"منشور جديد لخلق الفتنة"؛ بهذه العبارة علّق أيوب على صورة نشرتها صفحة على فيسبوك تحمل اسم Wormaroc، ويتابعها أكثر من 400 ألف شخص. جاء في الخبر المرافق للصورة أن حكماً إسرائيلياً يدعى أوريل غرينفيلد، سيدير المباراة الكروية التي تجمع المنتخب المغربي بنظيره الجزائري ضمن منافسات كأس العرب لسنة 2021.
تابعنا المباراة التي جمعت المنتخبين في يوم 11 كانون الثاني/ ديسمبر الماضي، والتي انتهت بفوز المنتخب الجزائري، واكتشف جزءٌ من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بشكل متأخر، بعدما شاركوا الخبر مئات المرات وأمطروه بآلاف التعليقات، أن الحكم البرازيلي ويلتون سامبايو، هو من أدار المباراة في الحقيقة، ولا وجود أصلاً لأي حكم إسرائيلي في لائحة حكّام منافسات كأس العرب. خبر إدارة حكم إسرائيلي للمباراة المغاربية كان إذاً زائفاً.
ساحة لتعميق الأزمة
مثل هذه المحتويات التي تركز على نقاط خلافية بين المغرب والجزائر، ليست استثناءً على وسائل التواصل الاجتماعي، فمنذ احتدام الأزمة السياسية بين البلدين خلال السنتين الأخيرتين، والتي انتهت بقطع الجزائر لعلاقاتها الدبلوماسية مع الرباط، وإغلاق مجالها الجوي أمام المغرب، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي تضج بالأخبار التي تواكب تطورات هذه الأزمة، ووجدت فيها بعض الصفحات فرصةً للظهور ولكسب التفاعل من خلال الترويج لمحتويات عن البلدين، من دون حساب نتائجها التي قد تلقي بآثارها على الشعبين في الدرجة الأولى، عبر تكريسها لخطاب كراهية يركز على الخلافات السياسية وتبادل الرسائل العدائية بين مواطني المغرب والجزائر.
في استطلاع للرأي شمل مئة مواطن مغربي وجزائري، أجريناه لقياس مساهمة وسائل التواصل الاجتماعي في تنامي خطاب الكراهية بين مواطني البلدين الجارين، أظهرت النتائج أن 62% من المشاركين عدّوا مساهمة وسائل التواصل الاجتماعي ذات قدر كبير في تأجيج هذه الظاهرة.
يشرح يونس مسكين، الصحافي المغربي والباحث في العلوم السياسية، أن هناك عوامل عديدةً، تاريخيةً وجغرافيةً وسياسيةً، جعلت من الاهتمام بأخبار البلدين، المغرب والجزائر، متبادلاً وكبيراً من الجانبين.
ويسترسل مسكين قائلاً إن هذا الاهتمام كان يتوزع في السابق بين دعاية سياسية يقوم بها النظامان السياسيان عبر وسائل الإعلام التابعة لهما، بينما كان الشعبان يتواصلان ويتبادلان التفاعل عبر وسائط أخرى، فنية وثقافية وعلمية، لكن مع ظهور الشبكات الاجتماعية، حدث نوع من التحول في طبيعة التفاعل بين مواطني البلدين، فأصبحت المنصات نفسها تنقل كل المواقف السياسية الرسمية، التي تتسم عموماً بالصراع، وما حصل في النهاية، بحسب مسكين، أن الطبيعة الصدامية التي يتسم بها المجال السياسي، هيمنت على التفاعل الجاري بين البلدين، والتحق المواطنون بالاستقطاب المزمن بين النظامين السياسيين.
خلل معلوماتي في خدمة العداء
عُرضت على المشاركين في استطلاع الرأي الذي أجريناه، مجموعة من الاختيارات التي تشكل بعضاً من المحتويات المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي رجحنا من خلال معاينتنا لطبيعة التفاعلات التي تحصدها أنها قد تكون مساهمةً في تنامي خطاب الكراهية بين المغاربة والجزائريين.
تحولت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي إلى ساحات حرب تذكي نار الصراع بين مواطني الجزائر والمغرب عبر الأخبار الزائفة
88% من المستجوبين اتفقوا على أن الأخبار الزائفة التي تتناول مواضيع تخص البلدين لها دور في تنامي خطاب الكراهية.
بالتركيز إذاً على الخلل المعلوماتي المتمثل في المحتويات الكاذبة والمضللة، بغية رصد مكامن خطاب الكراهية الذي يوجه ضد المواطن المغربي أو الجزائري، تم تحليل أكثر من 200 تعليق كتبه مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي تفاعلاً مع محتويات زائفة تهم الطرفين في الفترة الممتدة من شهر كانون الثاني/ ديسمبر 2021، إلى شهر أيار/ مايو من سنة 2022، وحُدِّد عدد المحتويات في ستة أخبار زائفة تم دحضها والتبليغ عنها بواسطة خدمة تقصّي صحة الأخبار التابعة لوكالة فرانس برس.
اتضح من خلال تحليل التعليقات أنها تنقسم في الغالب إلى تعليقات تنطوي على رسائل تسخر من الجانب الآخر وتنقص من قدره، وتعليقات تبدأ بملاسنات لتنتهي بشتائم وكلمات بذيئة، وقليل من هذه التعليقات يمكن أن نلمس فيه دعوة إلى الهدنة والسلام بين أطراف الخلاف، ما يشير إلى أن المحتوى الزائف نفسه قد انطوى على رسالة تحريضية ضد المغرب أو الجزائر.
وبلغت التعليقات التي تشمل عبارات الشتم والسخرية، نسبة 81%، ما يعكس حجم رسائل الكراهية والعداء التي تنتجها آلة الأخبار الزائفة حينما يتعلق الأمر بالعلاقة بين المغاربة والجزائريين.
التطبيع، الوضع الاقتصادي، المؤامرات... أبرز الأخبار الزائفة
منذ إعلان المغرب عن استئناف العلاقات مع إسرائيل عبر إعادة فتح مكتب الاتصال بالرباط، وما خلفه الحدث من ضجة إعلامية غير مسبوقة، صارت صفحات جزائرية تتفاعل باستمرار مع هذا القرار الذي يخالف توجهات الجمهورية، سواء بالتعليق على وقائع حقيقية، أو بالترويج لمنشورات مضللة، فتارةً تنشر هذه الصفحات صورةً مفبركةً لملك المغرب وهو يقف أمام حائط المبكى إلى جانب بنيامين نتانياهو، وتارةً أخرى وهو يقرأ التوراة في معبد يهودي، ليتفاعل معها الآلاف قبل أن تفندها منصات تدقيق المعلومات.
التركيز على موضوع التطبيع مع إسرائيل لم يكن من قبل الجزائريين فحسب، فحتى الجماهير المغربية حاولت تناول الموضوع بطريقة استفزازية، وهذا ما لوحظ بشكل خاص خلال الدورة الأخيرة لكأس العرب حينما ادّعت صفحات مغربية بأن حكماً إسرائيلياً سيدير المباراة التي ستجمع المغرب والجزائر، وهو الخبر الذي فتح الباب أمام سخط جزائري رافقه استياء المغاربة الرافضين للتطبيع، وترجمته تفاعلات من الجانبين.
بالحديث عن كأس العرب، فالمناسبات الكروية كانت أكثر المناسبات التي يُعرف فيها منحى الأخبار الزائفة تصاعداً ملحوظاً، يمكن استشعاره من خلال تداعيات المباراة التي خسر فيها منتخب الجزائر فرصة التأهل إلى مونديال 2022، فقد عمدت صفحات الجماهير الجزائرية الغاضبة من باكاري غاساما، "الحكم الفاسد" (كما يصفونه)، الذي تولى تحكيم المباراة، إلى الترويج لمنشورات زائفة تدعم فرضية وجود مؤامرة مغربية لإقصاء الجزائر عبر منح رشوة للحكم الغامبي، آخرها مقطع فيديو مضلل يزعم تواجد الحكم في المغرب قبيل المباراة.
بعيداً عن المناسبات الرياضية التي يُنتظر منها صنع الفرجة والترفيه لا العداء والكراهية، لا تغيب الأوضاع الاقتصادية والسياسية عن مواضيع الصفحات المنكبَّة على تغذية العداء بحطب الأخبار الزائفة، فكثيرة هي الصور المنزوعة من سياقها التي تدّعي "توثيق" حجم الأزمة الاقتصادية بالجزائر، وأخرى تريد إخبار المتلقي بوجود أزمة اجتماعية أو سياسية في المغرب.
هي مواضيع ضمن أخرى، مختلفة ومتعددة، لكن تشترك في كونها تركز على ما يفرّق أكثر مما يجمع البلدين الجارين، ويكاد يظهر أن غرضها بالإضافة إلى التفرقة هو خدمة بروباغندا تبادر إليها وسائل إعلامية من كلا الجانبين.
يلاحظ في الصفحات التي لها سوابق في نشر الأخبار المضللة عن المغرب أو الجزائر، كونها صفحات كبيرة لديها متابعون بمئات الآلاف، وغالباً ما تكون في اسمها إشارة إلى البلد الذي تنتمي إليه، وباستثناء الأخبار الزائفة فهي عادةً ما تنشر أخباراً إيجابيةً عن البلد الذي تمثله.
ليست الصفحات المجهولة الهوية وحدها من تساهم في هدا الخلل المعلوماتي، فقد نرصد أيضاً حسابات لإعلاميين بعلامة زرقاء (صفحات رسمية للإعلاميين) وهي تنخرط في الترويج للزيف بخصوص البلدين.
يرى عبد القادر بنمسعود، وهو صحافي ومدقق حقائق جزائري، أن الأخبار الزائفة والمضللة اليوم صارت سلاحاً يُستعمَل في الأزمات بشتى أصنافها، والأزمة السياسية بين الجزائر والمغرب أبرز مثال على ذلك. بحسب قوله انتشرت العديد من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي في البلدين وظيفتها الأساسية هي صنع إشاعات وأخبار مفبركة تستهدف المغرب والجزائر على حد سواء وترويجها، وذلك في إطار الصراع السياسي بين النظامين الجزائري والمغربي، فسقط المواطن في فخ هذه الصفحات وصار بدوره عبارةً عن منشِئ للأخبار المضلّلة أو على الأقل يتداولها من دون تحقق من صحتها، يشرح بنمسعود.
يتفق يونس مسكين مع هذا الطرح، ويرى بدوره أن هناك آلةً دعائيةً قويةً تحركت في الفترة الأخيرة، بالرغم من الخطاب الرسمي الحريص على التهدئة وإلقاء ملك المغرب لخطب رسمية في هذا الاتجاه المائل إلى المصالحة واليد الممدودة، حسب تعبيره. وعاد مسكين بذاكرته إلى ثلاث سنوات خلت، ليؤكد أن المزاج العام للمواطنين المغاربة لم يكن يقبل الإساءة المجانية إلى الجزائر والجزائريين، مذكراً كيف كانت الجماهير المغربية تخرج في الشوارع للاحتفال بفوز الجزائر بكأس إفريقيا عام 2019.
ويرى بنمسعود أن السبب الرئيسي في استعمال الأخبار المفبركة في الأزمة السياسية بين المغرب والجزائر يعود إلى سببين، الأول طبيعة النظامين في البلدين وما يصفه بالغموض الكبير الذي يرسم ملامحهما، وتالياً فهو لا يستبعد أن تكون هناك حرب أخبار مضللة بين النظامين على مواقع التواصل الاجتماعي، والسبب الثاني بحسب رأيه يعود إلى تحمس مواطني البلدين وذلك بمواجهة خبر كاذب من جهة بخبر آخر كاذب ومضلل من الجهة الثانية، وهذا ما يزيد من تعميق الأزمة بين البلدين.
أمام هذا الاحتقان الرقمي المؤجّج بفعل الخلل المعلوماتي، ينتقد يونس مسكين ما يصفه بانسحاب النخب المدنية والمثقفين والسياسيين الوازنين، وانسياق الإعلام وراء هذا التوجه، وهو الوضع الذي يرى أنه ساهم في التطبيع بشكل كلي مع تداول الأخبار الزائفة والمعلومات المنفصلة عن سياقها حتى بات المزاج العام للجمهور في البلدين مستعداً لتقبّل الإساءة إلى الطرف الآخر بصرف النظر عن صحة المعلومات التي تقدّم له.
من جهته يوصي بنمسعود، مواطني البلدين بضرورة عدم مشاركة أي خبر أو صورة أو فيديو من دون التحقق من صحته، وتفادي التعليقات التي من شأنها أن تزيد الطينة بلّةً حسب قوله، كما يشجع رواد مواقع التواصل الاجتماعي على متابعة المنصات والصحافيين المتخصصين في التحقق من المعلومات بقصد التأكد من كل ما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي وتفادي انتشار خطاب الكراهية على الفضاء الرقمي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين