على بُعد كيلومترات قليلة من الحدود المصرية الليبية، وعلى مرمى حجر من بحر الرمال الكبير، تقع إحدى أجمل وأثرى الواحات المصرية من حيث الثروات الطبيعية المهملة. في سيوة التي يظللها ويحفظها معبد الوحي الذي استقبل الأسكندر الأكبر الذي جاءه محباً، وقضت على قوات الفارسي قمبيز التي جاءت إلى طريقه محاربة، كشفت دراسة استغرقت ثلاث سنوات أن المخزون الملحي في المنطقة البحرية من الواحة يكفى للتعدين والتصدير 500 عام.
في الدراسة التي نالت بها الباحثة إيمان حامد عطا درجة الماجستير في الجيولوجيا من كلية العلوم في جامعة دمياط، ورد أن المنطقة البحرية لواحة سيوة تحوى عشرة مليارات طن من الملح الصخري العالي النقاء، والذي تفوق معايير نقائه الموصفات القياسية الدولية. وتذكر الباحثة أن الملح يكفي لتغطية الاستهلاك المحلي مئات السنوات، ويمكن الاستعاضة به عن استيراد الملح الصخري في مصر.
وجدت الدراسة أن سيوة تضم كميات هائلة من أنقى ترسبات ملح الطعام في العالم، أنقى حتى من الملح الذي يجري تكريره في المصانع المتخصصة
الاكتشاف الذي توصلت إليه الباحثة لفت انتباه رجال اعمال مصريين، منهم أحمد عبد الفتاح القائم بأعمال المدير التنفيذي للمجلس التصديري لمواد البناء بالغرفة التجارية بالقاهرة. وقال لرصيف22 إن واردات مصر من الملح عام 2021 بلغت 2.056 مليون دولار، فيما تضاعف الإنفاق على واردات الملح عام 2021 ليبلغ 4.886 مليون دولار، وإن ذلك الاكتشاف كفيل بتوفير تلك المبالغ وإضافة مبالغ جديدة من حصيلة التصدير إلى ميزان المدفوعات المختل، والذي تبتلع فيه الواردات أضعاف ما تحققه مصر من التصدير.
ثروة مهدرة
تقول عطا لرصيف22 إن نتائج التحاليل المعملية التي استغرقت ستة أشهر وأجريت في مصر وكندا بلغت النسبة المئوية للهاليت (كلوريد الصوديوم أو ملح الطعام النقي) في عينات الملح المترسب حديثاً قيم تراوح ما بين 97.82% و99.52 %. وتراوح نسبة ترسب الأملاح الأخرى في العينات بين 05. و1.4 وتتجاوز جودة الملح المكرر المعايير المصرية (98.5% NACL) و(الأوروبية 99.5% NACL) معاً. أي أن سيوة تضم واحداً من أنقى ترسبات ملح الطعام في العالم، أنقى حتى من الملح الذي يجري تكريره في المصانع المتخصصة.
تعليقاً على هذا، يقول الدكتور مجدي، خليل أستاذ الجيولوجيا بجامعة دمياط والمشرف على الرسالة الماجستير، إن مصر بوسعها استخدام المخزون السيوي من الأملاح المختلفة للتصدير بمعدلات تصل مبدئياً إلى مليوني طن سنوياً.
ووفقاً لهيئة الصادرات المصرية زادت صادرات الملح والكبريت والأتربة والأحجار والأسمنت بنسبة 21.4% إذ وصلت قيمتها عام 2021 إلى 660.5 مليون دولار مقارنة بـ544 مليون دولار عام 2020.
القائم بأعمال رئيس المجلس التصديري لمواد البناء: ذلك الاكتشاف كفيل بتوفير مبالغ الاستيراد وإضافة جديدة إلى حصيلة التصدير في ميزان المدفوعات المختل، الذي تبتلع فيه الواردات أضعاف ما تحققه مصر من التصدير
وأشارت نتائج البحث إلى أن متوسط نسبة الهاليت في الملح الصخري يبلغ حوالي (97.67٪)، وتم أيضاً تحليل العناصر النادرة والمعادن الثقيلة لهذه العينات، وأوضحت النتائج أن هذه العناصر موجودة بتركيزات منخفضة جدا أقل من الحدود المسموح بها، ما يؤكد علو درجة النقاء.
وأشارت عطا إلى جمع "كميات مناسبة" من مياه بحيرة سيوة والمياه الجوفية القريبة من السطح والتي تعرضت للتبخر في نفس الظروف المناخية، لتقييم المخزون الملحي. بالإضافة إلى استخدام تكنولوجيا (الأشعة السينية) لتحديد المعادن الخاصة بكل مرحلة، ومعرفة نوع وكمية الأملاح في كل مرحلة من مراحل ترسيب الملح. وتعقب الباحثة: "هذه النتائج ستكون مفيدة لتطوير صناعة الملح في منطقة سيوة وإنتاج ملح نقي وصحي بحسب المعايير الدولية".
ويعد استخراج الملح الصخري من أقدم الصناعات التي عرفتها البشرية. يتم استخراجه من البحار أو الجبال التي غمرتها المياه في عصور قديمة، ويدخل في عدة صناعات كيميائية، إلى جانب صناعات الأغذية والأدوية، كما يجري تصديره للدول الشهيرة بالجليد لإزالة الثلوج.
وتتميز واحة سيوة بكثرة البحيرات المالحة وارتفاع مخزون المياه الجوفية التي تحتوى على أملاح معدنية مختلفة، ما جعلها قبلة شركات تعبئة مياه الشرب المعدنية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 5 ساعاتالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت