شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
أحتاج إلى رجل يسمع أكثر مما يتكلم

أحتاج إلى رجل يسمع أكثر مما يتكلم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة

الأربعاء 25 مايو 202210:29 ص

شكا صديق لي في أحد لقاءاتنا من صديقه، قائلاً إنه يتحدث كثيراً ولا يعطيه فرصة للحديث. وفضلاً عن ذلك، يكرر ويعيد حكاياته السابقة في كل مرة يراه فيها. الغريب أن صديقي، صاحب الشكوى تلك، يفعل معي الأمر نفسه. فما يعانيه مع صديقه وما أعانيه أنا معه يتشابهان في فكرة عدم الاستماع للطرف الآخر، مع اختلاف التطبيق. هناك صور مختلفة لعدم الاستماع، وكلها لا تنم سوى عن عدم الاهتمام الكافي. ولكن الغريب أن معظم هذه الصور تشكلت أمامي من خلال رجال. بالتأكيد هي صفة قد يمتلكها البعض ويفتقدها البعض الآخر، ولكن من بين كل الفتيات والسيدات اللواتي أعرفهن، هناك امرأتان أو ثلاث على الأكثر لا يتقن فن الاستماع، وبعضهن يقمن بمحاولات. بينما من بين كل الرجال الذين عرفتهم، لم يكن من بينهم سوى رجلين أو ثلاثة يتقنون فنّ الاستماع. 

لي صديق - وهو مستمع جيد جداً - قال لي ذات مرة تعليقاً على الأمر أنه حتى الرجل الذي لا يمكنه الاهتمام أو الاستماع لكل من حوله، يُكرس طاقته لإنسان واحد فقط. وعلى الأغلب يكون هذا الإنسان حبيبته أو زوجته

الاستماع يساوي الاهتمام 

صديقي الذي ذكرته، يعطيني فرصة للحكي والإفصاح عما بداخلي، ولكنه لا ينصت للحديث. حقيقةً، ينظر إليّ وكأنه يسمعني بينما يكون هو غارقاً في أفكاره. والأسوأ أنه أحياناً يُبرز لي أنه بالفعل لا يستمع إليَّ، فينشغل بهاتفه الشخصي. وبعد أن ينجز ما يفعله، ينظر إليَّ ويقول لي بكل لطف: "وأنتِ عاملة إيه؟". فأكتفي بأن أقول له "بخير". لا أعرف لماذا لا أصرخ في وجهه، وأوبخه، وأقول له: "لست بخير، وبحاجة إلى أن تنصت إليَّ". وأكثر ما كان يُزعجني في الأمر، وجود مشاعر إعجاب متبادلة بيننا خلال فترة من الوقت. وبالإضافة إلى أنّني شخص يستمع للآخرين، كنت أبذل قصارى جهدي معه لأشعره بالاهتمام اللائق بخصوصية علاقتنا، وأتفاعل معه بقدر استطاعتي. في المقابل، لا أتذكر أنه استمع إليَّ بإنصات واهتمام في مشكلة تخصني سوى مرتين خلال عامين. لي صديق - وهو مستمع جيد جداً - قال لي ذات مرة تعليقاً على الأمر أنه حتى الرجل الذي لا يمكنه الاهتمام أو الاستماع لكل من حوله، يُكرس طاقته لإنسان واحد فقط. وعلى الأغلب يكون هذا الإنسان حبيبته أو زوجته. وضرب لي مثالاً بصديق له لا يستطيع الاهتمام إلا بزوجته. آلمني حديثه لأني شعرتُ أن هذا الإنسان لم يكن يبادلني مشاعر حقيقية، لذا لا يرغب في تكريس طاقته لي. 

 أدركت من أحاديثه عن زوجته أنه، تقريباً، لا يدور بينهما حوارات كالتي تدور بيننا. لا يسمعها ولا تسمعه. أنا من كنت أسمعه، فمالت مشاعره لمن يسمعه، ويهتم لأمره

وعندما تناقشت مع زميل آخر في الوسط الثقافي بشأن الموضوع، قال لي: "الرجل يُفضل ألا ينصت لحديث المرأة التي تحبه على أن يستمع إليها وهو لا يستطيع أن يجد حلاً لمشكلاتها. وهو من المفترض رَجلها وسندها". عندما فكرت في الأمر، لم أقتنع به كثيراً فلم أعرف رجلاً يعاني من إيجاد الحلول، ثم إنّ إيجاد الحل وتقديم المساعدة أمر، والقدرة على الاستماع أمرا آخر مختلف تماماً. 

المرء يميل لمن يسمعه 

في أحد الأماكن التي عملت فيها، كان مديري يعتبرني صديقة له، ويحكي لي عن أزماته الشخصية. في حين أنه في المكان نفسه، يعمل معنا أصدقاء له منذ طفولته، ولكنه لم يكن يحكي لهم عما يضايقه إلا فيما ندر. وهم أنفسهم لم يعيروه اهتماماً لكونه يأتي يوماً تلو الآخر ومزاجه متعكر. ربما لأن اهتمامهم سيجعلهم يستمعون إليه، وهي المهمة التي أدركت من زمالتي أنهم لا يُجيدونها. 

بالنسبة إليَّ، شريك المرأة ارتضى أن يكون المستمع الخاص بها رضى ضمنياً بمجرد أن أصبح شريكها. وأقل ما يمكن أن يقدمه لي شريكي هو أن يسمعني.

وفي مكان عملي نفسه، كان زميل منهم متزوجاً. وعندما كنا نجلس معاً، كان يحكي لي عن كل شيء يختلج في صدره، كان يقول لي: "أنا أتفه من كده، معاكي بتكلم في مواضيع عميقة". مع الوقت، ومع استماعي إليه دائماً، وهو الأمر الذي لاحظت أنه لا يتقنه، فلم تكن يوماً الأحاديث متبادلة. شعرت أنه بدأ يميل لي، بل انفرطت منه الكلمات ذات مرة، وعبر لي عن مشاعره التي كانت يجب أن تظل في طي الكتمان. التزمت الصمت وكأني لم أفهم ما يعنيه. ولمَّا شعر تجاهي بهذا، رغم اختلافاتنا الجسيمة، ورغم أنه رجل متزوج، أدركت من أحاديثه عن زوجته أنه، تقريباً، لا يدور بينهما حوارات كالتي تدور بيننا. لا يسمعها ولا تسمعه. أنا من كنت أسمعه، فمالت مشاعره لمن يسمعه، ويهتم لأمره. 

الإحساس بالذات وتمثيل الاهتمام 

لي صديق آخر لديه إحساس واهتمام بالذات زائد عن الحد، يجعله طوال الوقت يهتم بأن يكون بؤرة الحديث. فإما أن يمسك بدفة النقاش ونحن نستمع إليه، أو أنّ أحاديث الآخرين تنطلق تعليقاً على الموضوع الذي رواه. فهو لا يسمح لأحد بأنْ ينتشل منه دائرة الاهتمام أو مركز الحديث. وصديق ثالث يستمع للآخرين إرضاءً لفضوله لا أكثر. يُنصت عندما يريد أن يعرف معلومة معينة عن الشخص الذي أمامه. نعم، الفضول صفة يتقاسمها الجنسان. ولكن بالنسبة لصديقاتي الفضوليات، ينتهي بهنّ الأمر عند إشباع فضولهن بالمعلومة. وأما صديقي، فقد يستغل فضوله - الذي أعطاه فرصة الاستماع لتمثيل الاهتمام. فيقرر أحياناً تمثيل الاهتمام والقدرة على الاستماع في بداية معرفته بفتاة جديدة حتى يجذبها إليه، ولكنه في الواقع لا يهتم ولا يستمع. 

أن تمتلك الصفة أو لا تمتلكها 

أثناء ممارستي لعملي الصحافي، أستمع إلى الكثير من الحكايات على اختلاف مصادرها. وهناك حكايات تستنفد كل طاقتي لاهتمامي الزائد بها. ولكن، ولا مرة جلست إلى جانب أحدهم وهو يحكي، واستمعت إليه بنصف عقل أو نصف قلب، فالاستماع يساوي الاهتمام. ومن حق الجميع الحصول على الاهتمام ما دمت ارتضيت أن تكون مستمعه. 

أثناء ممارستي لعملي الصحافي، أستمع إلى الكثير من الحكايات على اختلاف مصادرها. وهناك حكايات تستنفد كل طاقتي لاهتمامي الزائد بها. ولكن، ولا مرة جلست إلى جانب أحدهم وهو يحكي، واستمعت إليه بنصف عقل أو نصف قلب، فالاستماع يساوي الاهتمام

حدثَ أن قررتُ الانقطاع عن هؤلاء الذين تحدثت عنهم بسبب شعوري بالاستنزاف، وشعوري بأنني الطرف الذي يستمع دائماً إليهم، فأصبح حقاً مكتسباً لهم أن أستمع إليهم حتى وأنا بحاجة إلى الحديث. فشرعوا بالاتصال، وإرسال الرسائل للاطمئنان عليَّ، وحاولت أن أشرح لهم بأني لست في أفضل حالاتي وفي حاجة إلى من ينصت. فأبدوا رغبتهم في الاستماع إليّ، وقررت إعطائهم الفرصة لتغيير هذه الفكرة. وما إن بدأت في الكلام حتى حدث ما يحدث في كل مرة. فأحدهم بدأ يقدم حلولاً واهية قبل أن أستطيع استكمال حديثي معه، رغم أني أعربت له أني في حاجة لمن يستمع دون اقتراح حلول. والثاني أخذ يعكس أطراف الحديث على نفسه فأصبحنا فجأة نتحدث عنه لا عني. والآخر لم يهتم كثيراً، فندمت على الحكي مثل كل مرة. الرجلان أو الثلاثة الذين عرفتهم ويمتلكون القدرة على الاستماع، وعلى اختلاف طريقة تفاعلهم مع المتحدث، يستطيعون الاستماع في أي وقت دون كلل، ودون قطع الحديث. وهم أيضاً من يعطوني الأمل في إيجاد رجل يسمع. فبالنسبة إليَّ، شريك المرأة ارتضى أن يكون المستمع الخاص بها رضى ضمنياً بمجرد أن أصبح شريكها. وأقل ما يمكن أن يقدمه لي شريكي هو أن يسمعني.



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard