شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
اِحذري يا عزيزتي من

اِحذري يا عزيزتي من "المانسبلينيغ" أو التنظير الذكوريّ

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 16 مايو 202201:23 م

هل سمعتِ، عزيزتي، بمصطلح "Mansplaining"؟ إن لم تسمعي به، أراهن بأنّك عشته في مواقف عديدة. وقد يكون جزءاً من حياة بعض الفتيات في مجتمع يحمل سِمة الذكورية كسِمة أساسية من مكوناته. ظهر مصطلح "Mansplaining" للمرة الأولى في قاموس "أوكسفورد" عام 2008 خلال محادثة بين مدونيْن على منصة "LiveJournal" على الرّغم من كون هذا المصطلح موجوداً في الحياة اليومية قبل نشوئه واعتماده في اللغة الانجليزية. 

ظهر مصطلح "Mansplaining" للمرة الأولى في قاموس "أوكسفورد" عام 2008 خلال محادثة بين مدونيْن على منصة "LiveJournal" على الرّغم من كون هذا المصطلح موجوداً في الحياة اليومية قبل نشوئه واعتماده في اللغة الانجليزية

تتألف هذه الكلمة من كلمتين إنجليزيتين هما: "Man" و "explaining". أي فيما لو أخذنا التّرجمة الحرفية لهاتين الكلمتين، قد نخمن إلى حد ما المعنى العام الذي توحيه الكلمة الإنجليزية (شرح + رجل). ولكن لو بحثنا عن المرادف اللغوي المُستخدم في اللغة العربية، سنجد الكثير والكثير من المرادفات، سواء المستخدمة في اللغة العامية أم في اللغة الفصحى. هذه إشارة مبدئية إلى أنّ أصول هذا المصطلح متجذرة في مجتمعنا الذكوري، لكن دون الاعتراف به بشكل صريح، ودون وجود مصطلح مستقل يُشير إليه في لغتنا. 

معنى الـ "Mansplaining" 

يُشير "المانسبلينيغ" إلى الحالة التي يشرح فيها الرّجل الأمور للمرأة بطريقة فوقية من منطلق أنّه الأفهم والأذكى والأعرف والأكثر قدرة على سبر خبايا الأمور مهما بلغت شدتها من التعقيد. لأنّه، ببساطة، رجل. والمرأة حتماً الحلقة الأضعف، حتى فيما يتعلق بشؤونها الخاصة نفسها. 

المرادفات اللغوية العربية للـ "مانسبلينيغ" 

برغم اتساع اللغة العربية، ما زالت تفتقر لمصطلح معترف به فعلياً لوصف المعنى المُراد بدقة من الكلمة الإنجليزية "Mansplaining"، التي تمَّ الاعتراف بها وإدراجها في القواميس الإنجليزية. لكن لو بحثنا في اللغة العربية عن معانٍ تصف الحالة، سنندهش بأنّ اللغة العربية بحرٌ في أحشائه تكمن معانٍ كثيرة للـ "مانسبلينيغ"، مثل: المنطق الذّكوري، التّنظير الذّكوري، أبو العرّيف، الهجاص، الهجص، الفزلكة الذّكورية، الفَسرجة، التّفسير الذّكوري، فَتي الرّجال، الإفتاء الذّكوري... ولكن دون وجود مصطلح مُعتمد بشكل فعلي ومرادف لـ "Mansplaining". 

يُشير "المانسبلينيغ" إلى الحالة التي يشرح فيها الرّجل الأمور للمرأة بطريقة فوقية من منطلق أنّه الأفهم والأذكى والأعرف والأكثر قدرة على سبر خبايا الأمور مهما بلغت شدتها من التعقيد. لأنّه، ببساطة، رجل

كمترجمة ونسوية وكاتبة وأنثى تعرّضت منذ الصّغر مراراً  للـ"مانسبلينيغ"، وقبل قراءتي حول هذا المفهوم، وقبل بحثي عنه، وحتى قبل قدرتي على تعريفه وتشخيصه، أجد أنَّ أقرب ترجمة عربية للمصطلح هي "التّنظير الذّكوري". ففي اللغة العربية، [نظّر الشّيء بالشّيء: قابله به، ونظّرَ نتائج بحثه: وضعها في شكل نظرية، وتنظير الأفكار: التّأمل فيها مَلياً لوضعها نظرية، والنّظرية: قضية تُثبَت صحتها بحجة ودليل أو برهان]. والرّجل في مجتمعنا هو خليفة الإله على الأرض. وبالطّبع، لديه دائماً من الحِجج والدّلائل والبراهين ما يُثبت صحة كلامه. 

عبارات تُشير إلى أنّ الرّجل سيمارس الـ "مانسبيلينيغ" 

الحوار الإنساني المُنفتح يقوم على فكرة الاحتمالية، فكلّ رأي يحتمل أن يكون خاطئاً أو صحيحاً. كما يقوم على احترام أفكار المتحدّث إليه بغض النّظر عن جنسه، سواء كان أنثى أم ذكراً. وتالياً، الرّجل الذي يمارس الـ "مانسبيلينيغ" على المرأة، لا يلتزم إنسانية الحوار ولا حتى الحوار نفسه، لأنّه يفرض سُلطة أفكاره المُقترنة غالباً بالتّنمر حول محدودية فهم المرأة. وعليه، إذا سمعتِ إحدى هذه العبارات أو ما يُشابهُها، عليكِ أن تعلمي مباشرةً أنّ المتحدّث إليكِ يُمارس التّنظير الذّكوري. فيجب إيقاف محادثته أو منع سلوكه، مثل: "لا يمكن للأمور أن تجري على هذا النّحو، فأنا أعلم منكِ"، "دعيني أشرح لكِ، أنتِ لا تفهمين الأمور بشكل كافٍ"، "ما أدراكِ أنتِ أصلاً؟"، "النّسوان ما بيفهموا بهالقصص"، "هي الشّغلة ما شغلة نسوان"، "المرا ما إلها بالحكي والنّقاش بالدّين"، "إنتِ شو بفهمك بالسّياسة؟"، "عم تحكي وتناقشي بالطّابة كأنّك زلمة"، "المرا ما بتعرف تسوق، بتخبط بحالها"، "المرأة غير مؤهلة للقيادة"، "كتابة الشّعر لم تُخلق للمرأة"، وأخيرا وليس آخراً "الميدان الاقتصادي/ السّياسي/ الصّحفي/ الإداري/ الدّبلوماسي... إلخ، ليس للمرأة". 

تستند هذه التّفضيلات غير الواعية، إلى وهمٍ عاشت فيه أجيال وأجيال حتى أصبح موروثاً مستنداً إلى أقاويل دينية، مثل: الرّجال قوامون على النّساء، النّساء ناقصات عقل ودين، رِفقاً بالقوارير، شهادة امرأتين تعادل شهادة رجل...

"المانسبلينيغ" والإسلام 

إنّ الموروث الثّقافي المتدني في المجتمع يُكرّس لدى الطّفل الذّكر منذ ولادته أفضلية مزعومة دون مقومات حقيقية، ويكرّس لدى الأنثى الإحساس بالضّعف وقلة الحيلة دون سبب منطقي. تستند هذه التّفضيلات غير الواعية، وغير المتصلة بالمنطق والعقل، إلى وهمٍ عاشت فيه أجيال وأجيال حتى أصبح موروثاً مستنداً إلى أقاويل دينية، مثل: الرّجال قوامون على النّساء، النّساء ناقصات عقل ودين، رِفقاً بالقوارير، شهادة امرأتين تعادل شهادة رجل، إضافةً لعبارات وردت في بعض كتب الحديث والتفاسير تصوّر المرأة باعتبارها أقرب إلى النّعجة، وعبارات أخرى تساوي بين المرأة والكلب والحمار في قطع صلاة الرّجل.  

إنّ الموروث الثّقافي المتدني في المجتمع يُكرّس لدى الطّفل الذّكر منذ ولادته أفضلية مزعومة دون مقومات حقيقية، ويكرّس لدى الأنثى الإحساس بالضّعف وقلة الحيلة دون سبب منطقي.

على سبيل المثال، ستقرأ في القرطبي (الجامع لأحكام القرآن) (15/172) تفسيره لآية {إِنَّ هَذَا أخي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً}، ما نصه: «والعرب تُكنِّى عن المرأة بالنّعجة والشّاة؛ لما هي عليه من السّكون والعجز وضعف الجانب. وقد يُكنَّى عنها بالبقرة والحجرة والناقة، لأن الكل مركوب». وستقرأ حديثاً يُنسب للرسول محمد يُساوي المرأة بالكلب والحمار يقول: {يقطع الصّلاة المرأة والحمار والكلب، ويقي ذلك مثل مؤخرة الرحل}، والكثير من العبارات الأخرى المتصلة بتاريخ تحقير النّساء في التّراث الإسلامي، والتي توحي كلّها نقص القدرة العقلية للمرأة، واكتمالها عند الرجل. لذلك، هو الأجدر في تحليل الأمور (التّنظير الذّكوري، المنطق الذّكوري)، وتفسيرها (الفَسرجة، التّفسير الذّكوري)، وبتّها (الإفتاء الذّكوري، فتي الرّجال). مما يعني في مجمله تربية ذكورية داعمة لمفهوم الـ "مانسبلينيغ" بتطرف مُخزٍ. في مجتمع ذكوري متجذر فيه سلوك التّنظير الذّكوري، لا بدّ من تسليط الضّوء على هذا السّلوك اللاإنساني واللاعقلاني، لتكون كلّ أنثى على دراية بأنّ هذا السّلوك قائم حتى لو كان غير مرئي وغير ملموس. وعليها مواجهته وتحديه بثقة تامّة لكونها مكتملة العقل والقدرات الذّهنية وقادرة على الحوار وإبداء الرّأي ووجهات النّظر في مجال تخصصها وثقافتها واهتمامها وإن أخطأت أحياناً. فالخطأ واحتمال عدم الصّواب لا يرتبطان بالجنس النّسائي، وإنّما فضاء الاحتمالات قائم إمّا على الصّواب أو على الخطأ من دون أي ارتباط جندري.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard