شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
صكوك الغفران واغتيال

صكوك الغفران واغتيال "أبو عاقلة"… فلسطين قضيّة دينيّة أم سياسيّة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 12 مايو 202204:20 م

بعد 25 عامًا من التغطية الإعلاميّة، اغتالت قوات الاحتلال الإسرائيليّ مراسلة قناة الجزيرة في فلسطين شيرين أبو عاقلة، صباح الأربعاء، خلال تغطيتها اقتحام مخيم جنين، رغم ارتدائها السترة الواقية التي تظهر عليها بوضوح كلمة "صحافة".

سؤال الديانة

رغم ما قدّمته أبو عاقلة من تغطياتٍ صحافيّة فإنَّ محرك البحث "غوغل" ومواقع التواصل الاجتماعيّ ضجَّت بالسؤال عن ديانتها بعد استشهادها، وتناقل معلومة ولادتها في مدينة القدس لعائلةٍ مسيحيّةٍ تعودُ أصولها إلى مدينة بيت لحم، وتخرّجها من مدرسة راهبات الورديّة.

انتشار هذه المعلومة أدى إلى انقساماتٍ على مواقع التواصل الاجتماعيّ، بين مؤيدين ومعارضين للترحم عليها إذ استند البعض لأحكام الدين الإسلاميّ وتعريف الشهادة في الدين، بينما رأى البعض الآخر أنها قضيّةٌ إنسانيةٌ يميل الناس للتعاطف معها وذكرها بالرحمة لما قدمته طوال تلك السنوات، ورآى آخرون أنَّ فتح المجال لهذا النوع من النقاشات يحيد عن القضية الرئيسيّة وهي اغتيال الاحتلال للأبرياء. 

يميل البعض إلى الدفاع عن أنَّ فلسطين قضيةٌ دينيةٌ مبنيَّةٌ على الصراع بين المسلمين واليهود، وهي الرواية التي لطالما سعت إسرائيل إلى ترويجها باعتبار أنَّ اليهود أقليَّةٌ دينيةٌ محاصرة، لذا فإنَّ من واجبها الدفاع عن نفسها

بين الترحّم ورفضه

 ظلَّ السؤال عن ديانة شيرين الأبرز عند مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعيّ في العالم العربيّ، إذ أشعل الناس حربًا إلكترونيةً تتحدث عن هذا الأمر، وزعم البعض أنها النقطة الرئيسيّة خلال هذا الحدث، فمهما كان الذي قدمته الصحافيّة، تظل الديانة هي الأهم، خاصةً مع ربط مصطلح "الشهادة" بالمسلمين.

 تقول فيروز:

 

ويرى آخرون أنَّ كون أبو عاقلة مسيحيةً هو مدعاةٌ لاحترامها بشكلٍ أكبر، خاصةً أنها نقلت أحداثًا وقضايا إسلاميّة. ويعلّق وائل أبو عمر:

 

 

ولا يتوانى البعض عن وصفها بـ"المشركة المسيحيّة"، إذ كتب عبد الله الشهري:

 

 

في حين يعتبر معلقون  أن خوض هذا النوع من النقاشات ما هو سوى جرٌّ إلى نقاشات سطحية، ومنهم محمد الرفاعي الذي قال:

 

 

ويقارن ابن الحمد بين استشهاد أبو عاقلة وبين أحداثٍ أُخرى معترضًا على التغطية التي تقدمها قناة الجزيرة:

 

 

ومن جهة أُخرى يعتقد فريق من المتابعين أنَّ كون المرء فلسطينيًّا يكفي لجعله يُقتل. يقول الطيب العوفي:

 

 

وانبرى آخرون لشرح معنى الشهادة في الإسلام واعتبار أبو عاقلة لا تندرج تحت هذا الشرح، مثل أحمد العنزي الذي علّق:

 

 

ولفت مغردون إلى ضرورة التفكير حين معرفة الأحكام الإسلامية والتفكّر بها مع أهميّة فهمها. كتب فادي السباعي:

 

 

ولا يخلو الجدال من أشخاصٍ يحاولون تحديد مَن يؤذَن له بدخول الجنة من عدمه ويتمسكون باعتقادهم هذا، مثل ما جاء في تغريدة عبدالله الأحوازي:

 

 

فيما غرّد البعض حول محاولات تمييع القضية الفلسطينيّة وتجاهل اغتيال الصحافية بالبحث عن ديانتها. يوضح علاء الغزير:

 

 

وتساءل محمود الطويل:

 

 

وكتب أحمد العمر أنَّ:

 

في حين اعتبر ضياء الدين أن:


 ويطرح السؤال نفسه مرةً أُخرى:

 

 

قضيّة سياسية أم دينيّة؟

 يميل البعض إلى الدفاع عن أنَّ فلسطين قضيةٌ دينيةٌ مبنيَّةٌ على الصراع بين المسلمين واليهود، وهو نفس المنطق الذي سعت إسرائيل إلى ترويجه باعتبار أنَّ اليهود أقليَّةٌ دينيةٌ محاطةٌ بالكثير من المسلمين الذين يريدون التخلّص منهم ويمنعونهم عن أداء شعائِرهم. لذا فإنَّ من واجبها الدفاع عن نفسها. 

وهذا المنطق يتجاهل من جهة كثيرين من اليهود المقيمين خارج فلسطين والذين يناهضون الصهيونيّة وقيام دولةٍ إسرائيلية في فلسطين المحتلة، كما يتجاهل نضالات المسيحيين الفلسطينيين المستمر، وهم يطالبون بحقوقهم الوطنية كفلسطينيين مثلهم مثل باقي فئات الشعب الفلسطيني، ويعانون من التضييق عليهم يومياً تمامًا كما يحصل مع المسلمين.

رغم ما قدّمته أبو عاقلة من تغطياتٍ صحافيّة فإنَّ محرك البحث "غوغل" ومواقع التواصل الاجتماعيّ ضجَّت بالسؤال عن ديانتها بعد استشهادها

وقبل اغتيال أبو عاقلة، شهدت القدس تشددًا أمنيًا تمثّل في وضع العديد من الحواجز في نيسان/ أبريل الماضي خلال موسم الحجّ المسيحيّ. كما شهدت اعتداء على أحد الكهنة أثناء توجهه إلى كنيسة القيامة في سبت النور.

متى أصبحت القضية دينيّة؟

انبثق في فلسطين تياران للمقاومة، الأول قوميّ عربيّ ينظر إلى القضيّة بصفتها تعني كل العرب، والآخر دينيّ ينظر إليها على أنها للمسلمين كافة.

وحظيَّ التيار الأول بالدعم والتأييد منذ عام 1948، وسعى إلى ترسيخ مفهوم الفدائيّ والنضال من أجل الأرض التي سُلبت من أهلها، وحق عودة اللاجئين للديار، إلا أنَّ بنية هذا التيار، كما تقول هلغى باومغرتن في كتاب "من التحرير إلى الدولة: تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية 1948 - 1988"، "تكّونت من مجموعة من أنظمة مختلفة ومستقلة كليًّا بعضها عن بعض، تعمل في الغالب على أساس مبادئ يطبعها التناقض بشكلٍ جزئي".

هذا، بالإضافة إلى ظروف أخرى إقليمية وداخلية، ساعد على نشوء التيار الإسلاميّ الذي مثلته حركتا حماس والجهاد الإسلاميّ بشكل أساسي، ولعل انبثاق الأولى عن جماعة الإخوان المُسلمين قد أعطاها الشعبية الكبيرة، إذ جاءت بعد الانتفاضة الفلسطينيّة الأولى في ثمانينيات القرن الماضي، وعرفّت الصراع بمفاهيمه الدينيّة وانعكس ذَلك في خطبها في المساجد والمدارس والجامعات، عبر ربط المقاومة بأبعاد دينية والتذكير أحياناً بالغزو الأجنبيّ المتكرر لفلسطين منذ الحملات الصليبيّة.

الهتافات بين القوميّة والدينيّة

يجسد الهتاف الفكرة والمبدأ عند الشعب الفلسطينيّ، فمن خلاله تتوضح لنا الأيديولوجيّة التي يتبناها الناس. يصنَّف عبد اللطيف البرغوثي، في كتابه "الأدب الشعبي في ظل الانتفاضة"، الهتاف كواحدٍ من الأشكال الإعلامية الأكثر مباشرة، والأوسع مشاركة، والأصرح تعبيرًا عن مطالب الشعب الفلسطينيّ، ويشير إلى الأفكار التي تنتمي إليها أُطُر العمل الوطني الفلسطيني التي تتشكل الانتفاضة منها.

ويمكن ملاحظة كيفية انتقال الهتافات من الطابع العربيّ إلى الطابع الدينيّ، إذ تحوّلت "الله، فلسطين، القدس عربيّة" إلى "خيبر خيبر يا يهود، جيش محمد بدأ يعود" في إشارةٍ واضحةٍ إلى وجود صراع دينيّ ممتد بين المسلمين واليهود. وباتت "أعلّناها سويّة، غزة وضفة غربية، انتفاضة شعبية، بدها دولة وهويّة" و"بناضل حتى التحرير وحتى تقرير المصير"، و"يا شهيد ارتاح ارتاح وإحنا نواصل الكفاح" إلى "لا شرقية ولا غربية، ولا قومية عربية، فلسطين إسلامية"، و"لا إله إلا الله، والصهيوني عدو الله"، و"ويا للعار يا للعار اليهود بتطلق النار".

القضيّة الدينيّة وشيرين

على ما يبدو، فإن فكرة أنَّ فلسطين من حق المسلمين، وبناء القضية الفلسطينية على أسس دينية إسلامية، ساهما في تجاهل الوجود المسيحيّ أرض فلسطين، مع أن النضال والمقاومة هما ضد عدوٍ واحد سَلَب أرضًا واحدة، لشعبٍ واحد.

لا ينكر أحد أهميّة الرمزية الدينيّة التي يضفيها المسجد الأقصى على القضية الفلسطينية، ولكن لا يجب نسيان الرمزية الدينيّة لكنسية القيامة، تحت الوجود العربيّ الذي يحارب عدوًا سُلبَ أرضه. والفكرة التي زُرعت في أذهاننا حول دينيّة القضيّة جعلت من السهل على الكثيرين تغيير مسير الأحداث من اغتيال صحافيةٍ تنقل الحقيقة إلى السؤال حول أحقيّة الترحم عليها وتوزيع صكوك الغفران والجنة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image