شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"أحاديث بُعثت من مرقدها لتثير الفتنة"... كتاب يكشف وصفة شيخ الأزهر للإسلام العصري

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأحد 10 أبريل 202210:24 ص

يبدو الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر في مصر حذراً عندما يتكلم أو يكتب. فهو يدرك طبيعة الظرف السياسي الذي تعمل في ظله المشيخة، التي تجد نفسها في قلب أعاصير تهب عليها من الخارج والداخل تصل حد المواجهة مع مؤسسة الرئاسة أحياناً.

السلطة السياسية من جانبها تبدي بين الحين والآخر شعوراً بعدم الرضا عن دور الأزهر في حملتها ضد الأفكار التي تصفها بالظلامية. وفي أكثر من مناسبة ظهر التباين واضحاً بين الجانبين. وفي الوقت نفسه، تحمّل بعض الأطراف في القوى المدنية الأزهر ومؤسسة الفتوى (مستقلة عن المشيخة) مسؤولية استمرار توغل "الفكر المتطرف"، إذ يتهمون الأزهر بـ"التلكؤ في معركة التجديد"، وتبني بعض مشايخه أفكاراً تراها تلك القوى المدنية "رجعية". أما التيارات المتشددة، فإنها تنظر للأزهر بوصفه "مفرطاً" على الدوام. ووسط كل هذه التجاذبات تتضح أهمية كتاب شيخ الأزهر "الإسلام في القرن الحادي والعشرين... هكذا تكلم الإمام الأكبر" الصادر أخيراً عن دار بتانة في القاهرة.

السلطة السياسية من جانبها، تبدي بين الحين والآخر شعورها بعدم الرضا عن دور الأزهر في حملتها ضد الأفكار التي تصفها بالظلامية. وفي أكثر من مناسبة ظهر التباين واضحاً بين الجانبين

فوضى الطلاق

المطالبة بتحريم الطلاق الشفهي كانت سبباً في أزمة كبيرة بين المؤسستين السياسية والدينية في مصر. وتعود جذورها إلى ما يسبق تبني الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قضية تجديد الخطاب الديني. إذ كان الشيخ أحمد الطيب هو المسؤول الوحيد الذي اتخذ موقفاً ضد العنف الذي لجأت إليه الدولة في فض اعتصامَي رابعة العدوية والنهضة، وبقي في منصبه من دون أن يقال أو يسجن أو ينفى.

خرجت الأزمة بين مؤسستي الرئاسة والأزهر إلى العلن خلال الاحتفال بعيد الشرطة عام 2017، إذ ظهر الخلاف واضحاً بين الرئيس السيسي والشيخ الطيب. ففي حين ضغط الأول من أجل استصدار فتوى واضحةً تمنع الطلاق الشفهي، فإن الثاني لم يستجب للأمر.

في كتابه أصر الأمام الأكبر على أن ينأى بنفسه كليةً عن الحديث عن دعوات تحريم الطلاق الشفهي، وتناول الظاهرة في إطارها العام. يقول: "وفيما يتعلق بأمر فوضى الطلاق التعسفي بغير سبب معتبر شرعاً، قرر العلماء أنه حرام وجريمة أخلاقية يؤاخذ عليها مرتكبها يوم القيامة".

منذ مقتل عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، لم تتوقف فتنة الدماء في العالم الإسلامي حتى اليوم، إذ قتل آلاف من المسلمين بأيدي بعضهم بعضاً في الصراعات المذهبية التي أسفرت عن صراعات سياسية تتصل بالحكم والنفوذ

في ما يتصل باستغلال بعض الآباء حق الولاية الذي يكفله الشرع والقانون في منع بناتهن عن الزواج ممن يخترنه أو إجبارهن على الزواج ممن لا يرتضينه، يشدد الإمام الأكبر على حق المرأة في اختيار شريك حياتها، معلناً رفضه "تعنت بعض الآباء". فهو يرى أن ولاية الأب على ابنته قبل أن تتزوج "ليست شيكاً على بياض يسمح له بأن يفعل كل ما يحلو له". وهنا يرسي مبدأً هاماً: "لا يحق للولي منع تزويج المرأة برجل كفء ترضاه إذا لم يكن للمنع سبب مقبول. وللقاضي إذا رفع إليه أمرها أن يزوجها، وحمايتها من عضل ولي أمرها وحرمانها من الزواج ممن ترغب". لكن الشيخ يصر في هذا السياق على أنه ليس للمرأة أن تزوج نفسها، وأن توكل ولايتها إلى القضاء، لكون الولي "متعسفاً".

فتنة الدماء

منذ مقتل عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين، ثم عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، لم تتوقف فتنة الدماء في العالم الإسلامي حتى اليوم، إذ قتل عشرات الآلاف من المسلمين بأيدي بعضهم بعضاً في حروبهم من أجل المال والحكم باسم الدين، أو في الصراعات المذهبية التي أسفرت عن صراعات سياسية تتصل بالحكم والنفوذ.

تلك الحروب التي تثور بين فرق تدعي كل منها العصمة والعلم بصحيح الدين، وتزعم أنها ترفع راية الحق في مواجهة أهل الباطل، الذين ربما لا تتورع عن تكفيرهم. لهذا من المنطقي أن تستحوذ تلك القضية على اهتمام شيخ الأزهر في كتابه، لأن تلك الحروب التي دارت قبل 15 قرناً، لا تزال تحرك الحروب والاقتتال والصراع الإقليمي (السعودية وإسرائيل من جانب وإيران على الجانب الآخر نموذجاً). فلا يمكن أن نتحدث عن الإسلام في القرن الحادي والعشرين من دون أن نبدأ أولاً بإطفاء النار الرابضة تحت الرماد، فالحديث المكرر الذى حفل به الكتاب عن فضائل هذه الأمة الوسط التي ترفع العدل شعاراً لها لم يحل دون وقوع مئات المظالم في بلاد المسلمين، الذين بات كثيرون منهم يقرون بأنهم لا يتمتعون بالعيش في ظل العدالة واحترام إنسانيتهم إلا خارج حدود أوطانهم، كما أن ما يجري في بلداننا يثير تساؤلات منطقية عن حقيقة مفهوم "خير الأمم" الذي صدره الدكتور الطيب في مقدمة كتابه عندما تحدث عن الأمة الإسلامية.

يعترف شيخ الأزهر بصورة ضمنية بين السطور بعبثية المشهد الذي نعيشه منذ قرونٍ طويلة، والذي يدور في أغلبه حول صراع على العروش. في هذا الصدد يؤكد "أن الباحث عن أسباب إراقة الدماء في أي بلد عربي لن يجد وراءه سبباً ظاهراً، إلا أن هذا على مذهب كذا وهذا على مذهب كذا، مع العلم أن هذين المذهبين عاشا في كنف الإسلام خمسة عشر قرناً. لقد كان معروفاً تاريخياً وعلمياً أن الخلاف قديماً كان على المسائل السياسية، وهذا المعيار لايصلح أبداً أن يكون سبباً لفتنة يوقظها أعداء المسلمين". 

مدنية أم كهنوتية؟

شكّل نظام الحكم وطبيعة الدولة في الإسلام واحدةً من أكثر القضايا إثارة للجدل في تاريخ العرب، وبسببها دارت قبل زمن بعيد سجالات ما زال صداها يتردد حتى اليوم، وتدور في معظمها حول ثنائية الدولة المدنية والدينية. وفي واقعة دموية شهيرة، اُغتيل المفكر المصري فرج فودة عام 1992 عقب مناظرة في معرض القاهرة الدولي للكتاب حملت عنوان “مصر بين الدولة الإسلامية والدولة المدنية" ويحاول الإمام الأكبر في كتابه أن يضع حداً لهذا الخلاف بالقول: “الدولة في الإسلام ليست كما يقال زوراً وكذباً دولة دينية (كهنوتية) بالمفهوم الغربي، وكذلك ليست دولة مستبدة تجحد الدين وتحرم الناس مما يتضمنه من مصالح ومنافع وأمن وأمان".

وحول حديث “لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام" الذي يعتمد عليه بعض المتشددين في عدم جواز تهنئة غير المسلمين بأعيادهم، يحاول الطيب وضع الأمور في نصابها الصحيح "هل من المنطق أن يحكم حديث نقده علماء الحديث أنفسهم تصرفات بالغة القسوة والخطورة على سمعة المسلمين؟ إن هذا المنهج العلمي لا يقتضي بالضرورة الطعن في صحة ما في البخاري ومسلم، فما ذكره علماء الحديث رواية ودراية في أمر العلاقة بين الحديث الصحيح وبين وجوب العمل به، تندرج تحت ظله أحاديث كثيرة بعثت من مراقدها في العقود الماضية لتثير الفتنة بين المسلمين أو لتثير السخرية من السنة النبوية، أو لتسخر من مقام أئمة الحديث وكبار علمائه، كبعث حديث رضاع الكبير وأحاديث أخرى لا يتجاوز عددها أصابع اليدين". 

قدسية التراث

يبدو الطيب حريصاً عندما يتحدث عن قضية التجديد التي تحفل بها الكثير من الصحف والمواقع الرسمية المصرية، حتى لا يتحول الهدف إلى "معول هدم" يمس أصل الدين. يقول الشيخ الطيب: "إن التيار الجدير وحده بمهمة التجديد الذي تتطلع إليه الأمة هو الإصلاحي الوسطي، وأعني به التجديد الذي لا يشوه الدين ولا يلغيه. إن التراث كما ليس مقبولاً كله ليس مرفوضاً كله".

ينصّب الأزهر نفسه على الدوام حارساً للشريعة الإسلامية من أي انتقاد ويرى أنها مرنة ًومتطورة ًوقادرةً على مواكبة المتغيرات، ولكن السؤال يفرض نفسه بقوة إذا كانت كذلك بالفعل، فلم تستمر الأزمة الحادثة اليوم في الكثير من المجتمعات الإسلامية حول طبيعة الدور الذي يجب أن تلعبه الشريعة في عالمٍ معاصر؟

 يحاول شيخ الأزهر أن يقدم حلاً للمعضلة بالقول: "الإجابة في كلمة واحدة هي غياب التجديد، وهناك عوامل شكلت ما يشبه العوائق على طريق التجديد ومنها عدم التفرقة بين ما هو ثابت في الدين وما هو متغير، فصيغة معينة من الصيغ الفقهية في العصور الخوالي اكتسبت شرعية الثبوت وشرعية استبعاد الصيغ الأخرى التي تحقق نفس المقصد لا لشىء إلا لأن هذه الصيغة كانت على صورة معينة استحسنها نظام اجتماعي معين ويراد استدعاؤها اليوم".

لا شيء يشغل الناس في مجتمعاتنا اليوم أكثر من الفتاوى التي يبحثون فيها عن حكم شيء معين، وهل هو حلال أم حرام؟ حتى أن الأمر امتد إلى بعض الألعاب والمستحدثات التكنولوجية الجديدة. يلفت شيخ الأزهر في كتابه إلى أمر بالغ الأهمية يسقط سهواً من أذهان الكثير من اللاهثين خلف معرفة الحكم الشرعي في كل ما يعن لهم، وهو "هناك مساحة كبيرة من القضايا والأمور المتعلقة بحياة الناس تخلو تماماً من الأحكام الشرعية وخلوها من التكاليف وفراغها من الأحكام أمر مقصود من الشرع ".

بين الأخونة والدعشنة

لا تبدو الكثير من آراء الإمام الأكبر جديدةً أو صادمةً في محتواها، فهي تتسق مع ما أعلنه في أكثر من مناسبة، وهو ما يؤكده الصحافي أحمد المسلماني المستشار الإعلامي السابق لرئيس الجمهورية إذ يقول: “يمثل الكتاب مضمون أحاديث تلفزيونية للإمام الأكبر جرى بثها عام 2021 ".

ويضيف المسلماني الذي حرر الكتاب في تقديمه له: "أصبح الأزهر اليوم محاطاً باستقطاب حادٍ بين فريقين كلاهما ضده، فريق يريد دفعه إلى العلمانية والعمل كمؤسسة ناشطة في مجال الحريات بالمفهوم الغربي، والآخر يسعى بكل قوته إلى جره إلى قيادة حركات الإسلام السياسي وإلى الصدام مع الدين والدنيا، وداخل الفريق الأخير هناك من يريد (الأخونة) ومن يود (الدعشنة) ومن يدفع بقوة نحو (التسلُّف)".

 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image