لأنه كان يجدر بها أن تتعامل بصرامة وحزم مع كل شخصية حكومية تتبنّى هذا الخطاب، ولكن تعامل الحكومة بلا مبالاة وعدم مساءلتها شخصيات تركية ومحاكمتها، أعطى دافعاً لفئات أخرى في المجتمع التركي لتمشي في الاتجاه نفسه".
من جهتها، تقول نجار إن "الوضع في تركيا من صعب إلى أصعب، خاصةً بعد استغلال اللاجئين بهذه الطريقة، ولكن علينا دور أيضاً عبر الالتزام بالقوانين التركية وعدم تعريض النفس لمواقف قد تؤدي إلى العنصرية أو إلى حالة من الحالات القضائية، وتعتقد أنه "لا يمكن إنهاء الحالة العنصرية لا الآن، ولا في المرحلة المقبلة، خاصةً أن ملف اللاجئين هو ملف دولي والهجرة ليست وليدة اليوم".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...