"شو أعمى!"، و"ليش ما عم بتردّي؟ خرسا؟"، و"من بعد الحجر، رح نصير كلّنا عنّا توّحد!"، و"واحدة معاقة... واحد منغولي"؛ بصراحة، تلك عبارات من حوارات جزء لا بأس به من شعب لبنان، ومونولوغاته. حسناً، الأولى والثانية تذكّرانني بمعلمتي خلال الصفوف الابتدائية الفرنسية، عندما عرّفتنا على مصطلحَي: "les non-voyeurs"، و"les non-parleurs"، أيّ "غير الرّائين" و"غير المتكلّمين"، وتُستعملان كمرادفين لطيفين عند الحديث عن المعني/ ة أو مخاطبته/ ا.
أما بالنسبة إلى الثالثة، وانطلاقاً من ملامستي لعالم التوّحد عن كثب، فأدري أنّي كلما علمت عنه أدركت إلى أيّ مدى أجهله لغموضه وللاختلافات بين أفراده... وتبقى تلك "النكتة" سمجةً على كل حال، ولا تستأهل التوقف كما أمام التجارب والأبحاث الجادة.
وإذ حاصرت جائحة كورونا الكوكب مع بدايات الانهيار المحلي، قبيل تفجير نحو ثلث العاصمة بيروت، ينعكس عدم كشف أي ملابسات للجريمة بشكل رسمي، وعدم محاسبة أي معني وفق القانون، على شكل خطورة تصاعديّة في علاقات النّاس بالناس: فسلب السلطة لمؤسستها المؤتمنة عليها، وقطعها الكهرباء بينما يحاول مرضاها العيش تحت رحمة ماكينات التّنفس، وعبارة "دولتي فعلت هذا" على مقربة من جريمة المرفأ... كلّها تعني انفساخ عقد المواطَنة إلى أجلٍ ضبابي. ثم ما دامت فظائع من هذا الحجم والكمّ لا تُرى ولا تُسمع من قبل الحكّام وخلال السقوط، ستبدو كلّ الأمور مبررةً من قبل السكّان- بما فيها تنمّر الكبار الإلكتروني على الصّغار المعوّقين- خاصةً من جهة الفئات الشاعرة بفائض القوّة وإلى أوان الارتطام.
وبالفعل، هذا ما شهدناه قُبيل الانتخابات النيابية في لبنان، مرفقاً بتمنّي الإعاقة لجنين! وعلى الأرجح أن الآتي أعظم، طالما التّشافي وحده من الأزمة- التي لم تعد فقط اقتصاديةً- يتطلّب على أقل تقدير ضعف مدّتها، تلك الداخلة في سنتها الثّالثة.
متروكون نحن إذاً، خارج الزّمان والمكان، نربط رزم أوراق المئة ألف ليرة بـ"المغّيطة"، في حين هناك شعوب على أطراف الأرض قد استغنت عن بطاقاتها المصرفيّة، وباتت تفي بدل مشترياتها وخدماتها بواسطة ساعاتها الذكية. والسّؤال الآن: أيّ ثمن يدفع الضعفاء بصمت؟ ماذا عن أضعفهم من البنات والصبيان ذوات وذوي الإعاقة؟ وكيف يمكن تصوّر مستقبل هؤلاء النّفسي والجسدي وقد أفرز الصّراع القائم طبقةً فقيرةً مستجدّةً وأخرى غنيةً طارئةً، وتالياً ثقافة مغايرة ولم تكن في الحسبان؟
متروكون نحن إذاً، خارج الزّمان والمكان، نربط رزم أوراق المئة ألف ليرة بـ"المغّيطة"، في حين هناك شعوب على أطراف الأرض قد استغنت عن بطاقاتها المصرفيّة، وباتت تفي بدل مشترياتها وخدماتها بواسطة ساعاتها الذكية
في الواقع، لطالما خشي مجتمعنا من تسمية الأشياء بأسمائها، بل غالباً ما يجنح نحو التطرّف ساعة تطلع المواقف العامة عن نطاق راحته الخاص. هو يرفع المعوّق/ ة إلى مرتبة البطل الخارق المستحق للتصفيق إذا أنجز/ ت عملاً معيّناً بعد جهود شاقة؛ وهو نفسه ينزل المعوّق/ ة ذاته/ ا إلى مرتبة المسكين والمحتاج إلى شفقة آنيّة ودموع غزيرة في أثناء المناسبات الدينيّة ولدى جميع الطوائف. عزز الإعلام بدايةً هذه الفكرة الرعائية-الفوقية، وعمّقتها لاحقاً وسائل التّواصل التي روّجت واسعاً لتسميات مثل "أصحاب الهمم" و"متلازمة الحب"، ضاربةً "الحاجات الخاصّة" التي تدنو إلى حدّ ما من الموضوعية العلمية-العملية ولو تضمنّت ارتياباً مهيباً من "خدش" المشاعر، بعرض الحائط.
لكن لحظة، في 21 تموز/ يوليو 2021، أصدرت الأمم المتّحدة وثيقةً بعنوان واضح يقول: "اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة"، وفيها عنوانان للمادتين السادسة والسابعة يقولان: "النساء ذوات الإعاقة" و"الأطفال ذوو الإعاقة"، هكذا بلا مواربة. وهي تنصّ في مبادئها العامة (المادة الثالثة-د)، على "احترام الفوارق وقبول الأشخاص ذوي الإعاقة كجزء من التنوع البشري والطبيعة البشرية"، أيّ أنّ هؤلاء ليسوا مضطرين أبداً إلى إثبات أيّ قدرات خارقة ولا استجداء أيّ عاطفة جيّاشة من أجل نيل مطلق حقّ، وأن من الجدارة إبقاء العيون والآذان مفتوحةً في بلدنا على الأغلبيّة الباقية من حكّام "لا ثقة" بهم، والأذهان مذهولةً مقابل أفكار مستقوين يرون أنواع الإعاقات- كما أيّ اختلاف في الشّكل أو المضمون- بمثابة شتائم للتّحقير والتّهميش.
السّؤال الآن: أيّ ثمن يدفع الضعفاء بصمت؟ ماذا عن أضعفهم من البنات والصبيان ذوات وذوي الإعاقة؟ وكيف يمكن تصوّر مستقبل هؤلاء النّفسي والجسدي وقد أفرز الصّراع القائم طبقةً فقيرةً مستجدّةً وأخرى غنيةً طارئةً، وتالياً ثقافة مغايرة ولم تكن في الحسبان؟
لا أنتخب عادةً وأفكّر في أنّ قانون الانتخاب الحالي مسنون ليعيد إنتاج الطّبقة الحاكمة إلى الأبد. لا أندم وأؤمن بأنّ عبور المرحلة بصدق مع الذّات، أهمّ من تسجيل شعبويّ للنّقاط، وأعترف بأنّي عشت بين ليل/ صباح 16/ 17 أيّار/ مايو الحالي مسّاً من "نشوة نصر" المرشّحين/ ات بين رجال الثّورة ونسائها.
لكنّ الفوز على تلك الشخصيات الموغلة في التقليدية الاجتماعية والتوريث السياسي، لن يشكّل حاصلاً في حسابات التاريخ الحديث إن لم تتم محاسبة المسؤولين/ ات عن تفريغ المؤسسات الرسمية من مهامها، وعن قتل الناس وعطبهم في 4 آب/ أغسطس 2020. من غير المقبول أن تمرّ ولاية كتلة التغيير وتبقى جرائم السنوات الأخيرة من دون عقاب. بعدها، قد أدلي بصوتي في صندوق ما!
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع