شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
القاضية اللبنانية غادة عون... لولا العائلة والانتماء السياسي

القاضية اللبنانية غادة عون... لولا العائلة والانتماء السياسي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 2 يونيو 202201:59 م

الاسم: غادة جورج عون.

تاريخ الميلاد: الدامور 1957.

المهنة: نائبة عامة استئنافية في جبل لبنان.

الصفة: من الفريق القضائي الخاص برئيس الجمهورية اللبنانية.

في بلد آخر، وفي ظروف سياسية مختلفة، كان بالإمكان أن تكون القاضية غادة عون، شخصيةً لامعةً تجمع بين العدالة وحقوق الناس ومصالح الدولة. كان بإمكان القاضية عون أن تكون وجهاً من وجوه الإصلاح والإنقاذ. كان بإمكانها أن تقود ثورةً فعليةً على مستوى محاربة الفساد ومرتكبيه. لكن ليس هذا ما يحصل. كل ما يساق بحق القاضية عون، من انتقادات ذكورية ونمطية وبهلوانية، لا ينمّ سوى عن حقد سياسي أو سعي إلى التغطية على شخصيات سياسية وأمنية ومصرفية تحاول عون ملاحقتها. التعليق على حياتها الشخصية، وعلى شعرها، وعلى حركتها، وعلى طريقة كلامها، صيغ تحقير معتادة في مجالس لبنانية. مشكلة غادة عون، أولاً وأخيراً وباختصار شديد، أنّها أداة سياسية.

"كرمال عيون غادة"

أتى "العهد القوي" بالقاضية غادة عون إلى النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان في تشرين الأول/ أكتوبر 2017، من دون أن تكون لها سوابق قضائية أو أن يكون اسمها لامعاً بين أغلب زملائها والضالعين في الشؤون القضائية في البلد. وحسب ما يقول أحد القضاة الذين خرجوا إلى التقاعد قبل مدّة: "سمعنا بالاسم من خلال تسريبات إعلامية أولاً، وظننّا أنها مجرّد شائعات بغرض التمويه وشدّ الحبال بين الأطراف السياسية". لكن فعلياً، تمّ الأمر.

أتى "العهد القوي" بالقاضية غادة عون إلى النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان في تشرين الأول/ أكتوبر 2017، من دون أن تكون لها سوابق قضائية أو أن يكون اسمها لامعاً

تبوأت عون المنصب وخاض التيار الوطني الحرّ، وعلى رأسه رئيس الجمهورية ميشال عون، معركةً فعليةً لتثبيتها في موقعها عام 2020. حتى أنه تمّت إعاقة توقيع التشكيلات القضائية للتجديد لها عام 2020. قبل عقد من ذلك تقريباً، قال ميشال عون، وكان يومها رئيساً للتيار الوطني الحرّ وكتلته النيابية: "كرمال عيون جبران (صهره، ورئيس التيار الوطني الحرّ حالياً)، ما تتشكّل الحكومة". ثم كانت المقولة المستترة: "كرمال عيون غادة، ما تصير التشكيلات القضائية".

المهندس القضائي

بالنسبة إلى البعض، غادة عون وقضاة آخرون دافع التيار الوطني الحرّ و"العهد القوي" من أجل رفع مراتبهم القضائية، من إعداد مهندس واحد. المهندس القضائي في قصر بعبدا، وزير العدل السابق سليم جريصاتي. في جعبة الرجل سيرة قضائية وقانونية واسعة، في عضوية المجلس الدستوري وفي الموقع الاستشاري لرئاسة الجمهورية إلى جانب إميل لحود قبل عون. كما أنّه أحد القضاة والدستوريين الذين أشرفوا على صياغة دستور النظام السوري عام 2012، وأحد مستشاري فريق الدفاع عن المتّهمين الأربعة من حزب الله في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

سياسياً، لا يمكن التغاضي عن كل هذا، كما لا يمكن التغاضي عن الأدوات التي يستعين بها المهندس لاستكمال مشروع سياسي وقضائي. القاضية غادة عون، وغيرها من القضاة ومنهم من انسحب من هذه المهمة طوعاً، باتوا جزءاً من هذه السيرة والمسيرة.

مواجهات عون

يُسجَّل للقاضية عون أنها أول قاضٍ أو قاضية تقدر على ملاحقة شخصيات لبنانية بحجم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. يكاد يكون الأخير توأم رئيس مجلس النواب نبيه بري، فهو متجذّر في منصبه مثله. تدور حوله المجالس النيابية والحكومات ورؤساء الجمهورية، وتتوالى حوله الحروب والانهيارات والأزمات، لكنه يبقى في موقعه وكأنّ شيئاً لم يكن. كأنّ لا مسؤولية تقع عليه. لاحقت غادة عون رياض سلامة، وسطّرت بحقه قرار منع سفر "بحراً وجواً وبحراً". فبقي أن يحفر الأرض ويغوص فيها ليخرج من البلاد. وضعت إشارات قضائيةً على أملاكه المنقولة وغير المنقولة. جرّت شريكه، أخاه، رجا سلامة وسجنته قبل أن يخرج بكفالة مالية. والملف مفتوح في انتظار المزيد من الإجراءات والقرارات. كما خاضت عون معركةً مزدوجةً مع المدير العام لقوى الأمن الداخلي، اللواء عماد عثمان، على دفعتين؛ عام 2019 ادّعت عليه بجرائم فساد، وعام 2022 ادّعت عليه بإعاقة سير العدالة وتنفيذ المذكرات القضائية.

بالرغم من كُل ما قامت به عون، لاسيما بموضوع حاكم مصرف لبنان، إلا أنه لا يمكن إلا التوقّف عند حقيقة أنّ كل الضجيج الذي أثارته، لم يأتِ بأي نتيجة، سوى تعزيز خطاب التيار الوطني الحرّ، سياسياً وانتخابياً

وفي جعبة غادة عون، مواجهات مديدة مع المصارف ومجالس إداراتها، ومع شركات تحويل الأموال وإداراتها، في ملف تهريب الأموال إلى الخارج بعد انتفاضة 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019. قاضية لبنانية، مع مرافقة أمنية، تشرف على كسر أبواب شركات مالية وخلعها بهدف الدخول والاستحصال على وثائق وحواسيب وإثباتات تدين المسؤولين أمام الرأي العام بفضائح مالية بهذا الحجم. سطّرت قرارات منع السفر، ومذكرات وضع اليد على أملاك منقولة وغير منقولة.

عبّرت غادة عون عن جزء من سخط اللبنانيين تجاه المنظومة المالية التي سرقت ودائعهم ونهبت دولتهم بالتواطؤ مع المسؤولين السياسيين والأحزاب الحاكمة. كما واجهت رئيس الحكومة، نجيب ميقاتي، الميلياردير الذي "استحلى" قروض الإسكان المدعومة. استحصل ميقاتي وشقيقه طه وأولادهما، على عشرة قروض مدعومة لشراء شقق مطلّة على خليج الزيتونة في بيروت، بقيمة فاقت 34 مليون دولار. أخذوا هذه القروض من درب مئات اللبنانيين المحتاجين فعلياً إلى قروض مدعومة.

معركة قضائية

ومن بين المعارك الفعلية التي خاضتها غادة عون، معركة داخل الجسم القضائي يُفترض أن تكون ضربةً قاسمةً لها، إذ كفّ النائب الاستئنافي القاضي غسان عويدات يد عون عن متابعة ملف تهريب الأموال إلى الخارج. ووصل الحدّ إلى البحث في إمكانية عزلها على يد مجلس القضاء الأعلى والتفتيش القضائي، لكن طبعاً الأمر لم يحصل. لم تتخلَّ عون عن مهمّتها وتستمرّ إلى اليوم، بعد سنة على قرار كفّ يدها، في متابعة ملف الأموال المحوّلة إلى الخارج. ويُعدّ ذلك فعلياً تمرّداً على القضاء والقرارات القضائية. لذا يقف اللبنانيون ضائعين تجاه عون؛ فهي قاضية تطرح عنوان المحاسبة والأموال المنهوبة من جهة، وقاضية محسوبة سياسياً بشكل كامل على التيار الوطني الحرّ.

لا تقترب عون من ملفات حزب الله، دعوى ضد أمينه العام وأخرى حول الأدوية الإيرانية وثالثة حول "القرض الحسن" أحالتها إلى فرع أمني واحد محسوب على رئاسة الجمهورية، ونامت جميعها في أدراج قصر العدل

في سجلّ غادة عون أيضاً، ما يدلّ على انتمائها السياسي وتعاملها السياسي مع الملفات التي تصل إلى يدها. من بين هذه الملفات، موضوع الدعوى ضد أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، والتي تقدّم بها بعض أهالي عين الرمانة المتضرّرين من أحداث الطيونة في تشرين الأول/ أكتوبر 2021، ودعوى أخرى بخصوص الأدوية الإيرانية التي تمّ إدخالها إلى الأسواق اللبنانية خلافاً للأصول والإجراءات، ودعوى ثالثة متعلّقة بالنشاط المصرفي لجمعية "القرض الحسن" خلافاً لأحكام قانون النقد والتسليف. ثلاث قضايا، محورها حزب الله، أحالتها القاضية عون إلى جهاز أمني واحد، ونامت في جوارير قصر العدل. أي جهاز؟ أمن الدولة، المحسوب قلباً وقالباً على "العهد القوي" أيضاً. كما أن الجمهور اللبناني لم يرَ القاضية عون تتحرّك تجاه أي مصرف محسوب على العهد أو حلفائه، أو ضد مصرفيين محسوبين على العهد وحلفائه. وهذا ينمّ عن الكثير.

سقطات غادة عون

القاضية غادة عون، لاحقت ثلاثة أطفال (لا تزيد أعمارهم عن 14 سنةً)، وسجنتهم بتهمة إزالة لافتة للتيار الوطني في بلدة حمّانا، ومنعت أهاليهم والمحامين من اللقاء بهم

القاضية غادة عون، لاحقت ثلاثة أطفال (لا تزيد أعمارهم عن 14 سنةً)، وسجنتهم بتهمة إزالة لافتة للتيار الوطني في بلدة حمّانا. منعت أهاليهم من اللقاء بهم، ومنعت المحامين من مقابلتهم، وادّعت عليهم بجرم إثارة النعرات وتعريض السلم الأهلي للخطر. القاضية غادة عون، ادّعت أيضاً على ستة مواطنين لبنانيين تقدموا بطلب "التثبّت من أهلية فخامة الرئيس ميشال عون لتوّلي مقاليد الحكم". وبينما الطلب قانوني، عدّت عون خطوة هؤلاء تحقيراً لرئيس الجمهورية.

القاضية غادة عون، عملت على إطلاق سراح راهبتين متّهمتين بالفساد والإتجار بالبشر والتعذيب والاعتداء الجنسي في جمعية معنيّة برعاية الأطفال. أيضاً، سلّمت كل الداتا التي جمعتها من شركات تحويل الأموال إلى جمعية في جبل لبنان، ترأسها الأم فاديا لحّام، أي الأم أغنيس دو لا كروا، وهي راهبة كرملية رئيسة دير مار يعقوب المقطّع للروم الملكيين الكاثوليك، في بلدة قارة في محافظة ريف دمشق. الأم أغنيس مرتبطة بشكل وثيق بنظام الرئيس السوري بشار الأسد، وكان لها دور فعلي في دحض مجازر الكيماوي التي ارتكبها، ولعبت دور رسول النظام داخل سوريا وخارجها، فانتقلت من التبشير باسم يسوع المسيح إلى التبشير باسم بشار الأسد.

لا يمكن وضع كل هذه السيرة السياسية في جهة والحديث عن القاضية غادة عون من منطلق قضائي بحت، لأنّ ملاحقاتها القضائية لم تطَل أياً من المحسوبين على العهد وحزب الله وهذا المحور. ولا يمكن حتى إلا التوقّف عند حقيقة أنّ كل الضجيج الذي أثارته القاضية عون على مدى أكثر من ثلاث سنوات، لم يأتِ بأي نتيجة، وحقيقة أنّ كل هذه الجلبة كانت بلا طائل، لا بل لها جدوى واحدة وهي تعزيز خطاب التيار الوطني الحرّ، سياسياً وانتخابياً. هذا كل ما في الأمر. لذا، خسارة اللبنانيين مع غادة عون، خسارة مضاعفة وعلى مستويات مختلفة؛ خسروا العدالة في الجرائم المالية المرتكَبة، وخسروا معركةً في السياسة، وخسروا القضاء والقضاة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard