في سابقة هي الأولى من نوعها، عصفت حرب الانقسامات بإحدى المنظمات النقابية الكبرى الثلاث في تونس، وهي "الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري"، الذي يُعنى بالدفاع عن العاملين في قطاعي الزراعة والبحر، ويمثل مصالحهم في مواجهة الصعوبات التي يمر بها القطاع.
يدور النزاع حول رئاسة الاتحاد اليوم، إذ سُحبت الثقة من رئيسه عبد المجيد الزار، وتم تعيين نائبه نور الدين بن عياد خلفاً له، فيما سارع الاتحاد إلى التأكيد على أن قرار السّحب ملغيّ، فيما استند مؤيدو الإطاحة بعبد المجيد الزار إلى "دعوات رئيس الجمهورية إلى تطهير اتحاد الفلاحة من رئيسه".
"بإيحاء رئاسي"
عقد المجلس المركزي لاتحاد الفلاحين يوم 18 أيار/ مايو الجاري، اجتماعاً تقرّر على إثره انتخاب نور الدين بن عيّاد بالإجماع رئيساً للاتحاد خلفاً لعبد المجيد الزار. وأكد بن عياد في تصريحه لوسائل إعلام محلية أن الجلسة قانونية، وأن النصاب القانوني كان متوفراً بشهادة شاهدي عدل، وأنه تالياً رئيس الاتحاد الجديد الذي صوّت له زملاؤه، وأنه لا ينقلب على المنظمة.
وصرّح بن عياد بأن "رئيس الجمهورية قيس سعيّد مستاء تمام الاستياء من رئيس المنظمة وتم شبه تجميد نشاطها أو عدم استقبال رئيسها، لوجود شبهات تتعلق به. لن ندخل في التفاصيل إلى أن يثبت القضاء ذلك. رئيس الجمهورية قال بما أن رئيس المنظمة على رأسها فلن أقبل التعامل مع الفاسدين والسارقين، وقال لي حرفياً: طهّروا المنظمة من شخص رئيسها وبلّغت ذلك لعبد المجيد الزار بكل أمانة، وعرضت عليه مطالب الرئيس لكي تكون المنظمة في الإطار المطلوب لكنه تعنّت ورفض الاستقالة".
يدور النزاع حول رئاسة اتحاد الفلاحين، إذ سُحبت الثقة من رئيسه عبد المجيد الزار، وتم تعيين نائبه نور الدين بن عياد خلفاً له، فيما سارع الاتحاد إلى التأكيد على أن قرار السّحب ملغيّ
في المقابل، نفى اتحاد الفلاحة سحب الثقة من رئيسه، وأصدر بياناً أكد فيه أن الجلسة التي عقدها بعض أعضاء المجلس المركزي تُعدّ ملغيةً لما تضمنته من خروقات للنظام الأساسي للاتحاد الذي ينص في فصله الرابع عشر على أن "المجلس المركزي يجتمع بدعوة من رئيس الاتحاد أو بطلب كتابي موقّع من طرف نصف أعضاء المجلس المركزي"، بالإضافة إلى أن الاجتماع المنعقد لم يبلغ عدد المشاركين فيه النصاب القانوني حسب الفصل 80 من النظام الأساسي.
في تعليقه على ما وقع، تحدث عبد المجيد الزار في تصريح عن استقبال رئيس الجمهورية ستة أعضاء من المكتب التنفيذي والحديث معهم من دون حضور الرئيس، واستدعاء النائب الثاني لرئيس الاتحاد في مناسبة أخرى، عادّاً أن موافقته على ذلك كانت في إطار تهدئة الأوضاع.
واتّهم الزار قيس سعيّد بالدفع نحو شقّ المنظمة وضربها من الداخل، عادّاً أن ما حدث خيانة مؤتمن وأن إبعاده من الاتحاد بهذه الطريقة إضعاف للاتحاد في حين أن طريقة التداول على الرئاسة يُفترض أن تكون بطريقة ديمقراطية وشفافة وأن يقع التجديد الهيكلي في المؤتمرات وليس بطرق خبيثة على حدّ وصفه.
يرى الزار أن موقف رئيس الجمهورية من شخصه يُعزى في الأساس إلى انتمائه "سابقاً" إلى حركة النهضة، قائلاً: "المفروض أن يتم احترام إرادة الفلاحين. ليس لدي أي ارتباط تنظيمي وإذا كان الإقصاء على الأفكار فهذا شيء آخر، أما إذا كان يتعلق بقضايا فساد فيُفترض انتظار رأي القضاء. لماذا تصدر أحكام وتُتخذ إجراءات من دون أن يقول القضاء كلمته؟".
جدير بالذكر أن عبد المجيد الزار كان قد استقال من مجلس شورى حركة النهضة سنة 2012، قبل تقلّده منصبه على رأس اتحاد الفلاحة سنة 2013.
وصاية على المنظمات؟
في هذا الصدد، عقد اتحاد الفلاحة جلسةً جدد فيها تأكيده على ضرورة التمسك بالشرعية والنأي بالمنظمة عن أي تجاذب وصراع، والتصدي لكل من يحاول ضربها أو تجاوز نظامها الأساسي، كما قرّر جزء من قياداتها الاعتصام داخل مقرها ومنع "الرئيس الجديد" من دخوله ما لم يثبت ذلك قانونياً.
وقال أمين مال الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، قريش بلغيث، إن أعضاء المكتب التنفيذي والمكتب المركزي للاتحاد يرون أنه لا مجال للاستقواء بأي طرف من الأطراف الأخرى، وإن مؤسسات الدولة ليست وصيةً على المنظمات ولا على الأحزاب والجمعيات وفي حال وجود خروقات أو ما يخالف القانون فمن حق الدولة أن تقوم بالإجراءات القانونية اللازمة.
بتشجيع من الرئيس قيس سعيد، أقدم قياديون في اتحاد الفلاحة التونسي، على الانقلاب على رئيس الاتحاد. لكن الأخير وأنصاره متشبتون بـ"القانون". انقسام في نقابة الفلاحين والبحارة الأولى في تونس
أضاف بلغيث في حديثه إلى رصيف22: "أن يقوم بعض الأطراف بالمغالبة وبدعم من رئيس الجمهورية الذي أشار على نور الدين بن عياد بتطهير المنظمة أمر مرفوض. عملية التطهير لا تكون إلا بالقضاء وبطريقة قانونية وليس بالانقلاب وبالاعتماد على وعود رئيس الجمهورية. بن عياد له برنامج خطير جداً وسبق له أن ترأس الاتحاد لفترة وجيزة إبان الثورة فعمد إلى حلّ المكاتب المحلية وتوجه نحو الاتحادات الجهوية، وهذا ما سيعتمده لتطهير المنظمة. في نظرهم سيطهّر الاتحاد من عبد المجيد الزار لكنه سيدجّن المنظمة لتصبح يداً من أيادي السلطة لضرب بقية المنظمات"، مشدداً على أنه لن يتم القبول بذلك وأن منظمة الفلاحة ستظل مستقلةً والقانون الأساسي الذي ينظمها لا يسمح لأي شخص بالتدخل في الشأن الداخلي للاتحاد، كما أعرب عن احترامه لمؤسسات الدولة و"لرئيس الجمهورية الذي هو رئيس كل التونسيين".
وأكد بلغيث أنه وأعضاء المكتب المركزي والتنفيذي للاتحاد مجتمعون في المقر لحماية المنظمة وليس رئيسها، وإذا أدين الزار بصفة قانونية فسيتمّ احترام القضاء، لافتاً إلى أن رئيس الاتحاد في صدد تسيير دواليب المنظمة بالتنسيق مع المؤسسات والإدارات الجهوية بكل أريحية، وأنه لا مجال لدخول بن عياد إلى المقرّ لافتقاده أي صفة قانونية تخوّل له ذلك وبإمكانه التوجه نحو القضاء لإثبات نزعه للزار من منصبه بصفة قانونية.
سمح القضاء التونسي في شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، بفتح تحقيق في حقّ رئيس اتحاد الفلاحة والصيد البحري عبد المجيد الزار، بتهم الاحتكار والخيانة الموصوفة والاستيلاء على أموال عامة
كما أشار أمين مال الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، إلى أن بن عياد يؤكد منذ أشهر وخلال انعقاد المكتب التنفيذي بأن رئيس الجمهورية يحث على نزع الزار من منصبه مقابل تمكين الاتحاد من منحته، مضيفاً: "لا نرغب في المنحة والمرأة الشريفة تموت واقفةً. نحن شرفاء وفلاَّحون أبناء فلاّحين، وانتُخبنا من قبل فلاحين ولا نقبل المرور بالقوة".
ولفت المتحدث إلى أن القانون الأساسي للمنظمة يحميها من التحزب، ولكن حق الانتماء الفكري والسياسي غير ممنوع ومكفول في الدستور الذي يتشبث بمقتضياته، داعياً رئيس الجمهورية إلى إصدار بيان في هذا الشأن بتعهد فيه بألا يتدخل في المنظمات وبأن اتحاد الفلاحة منظمة حرة.
كما توجه برسالة طمأنة إلى الفلاحين بأن ما يحدث لن يؤثر على عمل المنظمة وسير عملها.
الزار و"تهمة الاحتكار"
سمح القضاء التونسي في شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، بفتح تحقيق في حقّ رئيس اتحاد الفلاحة والصيد البحري عبد المجيد الزار، بتهم الاحتكار والخيانة الموصوفة والاستيلاء على أموال عامة.
وأكد المتحدث باسم محكمة الاستئناف في تونس العاصمة، الحبيب الترخاني، أن "الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف في تونس أذِن لوكيل الجمهورية في المحكمة الابتدائية في تونس، بفتح تحقيق ضد رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري عبد المجيد الزار، وكل من سيكشف عنه البحث عن جرائم الاحتكار والخيانة الموصوفة والاستيلاء على أموال عمومية"، لافتاً إلى أن هذا "القرار جاء إثر إذن صادر عن وزيرة العدل ليلى جفال، بتتبع الزار طبقاً لأحكام الفصل 23 من قانون الإجراءات الجزائية".
في تعليقه، أكد الزار أن القضاء لم يوجه إليه استدعاءً، ولم يتمّ إعلامه رسمياً على الرغم من أن وزيرة العدل هي التي أذنت بفتح إذن بالتحقيق منذ كانون الثاني/ يناير الماضي، قائلاً: "إذا كان هناك إثراء غير مشروع فتفضلوا، لدي مدجنة (مزرعة دواجن) وحيدة أمتلكها منذ سنة 1996، عندما كنت ملاحقاً من نظام بن علي".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومينأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومينحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 5 أيامtester.whitebeard@gmail.com