في روايته "الطوق والأسورة" التي تحولت إلى واحد من أهم 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، انتخب الكاتب الراحل يحيى الطاهر عبدالله طقساً قديماً، صار تقليداً لدى عرائس الصعيد القاطنات في مناطق قريبة من محيط معبد "دندرة"، الذي يعد من أجمل المعابد المصرية وتحيط به الكثير من الأساطير.
في الرواية – والفيلم أيضاً- التي تدور أحداثها في ثلاثينيات القرن الماضي، تتوجه العروس التي تأخر حملها إلى معبد إلهة الخصوبة والأمومة والغناء، "حتحور" التي كُرِّس لها المعبد، كي تتوسل إلى قوى سحرية ورثها الحراس، أبناء كهنة المعبد القدماء، كي تمنحها الخصوبة وتهدي إليها الولد.
تتوجه العروس التي تأخر حملها إلى معبد إلهة الخصوبة والأمومة والغناء، "حتحور" التي كُرِّس لها المعبد، كي تتوسل إلى قوى سحرية ورثها الحراس، أبناء كهنة المعبد القدماء، كي تمنحها الخصوبة وتهدي إليها الولد
ذلك التقليد الذي تستدعيه الرواية ضمن تقاليد وعادات أخرى تعرف في الصعيد، لا تقف عند الصعيد وحده، إذ تطورت عبر طبقات التراكم الحضاري والديني الذي شهدته مصر، لتتخذ أشكالاً جديدة، فانتقلت مكانة الكاهن، حارس سر الإله ومحدثه إلى القديسين ووراءهم الأولياء، وصارت زيارة الأضرحة وإشعال الشموع عند المذابح بديلاً لقربان المعبد.
أولياء وقديسون
تحمل أضرحة الأولياء والأديرة التي كرسها القديسون مكانة خاصة في وجدان المصريين، تقوم مقام المعابد القديمة في نفوسهم، يقصدها الراجون في تحقيق المبتغى من ذرية أو شفاء أو حل المشاكل الزوجية وإبطال مفعول السحر والحسد.
ما أن تطأ قدماك أحد تلك المقامات، ستجد أجواء صُممت كي تبعث فيك شعوراً بالحضور الإلهي، من خلال الألوان ورائحة الأبخرة العطرة، قبل أن ترى المتعبدين يصلون أو يبتهلون أو يتبركون بالمقام في صمت أو همس خفيض.
ما أن تطأ قدماك أحد تلك المقامات، ستجد أجواء صُممت كي تبعث فيك شعوراً بالحضور الإلهي، من خلال الألوان ورائحة الأبخرة العطرة، قبل أن ترى المتعبدين يصلون أو يبتهلون أو يتبركون بالمقام في صمت أو همس خفيض
عادات التبرك بالأضرحة التي تتجاوز مصر إلى الانتشار في المشرق العربي، صدرت عنها ورقة بحثية للعراقي عبد الرزاق صالح محمود تحمل اسم "زيارة الأضرحة والمراقد: دراسة اجتماعية طبية"، عن مركز الدراسات بجامعة الموصل، يرصد فيها الباحث استعانة أهل العراق – كالمصريين- بالأولياء وأرواحهم التي يرونها قريبة من الله، بتوسل المساعدة في مواجهة المشكلات والأمراض. ويرى أنها موروثة عن اعتقادات وثنية قديمة ترتبط بعبادة الأجداد والإيمان بتاثير الأرواح الطاهرة لـ"أهل الله"، وأنها تبقى بعد مفارقتهم الحياة لتشارك الناس أعمالهم.
الكهنة عملوا على بناء منظومة "بيزنس ديني" تجلب الأموال عن طريق القرابين التي تعادل فكرة النذور حالياً
يقول الدكتور مجدي شاكر، كبير الآثاريين في وزارة الآثار المصرية، إن الكهنة في مصر القديمة كانوا سلسلة من المقربين والعارفين المتنبئين بالمستقبل، مؤكداً أن سلطة كبار الكهنة كانت تجعل مكانتهم من مكانة الملك وقائد الجيوش، وهي المكانة التي أورثها الناس بعد ذلك للأولياء والقديسين.
وأوضح شاكر أن الكاهن كان ينوب عن الإله في كل شيء، لافتاً إلى أن الناس كانوا يتعبدون بجانب التمثال حيث يقف الكهنة ويستشيرونهم في طلب وتحقيق أمنياتهم "اللي عايز يتجوز واللى عايزة تخلف... مين كان يقول آه أو لأ (الكاهن)" هذا التمثال صار المقام أو المذبح (في الكنيسة او الدير) يقوم مقامه الآن.
وبيّن شاكر أن الكهنة عملوا على بناء منظومة "بيزنس ديني" تجلب الأموال عن طريق القرابين التي تعادل فكرة النذور حالياً، متابعاً: "كان لكل كهنة معبود يُعلي من شأنه، وينشر قصصه حتى يرتفع مقامه وتسمو منزلته. ومضيفاً: "مع دخول الإسلام مصر، وتحديداً العصور الفاطمية، بدأ الدين يحمل صبغة مُشبعة بالاحتفال، فضلاً عن مظاهر مختلفة للعبادات، كزيارة المقامات للعظة".
بين المسيحية والإسلام
تقديس الأضرحة غير مقتصر على الإسلام ومعتنقيه، فالتبرُّك بالقديسين والرهبان في المسيحية موجود حتى وقتنا الراهن، إذ ظهر الاحتفال بأعياد القديسين من منطلق تكريم شخصية دينية حملت صبغة القداسة، فأقاموا لها الصلوات وأضاءوا الشموع وذكروا معجزاتها.
وقال القمص بولا سعد، كاهن كنيسة الأنبا بيشوي ببورسعيد ووكيل مطرانية الأقباط الأرثوذكس (كنيسة شرقية)، إن في المسيحية مدافن كبرى توجد بها أجساد القديسين محفوظة كاملة، مثل "دير البابا كيرلس" بوادي النطرون، وكنائس بها رفات، يتم وضعه داخل أنابيب من الفضة والخشب، يغلفه القطن، وتصنع له كسوة ويوضع بصندوق زجاجي للتبارك.
وأكد "نؤمن بالشفاعة"، متابعاً "التبارك للمسيحيين والمسلمين، فالجميع لديهم نفس العقيدة ويحبون العذراء".
وعلى النقيض، قال القمص رفعت فتحي، أمين عام المجمع الأعلى للكنيسة الإنجيلية (كنيسة غربية): إن "الأمر من دور الله"، متابعاً: "الله يسمع ويستجيب والمسيح الحي في السماء هو الوسيط"، مضيفاً أن التبارك بالقديسين عند الكاثوليك والأرثوذكس مرتبط بالثقافة الشعبية".
"مِ السيدة لسيدنا الحسين"
تحتفظ القاهرة بمجموعة من أهم الاضرحة والمقامات كونها تضم القرفتين الكبرى والصغرى اللتين تقع في محيطهما أضرحة آل البيت. لكن هناك مقامات أخرى في خارج القاهرة لا تقل عن أضرحة آل البيت مكانة وأهمية مثل مقام الإمام أبو الحسن الشاذلي الذي ينظر إليه مصريون صوفيون باعتباره يتمتع بمكانة تقترب من الكعبة المشرفة، ويحجون إليه في مرقده بجبل حميثرة قرب شاطئ البحر الاحمر في موسم سنوي، وكذلك مقام سيدي المرسي أبي العباس بالاسكندرية وسيدي أحمد البدوي في طنطا. وهي مقامات لأولياء يتبرك بها المصريون كي تحقق أمنياتهم، خاصة في الزواج والولد.
اعتادت شيماء أحمد التي تقطن محافظة الشرقية (شمال شرقي القاهرة)، أن تشد الرحال إلى مدينة طنطا الواقعة على الفرع الغربي من دلتا النيل، كي تزور مقام السيد البدوي لطلب البركة كي تنجب طفلاً "فضلت سنين ربما لم يكرمني بالحمل رغم أنه لا يوجد لدي أي مانع طبي. نصحني الجيران بالزيارة والنذر لمقام الإمام السيد البدوي، وأكرمني الله بالحمل بعد عدة زيارات".
أما بسمة علي التي تقيم في جوار المقام في طنطا، فلم تقدم على زيارته طلباً للبركة إلا بعد فسخ خطبتها عدة مرات قبل موعد الزواج من دون أسباب منطقية. ونذرت للمقام هدية للفقراء من زواره إذا ما تمت زيجتها، ولا تزال تنتظر.
وعلى الرغم من تعدد الفتاوى الصادرة عن الازهر ودار الإفتاء في مصر رفضاً لفكرة وساطة الأولياء، لا يزال المصريون يزورون تلك المقامات والأضرحة طلباً للشفاعة وتحقيق الأمنيات.
وهو ما يعلق عليه الباحث في التراث الشعبي مسعود شومان بقوله "الناس يتناقلون الخبرات، ومن خلال انطباعاتهم وخبراتهم ينصحون بعضهم البعض بزيارة أضرحة الأولياء والقديسين، مؤكداً مساهمة الأمثال والمعتقدات في توارث تلك العادات، "خاصة أنها تلبي لهم الكثير من الحاجات النفسية والجسدية"، لافتاً إلى أنهم يعتقدوا في تخصص الأولياء لكل مشكلة، وتحقيقها عبر النذور، مختتما "إنهم يرون في حضور الموالد ما يشبه أفراح الفقراء".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Emad Abu Esamen -
منذ 6 ساعاتلقد أبدعت يا رؤى فقد قرأت للتو نصاً يمثل حالة ابداع وصفي وتحليل موضوعي عميق , يلامس القلب برفق ممزوج بسلاسة في الطرح , و ربما يراه اخرون كل من زاويته و ربما كان احساسي بالنص مرتبط بكوني عشت تجربة زواج فاشل , برغم وجود حب يصعب وصفه كماً ونوعاً, بإختصار ...... ابدعت يا رؤى حد إذهالي
تامر شاهين -
منذ يومهذا الابحار الحذر في الذاكرة عميق وأكثر من نستالجيا خفيفة؟
هذه المشاهد غزيرة لكن لا تروي ولا تغلق الباب . ممتع وممتنع هذا النص لكن احتاج كقارئ ان اعرف من أنت واين أنت وهل هذه المشاهد مجاز فعلا؟ ام حصلت؟ او مختلطة؟
مستخدم مجهول -
منذ يوممن المعيب نشر هذه الماده التي استطاعت فيها زيزي تزوير عدد كبير من اقتباسات الكتاب والسخرية من الشرف ،
كان عيسى يذهب إلى أي عمل "شريف"،
"أن عيسى الذي حصل على ليسانس الحقوق بمساعدة أخيه"
وبذلك قلبت معلومات وردت واضحة بالكتاب ان الشقيق الاصغر هو الذي تكفل بمساعدة اهله ومساعدة اخيه الذي اسكنه معه في غرفه مستأجره في دمشق وتكفل بمساعد ته .
.يدل ذلك ان زيزي لم تقرأ الكتاب وجاءتها المقاله جاهزه لترسلها لكم
غباءا منها أو جهات دفعتها لذلك
واذا افترضنا انها قرأت الكتاب فعدم فهمها ال لا محدود جعلها تنساق وراء تأويلات اغرقتها في مستنقع الثقافة التي تربت عليها ثقافة التهم والتوقيع على الاعترافات المنزوعه بالقوة والتعذيب
وهذه بالتأكيد مسؤولية الناشر موقع (رصيف 22) الذي عودنا على مهنية مشهودة
Kinan Ali -
منذ يومجميل جدا... كمية التفاصيل مرعبة...
Mazen Marraj -
منذ يومينإبدااااع?شرح دقيق وحلول لكل المشاكل الزوجية?ياريت لو الكل يفكر بنفس الطريقة..
بالتوفيق ان شاء الله في حياتكما الزوجية ?
Nawar Almaghout -
منذ يومينرداً على ما ورد من الصحفية زيزي شوشة في موقعكم
الذي أوقع محمد الماغوط وشقيقه عيسى بين براثن الآنسة زيزي وأشباهها
يبدو أن الصحفية ثقافتها لم تسمح لها بالغوص أعمق، و يدل عن بعدها كل البعد عن فهم ما يجري. وهي بسلوكها هذا، على أقل تقدير، تمثل المستنقع الفكري الضحل الذي تعيش فيه
رابط ردي في موقع العربي القديم
https://alarabialqadeem.com/mohmaghbor