لم يتوان أحد في عام 2012 عن شتم قناة MBC، ولا الشخص الذي استضافته في برنامجها "Arabs got talent"، إذ رأى الكثيرون في استضافته إهانة لسوريا والسوريين، سواء كانوا من أنصار الثورة، أو رماديين، أو مؤيدين للنظام القائم، من نتحدث عنه بدقة هو Arab Eagle- أراب إيغل، الراقص المعاصر الذي حسب تعبيره يدمج "البريك دانس مع اليوغا"، لتقديم ما هو جديد عالمياً، ولا يشبه أي أحد.
النسر العربي، عُصامي، واثق جداً مما يقوم به، لا يريد إضاعة للوقت، هو وفرقته التي لا نرى أي أحد من أعضائها على عتبة تغيير شكل الرقص المعاصر، فهذه الفرقة الخفيّة مشروع عمره، باع منزله من أجل تأسيسها، لكن في المسابقة، نراه يصعد على الخشبة مع راقصتين اثنتين فقط، مقنعتين، يحمل كرة زجاجية ويعد الجمهور بالإنكليزية "بأنهم سيرون ما لم يروه من قبل".
لا نستطيع استخدام فعل "رقص" أو "أدّى" لوصف ما قام به أراب إيغل على الخشبة، فـ"رقص" يفترض إيقاع ما، و"أدّى" يفترض مهارةً ما. لا نمتلك اللفظ اللغوي المناسب، فربما "مُسّ" يمكن أن يعبر عما فعله، لكن المأساة انتهت حين اشتعلت علامات الـX العملاقة بالأحمر من قبل لجنة التحكيم التي أشبعها إطراءً، مع ذلك لم يتأهل إلى المرحلة اللاحقة، ولم نر العرض الذي وعدنا به، ذاك الذي ليس كمثله شيء.
لاحقاً، استضافت قناة MTV أراب إيغل ضمن برنامج "من الآخر"، حينها اكتشفنا تفضيله أن يُنادى بلقبه، لا باسمه الحقيقي، عاصم بوطا أو بوطاح. اسمه مكتوب بالإنكليزية فلم نستطع معرفته.
يدافع الفنان المديوكر عن نفسه بكلمة "أنا أشعر"، و"أحسست"؛ جسده ومشاعره هي مصدر معرفته والحكم على قيمة ما يقوم به. كل واحد منا يعرف مديوكراً، وربما يكون الواحد منا مديوكراً دون أن يدري
يتحدث في اللقاء، متجاهلاً سخرية من حوله، عن فرقته و نشاطه الفني، والراقصات متنوعات الجنسيات اللاتي يعملن معه، واللاتي أيضاً نرى صورهنّ فقط. يرمي أمام الجمهور وأمام من حوله كل الكلمات التي قد تكسبه قيمةً ما، يسكن في دبي، لفرقته عروض في أبو ظبي، يسعى للعالميّة، له نظرية خاصة في الرقص، يحدثهم عن الـCD الذي يحاول إطلاقه، ويكشف عن حفلة مقبلة وكيف اقتبس من الموسيقى العالميّة ليقدم ما هو "جديد".
حلم أراب إيغل حينها، أي عام 2012، أن يشكل فرقة متعددة الجنسيات، والأهم (وسبب كتابة هذا المقال)، أن أراب إيغل يطمح إلى المشاركة مع فرقته في مونديال قطر 2022 الذي سيقام هذا العام، وحسب مخططه الزمنيّ حينها، من المفترض أن يكون لديه الآن 100 حورية (يطلق أراب إيغل على الراقصات معه اسم حوريات) من 100 بلد، سيغنين بـ100 لغة، وسيضعهن على جناحيه ويحلق بهنّ حول العالم.
يتحدث أراب إيغل بثقة لا يستخف بها، يمشي يومياً من 8 إلى 10 ساعات ليحافظ على لياقته، يدافع عن حقائق لا جدل بها، عدد ساعات النهار، المسافة بين لبنان وتركيا، كما يدافع عن "جِدّة" ما يقوم به، كل الانتقادات التي توجه له تنهار أمام "الجديد" ذاك الذي لا شيء أو أحد يشبهه.
تحية إلى أراب إيغل، المُكلل بالغار، الشجاع ذي الحُلم ، والعار لكل مديوكرية العصر الحالي أصحاب المشاعر المفرطة
هناك صفحة للمعجبين بأراب إيغل على فيسبوك، النشاط فيها متفرق بين السنوات، 2012، ثم 2016، ثم 2018، وإلى الآن لم نر شيء من فرقته. والمونديال اقترب ولا أحد يعلم مصير الأراب إيغل، في حين أننا نعلم بدقة برنامج المونديال، لكننا نجهل أسماء ضحايا العمالة، وما زال الغموض إلى الآن يلف الكيفية التي ستستوعب فيها قطر المعجبين واللاعبين وأطياف الهويات الجنسية وأعلامهم الملّونة، وغيرها من الإشكاليات التي ما زالت معلّقة.
لا لوم على أراب إيغل، الذي حاول تبني كل الرموز والعلامات من أجل أن يصل إلى العالميّة، لكن خشبة المسرح كشفت عيبه الجوهري: هو لا يعي بدقة ما يقوم به، ربما لا يمتلك الأسلوب، أو المهارة، أو الموهبة، أو الحذق، لكنه يمتلك شيئاً واحداً، ثقة المديوكر، يردد ما سمعه وما يعرفه مطالباً بالشرعيّة. الاختلاف بينه وبين "مونديال قطر" وكل ما شهدته السنوات العشر السابقة، هو تضخم الحس بالاستحقاق منذ ذلك التاريخ، ذلك الحس الذي لم تعد فقط الكلمات والمشاعر وراءه، بل رؤوس الأموال السيادية ومنظمات المجتمع المدني وأموال التظلّم، والرغبة بأن نظهر وننتمي إلى الجديد.
هذا ما يفترض أن نراه في المونديال إن تمكن أراب إيغل من تحقيق حلمه، بهرجات لا يمكن تجاهل إتقان صنعها، لكن وراء كل هذه الأضواء والسوائل، شخص يحلم بأن يكون نجماً عالمياً، وذا ثقل دولي، وقدرة على أن يقارع "أفضل الاستعراضات العالميّة"، حتى لو تخللتها الدماء. لا مشكلة، الحلّم مُتعب ولابد من تضحية.
صفة الجديد التي دافع عبرها أراب إيغل عن نفسه، ازدادت قيمتها في السنوات العشر الماضية؛ هي تحوي استعراضاً للأقصى، ومحاولة تقاطعيّة لمواكبة "العالمي". الصفة جديدة التي لا نعلم بدقة معناها، خطاب الإنسانوية العالميّ، العدالة العالمية، حركة التحرر العالميّة والتي قابلها ظهور الكثير من المديوكريّة، حيث الموهبة أو الكفاءة غير موجودة. لكن الكثير من الأموال من أجل صناعة "استعراض" ناصع، نظيف، بل وكما قال أراب إيغل عن استعراضه الذي يحلم به: "استعراض مائي، ناري وليزري".
المرعب في المديوكر حالياً أن أحلامه قابلة للتحقيق، بل ويمكن له أن يجد لها مُستمعين، لكن منذ عشر سنوات، أو على الأقل إن أخذنا أراب إيغل كنموذج للمديوكر، لم تكن هذه الأحلام ممكنة التحقيق، حتى أن أراب إيغل نفسه اختفى، لكن حالياً، غياب الموهبة والمهارة والتمرين لا تعني شيئاً، أيضاً، غياب البنى التحتيّة والشروط الصحية والإنسانية للعمالة لم تهدد المونديال أو إقامته، بل على العكس، هو قائم ومستمر ومعلن عنه ولا غبار عليه.
والمريع أن الصحفي الساخر جون أوليفر يصفه بـ"مونديال الدماء"، لكننا سنتابعه ونشجع فريقنا المفضل، بل إن البعض سيسافر إلى هناك لمشاهدة المباريات مباشرة، أي ببساطة حلم المديوكر أصبح ممكن التحقيق، لم تهدد أي فضيحة استمرار المونديال.
المديوكر فناناً
يدافع الفنان المديوكر عن نفسه بكلمة "أنا أشعر"، و"أحسست"، جسده ومشاعره هي مصدر معرفته والحكم على قيمة ما يقوم به، ولا نتحدث هنا عن فناني الأداء ولا الحرفيين ولا التقنيين أصحاب الخبرة، بل أولئك الذين نعرفهم بدقة؛ كل واحد منا يعرف مديوكراً، وربما يكون الواحد منا مديوكراً دون أن يدري، ذاك الذي يصدق ما يشعر به ويدعونا لتصديقه معه، يتحرر المديوكر من معطيات وضرورات "البحث" و"المعرفة" وينساب وراء الأحاسيس والعواطف، والأهم، مخيلته الشخصيّة، قلائل هم من يمتلكون مخيلة تغنيهم عمّن سبقهم، لكن المديوكر حالم لا حدود له.
لا لوم على أراب إيغل، الذي حاول تبني كل الرموز والعلامات من أجل أن يصل إلى العالميّة، لكن خشبة المسرح كشفت عيبه الجوهري: هو لا يعي بدقة ما يقوم به، لكنه يمتلك شيئاً واحداً، ثقة المديوكر
يطارد شبح تهمة المديوكري الشخص كما تطارد عبقرية موزارت مخيلة ساليري، لكن لتجنب المديوكرية لابد من يقين وقاعدة يومية متكررة، مفادها أن هناك دائماً من قام بذات الشيء الذي قمت به بصورة أفضل، أو لو كانت شروط أحد ما مختلفة، لقام بعمل أفضل منك.
لكن المديوكر لا يتبع هذه القاعدة، بل يكسرها للأقصى، هو "يشعر" أنه الأفضل، يتجاهل الانتقاد والسخريّة والتهكم وكل ما وجّه لأراب إيغل الذي اختفى ويتابع "عمله"، فالآن هناك منصات جديدة، ومساحات أوسع للاستعراض، والأهم، أموال تصبّ في جيوب المديوكرية ليخبرونا عما أحسوا به، وما شعروا به، وكيف تعرضوا لإهانات وشتائم ونكات لم تضحكهم. بعكس أراب إيغل الذي لم يبك، ولم يقل إنه ضحيّة تنمر، ولم يتظلّم لأحد، بل تابع حياته، ويمكن لمن يبحث أن يجد بعض الفيديوهات له وهو يرقص في الشارع لكل من يطلب منه. أراب إيغل أشد جديّة ووعياً بمفاهيم حرية الانتقاد، لذا رفض أن يكون ضحية آراء من لم يعجبهم ما قدّمه.
خطاب المديوكر
حاول أراب إيغل أن يتبنى الخطاب الرائج حين تقدم إلى برنامج المسابقات الشهير، ووظف كلمات مثل "دبي، أبو ظبي، عالمي، كلمات بالإنكليزية... إلخ"، مجموعها، مع مزيج أعراض نوبة الصرع التي قدمها منذ عشر سنوات، جعلته عصياً على التصنيف، لا يمكن بدقة أن نصف ما يقوم به.
أما الآن فالأمر مختلف، أصبح الخطاب أشد تقاطعيّة، يمكن بدقة أن يقدم "الفرد" نفسه وما "يشعر" به ضمن مجموعة من الكلمات التي لن نذكرها، كي يجد لنفسه منصة وداعمين ومعجبين، وربما قد يشارك في افتتاح حدث عالميّ من نوع ما. المديوكر ببساطة، يدرك بدقة إيقاع العصر، وقادر على تبنيه لطالما هذا الإيقاع يجد له مستمعاً، والأهم يمتلك المديوكر مرونة التعديل وإعادة تقديم الذات، بعكس أراب إيغل، الذي بقي متمسكاً بما يقدمه "البريك دانس مع يوغا".
يرى المديوكر نفسه كمجموعة من الكتل الثابتة، تجمعها علاقات قابلة للتبدّل، لكن هذه الكتل نفسها لا يمكن إعادة النظر بها، هي "مشاعر" لا يمكن مصادرتها أو دفعه للتفكير بحقيقتها أو جدواها، هي بالنهاية ملك الجسد نفسه، ولا يمكن أن نقنع أحداً أن ما يشعر به يعنينا كما يعنيه. المديوكر يحلم عادة وحيداً، يحاول إيجاد فرصة كي يستمع إليه أحد، لكن الآن الجميع من حوله، نحن في "زمن المديوكر" حسب تعبير رشا الأطرش، التي تصفه قائلةً: "المديوكر مريح، مثل حذاء قديم، يلبّيك بسرعة وخفة، أداؤه متوقع ومضمون".
حاشية لا بدّ منها
يمتلك المديوكر شجاعة لا يمتلكها الكثيرون، يقتحم المكاتب والخشبات دون تردد، ينطق ما ينطقه دون أن ترفّ عينه، يحدق عميقاً في غضب المستمع المكتوم (أو ضحكه) دون أن يتلكّأ في الحديث عما "يشعر" به. أزمة المديوكر، ظنه أن الآخرين يشبهونه، وهو من تجرأ بينهم على الكلام (أو الرقص، أو الكتابة...)، بل إنه يترفع وظيفياً حالياً، ومن صمتوا أمامه أصبحوا مضطرين ليطيعوا أوامره.
تحية إلى أراب إيغل، المُكلل بالغار، الشجاع ذي الحُلم ، والعار لكل مديوكرية العصر الحالي أصحاب المشاعر المفرطة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع