منذ ساعات صباح يوم الجمعة، الثالث عشر من أيار/ مايو 2022، اليوم الذي ووري فيه جثمان الشهيدة الصحافية شيرين أبو عاقلة في مثواه الأخير، بدأ الفلسطينيون والفلسطينيات يُقبِلون من أنحاء مدينة القدس، متجهين إلى ساحة مستشفى مار يوسف "الفرنسي"، حيث ترقد ابنتهم، "صوت الحقّ" و"شهيدة الحقيقة"، التي قتلها جيش الاحتلال الإسرائيلي يوم الأربعاء الماضي، الحادي عشر من أيار/ مايو 2022، في أثناء اقتحامه مخيم جنين.
تَزَامن ذلك مع تشديدات أمنية إسرائيلية، شملت وسط مدينة القدس، وامتدت إلى الأحياء والمناطق المتاخمة لها، وخاصةً في منطقة محيط المستشفى الذي يأوي جثمان شيرين. لكن الفلسطينيين، الذين يعرفون مدينتهم وأزقتها جيداً، توافدوا إلى محيط "الفرنسي" بكل السبل؛ تسلقوا الأسوار، واخترقوا السواتر الحديدية، لينجح المئات منهم في الوصول إلى المستشفى.
صلاة الغائب وصلبان
هذه البداية الساخنة، أجبرت قوات الاحتلال على حشد فرقها الخاصة عند مدخل مستشفى "مار يوسف"، محصنةً بخيلها المخصية، المحجوب عنها الرؤية لتكون آلةً دهس للمشيعين لا ترى أمامها، لكن ذلك لم يمنع الفلسطينيين من البقاء، والهتاف باسم شيرين والوطن، ثمّ أقاموا "صلاة الغائب"، فيما رفع المسيحيون إلى جانبهم الصلبان المزينة بالورود والأعلام الفلسطينية.
تَزَامن ذلك مع تشديدات أمنية إسرائيلية، شملت وسط مدينة القدس، وامتدت إلى الأحياء والمناطق المتاخمة لها، وخاصةً في منطقة محيط المستشفى الذي يأوي جثمان شيرين. لكن الفلسطينيين، الذين يعرفون مدينتهم وأزقتها جيداً، توافدوا إلى محيط "الفرنسي" بكل السبل
عند الساعة الثانية بعد الظهر، كان مستشفى "مار يوسف" قد امتلأ بالمشيعين من فتيات ونساء وشبان وكهول، وانتشرت في أنحائه الأعلام الفلسطينية. أخرج المشيعون جثمان أبو عاقلة من ثلاجة الموتى، حاملينه على أكتافهم، محاطاً بالصلبان، وهتافات تمجيد وطنية وإسلامية، وورود.
الاعتداء على المشيعين في المستشفى
بعدما اشترط الاحتلال على نقل الجثمان بسيارة خاصة، صمم المشيعون، على حمل تابوت شيرين على أكتافهم، ليطوفوا به شوارع القدس، حتى يصلوا إلى كنيسة الروم كاثوليك قرب "باب الخليل" أحد أبواب البلدة القديمة من القدس، حيث من المفترض أنّ يصلّى على الشهيدة هناك.
لكن قوات الاحتلال الإسرائيلي، منعتهم من الخروج من باب المستشفى، فأغلقته مستعينةً بعناصر القوات الخاصة وعتادهم وخيولهم. لم تكتفِ القوات الإسرائيلية بذلك، بل هاجمتهم بقنابل الصوت واعتدت عليهم بالضرب المُبرح، محاولةً فضّ جموع المُشيعين، وإسقاط التابوت، لكن حامليه حافظوا على رباطة جأشهم، وقاوموا الاعتداء الإسرائيلي، وأبقوا التابوت عالياً.
اقتحام المستشفى
لم تتوقف اعتداءات قوات الاحتلال في ساحة المستشفى الخارجية، بلّ اقتحمت مبناءه المليء بالمرضى والطواقم الطبية، ولاحقوا المشيعين، واعتدوا عليهم بالضرب المُبرح، وأطلقوا نحوهم قنابل الصوت، ما أسفر عن وقوع عدد من الإصابات الطفيفة، تراوحت ما بين الإغماء والإصابة بقنابل الصوت، وفق جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني.
بعدما اشترط الاحتلال على نقل الجثمان بسيارة خاصة، صمم المشيعون، على حمل تابوت شيرين على أكتافهم، ليطوفوا به شوارع القدس، حتى يصلوا إلى كنيسة الروم كاثوليك قرب "باب الخليل" أحد أبواب البلدة القديمة من القدس، حيث من المفترض أنّ يصلّى على الشهيدة هناك
اضطر أقارب الشهيدة شيرين، إلى الموافقة على شروط الاحتلال عنوةً، بنقل جثمانها في مركبة إلى كنيسة الروم كاثوليك قبل دفنها. تزامناً مع ذلك، تواصلت اعتداءات القوات الإسرائيلية الخاصة على المشيعين، وفصلوا ما بين الجماهير المُشيعة والمركبة التي تقلّ تابوت شيرين.
عشرات الآلاف يتوافدون إلى "باب الخليل"
بدأ المشيعون بالتوافد إلى ساحة "عمر بن الخطاب" القريبة من باب الخليل وكنيسة الروم الكاثوليك، حيث الصلاة على شيرين هناك، بالرغم من حواجز الاحتلال، والاعتداءات المتكررة، بدءاً من مستشفى "مار يوسف" مروراً بحيّ الشيخ جراح، وصولاً إلى منطقة مقبرة "جبل صهيون"، حيث دُفنت الصحافية الضحية.
بالرغم من محاولات الاحتلال الإسرائيلي منع حدوث تشييع تاريخي للصحافية شيرين، إلّا أنّ عشرات الآلاف من الفلسطينيين، تمكنوا بعد التسلل عبر الأشجار وتسلق الأسوار ومن بين الأشواك، من الوصول إلى الطريق المؤدي إلى "باب الخليل"، يحملون شيرين، وأعلام فلسطين.
بعد "معركة" كانت أشبه بمعركة سيادة، حاول فيها الاحتلال منع الفلسطينيين من التعبير عن غضبهم وحزنهم لفراق ابنتهم الصحافية شيرين، استطاع الآلاف المشاركة في دفنها في مقبرة "جبل صهيون"، تزامناً مع قرع كنائس القدس بكلّ أطيافها أجراس الوداع، وأصوات الكشافة.
"بدّي علم فلسطين يرفرف في وسط القدس"
بالرغم من الحزن الشديد الذي خيّم على أجواء دفن الصحافية أبو عاقلة داخل مقبرة "جبل صهيون"، إلّا أنّ المُشيعين، حولوا جنازتها إلى أشبه بمناسبة وطنية، تخللها إطلاق الزغاريد والأناشيد الفلسطينية، من بينها: "لبس ما بدي لبس، ولا بهوايّ لبس، بدي علم فلسطين يرفرف في وسط القدس".
أما الصحافية جيفارا البديري، فبعد أنّ سجلت على الهواء مباشرةً، تقرير تشييع زميلتها ورفيقة دربها، جلست حزينةً بالقرب من قبرها تَبكي فراقها.
بالرغم من محاولات الاحتلال الإسرائيلي منع حدوث تشييع تاريخي للصحافية شيرين، إلّا أنّ عشرات الآلاف من الفلسطينيين، تمكنوا بعد التسلل عبر الأشجار وتسلق الأسوار ومن بين الأشواك، من الوصول إلى الطريق المؤدي إلى "باب الخليل"، يحملون شيرين، وأعلام فلسطين
الإعلامي وليد العُمري، أستاذ شيرين منذ احترافها مهنة الصحافة، وزميلها لأكثر من 25 عاماً، وقف أمام قبرها قائلاً: "شكرا لكِ لأنك كنتِ كما أنتِ، لأنك كنتِ كما كنتِ، لأنك كنتِ أصيلةً على المستوى المهني والإنساني، شكراً لأنك كنتِ صديقةً وزميلةً في هذا العمل الشاق والصعب، شكراً لك شيرين على كل ما قلتِ، وداعاً لأنك باستشهادك تجلت هذه الصورة العظيمة".
نجوان سمري، زميلة أخرى لشيرين، رثتها بالقول: "كنت شايفة الدنيا اليوم عتمة، وكنت أدوّر عليكِ بين كل الوجوه، وناديت عليكِ كتير وما رديتِ... آخر تلفون بيننا قلتيلي ذكريني أحكيلك شي لما أشوفك... قلتلك احكي هلأ، قلتيلي لا لا ما بزبط على التلفون، شكلها الأوضاع هادية بجنين فغالباً أرجع بكرا... وهيني بستنى يا روحي".
المشهد بعيون المقدسيين
الباحث المقدسي في علم الاجتماع، د.خالد عودة الله، يقول تعليقاً على الجنازة المهيبة للصحافية شيرين أبو عاقلة: "وليأتين على الناس زمان يقول أحدهم: يا ليتني تبنة في لبنة في سور بيت المقدس".
وأضاف في منشور عبر صفحته في موقع فيسبوك: "في هذا اليوم المهيب، لن ننسى ولن نغفر، عشرات شهداء القدس الذين أجبر الاحتلال ذويهم على دفنهم خلسة في سواد الليل، وعشرات مثلهم لا زالت جثامينهم الشريفة تتلوى في صقيع ثلاجات أبو كبير وجب مقابر الأرقام".
جنازة شيرين أبو عاقلة "حررت مدينة القدس"، لفترة مؤقتة من الزمن، حسب تعبير البعض، ووحّدت الفلسطينيين والفلسطينيات من كافة الأديان، والانتماءات والعقائد، وكما قالت "شهيدة الحقيقة" في يوم من الأيام: "في بعض الغياب حضور أكبر".
أما الصحافية كريستين ريناوي، فكتبت على صفحتها: "رغم قمع الجنازة قبل أن تبدأ وتفريقها بالسلاح والقنابل والقوة العسكرية آلاف وآلاف شيعوا جثمان زميلتنا وحبيبتنا الشهيدة الصحافية شيرين أبو عاقلة في القدس المحتلة".
وأضافت: "تشييع لليوم الثالث على التوالي؛ من جنين حيث اغتالتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، إلى نابلس، إلى رام الله، إلى القدس، مرّ موكب تشييعها عبر عشرات القرى والبلدات والحواجز والمخيمات وفي كل نقطة توقف للوداع ونثر الورود عليها إلى أن وصل القدس مسقط رأسها، والآن أهل القدس كرموها وسلموها إلى أمها وأبيها في تراب المدينة المقدسة".
وتابعت: "حبيبتنا يا شيرين، عظيمة كنتِ في حضورك والآن في غيابك، سيذكرك التاريخ الصحافي، سنتذكر أخلاقك التي تشبه القديسين، كنتِ وستكونين مدرسةً لأجيال الصحافيين، سيذكرك التاريخ الفلسطيني المعاصر ويذكر جنازتك ووداعك المهيب، شعبنا الأصيل كان عائلتك الحنونة ردّ الحب بحب أكبر، والوفاء بوفاء أكبر، مع السلامة يا حبيبة الملايين... فليكن ذكرك مؤبداً".
من جهته، كتب الصحافي محمود عوض الله، عبر صفحته في فيسبوك: "قرروا أن يشارك في الجنازة العشرات فقط ويُحظر رفع علم فلسطين. استقدموا قواتهم، نصبوا حواجزهم، قطعوا الطرق، اعتدوا على موكب التشييع. قرروا وقرر شعبنا، فكان هذا الموكب المهيب تكريماً ووفاءً لشيرين أبو عاقلة. هذا الشعب المتمرس على تجاوز الصعاب قادر على الانتصار".
جنازة شيرين أبو عاقلة "حررت مدينة القدس"، لفترة مؤقتة من الزمن، حسب تعبير البعض، ووحّدت الفلسطينيين والفلسطينيات من كافة الأديان، والانتماءات والعقائد، وكما قالت "شهيدة الحقيقة" في يوم من الأيام: "في بعض الغياب حضور أكبر".
الصّور بعدسة سعيد عمّوري
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يوماوجدتي أدلة كثيرة للدفاع عن الشر وتبيانه على انه الوجه الاخر للخير لكن أين الأدلة انه فطري؟ في المثل الاخير الذي أوردته مثلا تم اختزال الشخصيات ببضع معايير اجتماعية تربط عادة بالخير أو بالشر من دون الولوج في الأسباب الاجتماعية والاقتصادية والمستوى التعليمي والثقافي والخبرات الحياتية والأحداث المهمة المؤسسة للشخصيات المذكورة لذلك الحكم من خلال تلك المعايير سطحي ولا يبرهن النقطة الأساسية في المقال.
وبالنسبة ليهوذا هناك تناقض في الطرح. اذا كان شخصية في قصة خيالية فلماذا نأخذ تفصيل انتحاره كحقيقة. ربما كان ضحية وربما كان شريرا حتى العظم ولم ينتحر إنما جاء انتحاره لحثنا على نبذ الخيانة. لا ندري...
الفكرة المفضلة عندي من هذا المقال هي تعريف الخير كرفض للشر حتى لو تسنى للشخص فعل الشر من دون عقاب وسأزيد على ذلك، حتى لو كان فعل الشر هذا يصب في مصلحته.
Mazen Marraj -
منذ يوممبدعة رهام ❤️بالتوفيق دائماً ?
Emad Abu Esamen -
منذ يومينلقد أبدعت يا رؤى فقد قرأت للتو نصاً يمثل حالة ابداع وصفي وتحليل موضوعي عميق , يلامس القلب برفق ممزوج بسلاسة في الطرح , و ربما يراه اخرون كل من زاويته و ربما كان احساسي بالنص مرتبط بكوني عشت تجربة زواج فاشل , برغم وجود حب يصعب وصفه كماً ونوعاً, بإختصار ...... ابدعت يا رؤى حد إذهالي
تامر شاهين -
منذ 3 أيامهذا الابحار الحذر في الذاكرة عميق وأكثر من نستالجيا خفيفة؟
هذه المشاهد غزيرة لكن لا تروي ولا تغلق الباب . ممتع وممتنع هذا النص لكن احتاج كقارئ ان اعرف من أنت واين أنت وهل هذه المشاهد مجاز فعلا؟ ام حصلت؟ او مختلطة؟
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياممن المعيب نشر هذه الماده التي استطاعت فيها زيزي تزوير عدد كبير من اقتباسات الكتاب والسخرية من الشرف ،
كان عيسى يذهب إلى أي عمل "شريف"،
"أن عيسى الذي حصل على ليسانس الحقوق بمساعدة أخيه"
وبذلك قلبت معلومات وردت واضحة بالكتاب ان الشقيق الاصغر هو الذي تكفل بمساعدة اهله ومساعدة اخيه الذي اسكنه معه في غرفه مستأجره في دمشق وتكفل بمساعد ته .
.يدل ذلك ان زيزي لم تقرأ الكتاب وجاءتها المقاله جاهزه لترسلها لكم
غباءا منها أو جهات دفعتها لذلك
واذا افترضنا انها قرأت الكتاب فعدم فهمها ال لا محدود جعلها تنساق وراء تأويلات اغرقتها في مستنقع الثقافة التي تربت عليها ثقافة التهم والتوقيع على الاعترافات المنزوعه بالقوة والتعذيب
وهذه بالتأكيد مسؤولية الناشر موقع (رصيف 22) الذي عودنا على مهنية مشهودة
Kinan Ali -
منذ 3 أيامجميل جدا... كمية التفاصيل مرعبة...