توقفت وزارة القوى العاملة والهجرة المصرية عن قبول أوراق الراغبين في الترشح للمرحلة الثانية لانتخابات النقابات العمالية في مصر، والتي انطلقت مرحلتها الأولى في 7 مايو/ أيار الجاري.
وبينما تتوالى شهادات من قيادات العمل النقابي في مجتمع العمال وتقارير منظمات المجتمع المدني المعنية حول انتهاكات واسعة النطاق شابت المرحلة الأولى، تستمر الممارسات عينها خلال الإعداد لانتخابات المرحلة الثانية، في وقت كان ينتظر أن تتوجه الدولة وأجهزتها المعنية نحو تخفيف السيطرة الأمنية على العمل الأهلي، تماشياً مع دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسي للحوار الوطني في نهاية أبريل/ نيسان الماضي.
اعتبرت تعليقات القيادات العمالية سواء المنشورة في بعض وسائل الإعلام التي عنت بتقديم تغطية حقيقية لمجريات الانتخابات، أو في شهادات أدلوا بها لرصيف22، أن ما تشهده النقابات العمالية حالياً "ليس انتخابات وإنما تعيينات في مناصب يفترض أن تكون بالانتخاب"، وأن الأجهزة الأمنية ووزارة القوى العاملة، اللتين تقومان "بتعيين من تريانه مناسباً لهما على رأس النقابات العمالية"، في ثوب انتخابات تمت هندستها على نحو كامل.
تتوالي شهادات قيادات العمل النقابي ومعها تقارير المنظمات المعنية حول انتهاكات واسعة أفرغت انتخابات النقابات العمالية من جدواها، في وقت كان ينتظر فيه أن تخفف الدولة من توجهاتها نحو السيطرة الأمنية على المجتمع المدني في إطار الحوار الوطني المرتقب
وتتولى وزارة القوى العاملة والهجرة المسؤولية الإدارية عن إجراء الإنتخابات وفقاً لقانون التنظيمات النقابية رقم 213 لسنة 2017، وهو ما يثير العديد من التساؤلات حول وضع تلك النقابات في الفترة المقبلة وتأثير ذلك على حقوق العمال.
سيطرة أمنية
"ليست انتخابات بل تعيينات من قبل الأمن ووزارة القوى العاملة". بهذه الكلمات وصف طارق كعيب، رئيس نقابة الضرائب العقارية - أحد المستبعدين من الانتخابات الراهنة- وضع الانتخابات الحالية. وقال لرصيف22 إن الإنتهاكات بدأت منذ إقرار قانون التنظيمات النقابية رقم 213 لسنة 2017، الذي منح الجهة الإدارية- وزارة القوى العاملة- صلاحيات مطلقة في إجراء الإنتخابات النقابية، وبالتالي "من غير المنطقي أن تنحاز الوزارة للعمال والنقابات، ومن الطبيعي أن يكون أنحيازها للتوجيهات الأمنية".
نقابيون: الأجهزة الأمنية ووزارة القوى العاملة، تقومان "بتعيين من تريانه مناسباً لهما على رأس النقابات العمالية"، في ثوب انتخابات تمت هندستها على نحو كامل
ولفت كعيب إلى أن وزارة القوى العاملة وضعت العديد من الشروط والمعايير "غير المنطقية" أمام المرشحين، مستندة إلى قانون التنظيمات النقابية ولائحتة التنفيذية، فأعدّت نماذج طلب الترشح والمستندات والإقرارات التي يجب على المرشح تقديمها، وأصدرت الكتاب الدوري رقم 16 لسنة 2022 الذي ينص على ضرورة الالتزام بهذه النماذج، وهو ما أثار العديد من الإشكاليات، لا سيما أنها نصت على أن يأتي المرشح بما يسمى "مشروعاً انتخابياً" موقعاً بختم النسر من جهة العمل، وهو ما أدى إلى تدخل صاحب العمل في الشأن النقابي خلافاً لمبادئ الحريات النقابية واتفاقيات العمل الأساسية، مدللاً على ذلك برفض جهة العمل منح العديد من المرشحين للنقابات الفرعية للضرائب العقارية في كل من الاسماعيلية وكفر الشيخ والقليوبية تلك الشهادة، وهذا ما أدى إلى استبعادهم من الانتخابات، مما قاد بالتبعية إلى تجميد اللجان النقابية فيها.
ومن المخالفات الأخرى التي قامت بها وزارة القوى العاملة، وفقاً لكعيب، أنها لم تمنح المتقدمين للترشح شهادة تفيد باستيفائهم للشروط والأوراق المطلوبة، واكتفت بمنح بعض المرشحين ورقة تفيد أنهم تقدموا وأن الملف قيد البحث، "بينما رفضت الاعتراف للمغضوب عليهم بأن لجنة الانتخابات قد تلقت منهم أية أوراق، وهو ما حدث معي".
لا نقابات... لا وجع رأس
وعن تأثير منع واستبعاد العديد من النقابين من الانتخابات العمالية ووجود العشرات من المنشآت بلا نقابة، قال كعيب إن ما حدث في الانتخابات العمالية "ليس إلا انعكاساً وتقنيناً لما تعانيه الحركة العمالية والنقابيين على مدار السنوات الماضية، خاصة لدى ملاحقة وتهديد النقابيين وانهيار منظومة الأجور"، مؤكداً أن الطريق الذي يبدأ باعتقال النقابيين مثلما حدث معه وستة آخرين من نقابات الضرائب العقارية عام 2019، وتوجيه اتهامات لهم بأنهم "نظموا مظاهرة من دون ترخيص أمام وزارة المالية" للمطالبة بتحسين أجور العاملين في الضرائب العقارية، وقد استتبع ذلك حبسهم لمدة شهر وممارسة جميع أشكال التهديد عليهم، ذلك الطريق ستكون نهايته منعهم من الترشح ومزيداً من التدهور في حقوق العمال نتيجة لغياب النقابات التي من شأنها الدفاع عن العمال.
نقابيون: وزارة القوى العاملة استغلت تعديلات القانون كي تتوسع في رهن العمل النقابي بيد صاحب العمل من جانب ويد الدولة واجهزتها على الجانب الآخر
وسجلت دار الخدمات النقابية والعمالية المهتمة بحقوق العمال ونشاط نقاباتهم العديد من الانتهاكات في حق القيادات العمالية في النقابات المصرية، منها تعرضهم لممارسات أمنية وتهديدات. ومن الوقائع المسجلة، قيام الهيئة العامة للعاملين بهيئة تعليم الكبار بفصل أحمد عبد المرضي رئيس اللجنة النقابية بسبب نشاطه النقابي، وإحالة إدارة كلية الحقوق بجامعة عين شمس رئيس اللجنة النقابية للعاملين فيها للتحقيق بسبب ممارسته النشاط النقابي، وتعرض أعضاء اللجنة النقابية للعاملين في الضرائب العقارية ببني سويف للكثير من الضغوط بعد تسجيل منظمتهم النقابية، إذ تم التحقيق الإداري مع عدد منهم، وتهديدهم بإحالتهم إلى الأمن الوطني واتهامهم بإثارة البلبلة.
فضلاً عن ذلك، صدر الحكم على عاطف محمود رئيس اللجنة النقابية للعاملين في التعليم بقنا بتغريمه خمسة آلاف جنيه، بناءً على بلاغ مقدم ضده من مكتب العمل في نجع حمادي، واتهامه بإدارة منظمة نقابية دون تسجيلها، ودون الحصول على الخطابات اللازمة لتسيير أعمالها، تعرضت رشا مصطفى عبد الظاهر، العضوة في اللجنة النقابية للعاملين في الضرائب العقارية بالسويس، لضغوط شديدة بسبب تنظيمها مع زملاء وزميلات اجتماع الجمعية العمومية للجنتهم في دورة طارئة، الأحد، 28 مارس/أذار 2021 في مقر نادي الأسرة ببور توفيق.
"الختم معايا... والنقابة كمان معايا"
وشهدت اللجنة النقابية في "نقابة الصحفيين المصريين" واقعة مؤسفة وطريفة في آن واحد إذ منع رئيس اللجنة النقابية المرشحين المنافسين له من الحصول على ختم النسر على مشروعاتهم الانتخابية، لكون الختم في حوزته بحكم منصبه الإداري داخل "نقابة الصحفيين"، وتوارى عدة أيام بغرض تفويت فرصة الترشح في الموعد المحدد على منافسيه، فتدخلت النقابة، ووقعت على الأوراق النقابة العامة للعاملين في الصحافة والطباعة والإعلام.
وعندما وُجّهت إليه تساؤلات حول تصرفه غير القانوني والمجافي لأخلاقيات العمل، ادعى مرضه بكورونا من دون تقديم أدلة، ولم يتذكر أن ختم النقابة ليس من مسؤوليات رئيس النقابة بل أن الأمين العام هو المسؤول.
تهديدات مباشرة
"عندك عيال خاف عليهم. وفي الآخر مش هتعرفوا تعملوا حاجة"، كانت تلك الرسالة التي تم إبلاغها من قبل مسؤول أمني لقيادي نقابي بالسويس قبيل الانتخابات النقابية بأيام قليلة، حتى يتراجع عن قرار التقدم بأوراق ترشحه لرئاسة إحدى اللجان النقابية.
يقول النقابي، الذي رفض ذكر اسمه، لرصيف22 إن المنع من المنبع كان شعار تلك الانتخابات، إذ اعتمدت الأجهزة التنفيذية على التهديدات الأمنية للنقابيين وأسرهم حتى تمنعهم من الترشح للانتخابات، لتيقنها من ارتباط تلك القيادات بالعمال ومشاكلهم اليومية و"بالتالي اكتساحهم المتوقع للانتخابات وتحولهم لخط دفاع عن العمال".
وأشار النقابي إلى أن ما حدث معه "تكرر مع العشرات بل المئات من النقابيين، حتى يتم منعهم من خوض الانتخابات. بل أن أغلب النقابيين الذين كان لهم موقف مع العمال أو انتموا يوماً للنقابات المستقلة، هُدّدوا. واستجاب البعض خوفاً على مستقبل أبنائه، بينما رفض البعض الآخر الاستجابة، فكان الاستبعاد مصيره".
وحذر النقابي نفسه من إغلاق منافذ الحوار والتفاوض بين أصحاب الأعمال والدولة من جانب والعمال من جانب آخر، لافتاً إلى أن مثل تلك الممارسات كانت من فتائل إشعال ثورة 25 يناير، وانضمام العمال إليها بقوة بعد أن أغلقت أمامهم السبل القانونية للمطالبة بحقوقهم والتفاوض عليها.
كرم عبدالحليم رئيس اللجنة النقابية لأندية هيئة قناة السويس، قال لرصيف22 إنه تلقى تهديدات أمنية صريحة للابتعاد عن المشهد النقابي لمدة أربع سنوات، إلا أنه قرر أن يتقدم بأوراق ترشحه، ووضعت أمامه العراقيل الإدارية حتى لا يستكمل الاوراق المطلوبة وبالتالي تم منعه "إدارياً" من التقدم رسمياً بطلب ترشحه لانتخابات الدورة النقابية الجديدة، بعد تدخل الأجهزة الأمنية للحيلولة دون ذلك. فضلاً عن تعرضه لضغوط وتهديدات أمنية مكثفة استهدفت إجباره على عدم الترشح.
كرم عبدالحليم هو أحد أعضاء حزب العيش والحرية (تحت التأسيس)، ومرشح سابق لانتخابات مجلس النواب الفائتة عن محافظة الإسماعيلية. ومن واقع خبرته، أكد أن "أي نقابي له رؤية سياسية مخالفة غير مرغوب فيه، وتم البعث برسائل مباشرة مفادها أن لا مكان له في النقابات في الفترة الراهنة، بحجة أن الظروف لا تسمح بمعارضة ونقابات"، معلقاً أن "تلك النوعية من الأداءات لن تؤدي إلا لفقدان الثقة في جدوى المشاركة المجتمعية، ومصداقية أي مسار ديموقراطي، على الأخص أن الراغبين في الترشح من القيادات النقابية لا همّ ولا مأرب لهم سوى بناء منظمات نقابية فاعلة، وهو أمر ضروري للتوازن والسلم المجتمعيين".
مفارقة "تكنيكات" مبارك
لفت كرم إلى أن الحكومة قررت استبدال اللعب بالصناديق وتزوير الانتخابات بشكل مباشر، كما كان يحدث في عهد مبارك، وأشار كذلك إلى طريقة التهديد ومنع الترشح من المنبع إذ "أصبح من المستحيل رصد تلك الممارسات"، متسائلاً "كيف يمكن أن يكون يُهدد شخص أمنياً ويعلن ذلك أو يثبته؟".
ويؤكد القيادي العمالي أنه اضطر لزيارة جهاز الأمن الوطني بناء على توجيه من نادي قناة السويس الرياضي -الجهة الوظيفية التي يتبعها كرم- بعدما رفض النادي توثيق إحدى الأوراق الضرورية بالختم الرسمي، حتى يتسنى له إيداع أوراق ترشحه في المرحلة الثانية من الانتخابات العمالية الحالية، بدعوى وجود تعليمات من جهة أمنية ألا يسمح النادي بتوثيق تلك الورقة.
ويوضح عضو حزب العيش والحرية أنه لم يتسن له الترشح للانتخابات النقابية، بعد انتهاء مدة التقدم بأوراق الترشح أمس، فيما قرر كل زملائه باللجنة النقابية عدم الترشح تضامناً معه، كما لم يترشح أي عضو في الجمعية العمومية للنقابة.
وعن الخطوة المقبلة، يقول عبد الحليم إنه سيتعيّن عليه أن يدعو، بصفته رئيس اللجنة، الجمعية العمومية، لاختيار أعضاء جدد للجنة النقابية، ولكنه توقع ألا تقبل وزارة القوى العاملة إيداع أوراق اللجنة النقابية الجديدة، نظراً لوجود العديد من الثغرات في القانون وتعنت الجهاز الإداري المتمثل في وزارة القوي العاملة في تاسيس أي نقابة جديدة.
وكانت لجنة المعايير بمؤتمر العمل الدولي رقم 108 - في الاستخلاصات النهائية لجلسة مناقشة الحالة المصرية- قد عبّرت عن قلقها لوجود قيود على حق العمال في تأسيس المنظمات النقابية والاتحادات، والانضمام إليها باختيارهم الحر. كما أعربت عن قلقها "من استمرار التدخل الحكومي في الانتخابات والأنشطة النقابية"، وتعهدت الحكومة اتخاذ ما يلزم من الإجراءات لضمان ممارسة العمال حقهم في تأسيس نقاباتهم، وإزالة القيود والمعوقات التي تحول دون ذلك، إلا أن ما حدث عكس ذلك تماماً.
وقال مجدي البدوي، رئيس النقابة العامة للعاملين في الصحافة والطباعة والنشر، وأحد المتحدثين باسم اتحاد نقابات عمال مصر، إن "الإدعاء بأن هناك انتهاكات متعمدة في الانتخابات أمر عار من الصحة، كل ما في الأمر ممارسات فردية بسبب نقص الخبرة النقابية ليست إلا". وبرر الممارسات المسجلة بأن "بعض المستبعدين يحملون انتماءات إخوانية ويرغبون في إظهار الانتخابات بصورة سيئة".
وتواصل رصيف22 مع عادل صبحي، المسؤول عن تنظيم العملية الانتخابية من قبل وزارة القوى العاملة، لكنه رفض التعليق إلا بعد التواصل مع المتحدث الإعلامي للوزارة. وتواصلنا مع المسؤول الإعلامي الذي تلقي رسالتنا عبر واتسآب واطلع عليها لكنه لم يجب عن تساؤلاتنا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع