شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
هل يطرق الخلاف على الميزانية المسمار الأخير في نعش الانقسام الليبي الوشيك

هل يطرق الخلاف على الميزانية المسمار الأخير في نعش الانقسام الليبي الوشيك

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 1 يونيو 202201:53 م

على بعد قرار برلماني مؤثر، من مدينة سرت الفاصلة بين شرق البلاد وغربها، تقف ليبيا عند مفترق أمام حكومتين، جاءتا من خارج صناديق الاقتراع، بشرعية مؤقتة محل نزاع متصاعد، إحداهما تحبو في عمر تجاوز العام، والأخرى وليدة ناهزت الشهرين أو يزيد، وفي القادم القريب على الأرجح ستدخل ليبيا طوراً جديداً.

الميزانية قرار انقسام أو وحدة؟

تستمر حالة الترقب والجدل بين الأطراف السياسية الليبية، منذ أن قدّمت حكومة الاستقرار المكلفة من مجلس النواب برئاسة فتحي باشاغا، ميزانيتها رسمياً إلى المجلس قبل شهر تقريباً. وفي انتظار جلسة لاعتمادها، ينتظر المتابعون كيف سيتعامل المصرف المركزي مع الميزانية التي قُدرت بـ94.8 مليار دينار ليبي (19.2 مليار دولار)؟ وهل سيؤدي اعتماد هذه الميزانية من عدمه إلى ترجيح الكفة لحكومة واحدة، أو سيعمق الانقسام بين سلطتين تنفيذيتن، ويمنحه المعالم الكاملة، وينسف كل جهود توحيد المصرف المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط بين الشرق والغرب؟

فبالرغم من انتقاد مجلس النواب سابقاً حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، لطلبها ميزانيةً وصفها بالضخمة وبلغت 96.2 مليار دينار ليبي (19.5 مليار دولار)، ورفضه اعتمادها بشكل قاطع، فإن الحكومة المكلفة من البرلمان قدّمت ميزانيةً مقاربةً للمرفوضة سابقاً، والخاصة بحكومة الوحدة الوطنية، الأمر الذي سبب جدلاً واسعاً وانتقادات وضعت البرلمان في موقف حرج في حال أقرّها، وأعاد إلى ذاكرة المشهد هواجس انقسام مؤسسات الدولة كما حدث عام 2014، بعدما دخلت البلاد طور التعافي من تلك الحالة.

على بعد قرار برلماني مؤثر، من مدينة سرت الفاصلة بين شرق البلاد وغربها، تقف ليبيا عند مفترق أمام حكومتين، جاءتا من خارج صناديق الاقتراع، بشرعية مؤقتة محل نزاع متصاعد

ميزانيتان متشابهتان... ما المختلف؟

فسر البرلمان خلال العام الماضي، رفضه لمقترح ميزاينة الدبيبة، بافتقارها إلى الشفافية وحجمها الضخم وعدم مراعاتها الوضع المالي والاقتصادي للدولة. المختلف هو فقط أن مقترح الميزانية القريبة إلى نظيرتها المقدّمة خلال السنة الماضية، مقدَّم من رئيس الحكومة الجديدة فتحي باشاغا، المكلف من البرلمان بعد سحب الثقة من حكومة الدبيبة في جلسة مثيرة للجدل في كانون الأول/ ديسمبر الماضي.

كان من المتوقع أن يناقش مجلس النواب ميزانية حكومة باشاغا، مطلع شهر أيار/ مايو، بحسب ما أعلن في وقت سابق عدد من النواب، الذين تلقّوا دعوةً رسميةً من رئاسة المجلس، لحضور جلسة رسمية في مقر المجلس في مدينة طبرق، لكن الجلسة المنعقدة بعدد حضور لم يتجاوز 30 نائباً، لم تتطرق إلى ملف الميزانية بسبب سفر رئيس المجلس عقيلة صالح، إلى مصر، بحسب ما قالت مصادر برلمانية لرصيف22. وهذا ما قد يجعل من جلسة سرت جلسةً حاسمةً بخصوص ملف الميزانية الشائك.

التشنج الإقليمي والتصدع المحلي

تستمر محاولات الحوار بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة برعاية مصرية، بعد أن حل رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، في القاهرة، للمشاركة في الحوارات المتعلقة بالدستور، بالرغم من أن أجندة الحوار غير واضحة وغير متفق عليها، وفق تصريحات إعلامية من ممثلي الجسمين، أفادوا بأن كل طرف جاء بخريطة دستورية مختلفة، الأمر الذي يراه بعض المراقبين مجرد محاولة مصرية لإثبات قدرة القاهرة على جمع كافة الأطراف الليبية، والتحكم في المشهد السياسي الليبي رداً على تحركات جزائرية وُصفت بالتصعيدية في الملف الليبي، بعد زيارة رسمية للدبيبة وعدد كبير من وزرائه إلى الجزائر، أسفرت عن تأكيد الرئيس تبون اعتراف الجزائر بشرعية حكومته.

بالرغم من الحوار المعلن عنه في القاهرة، لم تتوقف الانتقادات لمجلس النواب والتصدعات الداخلية، الأمر الذي وصل إلى حد التلويح بما يشبه الاستقالة الجماعية، التي كانت أولى بوادرها إعلان النائب عن مدينة زليتن، عبد الغني الفطيسي، قبل أسابيع، استقالته من عضوية مجلس النواب، اعتراضاً على ما وصفه بالقصور في أداء المجلس، وما وصفه باستفراد رئاسة المجلس بإصدار القوانين والقرارات.

كان من المتوقع أن يناقش مجلس النواب ميزانية حكومة باشاغا، مطلع شهر أيار/ مايو لكن الجلسة المنعقدة بعدد حضور لم يتجاوز 30 نائباً، لم تتطرق إلى ملف الميزانية بسبب سفر رئيس المجلس عقيلة صالح، إلى مصر وهذا ما قد يجعل من جلسة سرت جلسةً حاسمةً بخصوص ملف الميزانية الشائك

النصاب... صعب أم مستحيل؟

الفطيسي انتقد ما وصفه بالقصور في أداء مجلس النواب، وعدم احترامه النصوص الدستورية، واللائحة الداخلية المنظمة لعمله، فيما قال عضو مجلس النواب زياد دغيم، إن ليبيا ومجلس النواب في أزمة كبيرة، وإنهم يشعرون جميعاً بالإحباط، وإنهم محرجون أمام الشعب، لذلك يتدارسون الآن إعلان استقالة جماعية تنهي المجلس الحالي، بإنهاء نصاب الثلثين من عدده الكلي.

دغيم ونواب آخرون شككوا في إمكانية اعتماد قانون للميزانية العامة، كونه يحتاج إلى موافقة 120 عضواً وفق نص دستوري صريح ولائحة داخلية وإعلان سابق من رئيس اللجنة التشريعية، الأمر الذي عدّوه شبه مستحيل في الظروف الحالية التي تشهد استقطاباً حاداً يعيد إلى الأذهان ما كان عليه المشهد إبان حرب طرابلس في 2019، بحسب ما أكد برلمانيون أيضاً لرصيف22، من أن البرلمان أعلن عند تسميته رئيس الحكومة الجديدة، وعند اعتماد تشكيلته الوزارية، أن التصويت جرى بنصاب كامل في جلسات منقولة على الهواء، وذلك أيضاً محل جدل.

مراكز قوى قيد التشكل

الأطراف السياسية المتمثلة في رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، وفتحي باشاغا الطامح إلى ممارسة سلطاته التنفيذية، ومن ورائهم بعض الأحزاب السياسية، يبدو أنها تسعى إلى إيجاد مشهد سياسي يمكّنها من تقرير قوانين الانتخابات والقاعدة الدستورية التي تصمم النظام السياسي الليبي القادم. في مقابل تلك النخبة السياسية، ترى النخب الاقتصادية في طرابلس ومؤسسات الدولة، أن من الخطورة وجود حكومة جديدة وشبكة مصالح تملك الشرعية وتتحكم في الوزارات العاملة في طرابلس.

مدير مركز بيان للدراسات نزار أكريكش، يرى أن صراعاً خفياً يتمظهر في مشروع الميزانية التي قدّمها باشاغا، موضحاً لرصيف22، "أن تفصيل تلك الميزانية شمل قسماً خاصاً بالقيادة العامة للجيش، أي خليفة حفتر، شمل بناء معسكرات ومرتبات لجنود الأخير، وغير ذلك من القضايا التي تُظهر بوضوح خطورة هذا الانقسام، وأنه قد يتحول إلى مراكز قوى عسكرية وسياسية".

"حالة الانقسام بدأت تشمل كافة الأطراف بعد تلويح أعضاء من مجلس النواب بالاستقالة، لمنع عقيلة صالح من الاستفراد بقرارات المجلس. في المقابل، بدأ أعضاء المجلس الأعلى يرفضون هيمنة عقيلة صالح على القرارات المفصلية في الأعلى للدولة"

"فوضى" بسيناريوهات "خارج التوقّع"

وأكد أكريكش، "أن حالة الانقسام بدأت تشمل كافة الأطراف بعد تلويح أعضاء من مجلس النواب بالاستقالة، لمنع عقيلة صالح من الاستفراد بقرارات المجلس. في المقابل، بدأ أعضاء المجلس الأعلى يرفضون هيمنة عقيلة صالح على القرارات المفصلية في الأعلى للدولة. وفي ظل انقسام الحكومات والمؤسسات فإن الأزمة تصل إلى حالة من الفوضى يصعب توقع مساراتها".

هذا التقدم نحو الانقسام واجتماع الأطراف السياسية في جانب، والأطراف الاقتصادية متمثلين في حكومة الدبيبة ورجال الأعمال في الغرب في جانب آخر، نحو رفض ما يقوم به باشاغا، والآن خالد المشري، يؤكد حالة التشرذم المستمرة في كافة الأجسام، فالخلاف كما يرى مراقبون سيدبّ في مجلس النواب، وكذلك في المجلس الأعلى للدولة. وفي حال التصديق على الميزانية في جلسة سرت، خلال ساعات كما يبدو، فإن مؤسسات الدولة ستعاني من صدمة كبيرة تتغير معها الأسعار ويزداد التضخم الذي تشهده البلاد حالياً.

دورة صراع جديدة

مع زيادة التصعيد من كافة الأطراف المتصارعة، قد ينتهي الأمر إلى دورة صراع جديدة في ظل وصول أرتال عسكرية تابعة للجيش الذي يقوده خليفة حفتر قبل يومين إلى مدينة القطرون في الجنوب، بالإضافة إلى تحركات عسكرية من وقت إلى آخر في طرابلس أو محيطها، من قوى عسكرية منقسمة بين الدبيبة وباشاغا. يرى أكريكش، تعليقاً على كل ذلك، "أن السياسة التي يجب أن تُتّبع هي إشراك الجميع في حوار واحد، وإيجاد سياسة إقليمية تتفق على الحد الأدنى الذي لا يؤدي إلى استمرار حالة الانقسام"، مؤكداً حسب تقديره "أن مسار الانقسام وصل إلى حد لم يكن عليه قبل ستة أشهر"، مشبهاً الوضع بما كان عليه الحال عندما بدأ حفتر هجومه على طرابلس عام 2019.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image