بعد 25 عامًا من التغطية الإعلاميّة، اغتالت قوات الاحتلال الإسرائيليّ مراسلة قناة الجزيرة في فلسطين شيرين أبو عاقلة، صباح الأربعاء، خلال تغطيتها اقتحام مخيم جنين، رغم ارتدائها السترة الواقية التي تظهر عليها بوضوح كلمة "صحافة".
سؤال الديانة
رغم ما قدّمته أبو عاقلة من تغطياتٍ صحافيّة فإنَّ محرك البحث "غوغل" ومواقع التواصل الاجتماعيّ ضجَّت بالسؤال عن ديانتها بعد استشهادها، وتناقل معلومة ولادتها في مدينة القدس لعائلةٍ مسيحيّةٍ تعودُ أصولها إلى مدينة بيت لحم، وتخرّجها من مدرسة راهبات الورديّة.
انتشار هذه المعلومة أدى إلى انقساماتٍ على مواقع التواصل الاجتماعيّ، بين مؤيدين ومعارضين للترحم عليها إذ استند البعض لأحكام الدين الإسلاميّ وتعريف الشهادة في الدين، بينما رأى البعض الآخر أنها قضيّةٌ إنسانيةٌ يميل الناس للتعاطف معها وذكرها بالرحمة لما قدمته طوال تلك السنوات، ورآى آخرون أنَّ فتح المجال لهذا النوع من النقاشات يحيد عن القضية الرئيسيّة وهي اغتيال الاحتلال للأبرياء.
يميل البعض إلى الدفاع عن أنَّ فلسطين قضيةٌ دينيةٌ مبنيَّةٌ على الصراع بين المسلمين واليهود، وهي الرواية التي لطالما سعت إسرائيل إلى ترويجها باعتبار أنَّ اليهود أقليَّةٌ دينيةٌ محاصرة، لذا فإنَّ من واجبها الدفاع عن نفسها
بين الترحّم ورفضه
ظلَّ السؤال عن ديانة شيرين الأبرز عند مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعيّ في العالم العربيّ، إذ أشعل الناس حربًا إلكترونيةً تتحدث عن هذا الأمر، وزعم البعض أنها النقطة الرئيسيّة خلال هذا الحدث، فمهما كان الذي قدمته الصحافيّة، تظل الديانة هي الأهم، خاصةً مع ربط مصطلح "الشهادة" بالمسلمين.
تقول فيروز:
#الشهيدة_شرين_ابو_عاقلة
— فيروز ?? (@Fairoz_q8) May 11, 2022
طالما مو مسلمه ما يطلق عليها شهيده
الشهاده للمسلمين ومش كل المسلمين ينالونها والله اعلم
لان لها شروط شرعيه
لذلك الاستخفاف بعقولنا وتوزيع صكوك الشهاده من بنو ليبرال والعلمانيين امر غير مقبول ابداً وامر ما يصدقه الا جاهل
ويرى آخرون أنَّ كون أبو عاقلة مسيحيةً هو مدعاةٌ لاحترامها بشكلٍ أكبر، خاصةً أنها نقلت أحداثًا وقضايا إسلاميّة. ويعلّق وائل أبو عمر:
لما عرفت انها مسيحية احترمتها أكثر
— وائل أبو عمر ?? غزة (@WaelAboOmer) May 11, 2022
وبكيتها أكثر وأكثر
فقد قضت حياتها دفاعا عن أمة مسلمة
بل وختمت حياتها وهي تنقل للعالم صمود أبناء جنين المسلمين
لقد تجاوزت بروعة إنسانيتها كل حدود المعتقد وفوارق المذهب
ووقفت على خط الجبهة لأجل فلسطينكم#شيرين_ابو_عاقلة pic.twitter.com/p2ne2OXmLH
ولا يتوانى البعض عن وصفها بـ"المشركة المسيحيّة"، إذ كتب عبد الله الشهري:
#شيرين_ابو_عاقلة شهيده اش شهيدة وهي مسيحية اش التلوث العقلي هذا لا والسذج الي الله يرحمها الله يرحمها يدعون لمشركه مسيحية??♂️??♂️ https://t.co/giovFFX37b
— عبدالله الشهري (@abdulh_alkinani) May 11, 2022
في حين يعتبر معلقون أن خوض هذا النوع من النقاشات ما هو سوى جرٌّ إلى نقاشات سطحية، ومنهم محمد الرفاعي الذي قال:
وفي عز الحزن يخرج عليك من يعتقد انه ظل عيون الله في الأرض ليترك كل شيء و يقول ناهقا: #شيرين_ابو_عاقلة مسيحية ولا يجوز الترحم عليها.
— ?? محمد الرفاعي ?? (@Mohaalrefae1) May 11, 2022
هذه السطحية في النظر للامور سبب من أسباب تخلف هذه الامة.
ويقارن ابن الحمد بين استشهاد أبو عاقلة وبين أحداثٍ أُخرى معترضًا على التغطية التي تقدمها قناة الجزيرة:
عند #شيرين_ابو_عاقلة شهيده مع انها مسيحيه!!
— ابن الحَمَد ???? (@abn__alhamed) May 11, 2022
وجنود مصر المسلمين اللي قتلو على يد الإرهابيين الدواعش تكتب لهم الخنزيره (مقتل) !!
قناة مايطهرها نهر دجله والفرات? pic.twitter.com/KNcv9vniyB
ومن جهة أُخرى يعتقد فريق من المتابعين أنَّ كون المرء فلسطينيًّا يكفي لجعله يُقتل. يقول الطيب العوفي:
لم أكن أعلم أن الفقيدة شيرين أبو عاقلة من ديانة مسيحية إذ أن الأصل في الفقه الاسلامي معروف لدى المسلمين ، أما في تفكير اليهـود لا تهم ديانتك ولا عرقك يكفي أن تكون فلسطينيا متشبثا بأرضه ومقدساته لتأتيك رصاصة غادرة من خلف جمجمتك وذنبك الوحيد أنك فلسطيني ..
— الطيب العوفي??✌️?? (@Tayeblaouf) May 11, 2022
ترحّم المسلم على غير pic.twitter.com/v4kP59XV9d
وانبرى آخرون لشرح معنى الشهادة في الإسلام واعتبار أبو عاقلة لا تندرج تحت هذا الشرح، مثل أحمد العنزي الذي علّق:
يا اخوان اقصد العرب المسلمين شيرين ابو عاقله ليست مسلمه ولهذا لايجوز الترحم عليها وليست شهيده الدعاء بالرحمه لمن مات على الاسلام ، والشهاده لمن لقي ربه مدافعاً عن الاسلام واعلاء كلمة الله.ولا يقال هذا أو ذاك شهيد لانه لا يعلم ذلك إلا الله وحده فمن كان مسلما نرجوا الله له الشهاده pic.twitter.com/2NoDPPrEM3
— أحمد صعفق الخمعلي العنزي (@OWQNGylm51pJenY) May 11, 2022
ولفت مغردون إلى ضرورة التفكير حين معرفة الأحكام الإسلامية والتفكّر بها مع أهميّة فهمها. كتب فادي السباعي:
ربي منحني العقل لأميز بين الحق والياطل.. وعليه كل حديث منقول كمستند ديني وفقهي عن صاحبي او إمام على مدى ١٤ قرناً من الزمن يتعارض مع الفطرة البشرية بالمحبة والتسامح والمساواة بين البشر هو حديث كاذب وملفق كائنا من كان الناقل.. #شيرين_ابو_عاقلة مسيحية شهيدة قُتِلت ظلماً وعدواناً..
— ???? ????? ?? (@Fadi_Sebai) May 11, 2022
ولا يخلو الجدال من أشخاصٍ يحاولون تحديد مَن يؤذَن له بدخول الجنة من عدمه ويتمسكون باعتقادهم هذا، مثل ما جاء في تغريدة عبدالله الأحوازي:
#شيرين_ابو_عاقلة صحفية وليست صحابيّة..!
— عبدالله الأحوازي (@alahwaz_voice) May 11, 2022
بغض النظر عن عملها الصحفي وانتمائها لمؤسستها الإعلامية ومن يمولها ويوجهها!
لكنها ليست مسلمة، والجنة لايدخلها إلا من اتبع النبيﷺ
ولا يجوز طلب الرحمة لغير المسلم، فكيف بالحكم له بالشهادة والجنة!
فيما غرّد البعض حول محاولات تمييع القضية الفلسطينيّة وتجاهل اغتيال الصحافية بالبحث عن ديانتها. يوضح علاء الغزير:
شيرين مسيحيه!
— علاء الغزير Alaa_alghazeer ?? (@Alaa_al_ghazeer) May 12, 2022
هذا الحديث لا يأتي بعفويه او بالصدفه، وانما لتمييع القضية وتخفيف التوجه العالمي نحو الكيان الصهيوني،
سواء كانت مسيحيه او مسلمة نسأل الله ان يتقبلها مع الشهداء الأطهار وان يشفي الجرحى بحرمة الفاتحة والإخلاص. #الشهيدة_شيرين_أبو_عاقلة #شيرين_ابو_عاقلة ?? pic.twitter.com/k4Y7WU2wk3
وتساءل محمود الطويل:
من وقتيش احنا بنسأل
— محمود الطويل ??Ⓜ️?? (@MahmoudNTweel) May 11, 2022
إن كان #الفلسطيني مسلم أو مسيحي
طول عمرنا أخوة وبناكل من نفس الصحن وبنصاحبهم وبصاحبونا
في العدوان بنعيش الرعب مع بعض وبيتم استهدافنا لأنو احنا الهدف وبنستشهد سوا
طول عمرنا بنسمع الخبر اليقين من شيرين وما عمرنا عرفنا ان كانت مسلمة او مسيحية.#شيرين_ابو_عاقلة pic.twitter.com/bqDGPknKir
وكتب أحمد العمر أنَّ:
شيرين أبو عاقلة صحفية ومراسلة حرة.. نعم لكنها ليست مسلمة
— أحمد العمر?? (@swo_Ahmed) May 12, 2022
ضحية ومظلومة.. نعم ولكنها ليست شهيدة
نحزن لفقدها ونتأثر لاغتيالها على أيدي أرذل البشر.. نعم لكننا لا ندعوا لها ولا نترحم عليها لأنها نصرانية
هذه حقيقة ولن نجامل على حساب ديننا
في حين اعتبر ضياء الدين أن:
مسلمة ولا مسيحية مش ده المهم يا بهايم! المهم أن الرصاصة الي قتلتها إسرا*ئيلية صهيو*نية يا شوية أوباش!!!
— ضياء الدين (@Diaa_Soliman) May 11, 2022
الله يرحمك يا #شيرين_ابو_عاقلة ويسكنك فسيح جناته ويكتبك من الشهداء بالعند في كل حقير فاكر نفسه واخد صك الألوهية من ربنا وشايف ان الرحمة لا تجوز عليكي!
ويطرح السؤال نفسه مرةً أُخرى:
هي الناس دي كلها عرفت منين إن شيرين أبو عاقله كانت مسيحيه...
— ندىٰ ?? (@ndwagdii) May 12, 2022
قضيّة سياسية أم دينيّة؟
يميل البعض إلى الدفاع عن أنَّ فلسطين قضيةٌ دينيةٌ مبنيَّةٌ على الصراع بين المسلمين واليهود، وهو نفس المنطق الذي سعت إسرائيل إلى ترويجه باعتبار أنَّ اليهود أقليَّةٌ دينيةٌ محاطةٌ بالكثير من المسلمين الذين يريدون التخلّص منهم ويمنعونهم عن أداء شعائِرهم. لذا فإنَّ من واجبها الدفاع عن نفسها.
وهذا المنطق يتجاهل من جهة كثيرين من اليهود المقيمين خارج فلسطين والذين يناهضون الصهيونيّة وقيام دولةٍ إسرائيلية في فلسطين المحتلة، كما يتجاهل نضالات المسيحيين الفلسطينيين المستمر، وهم يطالبون بحقوقهم الوطنية كفلسطينيين مثلهم مثل باقي فئات الشعب الفلسطيني، ويعانون من التضييق عليهم يومياً تمامًا كما يحصل مع المسلمين.
رغم ما قدّمته أبو عاقلة من تغطياتٍ صحافيّة فإنَّ محرك البحث "غوغل" ومواقع التواصل الاجتماعيّ ضجَّت بالسؤال عن ديانتها بعد استشهادها
وقبل اغتيال أبو عاقلة، شهدت القدس تشددًا أمنيًا تمثّل في وضع العديد من الحواجز في نيسان/ أبريل الماضي خلال موسم الحجّ المسيحيّ. كما شهدت اعتداء على أحد الكهنة أثناء توجهه إلى كنيسة القيامة في سبت النور.
متى أصبحت القضية دينيّة؟
انبثق في فلسطين تياران للمقاومة، الأول قوميّ عربيّ ينظر إلى القضيّة بصفتها تعني كل العرب، والآخر دينيّ ينظر إليها على أنها للمسلمين كافة.
وحظيَّ التيار الأول بالدعم والتأييد منذ عام 1948، وسعى إلى ترسيخ مفهوم الفدائيّ والنضال من أجل الأرض التي سُلبت من أهلها، وحق عودة اللاجئين للديار، إلا أنَّ بنية هذا التيار، كما تقول هلغى باومغرتن في كتاب "من التحرير إلى الدولة: تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية 1948 - 1988"، "تكّونت من مجموعة من أنظمة مختلفة ومستقلة كليًّا بعضها عن بعض، تعمل في الغالب على أساس مبادئ يطبعها التناقض بشكلٍ جزئي".
هذا، بالإضافة إلى ظروف أخرى إقليمية وداخلية، ساعد على نشوء التيار الإسلاميّ الذي مثلته حركتا حماس والجهاد الإسلاميّ بشكل أساسي، ولعل انبثاق الأولى عن جماعة الإخوان المُسلمين قد أعطاها الشعبية الكبيرة، إذ جاءت بعد الانتفاضة الفلسطينيّة الأولى في ثمانينيات القرن الماضي، وعرفّت الصراع بمفاهيمه الدينيّة وانعكس ذَلك في خطبها في المساجد والمدارس والجامعات، عبر ربط المقاومة بأبعاد دينية والتذكير أحياناً بالغزو الأجنبيّ المتكرر لفلسطين منذ الحملات الصليبيّة.
الهتافات بين القوميّة والدينيّة
يجسد الهتاف الفكرة والمبدأ عند الشعب الفلسطينيّ، فمن خلاله تتوضح لنا الأيديولوجيّة التي يتبناها الناس. يصنَّف عبد اللطيف البرغوثي، في كتابه "الأدب الشعبي في ظل الانتفاضة"، الهتاف كواحدٍ من الأشكال الإعلامية الأكثر مباشرة، والأوسع مشاركة، والأصرح تعبيرًا عن مطالب الشعب الفلسطينيّ، ويشير إلى الأفكار التي تنتمي إليها أُطُر العمل الوطني الفلسطيني التي تتشكل الانتفاضة منها.
ويمكن ملاحظة كيفية انتقال الهتافات من الطابع العربيّ إلى الطابع الدينيّ، إذ تحوّلت "الله، فلسطين، القدس عربيّة" إلى "خيبر خيبر يا يهود، جيش محمد بدأ يعود" في إشارةٍ واضحةٍ إلى وجود صراع دينيّ ممتد بين المسلمين واليهود. وباتت "أعلّناها سويّة، غزة وضفة غربية، انتفاضة شعبية، بدها دولة وهويّة" و"بناضل حتى التحرير وحتى تقرير المصير"، و"يا شهيد ارتاح ارتاح وإحنا نواصل الكفاح" إلى "لا شرقية ولا غربية، ولا قومية عربية، فلسطين إسلامية"، و"لا إله إلا الله، والصهيوني عدو الله"، و"ويا للعار يا للعار اليهود بتطلق النار".
القضيّة الدينيّة وشيرين
على ما يبدو، فإن فكرة أنَّ فلسطين من حق المسلمين، وبناء القضية الفلسطينية على أسس دينية إسلامية، ساهما في تجاهل الوجود المسيحيّ أرض فلسطين، مع أن النضال والمقاومة هما ضد عدوٍ واحد سَلَب أرضًا واحدة، لشعبٍ واحد.
لا ينكر أحد أهميّة الرمزية الدينيّة التي يضفيها المسجد الأقصى على القضية الفلسطينية، ولكن لا يجب نسيان الرمزية الدينيّة لكنسية القيامة، تحت الوجود العربيّ الذي يحارب عدوًا سُلبَ أرضه. والفكرة التي زُرعت في أذهاننا حول دينيّة القضيّة جعلت من السهل على الكثيرين تغيير مسير الأحداث من اغتيال صحافيةٍ تنقل الحقيقة إلى السؤال حول أحقيّة الترحم عليها وتوزيع صكوك الغفران والجنة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 9 ساعاتالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت